أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع المفكّر 8 - العدالة الاجتماعية















المزيد.....


يسوع المفكّر 8 - العدالة الاجتماعية


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4854 - 2015 / 7 / 2 - 21:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"صاحب الفخامة، جلالة الملك، دولة رئيس الوزراء، معالي الوزير، سيادة الرئيس، قداسة الحبر الاعظم، مولانا الشيخ"، كلها ألقاب اصطنعناها لنقولب الناس حسب المربع الذي ينتمون اليه في الهرم الاجتماعي السائد. ففي لبنان، عنصر الجيش يطلق لقب "سيّدنا" على الضابط الاعلى منه رتبة، ورجل الشارع يطلق اللقب ذاته على رجل الدين، وأخيرا المواطن العادي يطلق اللقب ذاته على كل موظف يرجو منه تتميم معاملاته القانونية. ويبقى للأسف الشديد أن هذا المواطن العادي لا يحصل بالمقابل من أولئك الذين يطلق عليهم لقب "سيدنا" سوى كلمة "ولا" بأحسن الحالات. فالإنسان في لبنان، وأظن في الشرق ايضا، تُحددُ مكانتُه الاجتماعية درجةَ انتمائه الى النادي الانساني.

ذات يوم، تقدم بعض الفريسيين من يسوع وقالوا له "أخرج واذهب من ههنا لأن هيرودوس يريد أن يقتلك." فقال لهم "امضوا وقولوا لهذا الثعلب، ها أنا أخرج شياطين، وأشفي اليوم وغدا، وفي اليوم الثالث أكمل (أصلب)."

خلف هيرودوس أنتباس أباه هيرودوس الكبير على عرش الجليل. ذات يوم، وفي زيارة له لأخية هيرودوس فيليبس، وقع في غرام هيروديا زوجة هذا الاخير. ويبدو أن هيروديا استجابت لرغبات شقيق زوجها إذ قامت بتطليق فيليبس لتتزوج من أنتباس. كذلك أيضا، قام انتباس بتطليق زوجته فاسيلاس بنت الملك أريتاس كيما يتزوج من زوجة شقيقه. أثار هذا الزواج حفيظة يوحنا المعمدان (المعروف أيضا بالنبي يحيى) مما دفعه لتأنيب الملك على زواج يخالف قواعد الشريعة اليهودية. أراد الملك إسكات يوحنا، فقام بسجنه لكنه تجنب قتله خوفا من اليهود الذين كانوا يعتبرون يوحنا نبيا. لكن الامر لم يرق لهيروديا التي ارادت إسكات يوحنا مهما كلف الامر.

أقام الملك ذات يوما حفلا بمناسبة عيد ميلاده دعا اليه أعيان المملكة. عندما عملت الخمرة عملها في الرؤوس وبعد أن انتشى الملك، أرسلت هيروديا ابنتها سالومي لترقص أمام أنتباس الذي فتن بها وسُرّ ووعد بقسم أنه مهما طلبت يعطيها. لكن الفتاة، والتي كانت أمها قد لقنتها، لم تكن لترضى بأقل من رأس يوحنا المعمدان على طبق. اغتم الملك، لكن ولأجل القسم والمدعوين، أمر أن يعطى. فأرسل وقطع رأس يوحنا المعمدان في السجن. فأُحضر رأسه على طبق، ودُفع به الى الصبية، فجاءت به الى أمها وظن الجميع ان الامر انتهى هنا. عندما انتشر خبر يسوع وسمعبه هيرودس، ثار عليه ضميره، فقال لغلمانه "هذا هو يوحنا المعمدان قد قام من الاموات! ولذلك تعمل به هذه القوات." لذلك كان هيرودس يريد التخلص من يسوع.

في ظاهرة لافتة، عندما نصح الفريسييون يسوع بالمضي بعيدا لإن هيرودس يريد قتله، أجاب "إذهبوا قولوا لهذا الثعلب..." فالملك، وعلى الرغم من منصبه وغناه وقوته العسكرية وبطشه يقبع في أعلى الهرم اجمتاعيا وسياسيا وعسكريا ويحظى من الناس بالاحترام والتبجيل ويليق به لقب جلالة الملك، لكنه وفي نظر المسيح يقبع في أسفل الهرم انسانيا ولا ينطبق عليه سوى مسمى الثعلب نظرا لاحتياله وشره وفساده.

من ناحية أخرى، سدد يسوع ضربة موجعة للأنظمة الهرمية الاجتماعية التي تصنف الناس بناء على مناصبهم ونادى بأفقية اجتماعية يتساوى فيها الجميع، وتكون الاولية فيها للخادم وليس للمخدوم. ذات يوم، تقدم منه اثنان من تلاميذه المقربين وهما يوحنا وأخوه يعقوب (ويظن البعض انهما كانا قريبيه أيضا). طلبا منه الجلوس واحدا عن يمينه والآخر عن يساره في ملكه. ولما سمع العشرة الآخرون ابتدأوا يغتاظون. فالطبيعة الانسانية تطلب المكان الاول لذاتها ولا ترضاه لغيرها. فدعاهم يسوع وقال لهم "أنتم تعلمون أن الذين يُحسبون رؤساء الامم يسودونهم، وأن عظماءهم يتسلطون عليهم. فلا يكون هذا فيكم. بل من اراد ان يصير فيكم عظيما، يكون لكم خادما. ومن أراد أن يصير فيكم أولا يكون عبدا للجميع. لأن ابن الانسان (يسوع) لم يأت أيضا ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين."

من غرائب الامور ان المجتمعات البشرية، حتى المسيحية منها، بقيت تعمل بحسب مبادئ الهرمية الاجتماعية، بدأ بالملك في الاعلى وصولا الى العبد او الخادم في الاسفل، حتى ان الملك الفرنسي لويس الرابع عشر الذي عاش في القرن السابع عشر ميلادي أطلق على نفسه لقب "الملك الشمس" وكان يردد عنه قوله "أنا الدولة والدولة أنا". كان على البشرية ان تنتظر الثورة الفرنسية كيما تسمع للمرة الاولى عبارة "حرية، أخوة، مساواة". ولقد تطور مفهوم الرئيس الخادم للشعب فيما بعد في الغرب، حيث الرئيس يصل لسدة الرئاسة بناء على إرادة الشعب ويخضع للمساءلة القضائية والقانونية ويعمل لكي يتمم مصالح الناس قبل النظر في مصالحه الخاصة. ومن طرائف الامور ان الرئيس اوباما دخل مطعما السنة الماضية كيما يشتري وجبة، فتجاوز الناس الذين ينتظرون في الصف واعتذر من الزبون الاول في المقدمة، وتعويضا لوقته الضائع وعده بدفع فاتورة وجبته. فما كان من الرجل الذكي الا ان طلب وجبة تعادل المائتي دولارا، فدفع الرئيس وذهب الرجل مسرورا. وقد انشغلت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي آنذاك سائلة "هل يحق للرئيس تجاوز الصف أم عليه ان يقف شأنه شأن المواطن العادي منتظرا دوره؟" في المقابل، نرى في الكثير من بلدان العالم، ما زال الرئيس او الملك إلها أو نصف إله يمتلك موارد الدولة ويتصرف بسلطان مطلق، يرفع من يشاء ويسقط من يشاء. الرئيس في هذه البلدان يتصرف بمبدا "أنا الدولة والدولة انا". فهو يمتلك التلفزيون والجرائد والمؤسسات. نشرات الاخبار مخصصة له. تماثيله تغطي الشوارع. صوره تملأ الارصفة. إن دخل الحمام تقام له الاحتفلات وان خرج من الحمام يُرفع الشكر لله لخروجه بالسلامة. في بعض الاحيان، تصبح نساء الامة ملكا له، يحصل على من يريد منهن بالترهيب او بالترغيب.

وليس المواطن في الكثير من البلدان بأفضل حال من رؤسائه. فهو لا يرى نفسه سوى تابعا لأولئك العظماء. كلما اقترب منهم كلما ازدادت قيمته وكلما لم يحالفه الحظ بالاقتراب منهم كلما قبع في زنزانته الاجتماعية يصلي كيما يدرأ الله عنه شرهم. هذا المواطن يرى في مسؤوليه بعض الالوهة ولا يرى في ذاته سوى عبدا فقيرا. في الكثير من الاحيان، لا يستطيع هذا المواطن التعيس ان يفهم كيف لمن مثله أن يسائل من هم أعظم منه منصبا. حتى أن هناك مثلا قديما في لبنان، يعود الى ما أظن الى زمن الاقطاعية، يقول "كلب المير مير" أي كلب الامير أمير.

عندما علّم يسوع تلامذته، أخرجهم من دائرة التراتبية الاجتماعية ليشدد على مبدأ الاخوة والمساواة كما ورد في ما بعد على لسان بولس الرسول "لأنكم جميعا أبناء الله بالايمان بالمسيح يسوع...ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر ولا أنثى. لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع." أي ليس في دائرة المسيحية فرق عنصري أو إثني (يهودي ويوناني)، ليس فرق اجتماعي (عبد وحر)، وليس فرق جنسي (ذكر وانثى).



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين أبي؟
- دفاعا عن الاسلاميين
- يسوع المفكّر 7- العدالة الاجتماعية
- يسوع المفكّر 6 - حوار فلسفي
- وداعا يا ورد
- يسوع المفكّر 5 - لقاء على حافة البئر
- يسوع المفكّر 4 - الانسان
- حبّة مانغو على رأس الرئيس
- يا أبتاه، أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون
- يسوع المفكّر 3- الانسان
- يسوع المفكّر 2- الكلمة
- يسوع المفكّر 1 مقدمة
- لماذا نحن متخلفون؟
- مات الصنم، يحيا الصنم
- من أحرق سليمان، صباح، وروعة؟
- رسالة موت موقعة بالدم إلى أمّة الصليب
- تأملات في الحرب والسلام
- صخرة الموت هي صخرة الحياة
- هنيئا لكِ يا بيلا (Bella)
- التعزية بالكفار خيانة وليست من الدين


المزيد.....




- السيسي يناقش -خطة غزة- مع رئيس الكونغرس اليهودي وولي عهد الأ ...
- الرئاسة المصرية تكشف تفاصيل لقاء السيسي ورئيس الكونغرس اليهو ...
- السيسي يؤكد لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي على عدم تهجير غزة ...
- السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة- ...
- الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد ...
- تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي ...
- باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
- -أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما ...
- كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
- مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - يسوع المفكّر 8 - العدالة الاجتماعية