|
ابن باجة الفيلسوف المفترى عليه
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 4854 - 2015 / 7 / 2 - 11:31
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الاتهام بالزندقة او الالحاد تهمة رخيصة ، يلصقها بالآخر كل من لا يستطيع الرد على خصمه ، او انه لا يفهم منطقه وفلسفته ، او انه يخالفه بالرأي والمعتقد ، او من باب الحسد ، وغير ذلك . وفيلسوفنا ابن باجة اتهم بالإلحاد ، كما اتهم غيره على مر التاريخ ، حتى اخيرا وضعوا له السم وقتلوه . وابن باجة هو محمد بن يحيى بن باجة ، ، أبو بكر التجيبى الأندلسي السرقسطى ؛ الفيلسوف والشاعر . ويذهب عبد الرحمن بدوي في موسوعته الفلسفية الى ان اسرته كانت تعمل بالصياغة – أي صياغة الجواهر – لأن كلمة باجة تعني : الفضة باللهجة العربية الاندلسية في ذلك العصر ، ويرجح بدوي ان ابن باجة كان قد عمل مدة بهذه المهنة . وقال العماد الأصبهاني في خريدة القصر وجريدة العصر (ج2 ص 283 ): لم يبلغ درجة ابن باجة أحد من أهل عصرنا في الحكمة . ويضيف بقوله وله تصانيف في الرياضيات والمنطق والهندسة فاق فيها المتقدمين . وكان وزير ابن فلويت صاحب المرية ، وهو أحد الأعيان وأركان العلم والبيان ، شديد العناية بعلم الأوائل ، مستول على أهل الأشعار والرسائل ، وكانوا يشبهونه بالمغرب بابن سينا بالمشرق ، كما يقول الحموي في معجم الادباء . وبالإضافة الى براعته في العلوم الحكمية ، فأن ابن اصيبعة يؤكد على ان ابن باجة َكَانَ متميزا فِي الْعَرَبيَّة وَالْأَدب حَافِظًا لِلْقُرْآنِ ؛ ويعد من الأفاضل فِي صناعَة الطِّبّ ، متقنا لصناعة الموسيقى جيد اللّعب بِالْعودِ . وينقل ابن خلكان عن أبي نصر الفتح بن محمد بن عبيد بن خاقان القيسي ، صاحب قلائد العقيان في كتابه ، ونسبه إلى التعطيل ومذهب الحكماء والفلاسفة وانحلال العقيدة ، وقال في حقه في كتابه الذي سماه مطمح الأنفس ما مثاله: نظر في كتاب التعاليم ، وفكر في أجرام الأفلاك وحدود الأقاليم ، ورفض كتاب الله الحكيم ، ونبذه من وراء ظهره ثاني عطفه ، وأراد إبطال ما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، واقتصر على الهيئة ، وأنكر أن يكون لنا إلى الله فيئة ، وحكم للكواكب بالتدبير، واجترم على الله اللطيف الخبير، واجترأ عند سماع النهي والإيعاد ، واستهزأ بقوله تعالى " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " - القصص:85 - فهو يعتقد أن الزمان دور، وأن الإنسان نبات أو نور، حمامة تمامه ، واختطافه قطافه ، قد محي الإيمان من قلبه فما له فيه رسم ، ونسي الرحمن لسانه فما يمر عليه له اسم . وهذا كلام قبيح وغير صحيح بحق هذا الفيلسوف العظيم ، وهو افتراء وحسد ، ومحاولة تشويه سمعته وابتعاد الناس عنه ، لكن انّا له ذلك وقد صار ابن باجة استاذ الفيلسوف المعروف ابن رشد وهو الآخر قدم عطاء ثر في مجال الفلسفة والعلوم الاخرى . وما يؤكد ذلك قولنا انه جاء ذلك من باب الحسد ، قول ابن ابي اصيبعة : وبُلي – أي ابن باجة - بمحن كَثِيرَة وشناعات من الْعَوام وقصدوا هَلَاكه مَرَّات وَسلمهُ الله مِنْهُم . ويرد ابن خلكان على ابن خاقان بقوله : ولقد بالغ ابن خاقان في أمره وجاوز الحد فيما وصفه به من هذه الاعتقادات الفاسدة ، والله أعلم بكنه حاله ، وأورد له مقاطيع من الشعر، فمن ذلك قوله: أسكان نعمان الأراك تيقنوا ... بأنكم في ربع قلبي سكان ودوموا على حفظ الوداد فطالما ... بلينا باقوام إذا استؤمنوا خانوا سلوا الليل عني مذ تناءت دياركم ... هل اكتحلت بالغمض لي فيه أجفان وهل جردت أسياف برق سماؤكم ... فكانت لها إلا جفوني أجفان وسبب هذه الشنيعة من ابن خاقان كما يؤكدها صاحب الخريدة : وَكَانَ أبو الفتح بن خاقان الغرناطي مؤلف كتاب "قلائد العقيان" قَدْ أرسل إِلَيْهِ يطلب شيئاً من شعره ليورده فِي كتابه فغالطه أحنقته عَلَيْهِ فذكره ذكراً قبيحاً فِي كتابه. اذن هذا السبب الحقيقي الوحيد الذي جعل من ابن خاقان ان ينعته بهذا النعت ، وبحسب تعبيرنا اليوم هو من باب التسقيط . وقول ابن ابي اصيبعة : أَنه لم يكن بعد أبي نصر الفارابي مثله فِي الْفُنُون الَّتِي تكلم عَلَيْهَا من تِلْكَ الْعُلُوم . ما يدل على ذكاؤه ، واطلاعه وعلمه ، وخبرته في العديد من الفنون بما فيه الشعر فهو شاعر وله شعر جيد . وكما يقول القفطي فيه ، وهو فِي الآداب فاضل لَمْ يبلغ أحد درجته من أهل عصره فِي مصره . وَيروون إن له تعاليق فِي الهندسة وَعلم الْهَيْئَة تدل على بروعه فِي هَذَا الْفَنّ . وَأما الْعلم الإلهي فَلم يُوجد فِي تعاليقه شَيْء مَخْصُوص بِهِ اختصاصا تَاما إِلَّا نزعات تستقرأ من قَوْله فِي رِسَالَة الْوَدَاع واتصال الْإِنْسَان بِالْعقلِ الفعال وإشارات مبددة فِي أثْنَاء أقاويله لَكِنَّهَا فِي غَايَة الْقُوَّة وَالدّلَالَة على نزوعه فِي ذَلِك الْعلم الشريف الَّذِي هُوَ غَايَة الْعُلُوم ومنتهاها وكل مَا قبله من المعارف فَهُوَ من أَجله وتوطئة لَهُ . ومن شعره قوله كما في رواية ابن خلكان : ضربوا القباب على أقاحة روضة ... خطر النسيم بها ففاح عبيرا وتركت قلبي سار بين حمولهم ... دامي الكلوم يسوق تلك العيرا هلا سألت أسيرهم هل عندهم ... عان يفك ولو سألت غيورا لا والذي جعل الغصون معاطفا ... لهم وصاغ الأقحوان ثغورا ما مر بي ريح الصبا من بعدهم ... إلا شهقت له فعاد سعيرا وينسب له صاحب الخريدة هذه الابيات التي يرثي أبا بكر بن تافلويت المرابط: سلام وإلمام ووسميّ مزنة ... على الجدث النائي الذي لا أزوره أحق أبو بكر تقَضّى فلا يُرى ... ترد جماهير الوفود ستوره لئن أنِست تلك القبور بلحده ... لقد أوحشت أمصاره وقصوره وتوفي ابن باجة في شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة ، مسموما في باذنجان بمدينة فاس ، كما نص ابن حلكان في وفياته .
ومن كتبه بحسب ابن ابي اصيبعة : شرح كتاب السّمع الطبيعي لأرسطوطاليس قَول على بعض كتاب الْآثَار العلوية لأرسطوطاليس قَول على بعض كتاب الْكَوْن وَالْفساد لأرسطوطاليس . قَول على بعض المقالات الْأَخِيرَة من كتاب الْحَيَوَان لأرسطوطاليس . كَلَام على بعض كتاب النَّبَات لأرسطوطاليس . قَول ذكر فِيهِ التشوق الطبيعي وماهيته وابتدأ أَن يُعْطي أَسبَاب الْبُرْهَان وَحَقِيقَته ، رِسَالَة الْوَدَاع ، قَول يَتْلُو رِسَالَة الْوَدَاع ، كتاب اتِّصَال الْعقل بالإنسان ، قَول على الْقُوَّة النزوعية ، فُصُول تَتَضَمَّن القَوْل على اتِّصَال الْعقل بالإنسان ، كتاب تَدْبِير المتوحد ، كتاب النَّفس ، تعاليق على كتاب أبي نصر فِي الصِّنَاعَة الذهنية ، فُصُول قَليلَة فِي السياسة المدنية ، وَكَيْفِيَّة المدن وَحَال المتوحد فِيهَا ، نبذ يسيرَة على الهندسة والهيئة ، رِسَالَة كتب بهَا إِلَى صديقه أَبُو جَعْفَر يُوسُف بن أَحْمد بن حسداي بعد قدومه إِلَى مصر ، تعاليق حكمِيَّة وجدت مُتَفَرِّقَة ، جَوَابه لما سُئِلَ عَن هندسة ابْن سيد المهندس وطرقه ، كَلَام على شَيْء من كتاب الْأَدْوِيَة المفردة لِجَالِينُوسَ ، كتاب التجربتين على أدوية ابْن وَافد واشترك فِي تأليف هَذَا الْكتاب أَبُو بكر بن باجه وَأَبُو الْحسن سُفْيَان ، كتاب اخْتِصَار الْحَاوِي للرازي ، كَلَام فِي الْغَايَة الإنسانية كَلَام فِي الْأُمُور الَّتِي بهَا يُمكن الْوُقُوف على الْعقل الفعال ، كَلَام فِي الِاسْم والمسمى ، كَلَام فِي الْبُرْهَان ، كَلَام فِي الأسطقسات ، كَلَام فِي الفحص عَن النَّفس النزوعية وَكَيف هِيَ وَلم تنْزع وبماذا تنْزع ، كَلَام فِي المزاج بِمَا هُوَ طبي .
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انصر اخاك ظالما او مظلوما شعار جاهلي
-
داعش ... والحشد الشعبي
-
ما هو علم النجوم ؟
-
الفلسفية الفارابية (2)
-
اكتب يا حسين
-
الفلسفية الفارابية (1)
-
طه حسين .. ووعاظ السلاطين
-
الصوم شعيرة جاهلية
-
الارستقراطية في الاسلام
-
اطالة اللحية – الذقن شعار بدوي
-
في إبطال الفلسفة وفساد منتحلها
-
العراق في ظل حكم الشيعة
-
ختان النساء عادة جاهلية
-
الذبح في الدين والشريعة
-
ناظم الثرثار وناظم الغزالي
-
المجون في الاسلام(1)
-
الحدود في الاسلام (1)
-
إبن خلدون ... واقراره بالسحر
-
لماذا الغزالي يكفّر الفلاسفة ؟!
-
هل كان ابن كثير تكفيري؟
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|