أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - : خماسي هند - المحكمة الجنائية الدولية على ضوء اتفاقية روما















المزيد.....



المحكمة الجنائية الدولية على ضوء اتفاقية روما


: خماسي هند

الحوار المتمدن-العدد: 4854 - 2015 / 7 / 2 - 08:31
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


مقدمة:
المحكمة الجنائية الدولية هي هيئة قضائية دائمة، ومستقلة عن منظمة الأمم المتحدة، من حيث الموظفين والتمويل، بخلاف محكمة العدل الدولية التي تعد من أجهزة الأمم المتحدة، لكون نظامها الأساسي، جزء لا يتجزأ من ميثاقها، وقد تم وضع اتفاق بينهما، يحدد علاقتهما ببعضهما البعض، يتواجد مقرها الرئيسي في لا هاي بهولندا، لكنها قادرة على تنفيذ اجراءاتها في أي مكان من العالم. و تختص المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة الأفراد على الجرائم ة ضد الانسانية وجرائم الابادة وجرائم العدوان، بمقتضى نظام روما الأساسي.
الا أن "الطريق إلى روما" كان طويلا وحافلا بالخلافات في الكثير من الأحيان. ويمكن رصد جهود إنشاء محكمة جنائية عالمية منذ أوائل القرن التاسع عشر. حيث بدأت القصة في عام 1872 ، عندما اقترح غوستاف موينيه – أحد مؤسسي اللجنة الدولية للصليب الأحمر – إقامة محكمة دائمة ردا على جرائم الحرب الفرنسية-الألمانية، الا أن هناك بعض الباحثين أرجعوا فكرة إنشاء محكمة جنائية دولية إلى حقب تاريخية بعيدة. وقالوا أن تطبيقات لها حــدثت في التاريخ المصري القديم عام 1286 قبل الميلاد، فيما أشار آخرون إلى محـــاكمة مــلك يــودا المهزوم من قبل الملك البابلي نبوخذ نصر في الدولة البابلية. ويستدل البعض على قدم الفكرة من خلال المحاكمة التي جرت لأرشيدوق النمسا في إقليم الراين حيث حكـم علـيه بالإعـدام ، والــى المحاكمة التي تمت في نابولي عام 1268 .
وفي 25 يناير 1919، اقترحت لجنة المسؤوليات التي شكلها المؤتمر التمهيدي للسلام بأن يحاكم مجرمي الحرب أمام محكمة دولية مستقلة، وتم تجسيد ذلك في معاهدة فرساي بشان تشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة الإمبراطور الألماني السابق غليوم الثاني، ومحاكمات ايبزج، ثم معاهدة سيفر، بالإضافة إلى ظهور عصبة الأمم ، وإبرام اتفاقيتين سنة 1937، الا ان هذه المحاكم كانت عسكرية تتكون من قضاة تابعين للحلفاء ، فهي محاكم وضعها المنتصرون لمحاكمة المنهزمين في الحرب، مما جعل الهدف منها هو الانتقام وليس تحقيق العدالة الجنائية الدولية. ورغم الانتقادات التي وجهت لهذه المحاكمات خلال الحرب العالمية الأولى لكونها كانت صورية ولم ترق الى مستوى المحاكمات المستقلة بسبب هيمنة قرارات الدول المنتصرة، إلا أنها تبقى ذات فائدة حيث جاءت ببعض المبادئ ساهمت بها في تطوير ضمانات المحاكمة العادلة منها:
*ادخال فكرة جرائم الحرب
* طرح لأول مرة مساءلة الافراد على افعالهم غير المشروعة على المستوى الدولي
*طرح فكرة مساءلة رؤساء الدول
*الاخذ بمبدأ التكامل بين القضائين الوطني والدولي، حيث اجازت محاكمة المتهمين سواء امام المحاكم الوطنية للدول الحليفة او امام المحاكم اللالمانية.
لكن عند انشاء عصبة الامم وأصبح عهدها ساري المفعول منذ 10 دجنبر 1920، الذي نص على ضرورة صيانة السلم العالمي، والتزام الدول باللجوء الى الطرق السلمية لحل نزاعاتها، وتوقيع العقاب على الدول المعتدية، وخلال هذه الفترة اثير موضوع انشاء محكمة جنائية دولية من جديد ، لكن اشتد النقاش حول مشروع انشاء محكمة جنائية دولية، حيث راى جانب منهم ضرورة انشاء محكمة مستقلة لمحاكمة الاشخاص المتهمين بارتكاب جرائم دولية، بينما اقترح الجانب الاخر منهم تاسيس شعبة جنائية بمحكمة العدل الدولية الدائمة، وفي صيف 1920 بلاهاي، وضعت نخبة من المشرعين التي كلفتهم عصبة الأمم، مشروع انشاء المحكمة الجنائية الدولية ، لم يكتب له النجاح، لأن الرأي السائد آنذاك كان يقضي بعدم تجسيد محكمة جنائية دولية لم يسبق الاتفاق بعد بين الدول على القانون الواجب تطبيقه في هذا الموضوع .
وفي 09/10/1937، تقدم الوفد الفرنسي باقتراح الى عصبة الامم ، يدعو فيه الى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمنع قيام الاعمال الإرهابية، وضرورة معاقبة مرتكبيها من قبل محكمة جنائية دولية، وكان هذا الاقتراح كرد فعل على الاعمال الارهابية التي اودت بحياة ملك يوغسلافيا(اسكندر الأول)، وزير خارجية فرنسا، لويس بارتو، في مرسيلسل، على يد جماعة كرواتية، تطالب باستقلال كرواتيا عن يوغسلافيا، وتم توجيه الدعوة الى عقد مؤتمر دولي في نونبر 1937 برعاية عصبة الأمم، من أجل تحقيق العقاب، وتناولت الاتفاقية المبرمة في مؤتمر ثاني من اجل ايجاد صيغة قانونية لمحاكمة المتهمين بالجرائم التي حددها المؤتمر الأول، ولذلك تضمنت الاتفاقية الثانية انه من الضروري انشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتهمين بالجرائم التي حددها المؤتمر الأول، على أن تكون دائمة وتدعى الى الاجتماع كلما رفعت اليها دعاوى تدخل ضمن اختصاصها. إلا أن هذه الجهود كلها، لم تلق نجاحا على الصعيد العملي، لأنه لم تصدق على الاتفاقيتين سوى الدول التي وقعتها، وأيضا بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية. لكن بالرغم من ذلك، فقد ساهمتا في تطوير مفهوم المسؤولية الجنائية الدولية، واعتبرتا فيما بعد من السوابق المهمة التي خدمت تطور القانون الدولي الجنائي.
واثناء الحرب العالمية الثانية، تم البحث مجددا في موضوع انشاء محكمة جنائية دولية دائمة، وأكد تصريح سان جيمس بالاس، الصادر في 12 يناير 1943 على تسع دول أوروبية، بان هذه الدول تضع من بين اهدافها ومقاصدها، ضرورة توقيع العقاب من خلال قنوات عادلة ومنظمة، على المجرمين والمسؤولين عن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، سواء أمروا بها أو نفذوها أو ساهموا في ارتكابها.
ومن ابرز التصريحات التي صدرت خلال هذه الفترة، اعلان موسكو في 30 اكتوبر 1943، الذي أرسى قواعد أكثر تحديدا في مجال المسؤولية الجنائية الدولية ومحاكمة المجرمين بشكل حاسم، اذ بموجبه تطال المحاكمة كل من ارتكب جريمة دولية او جرائم ضد الانسانية.
وبعد استسلام المانيا ، ثم اليابان، اختلف الحلفاء فيما بينهم بشان مرتكبي جرائم الحرب، فكان رأي البعض منهم هو عدم اللجوء الى المحكمة والاكتفاء بإصدار قرار مشترك يقضي بان مجرمي الحرب يعتبرون خارجين عن القانون، ولكن البعض الاخر نادى بوجوب اجراء محكمة عسكرية عادلة، وهو الرأي الذي خلص اليه المجتمعون ، وتبناه مؤتمر لندن فيما بعد في اتفاقية 8غشت 1945، لإنشاء محكمة نورنبرغ، ثم بعدها محكمة طوكيو سنة 1946، العسكريتين، إلا أن الاولى لم تكن مقيدة من حيث الاختصاص المكاني، بالأقاليم التي وقعت فيها الجريمة، وكانت مختصة بمعاقبة مجرمي الحرب من بلاد المحور الأوروبية، سواء بصفتهم الشخصية او بوصفهم اعضاء في منظمة العمل لحساب دول المحور، الذين ارتكبوا جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، كما وصفها ميثاق المحكمة، ثم الجرائم ضد السلام التي واجه تعريفها اشكالا قانونيا عميقا، لكونها تستدعي تعريف العدوان أولا، حتى يمكن العقاب على الجرائم ضد السلام، وهي محاكمات ذات اثر رجعي، لان هذه الجرائم لم تكن مجرمة من قبل انشاء المحكمة. وبالتالي تخلف الركن الشرعي في هذه المحاكمات. وانتهت محاكمات نورنبرغ في اكتوبر 1946، بعد أن حكمت على 12 متهما بالإعدام شنقا، وبالمؤبد على ثلاث متهمين، وبالسجن لمدة 20 سنة على متهم واحد وبالسجن لمدة 15 سنة على متهم واحد وآخر بالسجن لمدة 10 سنوات، بينما برأت ثلاث متهمين. ورغم اراء المدافعين عنها على اساس انها شكلت لضمان عدم افلات الجناة من العقاب، ولضمان سرعة الفصل في القضايا المعروضة امامها،إلا أنه يعاب عليها انها لم توفر ضمانات نزاهة واستقلالية قضاتها لأنهم كانوا تابعين للدول المنتصرة، ولم يتم تعويض الضحايا.
أما محكمة طوكيو، فقد أصدر القائد الأعلى لقوات الحلفاء في الشرق الأوسط،(دوغلاس ماك آثر) في 19 يناير 1946، قرارا بإنشائها. وذلك استنادا الى ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر بوتسدام بروسيا مابين 17 يوليوز و 2 غشت 1945، بين ترومان وستالين وتشرشل، بشان محاكمة مجرمي الحرب، وكانت تختص بالنظر في الجرائم ضد السلام والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم معاهدات الحرب، ويتراوح عدد قضاتها ما بين 6 و 11 قاضيا، يعينهم القائد الاعلى بناء على توصية من الدول المتحالفة. وانتهت في 12 نونبر 1948 بإصدار عدة أحكام منها 7 احكام بالإعدام والسجن المؤبد في حق16 متهما والسجن لمدة 20 سنة على متهم واحد والسجن لمدة 7 سنوات على متهم واحد. وكان الجنرال الامريكي يستطيع العفو عن العقوبة او تخفيض مدتها بمقتضى التصديق على الحكم المقرر له في لائحة المحكمة، ولا تختلف الضمانات المتوفرة امام هذه المحكمة عن تلك الضمانات المتوفرة امام محكمة نورنبرغ. الا ان هاتين المحكمتين، لم يوفرا للمتهمين حق توكيل محامين للدفاع عنهم، كما أن القضاة صاغوا مجموعة من الاتهامات لم تستند على اي ضوابط قانونية، إلا انه لا يمكن ان نتجاهل دورهما في ترسيخ وتقنين فكرة المسؤولية الجنائية الفردية للأشخاص الطبيعيين مهما كانت مسؤولياتهم، وتأكيد حق المجتمع الدولي في محاكمة مرتكبي مثل هذه الجرائم امام محكمة جنائية دولية. وبهذا يكونا قد وفرتا الاساس التاريخي الشرعي والحقوقي للمحاكم ذات العلاقة بيوغسلافيا السابقة ورواندا.
وبعد ربع قرن من الزمن، بقيت الحالة على ما كانت عليه، حتى شعر المجتمع الدولي بالقلق ازاء عدم كفاية القانون الدولي العام، للتعامل مع المشبوهين باقتراف جرائم الحرب، الإبادة والجرائم ضد الانسانية في الحقبة المعاصرة، فاصدر مجلس الامن الدولي لأول مرة، في ماي 1993، القرار رقم 827 في 22/02/1993، القاضي بإنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الانساني ، المرتكبة في اراضي يوغسلافيا السابقة منذ عام 1991 .لمحاكمة انتهاكات القانون الانساني الدولي بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. عدت تعويضا عن غياب التدخل الدولي الفعال. وسنة 1994 استجاب مجلس الامن لطلب رواندا ، فصوت لصالح انشاء محكمة جنائية دولية ثانية برواندا، لملاحقة مرتكبي الابادات الجماعية وغيرها من الانتهاكات الخطيرة. وذلك بموجب اصدار قراره رقم 995 بتاريخ 08/11/1994. باعتبار الحالة في رواندا تهدد السلم والأمن الدوليين، اثر المجازر التي عرفتها رواندا اثر خلاف عرقي، كما هو الشأن في يوغسلافيا سابقا، لكن هاتين المحكمتين، أعادتا إحياء الاجتهاد الجنائي الدولي، الذي لم يتطور منذ محاكمات نورمبرغ وطوكيو، لكن لم يكن لهاتين المحكمتين الجنائيتين الدوليتين المؤقتتين سوى نموذجين لمحكمتين طوكيو ونورمبرغ، إلا أن معظم الملاحقات التي اجرتاها سابقا ، لم تعد تتناسب مع معايير العصر.
أن ملاحقاتها همت بالأساس المعتدين الاساسيين فقط، وبما انه كان من المتوقع ان تنتهي اعمالها عام 2008، فقد ادخل اجراء خاص لتحويل القضايا او التهم الى محاكم البلد التي حدث فيه الجرم، أو التي القت القبض على المتهمين. وبعد تسلم الحكومة الجديدة الحكم في رواندا، انتهجت سياسة الملاحقة القصوى لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، فأطلقت نظاما قضائيا جديدا، بدءا من 2002، يسمى غاساكا يجمع بين النظام العرفي المتبع في المجالس الشعبية وهيكلية المحكمة.
وفي سنة 2003 فصل مجلس الامن مكتب المدعي العام الذي كان مشتركا بين المحكمتين، وعين مدعيا عاما مستقلا لمحكمة رواندا.
إلا أن اختصاص هاتين المحكمتين، كان بأثر رجعي، حيث بقيت محدودة زمنيا،كما انها محدودة مكانيا. وقد تعهدتا بالنظر في الجرائم قبل انشائهما :
*فبالنسبة لمحكمة رواندا، تنظر في الجرئم المرتكبة فوق اراضيها او ارتكبها مواطنوها ببلاد مجاورة لها، ابتداء من 01/01/1991.
*اما بالنسبة لمحكمة يوغسلافيا، فنظرت في الجرائم المرتكبة في أراضيها ما بين 01/01/1994 و31/12/1994.
وقد اختصتا بمحاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم التالية:
- جريمة الابادة
- الجرائم ضد الانسانية
- خرق القوانين والأعراف الدولية المتصلة بحالات النزاع المسلح
- انتهاكات خطيرة لاتفاقيات جنيف لعام 1949.
إلا انهما يختلفان عن المحكمة الجنائية الدولية من حيث علوية كل منهما حيال المحاكم الوطنية للدولتين. بينما تختص المحكمة الجنائية الدولية بالصبغة المكملة للقضاء الوطني للدول وعلى مستوى اثارة الدعوى فالاختصاص الحصري للمدعي العام بالنسبة لهاتين المحكمتين بينما يتعهد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإجراء التحقيقات تحت اشراف الدائرة التمهيدية للمحكمة التي يعود لها القول الفصل في احالة المشتبه بهم على المحاكم من عدمها.
وللإشارة، فان السبب الرئيسي في وجود المحكمة الجنائية ليوغسلافيا سابقا فقط، كان هو خوف الدول المسيطرة على مجلس الامن ، من ان يكون وجودها مبررا لتقديم قضايا تمس دولا غير مرغوب في ادانتها. وخصوصا وأنها ذات طابع سياسي لكونها أنشأها مجلس الأمن الذي يعتمد في قراراته على تقديرات سياسية محكومة بمصالح الدول المؤثرة فيه.
فعندما شنت قوات الناتو الحرب بقيادة الولايات المتحدة على يوغسلافيا، فان المحكمة كثفت نشاطها بشكل متصاعد، وتحولت الى تابع لحلف الأطلسي لتنفيذ ما يخطط لها، وظهر ذلك بشكل خاص، عندما تم توقيع اتفاقية التعاون بين الناتو والمحكمة في عام 1996. وأصبحت هذه المحكمة بالنسبة الى الناتو سلاحا للتدخل في الشؤون الداخلية لدول البلقان، ويلاحظ عليها بان الاحكام التي صدرت على بعض المتهمين امامها كانت العقوبات لا تتناسب مع ما جاءت لتعاقب عليه من جرائم.
ومن ناحية أخرى فان هذه المحكمة لم تلفت النظر الى الانتهاكات الخطيرة لقواعد القانون الدولي الانساني وقواعد قانون النزاعات المسلحة، التي جاءت هذه المحكمة، لملاحقة مرتكبيها اصلا في هذه المنطقة من العالم. وارتكبت اثناء الحملة الجوية على يوغسلافيا من طرف الناتو عام 1998، حيث اخذ المدعي العام بتوصية غير ملزمة للجنة التحقيق التي كان قد شكلها في 14/05/1999، بعدم تحريك دعوى بسبب عدم الوضوح في القانون.
أما المحكمة الجنائية لرواندا فقد لوحظ انها لم تحاكم إلا مجموعة قليلة من المتهمين رغم ميزانيتها الكبيرة، المخصصة لها، ورغم انها كانت تضم 16 قاضيا و800 من العاملين بها.
وعلى الرغم من انشاء عدد من المحاكم الجنائية الدولية خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فان هذه المحاكم التي بلغ عددها اربع محاكم دولية، كانت جميعها مؤقتة، وهو ما يعكس الوضع الدولي الذي لا يزال يشكو نقصا فادحا في العدالة والنزاهة.
و ردا على الانتقادات التي وجهت الى محكمتي رواندا ويوغسلافيا سابق، انشا مجلس الأمن محاكم مختلطة أو المحاكم الداخلية الدولية، تجمع بين نظم القضاء الداخلي والانظمة التي تضعها الامم المتحدة، اي انها تجمع بين ميزات المحاكم المؤقتة وحسنات الملاحقة امام المحاكم الوطنية .
لكن هذه المحاكم قد تكون أقل تكلفة، من المحاكم الدولية، وأكثر فعالية في بناء النظام القضائي الوطني وتدعيمه، واقرب الى الضحايا من المحاكم الدولية التي يصعب الوصول إليها لكنها قد تأخذ منحى أخر فتجمع بين اسوأ صفات النظامين الدولي والوطني، مثلا ما وقع في تمور الشرقية، التي نالت استقلالها بعد مواجهات عنيفة مع دولة اندونيسيا المحتلة امتدت من 1996 الى 1999، شهدت خلالها المنطقة عمليات عسكرية واسعة، وجرائم عديدة بحق الانسانية أشهرها مجزرة سانتا كروز عام 1991 التي قتل فيها 200 شخصا شاركوا في مظاهرة سلمية.
وكان مجلس الامن قد اصدر القرار 1272 لتأسيس الادارة الانتقالية للأمم المتحدة في تمور الشرقية المخولة ممارسة الاختصاص التشريعي والتنفيذي في البلادج، وجدت الامم المتحدة رمادا عوضا عن المحاكم، ومكاتب وسجلات وملفات سرق بعضها، ودمر القسم الاكبر منها، فأعادت تأسيس النظام القضائي برمته وفقا للأحكام 1/2000،15/2000،و16/2000. الا أن هذا النموذج من المحاكم عاني من نقصان كفاءة القضاة بها وقلة عددهم وعدد الموظفين . كما طغى فيها الطابع العسكري والامني على الاهداف الادارية والمدنية، فشحت مواردها المالية رغم زيادة للأمم المتحدة انفاقها على تيمور الشرقية. كما رفضت وزارة العدل مساعدتها ماديا .
وهكذا لم تحل هذه المحاكم الداخلية الدولية مشكلة القيود الزمنية، اذ حددت الامم المتحدة ماي2003 ، موعدا نهائيا للانتهاء من اعمال الملاحقة. فترك العديد من المتهمين من دون عقاب نظرا لكثرة القضايا التي تفوق طاقة المحكمة. وجاء هذا التوقيف من المتابعات ليس بسبب شح الموارد المالية، وإنما بقلق تجاه تحقيقات موسعة قد تؤدي الى ادانة مسؤولين امريكيين شجعوا غزو اندونيسيا تيمور الشرقية، من خلال تدريب الجنود الاندونيسيين ومساعدتهم قبل الغزو وخلاله.
اما في سيراليون فقد انتهجت الامم المتحدة مقاربة مختلفة عام 2002، فوقعت اتفاقية تأسيس محكمة خاصة لسيراليون مع حكومة سيراليون نفسها، وأسندت اليها محاكمة كبار مسؤولي الفظائع التي وقعت اثناء النزاع، الداخلي المسلح، في البلاد، بعد نونبر 1996. وخلافا لمحكمتي يوغسلافيا سابقا ورواندا، فقد انشئت محكمة سيراليون بعاصمة الاقليم الواقع من اختصاصاتها (فريتاون) ، غير انها ليست جزءا من المحاكم الوطنية هناك. وفي كمبوديا لم تنجح الامم المتحدة بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا واليابان وغيرها، في إنشاء محكمة مختلطة لمحاكمة أعضاء الخمير الحمر ، لانعدام ضمانات المحاكمات المستقلة والحيادية.
وفي عام 1998 ، وبعد هذه المحاولات التي دامت قرونا عدة، شهد المجتمع الدولي ميلاد المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، بموجب نظام روما الأساسي، الذي دخل حيز النفاذ في منتصف عام 2002.
انطلاقا مما سبق، نلاحظ أنه لا محكمتي المنتصرين ولا المحاكم العسكرية ولا المختلطة، استطاعت الحد من النزاعات، وضمان المحاكمات العادلة. من هنا يمكن طرح الاشكالية التالية:
*الى أي مدى حاولت المحكمة الجنائية الدولية الحد من النزاعات ، التي عجزت عن تحقيقه المحاكم الجنائية السابقة. وضمان المحاكمات العادلة، وعدم افلات مرتكبي أخطر الجرائم على الصعيد الدولي من العقاب ؟
وللجواب على هذه الاشكالية، سنضع الفرضيات التالية:
ـ المحكمة الجنائية الدولية لما مؤهلات ضمان المحاكمات العادلة.
ـ المحكمة الجنائية الدولية، مستقلة عن الأمم المتحدة للقيام بهدفها.
ـ المحكمة الجنائية عملت على الحد من الجرائم ضد الانسانية.
وتأتي أهمية هذه الدراسة والهدف منها، لكونها محاولة بحثية منهجية لتتبع ضمانات المتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية ومعرفة أثر هذه الضمانات والتي نص عليها نظام روما الأساسي في كفالة محاكمة عادلة للمتهم.
وقد آثرنا اختيار موضوع " المحكمة الجنائية الدولية وضمانات المحاكمة العادلة"
كموضوع للبحث على الرغم من أن الكتابة فيه ترافقها بعض الصعوبات من بينها عدم وجود قواعد قانون دولي جنائي مدونة،باستثناء نظام روما، وحداثة المحكمة الجنائية الدولية التي لم تصدر بعد أحكاما قضائية كافية، من شأنها أن توضح بصفة تفصيلية الأحكام الواردة في اتفاقية روما وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بإجراءات التحقيق والمحاكمة .
هذا، بالاضافة الى الاهتمام الشخصي بموضوع حقوق الإنسان وآليات حمايتها خاصة وأن أكثر ما تر تبط به هو القانون الجنائي على اعتبار أن حماية الحقوق لا تتم إلا بمعاقبة المعتدي عليها، ومعرفة مركز الفرد، الذي يعد المحور الوحيد الذي تدور حولهأحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، هذا بالإضافة إلى الإطلاع على اتفاقية روما من حيث المحتوى كونها تنطوي على جانبين :
ـ جانب موضوعي: يتمثل في كون نظام روما الأساسي عبارة عن اتفاقية دولية متعددة الأطراف جاءت بتعاريف دقيقة لعدد من أخطر الجرائم الدولية، مما يجعلها بمثابة تقنين جنائي دولي .
ـ جانب إجرائي: باعتبار نظام روما كوثيقة تأسيسية لهيئة قضائية جنائية دولية دائمة، تحتوي على عدد من القواعد الدقيقة والمعقدة تحدد كيفية اللجوء إلى المحكمة، وطريقة عمل المحكمة.
الإشكالية المقترحة.
وقد استعملنا في هذه الدراسة، المناهج التالية:
- المنهج التاريخي من خلال التطرق الى تاريخ المحاكم الجنائية الدولية
- المنهج الوصفي من خلال تفصيلنا في هيكل المحكمة الجنائية الدولية المؤسسة في اطار قانون روما، وآليات عملها.
- المنهج الاستقرائي من خلال استقراء الحقائق القانونية والموضوعية حول مبادئ المحاكمة العادلة امام المحكمة الجنائية الدولية.
- المنهج المقارن، من خلال مقارنة المحكمة الجنائية الدولية مع المحاكم الجنائية الأخرى الخاصة( AD HOC)او العامة.
و ستتم هذه الدراسة وفق التصميم التالي:
المبحث الأول: النظام القانوني للمحكمة الجنائية الدولية وعلاقتها بالأمم المتحدة وجمعية الدول الأطراف
المطلب الأول: الوثيقة الختامية لنظام روما للمحكمة الجنائية الدولية وهيكليتها
الفرع الأول: الوثيقة الختامية لنظام روما والمسائل المختلف بشأنها في مفاوضات روما
الفرع الثاني: تنظيم المحكمة الجنائية الدولية، وعلاقتها بالأمم المتحدة وجمعية الدول الاطراف
المطلب الثاني: الدعوى الجزائية امام المحكمة الجنائية الدولية
الفرع الأول: اختصاص المحكمة الجنائية الدولية والقانون الواجب التطبيق .
أولا: الاختصاصات العادية و الغير عادية للمحكمة الجنائية الدولية والاستثناءت الواردة عليها
ثانيا:القانون الواجب التطبيق
الفرع الثاني: الدعوى الجزائية أمام المحكمة الجنائية الدولية
أولا:الاحالة والتحقيق
ثانيا: المحاكمة
المبحث الثاني: ضمانات المحاكمة العادلة أمام المحكمة الجنائية الدولية من خلال دراسة حالة
المطلب الأول: نموذجي قضايا طرحت على المحكمة الجمائية الدولية
الفرع الأول:قضية دارفور بالسودان
الفرع الثاني: قضية قائد الميليشيا الكونغولي توماس لوبانغا دييلو
المطلب الثاني: الصعوبات التي عاقت نشاط المحكمة الجنائية الدولية والانتقاذات الموجهة اليها
الفرع الأول: ايجابيات المحكمة الجنائية الدولية
الفرع الثاني:الانتقاذات الموجهة للمحكمة الجنائية الدولية
الخاتمة:
المبحث الأول: النظام القانوني للمحكمة الجنائية الدولية وعلاقتها بالأمم المتحدة وجمعية الدول الأطراف
تأسست المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما الأساسي، ويشمل هذا النظام ديباجة و 128 مادة موزعة على 13 بابا، الباب الأول خاص بإنشاء المحكمة، الباب الثاني خاص بالاختصاص والمقبولية والقانون الواجب التطبيق، الباب الثالث خاص بالمبادئ العامة للقانون الجنائي، الباب الرابع خاص بتكوين المحكمة وإدارتها، الباب الخامس خاص بالتحقيق والمقاضاة، الباب السادس خاص بالمحاكمة الباب السابع خاص بالعقوبات الباب الثامن خاص بالاستئناف وإعادة النظر الباب التاسع خاص بالتعاون الدولي والمساعدة القضائية الباب العاشر خاص بالتنفيذ الباب الحادي عشر خاص بجمعية الدول الأطراف الباب الثاني عشر خاص بالتمويل والباب الثالث عشر خاص بالأحكام الختامية .
المطلب الأول: الوثيقة الختامية لنظام روما للمحكمة الجنائية الدولية وهيكليتها
الفرع الأول: الوثيقة الختامية لنظام روما والمسائل المختلف بشأنها خلال المفاوضات.
أولا: مفاوضات روما
بعد تأسيس هيئة الأمم المتحدة عام 1945، فان الجهود التي قامت بها هذه الهيئة، وسعيها المستمر إلى إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة ومستقلة، كان ضمانة لإقامة محاكمات عادلة أمامها، وبدأت هذه الجهود تتجسد فعليا من خلال الدور البارز الذي لعبته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ إصدارها للقرار رقم260، المؤرخ في: 09 ديسمبر 1948، الذي كلف لجنة القانون الدولي لدراسة مدى إمكانية إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة تتمتع بالاستقلالية والنزاهة، ومن أجل ذلك بدأت اللجنة دراساتها واجتماعاتها منذ عام 1950 ، وتوجت بتقديم تقرير إلى الجمعية العامة أكدت فيه بأن تأسيس محكمة جنائية دولية، لغرض محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، أو الجرائم الدولية الأخرى، هو أمر مرغوب فيه ويمكن تنفيذه، أما فيما يتعلق بالاقتراح
الثاني، المتعلق بإمكانية تأسيس محكمة جنائية دولية ضمن إطار محكمة العدل الدولية، فقد أجابت بأنه ممكن ، ولكن بعد تعديل النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، ثم شكلت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها المؤرخ في12/12/1950 ، لجنة خاصة تتكون من 17 دولة، مهمتها وضع مشروع النظام الأساسي للمحكمة المقترحة، واجتمعت هذه اللجنة في جنيف بتاريخ: 01 أوت 1951 ، حيث انتهت من وضع مشروع النظام الأساسي وقدمته إلى الجمعية العامة لغرض المناقشة وتقديم الاقتراحات حوله، وتم ذلك في دورها السابعة عام 1952 ، حيث قدمت الدول الأعضاء اقتراحاتها وملاحظاتها، ولكن انقسمت الآراء حول فكرة إنشاء المحكمة إلى اتجاهين.
1)الاتجاه المعارض لإنشاء محكمة جنائية دولية واستند على الحجج التالية:
* أن القضاء الجنائي الوطني يعد أهم معالم السيادة في الدولة، وأن إنشاء قضاء جنائي دولي
معناه انتهاك للسيادة الوطنية للدول.
*أن وجود هذه المحكمة متعلق بنشوب الحروب، وأن استمرارها لا مبرر له، وأن المحاكم التي
تنشأ بسبب ظروف معينه ولهدف محدد تكون عادة أكثر تعقيدا في الأمور وأقل هيبة.
2) الاتجاه المؤيد لمشروع إنشاء محكمة جنائية دولية واستند على الحجج التالية:
إن مفهوم السيادة بالمعنى التقليدي لا معنى له في ظل تشابك العلاقات الدولية، التي أفرزت
ظهور تكتلات إقليمية لها تأثيرها على مفهوم السيادة مثل الاتحاد الأوروبي، الحلف الأطلسي، وذلك لان الانضمام إليها يعني في حذ ذاته تنازلا عن فكرة السيادة المطلقة للدولة.كما أن محاكمة مجرم أمام محكمة سابقة الوجود على وجود الجريمة أكثر عدلا وأفضل من محاكمة أمام محكمة نشأت بسبب الجريمة، لان القيام المسبق للمحكمة ابعد عن عقلية الثار والانتقام، كما كان في محكمتي نومبورغ وطوكيو، كما الوجود المسبق للمحكم يعتبر عامل ردع للحيلولة دون قيام جرائم أو التفكير في ارتكابها.
ونتيجة لتعارض الآراء حول مشروع المحكمة الجنائية الدولية، تبنت الجمعية العامة في قرارها رقم 687بتاريخ05/12/1952 ، إنشاء لجنة جديدة عام 1953 وحددت مهامها فيما يلي :
- دراسة النتائج المترتبة على تأسيس محكمة جنائية دولية والبحث عن الطرق التي يمكن بموجبها تأسيس مثل هذه المحكمة؛
- دراسة العلاقة بين هيئة الأمم المتحدة والمحكمة المقترح إنشاؤها؛
- إعادة النظر في مشروع النظام الأساسي للمحكمة المقترحة.
باشرت لجنة القانون الدولي أعمالها في الفترة الممتدة من 27 يوليوز إلى 20 غشت 1953
ووضعت نظاما أساسيا جديدا للمحكمة، واقترحت عدة طرق لإنشائها، ثم قدمت مشروعها إلى الجمعية العامة من جديد للمناقشة، ولكن بالرغم من تجاوب الكثير من الدول الأعضاء لإنشاء هذه المحكمة، إلا أنه بقي من يشكك في جدوى قيامها، ما لم يسبقه اتفاق الدول على تعريف مصطلح العدوان، وعلى هذا الأساس أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم: 989 بتاريخ: 14 ديسمبر 1954 ، بينت فيه بأن موضوع تأسيس محكمة جنائية دولية مرتبط بمشكلة تعريف العدوان من ناحية، وبمشكلة الاتفاق على مشروع قانون الجرائم ضد السلام والأمن في العالم من ناحية أخرى، وتم تأجيل البث في موضوع تأسيس المحكمة إلى أن يتم الاتفاق على ذلك، وعلى الرغم من أن تعريف العدوان قد تم إنجازه أمام الجمعية العامة من خلال قرارها رقم: 3314 المؤرخ في: 14 دجنبر 1974 ، إلا أن موضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية قد بقى معلقا ولم يتم النظر فيه. في حين فقد أثير مشروع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية من جديد، عندما ناقشت لجنة القانون الدولي، مشروع قانون الجرائم المخلة بسلم الإنسانية بين أعوام: 1986 و 1989 ، ولكن هذا المشروع ظهر بشكل أعمق عندما اقترح وفد دولة ترينداد وتوباغو في عام 1989 ، على الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء محكمة جنائية دولية،دف مكافحة جريمة الاتجار غير المشروع بالمخدرات عبر الدول، ويعد هذا الاقتراح الذي لم يكن جديدا بالنسبة للأمم المتحدة بمثابة استجابة لأعمال اللجنتين الخاصتين اللتين أنشأ تهما الجمعية العامة لوضع مشروع نظام أساسي لمحكمة جنائية دولية في عامي 1951 و1953 .
واستجابة لهذا الاقتراح توصلت لجنة القانون الدولي إلى صياغة مشروع النظام الأساسي للمحكمة وقدمته إلى الجمعية العامة، التي أصدرت قراراها بتاريخ09 ديسمبر 1994 ، رحبت فيه بمشروع اللجنة حول هذه المحكمة، وقررت إنشاء لجنة متخصصة مفتوحة أمام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مهمتها استعراض القضايا الرئيسية والفنية والإدارية الناشئة عن مشروع النظام الأساسي الذي أعدته لجنة القانون الدولي، وحددت في قرارها أن تجتمع اللجنة المتخصصة في دورتين الأولى من 03 إلى 13 ابريل 1995 ، والثانية من 14 إلى 25 غشت .1995 بعد انتهاء اللجنة المتخصصة من أعمالها، وعقب عرض تقرير أعمالها على الجمعية العامة، أصدرت الأخيرة قرارها رقم: 50/46 بتاريخ11 دجنبر 1995 ،الذي يقضي بتشكيل لجنة تحضيرية لإنشاء محكمة جنائية دولية تكون مفتوحة العضوية أمام جميع الدول الأعضاء في الامم المتحدة. ومهمتها إعداد مشروع نص يكون له أوسع إجماع ممكن من أجل عرضه على المؤتمر الدبلوماسي للأمم المتحدة، وقد تضمن نص القرار، أن تجتمع اللجنة التحضيرية في فترتين من 25 مارس إلى 12 ابريل 1996 ، والثانية من 12 إلى 30 ابريل1996 ، لإعداد النص الموحد.
بتاريخ 17 دجنبر 1996 ، أصدرت الجمعية العامة قرارا تضمن اجتماع اللجنة التحضيرية في
الفترة من 11 إلى 21 فبراير 1997 ، ومن 4 إلى 15 غشت 1997 ، ثم من 01 إلى 12
دجنبر 1997 ، لإتمام صياغة نص موحد ومقبول على نطاق واسع للاتفاقية لتقديمه إلى المؤتمر
الدبلوماسي للمفوضين. وخلال هذه الفترة أصدرت الجمعية العامة قرارها بتاريخ15/12/ 1997
تحت عنوان" إنشاء محكمة جنائية دولية"، لتقرر فيه قبولها بالعرض الذي تقدمت به حكومة إيطاليا من أجل استضافة مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي، والذي تقرر عقده في الفترة من 15 يونيو إلى 17 يوليوز 1998 في مقر منظمة الأغذية والزراعة الدولية، وبموجب الوثيقة الختامية للمؤتمر فقد شاركت فيه وفود 160 دولة، و 16 منظمة دولية حكومية، و 5 وكالات دولية متخصصة، و 122 منظمة غيرحكومية.مثلت كمراقبة، وتم التصويت على النظام الأساسي بموافقة 120 دولة، وامتناع 21 دولة، واعتراض سبع دول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، إسرائيل، الصين، الهند، العراق، ليبيا، وقطر. وهكذا في 17 يونيو1998 ،أعتمد النظام الأساسي للمحكمة، وفي اليوم التالي افتتحت الاتفاقية للتوقيع حيث وقعت ستة، وعشرون دولة في اليوم الأول ، وتوالت التوقيعات حتى بلغت يوم 31 ديسمبر 2000،139دولة. وهو اليوم الأخير لعملية التوقيع، وفى الأول من يونيو عام 2002 ، أصبح النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، نافذ المفعول، وذلك بعد أن صادقت عليه ستون دولة حسب نص المادة 126 من النظام الأساسي للمحكمة.
وهكذا، بعد مفاوضات عسيرة شهدها مؤتمر الامم المتحدة وما جرت فيه من نقاشات حامية وظهور الكثير التباين في الاراء والمواقف خصوصا فيما يتعلق باستقلالية عمل المحكمة ودور مجلس الامن في احالة القضايا الى المحكمة بحيث كادت ان تؤدي هذه النقاشات الى تهديد المؤتمر بالفشل، و تم التصويت بعد ذلك على وثيقته الختامية.
ومن الأسباب أيضا، التي عاقت سير المؤتمر، تشعب النقاط المدرجة في هذا النظام الأساسي، اذ لم يقتصر الأمر على المسائل الموضوعية وحدها او المسائل الاجرائية وحدها، وإنما جاء مزيجا بين الاولى والثانية، وهو أشبه بمحاولة الجمع بين قانون العقوبات وقانون الاجراءات الجزائية في القوانين الوطنية .
ثانيا:المسائل المختلف بشأنها في مفاوضات روما
إن مسالة الصلاحيات بنظام روما، كانت الفقرة الأشد إثارة للخلاف والصراع في النظام الداخلي، لأنها تلقي بظلال الشك على السلطة التقليدية للدولة، في مواجهة مبدأ مسؤولية الفرد الجنائية.
وقد كانت القضية الخلافية الأولى متعلقة بأشكال تعريف الجرائم التي كانت ستدخل في نطاق صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية. والمتمثلة في جرائم الابادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية ، حيث اشتد الخلاف حول هذه الأخيرة بينما ظهر اكبر قدر من التساهل بالنسبة للجريمتين السابقتين، لأنهما كانتا معرفتين من قبل في اتفاقيات جنيف، فعرف البند السادس جريمة الابادة على انها سلسلة من الأعمال بقصد تدمير جماعة قومية، أو عرقية، او عنصرية او دينية كليا أو جزئيا، وهي لا تقتصر على الاذى والقتل بل تشمل ايضا الاذى الذهني، وأيضا إبادة جماعية التدابير الهادفة الى منع الولادات في الجماعة والنقل القسري لأطفال الجماعة إلى جماعة أخرى.
أما جرائم الحرب، فقد عرفها البند الثامن من نظام روما على أنها الأفعال اللاشرعية ضد الأشخاص والممتلكات. التي ظلت عموما تحظى بالقبول بوصفها شرعة السلوك الأخلاقي في زمن الحرب .
ظل تعريف الجرائم ضد الانسانية أكثر اشكالية من حيث أن الأطراف المتفاوضة وجدت صعوبة في رسم حدود الجرائم التي يمكن ان تندرج في هذه الخانة. وفي اعقاب نقاشات حامية تم وضع قائمة جرائم طويلة تغطي سلسلة من الافعال المحظورة كجزء من هجوم واسع ومنهجي، على السكان المدنيين، وفي أحد الامثلة المميزة التي طبعت صيغة النقاش قالت جامعة الدول العربية بزعامة سوريا ، أن هذه الجرائم يجب أن يبقى تطبيقها مقصورا على أوقات الصراع بين الدول، ولا يجوز أن تشمل الصراعات داخل الدول.
وقد أدى هذا الى وضع الدول العربية في تعارض مباشر مع مفاوضين ينتمون الى دول ذات عقليات اكثر ليبرالية كألمانيا وكندا، أرادوا أن يوسعوا دائرة شبكة هذا البند الى أقصى حد ممكن. وكانت قائمة الأفعال المحظورة تتضمن أفعالا ممنوعة كالتعذيب والقتل والاستئصال والاستعباد القسري. غير أن البند السابع اشتمل أيضا على سلسلة من الجرائم التي عكست اشالا من القلق ازاء الأفعال المحددة كانت قد جرت منذ 1945، مثل الفصل العنصري، الترحيل القسري للسكان، أو التطهير العرقي والاغتصاب والحمل القسري والاختفاء القسري للأشخاص وجملا تخص الاضطهاد الجنسي، والعقم المفروض عنوة.
وبسبب الصعوبات التي واجهت اللجنة التحضيرية في تعريف جريمة العدوان من جهة وإصرار الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن على ابقاء مسالة تحديد وقوع عدوان تحت سيطرة من جهة أخرى استبعد جريمة العدوان كليا من النص النهائي للنظام الأساسي ولكن المجموعة العربية عملت جنبا الى جنب مع مجموعات أخرى لا سيما مجموعة عدم الانحياز على ايجاد حل وسطي قضى في النهاية باستبعاد هذه الجريمة لمدة سبع سنوات فقط من بدء نفاذ النظام الأساسي لتعود بعد انقضائها وتدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وارتأت الدول العربية أن تؤمن لسيادتها التي تحاول ابدا إنقاذها حدا من الحماية، فربطت ممارسات المحكمة داخل أراضيها بقوانينها الداخلية. ولهذا، فان اجراءات التعاون الدولي وإلقاء القبض على المتهمين ، والنزاعات الداخلية التي يكون للمحكمة يد فيها، تتم وفقا للقوانين الوطنية، مع التأكيد على احتفاظ الدولة بحق اتباع الوسائل المشروعة جميعها، للحفاظ على وحدتها والدفاع على سلامتها.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فان الرئيس كلينتون وقع على معاهدة رومافي 31 كانون الأول 2000، وبعد أسبوعين حلت ادارة بوش محل كلينتون وسارعت الى استشارة الامم المتحدة حول امكانية العودة عن التوقيع، ولما لم تجد الولايات المتحدة ، سندا قانونيا في القانون الدولي يخولها محو التوقيع عن أي معاهدة، فلجأت الى احكام اتفاقية فيينا التي لا تجيز للدولة الموقعة عرقلة اهداف المعاهدة وغاياتها إلا بعد اعلانها عن رغبتها في عدم التصديق عن المعاهدة او الانضمام إليها فقدمت الولايات المتحدة بيانا الى الامم المتحدة تعلن فيه صراحة رفضها الانضمام الى المحكمة. وبالتالي عدم التزامها بالموجبات القانونية المترتبة على توقيع سلفه على المعاهدة. كانت هذه الخطوة الاولى التي تتخذها امريكا ضد المحكمة الجنائية الدولية بغية حماية مواطنيها العاملين في حفظ السلام على حد قولها. تبعتها مساعي دبلوماسية حول العالم لعقد اتفاقيات ثنائية تحمي مواطنيها من المحاكمة امام المحكمة الجنائية الدولية، وقد استغلت الولايات المتحدة الامريكية نص المادة 98 /2 من نظام روما الذي يمنع المحكمة من المضي قدما بطلب تسليم المتهم، اذا كان الأمر يؤدي الى خرق الدولة لاتفاقية سابقة، كانت قد عقدتها مع دول أخرى، فعقدت اتفاقيات ثنائية مع عدة دول منها: الكويت، الهند، رومانيا، أوزباكستان، طاجكستان، والتايلاند، تمنع فيها هذه الدول من تسليم الأمريكيين ليمثلوا امام المحكمة الجنائية الدولية.
كما اشتد النقاش بين المفاوضين حول مسالة التكامل مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشكل خاص. وتعلقت هذه المسالة الخلافية بالعلاقة بين القانون الدولي عاديا كان أم جنائيا من نا حية، والجسم القضائي الوطني أو القومي من الناحية المقابلة. والمسالة الرئيسية في عمق جميع النقاشات تمثلت فيما إذا كان الإطراف المتفاوضة مستعدة للتنازل عن حقوق سيادية معينة وتمكين المحكمة الجديدة من امتلاك سلطات تتجاوز ما هو متاح في القانون الدولي العام. وتم التوصل إلى اتفاق يقضي بان تكون المحكمة مستقلة عن الأمم المتحدة على أن تربطها بها علاقة تعاون متعدد الجوانب، تنظمه اتفاقية خاصة .
إلا أنه رغم ما سبق، فان هذه المفاوضات كانت مثمرة بتحقيق الغاية التي انعقدت من اجلها، بغض النظر عن الكيفية والمضمون. وهي إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة.

الفرع الثاني: تنظيم المحكمة الجنائية الدولية، وعلاقتها بالأمم المتحدة وجمعية الدول الاطراف
تستمد المحكمة الجنائية الدولية استقلاليتها من توفرها غلى ضمانة عدم تدخل اي جهة مهما كانت طبيعته في اعمالها القضائية، أو تعرقل قراراتها، او تعترض على أحكامها ومن استقلالية قضاتها، بحيث لا يخضعون في ممارستهم لعملهم، إلا لما يمليه عليهم القانون والضمير دون اي اعتبار أخر والتعمق في هذه الاستقلالية التي تمثل ضمانة للمحاكمة العادلة، كان لابد من البحث في نظامها القانوني الذي يتطلب معرفة هيكلتها وضمانات استقلالية عملها.
دخل النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ في 01/07/2002، وبذلك وجدت الهيئة القضائية الدائمة التي لها السلطة لممارسة اختصاصاتها على الأشخاص ازاء اشد الجرائم خطورة وهي موضع اهتمام المجتمع الدولي.
وجاء في النظام الاساسي للمحكمة بان يكون مقرها في لاهاي بهولندا، ولها ان تعقد جلساتها في مكان آخر عندما ترى ذلك مناسبا. وتنظم العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة بموجب اتفاق تعتمده جمعية الدول الاطراف ويبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة نيابة عنها.
أولا: تنظيم المحكمة الجنائية الدولية
حدد نظام روما الاساسي الاجهزة المكونة للمحكمة الجنائية الدولية وهي :
- هيئة الرئاسة
- شعبة استئناف، شعبة ابتدائية، وشعبة تمهيدية.
- مكتب المدعي العام.
- قلم المحكمة.
- بالإضافة إلى جمعية الدول الأطراف.
وهذا ما سنعرضه في الفقرات التالية:
يتكون الجهاز القضائي للمحكمة الجنائية الدولية، من أربعة أجهزة، هي هيئة الرئاسة ومجموعة من الشعب، ومكتب المدعي العام المشكلين للمحكمة الجنائية الدولية، وهم أساس هيكلتها، نظرا للاختصاصات الواسعة الممنوحة لهم بموجب نظامها الأساسي، وأن ضمان استقلالية المحكمة وتحقيق فعاليتها، يقتضي أن يكون الأشخاص الذين يختارون لتولي المناصب في هذه الأجهزة، يتحلون بالأخلاق الرفيعة والحياد والنزاهة، وأن تتوفر فيهم المؤهلات المطلوبة.
ولذلك يستوجب دراسة تكوين هذه الأجهزة واختصاصاتها.
أ) هيئة الرئاسة.
تتكون هذه الهيئة من رئيس ونائبين له، ويتم انتخابهم جميعا من بين قضاة المحكمة بالأغلبية المطلقة للقضاة، وتكون مدة ولايتهم ثلاث سنوات او لحين انتهاء مدة خدمة كل منهم كقاض ايهما اقرب. ويجوز اعادة انتخاب من انتهت ولايته لمرة واحدة فقط.
وفي حالة غياب الرئيس او تنحيه يتولى العمل بدلا عنه النائب الأول وفي حالة غياب كل من الرئيس والنائب الاول او تنحيهما يقوم بمهام الرئاسة النائب الثاني للرئيس، وتكون هذه الهيئة مسؤولة عن الادارة السليمة للمحكمة باستثناء مكتب المدعي العام، وما اوكل اليه من مهام اخرى بموجب النظام الاساسي . كما يقوم بالتنسيق مع المدفعي العام واحذ موافقته، واخذ موافقته بشان جميع المسائل ذات الاهتمام المتبادل عند اضطلاعها بمسؤوليتها.
ب)الدوائر او الشعب.
تتكون المحكمة بشكل عام من 18 قاضيا ، ويجوز اقتراح زيادتهم من قبل هيئة رئاسة المحكمة، وتنظر في هذا الاقتراح جمعية الدول الاطراف التي تجتمع مرة كل سنة، بالإضافة الى اجتماعاتها في الدورات الاستثنائية التي تقضي بها الضرورة. ويجوز في ذات الوقت اقتراح تخفيض عدد القضاة بعد هذه الزيادة بشرط ان لا يقل عددهم عن 18 قاضيا.
اما بخصوص اختيار القضاة للترشيح لهذه المناصب، فيحق لكل دولة من الدول الاطراف ان تقدم ترشيحا لقاض واحد، حتى لو لم يكن من رعاياها، على ان يكون هذا الترشيح مصحوبا ببيان تفصيلي يؤكدج استيفاء المرشح للشروط المذكورة في المادة 36/3، والتي تتمن وجوب تمتع القاضي المرشح بعدد من الصفات الشخصية والمهنية.وهذه الشروط هي كالتالي:
- ان يكون القاضي من ذوي الاخلاق الرفيعة ومشهودا له بالحياد والنزاهة
- ان يكون المرشح مستوفيا لشروط تؤهله للعمل في اعلى المناصب القضائية في الدولة صاحبة الترشيح.
- ان يكون ذا كفاءة ثابتة وخبرة مناسبة في القانون الجنائي والإجراءات الجنائية او في احد فروع القانون الدولي ذات الصلة بالموضوع، مثل القانون الانساني الدولي وقانون حقوق الانسان.
- ان يكون لديه طلاقة في لغة واحدة على الاقل من لغات العمل الاساسية بالمحكمة .
ويتم انتخاب القضاة المرشحين والمستوفين للشروط السابقة عن طريق الاقتراع السري الذي يتم في اجتماع لجمعية الدول الاطراف الذي يعقد لهذا الخصوص، ويتم في هذا الاقتراع مراعاة مايلي:
*التوزيع الجغرافي العادل
*تمثيل النظم القانونية الرئيسية في العالم
* تمثيل عادل للاناث والذكور من القضاة.
* ان يتم انتخاب تسعة قضاة على الاقل من ذوي الاختصاص في القانون الجنائي.
بينما يجري انتخاب خمسة قضاة على الاقل من ذوي الاختصاص في القانون الدولي. ويجتمع القضاة بعد شهرين من انتخابهم لانتخاب الرئيس ونوابه، والمسجل والقضاة في الشعب، ولإقرار لائحة المحكمة.
وخلافا للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة يقضي قضاة الاستئناف ولاية السنوات التسع كلها في دائرة الاستئناف، في حين يقضي قضاة الشعبة الابتدائية وشعبة ما قبل المحاكمة، ثلاث سنوات على الاقل ضمن دوائرهم. ويتوزع القضاة في الشعب بحسب مؤهلاتهم وخبراتهم.
الا أن يجوز انتقال قضاة الدائرة الابتدائية ودائرة ما قبل المحاكمة بين هاتين الدائرتين، شرط عدم تولي قاضي من دائرة ما قبل المحاكمة القضية ذاتها في الدائرة الابتدائية، لا يصح ذلك بالنسبة الى قضاة دائرة الاستئناف، فقد منعت المادة 39 الحاق قضاة الاستئناف بالشعب الأخرى كي لا يقوم قاضي الابتداء بالنظر في القضية في مرحلة الاستئناف .
وتتولى هيئة الرئاسة تسمية قضاة كل شعبة من بين هيئة قضاة المحكمة، بحسب ما تقرره اللائحة الداخلية والنظام الاساسي للمحكمة وذلك على النحو التالي:
* الشعبة التمهيدية: وتتألف من عدد لا يقل عن ستة قضاة، ويجوز ان تتشكل فيها اكثر من دائرة تمهيدية اذا كان حسن سير العمل بالمحكمة يتطلب ذلك، ويتولى مهام الدائرة التمهيدية اما ثلاثة قضاة من الشعبة التمهيدية او قاضي واحد من تلك الشعبة، ومدة ولاية قضاة الشعبة التمهيدية ثلاث سنوات او لحين الانتهاء من نظر القضية التي قد بدا بالفعل النظر فيها، ويراعى في القضاة ان يكونوا من ذوي الخبرات العالمية في القانون الدولي والقانون الجنائي والإجراءات الجنائية، وان يكونوا من ذوي الخبرة في المحاكمات الجنائية.
*الشعبة الابتدائية: وتتألف هذه الشعبة من عدد لا يقل عن ستة قضاة، من ذوي الخبرات الواسعة في مجال القانون الدولي والقانون الجنائي والمحاكمات الجنائية، ويجوز ان تتشكل داخل الشعبة الابتدائية اكثر من دائرة ابتدائية في ذات الوقت، اذا كان حسن سير العمل بالمحكمة يتطلب ذلك، ويقوم ثلاثة من قضاة الشعبة الابتدائية بمهام الدائرة الابتدائية، ويعمل قضاة الشعبة الابتدائية لمدة ثلاث سنوات او لحين اتمام القضية التي ينظرونها.
ويجوز الحاق قضاة من الدائرة الابتدائية للعمل في الدائرة التمهيدية او العكس، اذا رات هيئة الرئاسة ان في ذلك ما يحقق حسن سير العمل بالمحكمة بشرط الا يشترك قاضي في الدائرة الابتدجائية، في نظر قضية سبق ان عرضت عليه عندما كان عضوا في الدائرة التمهيدية.
*شعبة الاستئناف: وتتألف هذه الشعبة من الرئيس وأربعة قضاة آخرين ويتم العمل فيها على هيئة دوائر، وتتألف الدوائر الاستئنافية من جميع قضاة الشعبة الاستئنافية، ويكون قضاة دائرة الاستئناف من ذوي الخبرات الواسعة في مجال القانون الدولي والقانون الجنائي والإجراءات الجنائية. ويعمل القضاة المعينون لشعبة الاستئناف مدة ولايتهم كاملة، ولا يجوز لهم العمل إلا في تلك الشعبة، ويحضر على القاضي المشاركة في عضوية دائرة تنظر قضية لدولة شاكية هو احد مواطنيها، او ان يكون المتهم في قضية من الدول التي يحمل جنسيتها .
ج) مكتب المدعي العام:ويتكون من المدعي العام رئيسا، ونائبا له او عدد من النواب، وعدد من الموظفين المؤهلين يعينهم المدعي العام بعد موافقة جمعية الدول الأطراف ويعمل هذ ا المكتب بوصفه جهازا مستقلا عن اجهزة المحكمة الأخرى كما يعمل من الناحية النظرية بوصفه جهازا مستقلا عن أي تأثير خارجي، حيث لا يسمح لأعضائه بتلقي أي تعليمات من جهات خارجية.
ويتولى المكتب تلقي الاحالات وأية معلومات موثوقة عن جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، وذلك لدراستها ولغرض الاضطلاع بمهام التحقيق والمقاضاة امام المحكمة.
ويتم انتخاب المدعي العام بالاقتراع السري بالأغلبية المطلقة لأعضاء جمعية الدول الاطراف،لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد، باستثناء من تم تعيينه لمدة ثلاث سنوات او أقل وذلك حفاظا على استقلاليتهم. وللمدعي العام او احد نوابه طلب اعفائه من أي قضية من هيئة الرئاسة، كما للمتقاضين طلب عدم صلاحية المدعي العام او احد نوابه ، وتكون دائرة الاستئناف عندها الجهة المختصة بالنظر في طروحات عدم الصلاحية. ويقوم المدعي العام بتسمية ثلاثة مرشحين لكل منصب مقرر شغله من مناصب نواب المدعي العام، وينتخب نواب المدعي العام بنفس الطريقة التي ينتخب بها المدعي العام، وتكون مدة ولاية المدعى العام ونوابه تسع سنوات مالم يحدد لهم وقت انتخابهم مدة اقصر، ولا يجوز اعادة انتخاب من انتهت ولايته منهم.
ويشترط في المدعي العام ونوابه ان يكونوا من جنسيات مختلفة ويحظر عليهم مزاولة أي نشاط او عمل يتعارض مع مهام الادعاء او ينال من الثقة في استقلالهم ولا يحق لهم مزاولة أي عمل اخر ذات طابع مهني . كما لا يجوز لهم ان يكون حيادهم فيها موطن شك معقول لأي سبب كان، فيتم تنحيتهم عنذ ذلك، عن أي قضية سبق ان اشترك فيها بأي وجه من الوجوه، ومن حق الشخص الخاضع للتحقيق او المقاضاة ان يطلب تنحية المدعي العام للأسباب السابقة، وتختص دائرة الاستئناف بالفص في أي شكوى تتعلق بتنحية المدعي العام او احد نوابه، ويحق للمدعي العام تعيين مستشارين من ذوي الخبرة القانونية في مجالات محددة، على سبيل المثال لا الحصر المسائل المتعلقة بالعنف الجنسي، والعنف بين الجنسين، والعنف ضد الاطفال.
د) قلم كتاب المحكمة: وهو الجهاز المسئول عن الجوانب غير القضائية في ادارة المحكمة وتزويدها بالخدمات بما لا يتعارض مع وظائف وسلطات المدعي العام ، ويتولى رئاسة قلم المحكمة المسجل، ويكون المسئول الاداري الرئيسي في المحكمة ويمارس مهامه تحت سلطة رئيس المحكمة .
ويتم انتخاب المسجل من قبل القضاة بالأغلبية المطلقة عن طريق الاقتراع السري، على ان يؤخذ في عين الاعتبار اية توصية تقدم من جمعية الدول الأطراف وينتخب نائب المسجل بنفس الطريقة اذا تطلب العمل بذلك، بناء على توصية من المسجل، ومدة ولاية المسجل خمس سنوات قابلة للتجديد بذات الطريقة لمرة واحدة فقط، ومدة ولاية نائب المسجل خمس سنوات او لمدة اقصر بحسب ما تقرره الاغلبية المطلقة للقضاة .
ويشترط في المسجل ونائبه ان يكونوا من ذوي الاخلاق الرفيعة والكفاءة العالية، وعلى معرفة ممتازة وطلاقة في لغة واحدة على الاقل من لغات العمل بالمحكمة.
ويقوم المسجل بتشاور مع المدعي العام بإنشاء وحدة للمجنى عليهم والشهود ضمن قلم المحكمة، وكذلك لتدابير الحماية والترتيبات الامنية والمشورة والمساعدات الملائمة والمجنى عليهم الذين يمثلون امام المحكمة، وتضم وحدة موظفين من ذوي الخبرة في مجال الصدمات النفسية بما في ذلك الصدمات ذات الصلة بجرائم العنف الجنسي ، ويعين المسجل الموظفين اللازمين لمكتبه، وبما يكفل منهم توافر اعلى معايير النزاهة والمقدرة والكفاءة، مع مراعاة النظم القانونية والتوزيع الجغرافي في العدل.
وللمسجل اقتراح نظام اساسي للموظفين توافق عليه هيئة الرئاسة والمدعي العام، ويشمل هذا النظام شروط التعيين للموظفين والمكافأة والفصل، على ان توافق على هذا النظام جمعية الدول الاطراف.
ذ)جمعية الدول اللأطراف.
تعتبر جمعية الدول الأطراف ، الهيئة التشريعية وهيئة إدارة الرقابة للمحكمة الجناية الدولية، تشكلت وفقا للفقرة 11 من نظام روما الأساسي. وتتشكل من جميع الدول الاطراف في النظام الاساسي للمحكمة، وتضم ممثلا يرشحه رئيس الدولة او وزير الخارجية عن كل دولة تصادق على معاهدة روما او تنضم اليها، اما الدول الموقعة عليها فلممثلها حق المشاركة من دون التصويت وللرئيس عند بدء دورة جمعية الدول، وبموافقة مسبقة منها، ان يدعو احدى الدول التي لا تتمتع بحق المشاركة، لتعين ممثلا عنها لحضور اعمال الجمعية.
ولكل دولة عضو فيها ممثل واحد، وصوت واحد وجميع الاصوات متساوية بها، ويحاول الجميع التوصل الى القرارات بتوافق الاراء في الجمعية وفي المكتب ما امكن ذلك. وإذا لم يكن التوافق تتخذ القرارات المتعلقة بالمسائل الموضوعية بأغلبية ثلثي الحاضرين المصوتين، بشرط توفير النصاب القانوني لصحة ألاجتماع وهو حضور الاغلبية المطلقة للدول الأعضاء أما في المسائل الإجرائية فتعتمد القرارات فيها بالأغلبية البسيطة للدول الاطراف الحاضرين والمشتركين في التصويت.
ويجوز ان يرافق ممثل الدولة العضو مناوبون ومستشارون، وقد قصر النظام الاساسي للمحكمة العضوية فيها على الدول الاطراف في نظام روما، وهذا امر يتفق ومنطق الأمور فمن غير المقبول منح العضوية لدول لم تصادق على النظام الاساسي او على الوثيقة الختامية لمؤتمر روما ولم تصبح طرفا في نظام المحكمة.
يكون لهذه الجمعية مكتب يتكون من رئيس ونائبين له، و18 عضوا، يتم انتخابهم من جمعية الدول الأطراف لمدة ثلاث سنوات، وتكون لمكتب الجمعية صفة تمثيلية، على ان يراعى بصفة خاصة التوزيع الجغرافي العادل، والتمثيل المناسب للنظم الرئيسية في العالم. ويساعد مكتب الجمعية في اداء المهام المسندة إليها ويجتمع كلما دعت الضرورة الى ذلك على ألا يقل عدد الاجتماعات عن مرة واحدة في السنة.
وللجمعية الدول الاطراف ان تنشئ اية هيئة فرعية تتطلبها الحاجة، بما فيها انشاء الية رقابة مستقلة لأغراض التفتيش والتحقيق في شؤون المحكمة من اجل رفع كفاءة المحكمة والاقتصاد في نفقاتها، ويحق لرئيس المحكمة والمدعي العام والمسجل وممثليهم المشاركة في اجتماعات الجمعية والمكتب حسبما يكون ذلك مناسبا.
تعقد جمعية الدول الاطراف دورة عادية مرة واحدة في السنة ، ولها ان تعقد دورات استثنائية كلما دعت الضرورة الى ذلك، بموجب مبادرة من مكتب الجمعية، او بناء على طلب الدول الأطراف وتكون اجتماعتها في مقر المحكمة او في مقر الامم المتحدة .
أما اختصاصات جمعية الدول الأطراف التي حددها النظام الاساسي للمحكمة، وهي كالتالي :
1- اعتماد العلاقة التي تحدد طبيعة العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة.
2- نظر واعتماد توصيات اللجنة التحضيرية حسبما يكون مناسبا
3- توفير الرقابة الادارية على هيئة رئاسة المحكمة والمدعي العام والمسجل فيما يتعلق بإدارة المحكمة.
4- النظر في انشطة وتقارير المكتب التابع للجمعية واتخاذ الاجراءات المناسبة فيما يتعلق بهذه الانشطة والتقارير.
5- مناقشة ميزانية المحكمة واعتمادها.
6- الفصل في مسالة تعديل عدد القضاة بالزيادة او النقصان وفقا للمادة 36 من نظام روما.
7- البث في اية مسالة تتعلق بعدم التعاون القضائي وعدم تقديم المساعدة القضائية للمحكمة عملا بالمادة 87/5،7 من نظام روما
8- القيام بأية مهمة اخرى تتفق مع النظام الاساسي للمحكمة ومع القواعد الاجرائية وقواعد الاثبات.
9- تختص باتخاذ القرار بالاقتراع السري المتعلق بعزل القاضي من منصبه بأغلبية ثلثي الدول الاطراف بناء على توصية اغلبية ثلثي القضاة.
10- تختص باتخاذ القرار المتعلق بعزل المدعي العام او نوابه بالأغلبية المطلقة للدول الأطراف وبتوصية من المدعي العام في القرار المتخذ ضد النائب، وفي حالة المسجل او نائبه فيتخذ قرار العزل بالأغلبية المطلقة للقضاة.
11- اضافة الى الامور الاخرى المنصوص عليها في النظام الاساسي للمحكمة، تتولى الجمعية اختيار قضاة المحكمة بأغلبية ثلثي الاعضاء الحاضرين والمشتركين بالتصويت، وتعتمد نظامها الداخلي.
أما بخصوص تمويل المحكمة الجنائية الدولية، فتعتمد جمعية الدول الاطراف نظاما ماليا وقواعد مالية تحكم مسائل المحكمة المالية، وتمول المحكمة نفسها من خلال اشتراكات أعضاء الأمم المتحدة، في الميزانية العادية، أي بناء على حسابات سكان البلد وثروته، مع تعيين الح الاقصى الذي يمكن ان يصل اليه هذا التقييم، فضلا عن الاموال المقدمة من مجلس الامن بموافقة جمعية الدول الإطراف، وخاصة تلك التي تغطي نفقات القضايا التي يحيلها مجلس الامن الى المحكمة. وهي غير ملزمة بذلك ، ونظرا إلى المساهمات والتبرعات المقدمة من الحكومات والمنظمات الدولية والشركات والأفراد والهيئات الأخرى في المحاكم الدولية المؤقتة. وتع جمعية الدول الاطراف معايير لقبول هذه التبرعات.
أما اللغات الرسمية المستعملة للمحكمة هي الاسبانية ولانجليزية والروسية والصينية والعربية والفرنسية وتنشر بها الأحكام الصادرة عن المحكمة، وتكون لغات العمل بالمحكمة بالفرنسية والانجليزية،وبناء على طلب اي طرف في الدعوى تأذن المحكمة باستخدام لغة خلاف ذلك شريطة أن يكون لهذا الطلب ما يبرره.
ثانيا: علاقة المحكمة الجنائية الدولية بالأمم المتحدة وبجمعية الدول الاطراف
1) علاقة المحكمة الجنائية الدولية بالأمم المتحدة
لقد كان للأمم المتحدة دور مميز في خروج المحكمة الجنائية الدولية الى الوجود، وقد اكدت ديباجة نظام روما على استقلالية المحكمة وألمحت إلى وجود علاقة لها بالأمم المتحدة، على ان تنظم هذه العلاقة وفقا للمادة2 بموجب اتفاق يدير نقاشه رئيس المحكمة، ليقدمه الى جمعية الدول الاطراف، ويبرمه بعد موافقة الجمعية نيابة عن المحكمة. ورغم استقلالة هاتين الهيئتين يجمع بينهما هدف مشترك الا وهو المشاركة الفعالة في احياء الامن والسلم الدوليين. فعند تاسيس مجلس الامن لمحكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا، دخل المجلس مجال ملاحقة الجرائم الدولية الجزائية، كجزء من مهامه في حفظ الامن والسلم الدوليين، وفي محاذاته، تقلدت المحكمة الجنائية الدولية منصبا رادعا في صيانة السلم الدولي يكمن في ملاحقة مرتكبي الجرائم التي تهدد سلامة العالم، وانزال العقوبات بهم، وبالتالي منع ارتكاب مثل هذه الجرائم في المستقبل .
إلا ان كلا من محكمتي نورنبرغ وطوكيو لم يكن يربطهما اي ارتباط بالامم المتحدة وباجهزتها. لان انشائهما كان سابقا عن انشاء الامم المتحدة. لكن رغم ذلك فقد تبنت الامم المتحدة الكثير من القواعد التي ارستها هاتين المحكمتين. وبما ان التعاون المالي والاداري لا يؤثر بشكل مباشر على النظام القضائي للمحكمة، فاننا سنقتصر على التعاون الاجرائي ، التشريعي و القضائي. بينهما . حيث بين نظام روما والاتفاق التفاوضي بينهما أوجه هذا التعاون الذي من شانه ان يدعم مركز المحكمة العالمي وديمومتها من خلال ما يلي:
*التعاون الاجرائي بين الامم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.
من أهم أوجه التعاون الإجرائي بين الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية ،تتجلى في تزويد المحكمة بالمعلومات التي تحتاجها لاستكمال إجراءات التحقيق والاتهام، وجمع الادلة، وتزويد المدعى العام فيها بالمعلومات والمستندات المطلوبة ، بعد ان يوجه طلبه بهذا الخصوص، الى الامين العام، للامم المتحدة، الذي يقوم باحالته الى رئيس الهيئة المعنية، ا والى مسؤول آخر يتولى هذه المهمة.بالاضافة الى ذلك، يتمثل هذا التعاون ، في رفع الحصانة عن موظفيها المتورطين بارتكاب جرائم تدخل في اختصاصها، مع العلم أنهم يتمتعون بالحصانة القضائية بموجب اتفاقية عام 1946 المتعلقة بامتيازات وحصانات الامم المتحدة، لكن لا تستطيع المحكمة القيام بذلك الا بموافقة الامين العام للامم المتحدة، وهذا هو ما تناوله الاتفاق التفاوضي بينهما، هذا بالاضافة الى اشكال اخرى من اوجه التعاون والمساعدة تتفق مع احكام ميثاق الامم المتحدة، كالسماح لموظفيها بتقديم الشهادة للمحكمة، كما يجوز للمحكمة ان تامر بناء على طلب الامم المتحدة باتخاذ التدابير اللازمة لحماية ملائمة لموظفي الامم المتحدة المطلوبين، اذا ما كان الكشف عن هذه المعلومات او المستندات من شان تعريض سلامة او امن موظفي الامم المتحدة الحاليين او السابقين للاذى. او يضر باي عملية او نشاط للامم المتحدة . واذا تعلق الامر بدولة عضو بالامم المتحدة رفضت السماح لها بتقديم معلومات كانت هي مصدرها، ففي فترة زمنية معقولة تبلغ الأمم المتحدة المحكمة بعدم قدرتها على توفير تلك المعلومات او المستندات المطلوبة، بسبب وجود التزام مسبق بالمحافظة على السرية مع مصدر المعلومات. او يرخص الامين العام للامم المتحدة عند الاقتضاء بتعيين ممثل لمساعدة كل موظف مرتبط بالامم المتحدة، ويطلب منه المثول في اجراء تقوم به المحكمة .
لكن رفع الحصانات والامتيازات عن موظفي الامم المتحدة، يعد من أهم العوائق التي تقف حاجزا امام تحقيق العدالة واحقاق الحق، لأنه بالرغم من أن نظام روما نص على عدم الاعتداد بالحصانات الممنوحة للأشخاص، اي استبعد مبدا الحصانة بشكل كامل. وهنا يجب على الامم المتحدة التعاون مع المحكمة لممارسة اختصاصتها.برفع الحصانة على موظفيها اذا ما كانوا متهمين من قبل المحكمة. أما بالنسبة للجرائم المرتكبة ضد موظفي الأمم المتحدة، التي كانت محل نقاش حاد في مفاوضات روما، حيث تقدمت المكسيك بمشروع قرار الى مجلس الامن يدعو فيه الى حماية العاملين بالامم المتحدة في انحاء العالم، اثر الهجوم الانتحاري على مقر ها ببغداد بالعراق في2003، تبنته عدة دول( بلغاريا، فرنسا، المانيا، روسيا، وسوريا) كما أيده أغلبية اعضاء مجلس الأمن، يتضمن محاكمة مرتكبي الجرائم ضد موظفي الامم المتحدة امام المحكمة الجنائية الدولية، ومجموعة من الجرائم، منها الاختطاف والقتل المتعمد والاغتصاب وغيرها من الجرائم التي حددتها لوائح المحكمة الجنائية الدولية والمصنفة ضمن جرائم الحرب، تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ولو لم يكن هذا الاعتداء في اطار نزاع مسلح دولي، وهو شرط يجب توفره لاعمال الفقرة الفرعية 3/ب/2 من المادة 8 من نظام روما، الا أن الولايات المتحدة الأمريكية لطالبت بتاجيل التصويت على المشروع، على امل للوصول الى صيغة لنص يمنح نوعا من الحصانة لافراد القوات الامريكية، فتم حذف الفقرة التي تشير الى المحكمة من المشروع ، مكتفيا بحث الدول على معاقبة مرتكبي تلك الجرائم فقط. وصدر قرار مجلس الأمن رقم 1502 عام 2003، وانطلاقا مما سبق، فان الاعتداءات التي تقع على موظفي الامم المتحدة، لا تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، الا في حالة ارتكابها ضد العاملين في المهام الانسانية او حفظ السلام، وضمن جرائم الحرب فقط، التي يشترط لتحقيقها وقوع هذا الاعتداء، في اطار نزاع دولي مسلح.


*التعاون التشريعي بين الامم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.
التعاون بين الهيئتين، نوعان: هناك تعاون تشريعي يمكنه ان يؤثر في تشريعات المحكمة، وتعاون آخر مجرد دعم لوجستيكي، تقدمه المنظمة الدولية للمحكمة الجنائية الدولية، عند اعداد تشريعاتها الخاصة، عند تعديلها او عند التصديق عليها، فعند ذلك ، لا يكون لهذا التعاون اي اثر على فحوى تلك التشريعات التي تتعلق بالجانب القضائي.
وعليه، فان الامم المتحدة ليس لها دور مباشر في اعداد وتعديل التشريعات الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، كما كان الحال مع محكمتي يوغسلافيا سابقا ورواندا.
وللأمم المتحدة ان تقترح بنودا تدرج ضمن جدول اعمال جمعية الأطراف لكي تنظر فيها. كما ان لها دعوى مفتوحة بموجب المادتين 35 و 36 من النظام الداخلي لجمعية الأطراف للمشاركة في اعمال ومداولات الجمعية دون ان يكون لها حق التصويت . وهذا عكس ما وقع بعد انشاء مجلس الامن لمحكمة يوغسلافيا سابقا ورواندا، حيث انه كان حث عام 1998مكتب المدعي العام لمحكمة يوغسلافيا سابقا على جمع المعلومات المتصلة بالعنف في احداث كوسوفو، كما دعاه الى اجراء تحقيق فوري وكامل في جميع الاعمال الوحشية.
اما بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية ، فانه بالرغم من ان لمجلس الامن الحق في تحريك الدعوى ضد مرتكبي الجرائم الدولية، بكونها تمس الامن والسلم الدوليين، بموجب الفصل السابع من الميثاق. ولو انصرفت الحالة الى جريمة دولية لم تقبل جميع الدول المعنية بها باختصاصها. فانه يعتبر من الاطراف التي حددها النظام الاساسي لجمعية الدول الاطراف في المادة 13، والتي لها صلاحية تحريك الدعوى، أحد الاطراف في النزاع او المدعي العام للمحكمة ، فلمجلس الامن ان يحيل الى المدعي العام اي حالة ، يبدو فيها ان جريمة او اكثر من الجرائم الداخلة في اختصاصها قد ارتكبت. وذلك عن طريق الامين العام للأمم المتحدة، الذي يحيله بواسطة قرار خطي الى المدعي العام، مشفوعا بالمستندات والمواد الاخرى. ومقابل ذلك تحيل المحكمة الجنائية الدولية المعلومات الى مجلس الأمن عن طريق الامين العام للأمم المتحدة .
وبهذا شكل مجلس الامن استثناء من قاعدة الرضائية التي تشترط موافقة مجمل الدول المعنية لتحريك الدعوى امام المحكمة الجنائية. وهذا اثار عدة انتقادات بخصوص منح حق تحريك الدعوى من قبل هيئة سياسية هي مجلس الامن. حيث سعت الولايات المتحدة الامريكية جاهدة الى المطالبة بتمكين مجلس الامن وحده من تحريك الدعاوى. إلا انه بقي جنبا الى جنب في ذلك مع الدول الاطراف والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
كما لمجلس الامن ان يصدر قرارا يوصي بمقتضاه عدم البدء في التحقيق او المقاضاة او وقفها في اي مرحلة من مراحل التحقيق او المحاكمة. وعلى المحكمة التقيد بمقتضاه. ومن جهة اخرى، اذا متنعت أحد الدول عن تقديم المساعدة للمحكمة، فان المحكمة يمكنها ان تتخذ قرارا بشانها او تحيل المسالة الى جمعية الاطراف او الى مجلس الامن ايضا اذا كان هو من احال القرار الى المحكمة.وذلك بواسطة مسجل المحكمة الذي قرار المحكمة الى مجلس الامن عن طريق الامين العام للامم المتحدة. مشفوعا بالمعلومات ذات الصلة بالقضية. فيتخذ مجلس الامن ما يراه مناسبا ويخبر المحكمة والمسجل عن طريق ا لامين العام . كما لمجلس الامن دور مهم في تحيد مفهوم جريمة العدوان بناء للفصل 7 من الميثاق. واذا فشل هذا الاخير في اصدار قرار بشان جريمة العدوان لسبب او لاخر، هناك من راى احالته على المحكمة الجنائية و الدولية لتمارس اختصاصها او احالته الى محكمة العدل الدولية بناء على طلب الجمعية العامة او مجلس لامن لاصدار راي استشاري بوقوع جريمة العدوان. ومن تم احالة الموضوع الى المحكمة الجنائية الدولية. ولا زال الى حد الان هذا محل نقاش بين الدول.
من هنا ، نلاحظ ان مجلس الامن يشكل قيدا على المحكمة يكبل يدها في استمرارها بممارسة اختصاصاتها في نظر اية دعوى. وفي اية مرحلة كانت. ابتداء من التحقيق والى ما قبل اصدار الحكم. ولمدة سنة قابلة للتجديد لمرات غير محددة ، ودون مراعاة لأي اعتبار اخر بما في ذلك المجنى عليه. وخاصة وان مجلس الامن تسيطر عليه السياسة لا العدالة القانونية.وهذا يثير الشك في نزاهة وحيدة التحقيقات والمحاكمات الجنائية الدولية.وانه بالرغم من التوصل الى تعريف لجريمة العدوان، فان أغلبها لن يعرض على المحكمة، بسبب حق الفيتو للدول العظمى بمجلس الامن .
2) علاقة المحكمة الجنائية الدولية بجمعية الدول الاطراف
تعتبر جمعية الدول الاطراف الهيئة التشريعية للمحكمة الجنائية الدولية، تم إنشاؤها بموجب اتفاقية دولية تبعا للمادة 113 من نظام روما الأساسي، تتولى مهمة الاشراف العام على المحكمة وتولي امورها التشريعية والمالية، معتمدة على نظامها الداخلي المنظم لأعمالها، وتثير علاقتها هذه بالمحكمة العديد من الإشكاليات، بخصوص طبيعتها، وفي الواقع فهي ليست جهازا يفوقها من اجهزة المحكمة، كما أنها ليست من الناحية القضائية جهازا يفوقها، او اعلى منها، لكن رغم ذلك فلها ارتباط وثيق بها، من الناحية الادارية والمالية العامة، فضلا عما لها من صلاحية تعديل النظام الاساسي وقواعد الاجراءات والاثبات وعناصر الجريمة، بما في ذلك القواعد المتصلة بالآليات الادارية والمالية لعمل المحكمة، وهو ما يعني صلتها الوثيقة بالنظام القضائي أيضا. الا ان نظام روما فقد اقتصر على ذكر عضوية الدول فيها، ولم يتطرق الى المنظمات الدولية والاقليمية الحكومية منها وغير الحكومية، لان عمل المحكمة لا يهم الدول فقط وانما يخص ايضا المنظات الدولية، الا ان النظام الداخلي لجمعية الاطراف قد عالج هذه المسالة، فمنح المنظمات فرصة المشاركة في مداولات الجمعية وهيئاتها الفرعية بصفتهم مراقبين، دون أن يكون لهم حق التصويت. وخصوصا وان العديد من المنظات غير الحكومية لعبت دورا بارزا في مؤتمر روما الدبلوماسي، وساهمت في التعريف بالمحكمة وحث الدول على الانضمام الى نظامها الاساسي، مما كان له الاثر الايجابي في دخول هذا النظام حيز التنفيذ.
كما أن المشاركة في إعمال الجمعية، مفتوحة لبعض الأشخاص الطبيعيين أيضا، الى جانب الدول والمنظمات، بحكم مناصبهم وليس بصفتهم الشخصية، دون ان يتمتعوا بعضوية الجمعية او حق التصويت، اذ يجوز لرئيس المحكمة والمدعي العام والمسجل او ممثليهم ان يشاركوا حسيما يكون مناسبا في اجتماعات الجمعية واجتماعات مكتبها، كما يجوز لهم الادلاء ببيانات شفوية او خطية، ولهم الحق في ان يقدموا معلومات بشان اي مسالة قيد النظر، وهي ذات الصلاحيات الممنوحة للامين العام للامم المتحدة او للعضو النائب عنه، وذلك تبعا للعلاقة الوطيدة للامم المتحدة بالمحكمة، الا ان البيانات التي يقدمها هذا الاخير او نائبه فهي متعلقة فقط بالمسائل التي تنظر فيها الجمعية ولها علاقة بأنشطة الأمم المتحدة. ورغم ذلك، فان دور هؤلاء مهم وله تاثير أدبي على أشغال الجمعية، لأنهم أدرى بمجالات عملهم، فيما يخص باختصاصات الجمعية، سواء تعلق الأمر بالنظام القضائي للمحكمة أو نظامها القانوني الذي يشكل النظام القضائي جزء منه، وبالتالي فان حضور هؤلاء سيضعون الأمور في نصابها. وهذا كله فانه من أجل تحقيق وضمان العدالة الدولية.
المطلب الثاني: الدعوى الجزائية امام المحكمة الجنائية الدولية
يحدد الاختصاص نطاق أعمال المحكمة القانوني، سواء من حيث الزمان أو المكان أو حيث الموضوع، وقد استولى موضوع الاختصاص على الحيز الأهم والأصعب من نقاشات مؤتمر روما وما سبقه من نقاشات لمؤتمر المتفاوضين الدبلوماسيين واللجنة التحضيرية، ولا تزال المادة 12 من نظام روما المتعلقة بالشروط المسبقة لممارسة الاختصاص، تثير ردات فعل مختلفة بين الدول، حيث رفض اختصاصها كل من الهند ،المكسيك ،اليابان واندونيسيا، باعتباره يهدد سيادتها، كما تنظر إلى صلاحية مجلس الأمن بعين الحذر والعدائية أحيانا. فبالنسبة للقضايا التي تحال إلى المدعي العام للمحكمة، من قبل دولة طرف، والقضايا التي يباشر فيها المدعي العام التحقيق، يجب تامين موافقة الدولة التي وقع فيها الجرم، أو دولة جنسية المعتدي أو كلتيهما، على الإحالة لينعقد اختصاص المحكمة.
الفرع الأول: اختصاص المحكمة الجنائية الدولية والقانون الواجب التطبيق .
يمكن تقسيم اختصاصات المحكمة، إلى الاختصاص العادي للمحكمة الذي يشمل الاختصاص الزماني والإقليمي والشخصي، والاختصاص الغير عادي للمحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى الاستثناءات الواردة على اختصاص المحكمة.
أولا: الاختصاصات العادية و الغير عادية للمحكمة الجنائية الدولية والاستثناءت الواردة عليها
1) الاختصاصات العادية والغير عادية للمحكمة الجنائية الدولية
أ) الاختصاصات العادية
تتمثل الاختصاصات العادية للمحكمة في الاختصاص الزماني والاختصاص الاقليمي، والاختصاص الشخصي والاختصاص الموضوعي. وهذا ما سنتطرق اليه في الفقرات التالية دون الدخول في التفاصيل في مسالة التكامل بين المحكمة والدول.


ـ الاختصاص الزماني.
حددت هذا الاختصاص المادة 11 من نظام روما باقصائها الجرائم المرتكبة قبل دخول هذا النظام حيز التنفيذ، من اختصاص المحكمة، اي بعد ستين يوما من ايداع صك المصادقة او القبول الستين لدى الامين العام في الامم المتحدة. وذلك طبقا لمبدا عدم رجعية ادوات القانون الدولي وفق ما ورد في اتفاقية فيينا 1969. ويسري الاختصاص على الدول المنضمة الى النظام الاساسي بتاريخ لاحق لنفاذه ، الا انه للدول المنضمة وفقا للفقرة الثانية من المادة 11 بعد بدء نفاذ المعاهدة تجاهها، ان تعلن قبولها باختصاص المحكمة فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في الفترة الممتدة بين بدء نفاذ النظام الاساسي وقبولها به. وسكوت نص المعاهدة عن الجرائم المرتكبة قبل نفاذها والتي تستمر نتائجها او ستستمر الى فترة لاحقة. الا أن عدم ملاحقة المجرمين امام المحكمة بمفعول رجعي، لا يمنحهم حصانة من التقاضي، اذ للمحاكم الوطنية ان تتولى محاكمتهم على اساس الاختصاص الجنائي العالمي اذا لم تحرك الدولة صاحبة الاختصاص الإقليمي او الشخصي. والا فلت من المتابعة والعقاب عدد كبير من المجرمين. وبالتالي عدم ضمان تحقيق العدالة العالمية.
ـ الاختصاص الاقليمي
ويرتكز على مبدأ راسخ في القوانين الداخلية والدولية هو سيادة الدولة على اراضيها، ويقف هذا الاختصاص مستقلا عن الاختصاص الشخصي، كي ينعقد اختصاص المحكمة في النظر في قضايا جرائم المادة 5 من نظام روما غند وقوعها في اقليم احدى الدول الاطراف، سواء اكان المعتدي تابعا لدولة طرف ا والى دولة ثالثة، مع ان الدولة الثالثة غير ملزمة بالتعاون مع دولة الاقليم الا بتوافر رابط دولي كاتفاقيات التسليم او المعاهدات المتعددة الاطراف.لكن المادة 12 لم تشر الى امكانية التوسع في نطاق الاختصاص الإقليمي للمحكمة. كما لم تتطرق الى حالة وقوع الجرم في دولة طرف، في الوقت الذي تكون فيه دولة الجنسية قد اعلنت عن عدم قبولها اختصاص المحكمة وفقا للمادة 124 من نظامها الاساسي. وينعقد الاختصاص ارقليمي للمحكمة، وفقا للمادة 13 من نظام روما اي باحالة من مجلس الامن شرط الا تكون دولة الجنسية غير قابلة بهذا الاختصاص ةفقا للمادة 124.
ـ الاختصاص الشخصي.
حسب المادة 25 ان الافراد الذين يعملون لحساب الدول التي لا تتمتع المحكمة في النظر في مسؤوليتها، او يتصرفون باسمها، وان لم يتمتعوا بسلطاتها، يحاكمون على اساس شخصهم من دون ان يعفى الاختصاص الشخصي هذه الدول من مسؤوليتها. وتشكل الجنسية الاساس الثاني لاختصاص المحكمة الجمائية الدولية العادي، ويقتصلر الاختصاص الشخصي بهذا المعنى مبدئيا على رعايا الدول الاطراف البالغين سن الثامنة عشر عند ارتكاب الجرم، ويمتد ليشمل:
اولا : رعايا الدول الثالثة القابلة باختصاص المحكمة المؤقت، بموجب اعلان صريح،
وثانيا : رعايا الدول الثالثة المتهمين بارتكاب احدى جرائم المادة 5 على اقليم دولة طرف. وهذه الحالة، التي يمكنها اخضاع جنود امريكيين موكلين بمهمة حفظ السلام على اراضي دول اطراف في معاهدة روما، لاختصاص المحكمة، اعترضت عليها الولايات المتحدة الامريكية، بحجة ان ذلك يحول دون اتمام قوات حفظ السلام موجباتها التحالفية العسكرية، كما يحول دون مشاركتها في العمليات المتعددة الجنسية بما فيها التدخل الانساني لانقاذ المدنيين.
ـ الاختصاص الموضوعي.
يتعلق هذا الاختصاص بالجرائم الممكن ملاحقة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتعتبر الجرائم الاخطر التي تثير قلق المجتمع الدولي محور الاختصاص الموضوعي للمحكمة، وقد اختصرتها المادة 5 بجرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان، وحدد اركانها –المادي والمعنوي- ، أما جرائم تهريب المخدرات والارهاب فقد اسبعد من مؤتمر روما. كما اتاحت المادة 124 للدول أن تعلن عن عدم قبولها فئة جرائم الحرب لدى الادعاء على مواطنيها باحدى جرائم الحرب، عندما تصبح طرفا في معاهدة روما. وذلك خلال سبع سنوات من بدء نفاذ النظام الاساسي .
وللاشارة، فان نظام روما كرس تطبيق القواعد المتعلقة بالنزاعات المسلحة الدولية على النزاعات المسلحة غير الدولية، فالمادة 8 الفقرة 2 المتعلقة بالنزاعات المسلحة هي نسخة من المادة 8 الفقرة 2 ب التي تعالج جرائم الحرب الواقعة ضمن نزاع دولي مسلح، وتاتي انعكاسا للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع .
كما تنظر المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف ، بوصفها جرائم حرب. وفي جرائم الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف .
ب) الاختصاصات الغير عادية للمحكمة الجنائية الدولية
استفادة معاهدة روما من صلاحيات مجلس الامن الاستثنائية تحت الفصل السابع، من ميثاق الامم المتحدة، لتفعيل الاختصاص الجنائي العالمي، من خلال اعطاء مجلس الامن صلاحية تحريك الدعوى امام المحكمة الجنائية الدولية، وذلك يمثل استثناء على الاختصاص الاقليمي والشخصي ومبدا سيادة الدولة. وهناك استثناءات على الاختصاص غير العادي للمحكمة فيما يتعلق بجرائم الحرب، اذ تتعطل صلاحية مجلس الامن باحالة هذه الجرائم الى المحكمة، اذا كانت دولة الجنسية او الاقليم قد اعلنت عدم قبولها التقاضي امام المحكمة.
2) الاستثناءات الواردة على اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية
تضمن نظام روما استثنائين على اختصاص المحكمة في المادتية 16 و 124، حيث نصت المادة 16 على انه لمجلس الامن ان يطلب اجراءات التحقيق او الملاحقة مدة 12 شهرا من المحكمة، اذا راى ضرورة في ذلك، على ضوء الفصل السابع من الميثاق، اي عندما يقرر مجلس الامن ان مصلحة الامن والسلم الدوليين تقتضي سلوك طريق آخر غير ذلك الذي يؤدي الى لاهاي.
أما المادة 124، فقد نصت على ان اختصاص المحكم تلقائي من حيث المبدا ياتي نتيجة مباشرة للمصادقة على نظام المحكمة الاساسي، فيما يتعلق بفئة جرائم الحرب الواردة في المادة 5 لمرة واحدة فقط، قبل دخول المعاهدة حيز التنفيذ، مدة سبع سنوات فقط، تبدا من تاريخ نفاذ المعاهدة في وجه الدولة المعلنة. كما سمح للدول باقصاء فئة جرائم الحرب يوحي باعتبارها اقل جدية من الجرائم الاخرى، من اختصاص المحكمة ومنع محاكمة مرتكبيها طيلة مدة السبع سنوات. كما لم يعالج نظام روما جرائم الحرب التي ترتكب اثناء فترة السبع سنوات.
ثانيا:القانون الواجب التطبيق
تخضع القوانين الواجب تطبيقها بالمحكمة الجنائية الدولية لهرمية محددة بالمادة 21 من نظام روما الاساسي، اذ يتعين على المحكمة ان تطبق في المقام الاول النظام الاساسي واركان الجرائم والقواعد الاجرائية ةقواعد الاثبات. فبالنسبة للنظر في القضايا التي ترفع امامها، تطبق اولا نظامها الاساسي خاصة ما تضمنه من قواعد مباشرة كالنصوص الموضوعية المحددة والمعرفة للجرائم الداخلة في اختصاصها، والنصوص المتعلقة باجراءات احالة القضايا عليها، وكذا اجراءات المحاكمة واجراءات الطعن واعادة النظر في الاحكام الصادرة ... الخ
اما بالنسبة لاركان الجرائم والقواعد الاجرائية وقواعد الاثبات، فهي وسائل مكملة لتطبيق النظام الاساسي وتابعة له في جميع الاحوال. ثم تاتي في المرتبة الثانية المعاهدات الواجبة التطبيق ومبادئ القانون الدولي وقواعده، وكل هذه المصادر غير متعلقة بالنظام الاساسي. ومن هذه المعاهدات اتفاقية الامم المتحدة لمنع ابادة الاجناس لعام 1948 ، واتفاقيات جنيف لعام 1949 ، والبروتوكولان الاضافيان لعام 1977.
اما مبادئ القانون الدولي ، فهي الركائز التي يستند اليها والتي تشكل الهيكل الاساسي فيه، فهي تعطي للقانون الدولي طابعا خاصا يجب مراعاته عند تفسير وتطبيق القانون ،ومن امثلتها،المبادئ المقررة في القانون الدولي للمنازعات المسلحة، كما هو مقنن في اتفاقيات جنيف الاربع، كحسن معاملة الاسرى، وعدم تعذيبهم وعدم التعرض للمدنيين.
ثم تاتي في المرتبة الثالثة، المبادئ العامة للقانون، كما هي مستخلصة من قبل المحكمة من القوانين الوطنية لمختلف النظم القانونية في العالم، بما في ذلك الدول التي من عادتها ان تمارس ولايتها على الجرائم وفقا للمادة12،ومنها(لاجريمة ولا عقوبةالا بنص، عدم رجعية الاثر على الاشخاص، عدم سقوط الجرائم بالتقادم بنوعيه... الخ) وعملا بمبدا الاختصاص التكميلي، شريطة عدم تعارضها مع المصادر التي تعلوها، كالنظام الاساسي والقانون الدولي والقواعد والمعايير المعترف بها دوليا.
بالاضافة الى المصادر السابقة، يجوز للمحكمة ان تستعين بالاجتهاد القضائي في نظر القضايا التي ترفع امامها .
هذا التنوع في المصادر وان كان يفترض وجود تطابق فيما بين النظام الاساسي وبين المصادر المشار اليها في الفقرة 1(ب) والفقرة 2 .فهو يحتمل من جهة ثانية حصول تعارض فيما بينها والنطتم تىساسي للمحكمة، ففي هذه الحالة ، يتم ترجيح القواعد المنصوص عليها في النظام الاساسي، على بقية النصوص المخالفة له . كما تم التاكيد في اخر الفقرة الأخيرة على مراعاة حقوق الانسان المعترف بها دوليا عند تطبيق وتفسير القانون من قبل المحكمة . وما هذا، الا تاكيدا على ضمان الاحترام الدائم لتحقيق العدالة الدولية.
الفرع الثاني: الدعوى الجزائية أمام المحكمة الجنائية الدولية
يجمع نظام روما الاساسي بين النظام الاتهامي للاصول الجزائية وضماناته التي تتلخص بالعلنية والشفوية والوجاهية والنظام التحقيقي، وهونظام الادلة القانونية، الذي يقضي بعدم جواز الحكم في الدعوى الا اذا توفرت للقاضي ادلة كافية من حيث العدد والنوع. ووفقا لشروط وقاييس وضعت مسبقا لكل قئة من الجرائم من دون ان يكون للاقتناع الشخصي اي تاثير في حكم القاضي. وللاشارة، فانه بالرغم من اعتماد المحكمة النظام الاتهامي، فانها تتمتع بصلاحية واسعة للتدخل في اجراءات التحقيق والتحكم فيها، وذلك لتامين الحماية الكاملة للدفاع من حيق قدرته على مقابلة الشهود والحصول على الادلة. ويلعب كل من المدعي العم للمحكمة الجنائية الدولية وغرفة ماقبل المحاكمة دورا هاما في هذا المجال.
أولا:الاحالة والتحقيق
1) الاحالة
حصرت المادة 13 من نظام روما الاساسي صفة التقاضي امام المحكمة الجنائية الدولية بثلاث جهات هي: الدولة الطرف، ومجلس الامن، والمدعي العام للمحكمة، الذين لهم الحق وحدهم احالة الدعوى امامها، مستبعدة بالتالي المنظمات الدولية والأفراد والمنظمات غير الحكومية التي تبقى ضاغطة تدفع بالجهات المختصة الى احالة القضية الى المحكمة الجنائية الدولية.
فالدولة الطرف تحيل اية حالة يبدو لها انها جريمة او اكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت، الى المدعي العام وتطلب منه التحقيق في المسالة لمعرفة هل يتوجب توجيه الاتهام إلى شخص معين. الا انه الى جانب النية النبيلة في ملاحقة الجرائم الاكثر خطورة، من المتوقع ان تتدخل المخططات السياسية دافعا اساسيا للدول في تحريك الملاحقة امام المحكمة الجنائية الدولية، وخاصة وان بعض الاتفاقيات الدولية تخول احدى الاطراف الابلاغ عن انتهاكات حقوق الانسان الحاصلة في دولة طرف اخرى.
أما مجلس الأمن فانه عملا بالفصل السابع من الميثاق، فهو يحيل الى المحكمة قضايا فيها ان جريمة او اكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت، الا انه امام الاختصاص الزماني للمحكمة، يجد مجلس الامن المحاكم المؤقتة هي السبيل الوحيد لملاحقة الجرائم المرتكبة قبل نفاذ نظام روما .
أما بخصوص المدعي العام، يتلقى المعلومات المتصلة بجرائم داخلة في اختصاص المحكمة، من هيئات الامم المتحدة، او المنظمات الحكومية وغير الحكومية وغيرها من المصادر الموثوقة، فيبادر من تلقاء نفسه الى تحريك الدعوى امام المحكمة اذا راى ان هناك اسسا قانونية تبرر ذلك. عندها يطلب من دائرة ما قبل المحاكمة اذنا باجراء التحقيق. ويرفق الطلب بالمواد المؤيدة. اما اذا قرر غكس ذلك توجب عليه ابىغ الجهات التي زودته بالمعلومات. وليس لهذه الاخيرة الطعن بقرار المدعي العام السلبي. الا ان ذلك لا يمنع المدعي العم من النظر في معلومات اخرى تقدم اليه عن القضية ذاتها عند الكشف عن وقائع او ادلة جديدة. فاذا لم تجد دائرة ما قبل المحاكمة اساسا مشروعا للبدء باجراءات التحقيق ، ترفض اذن المدعي العام، لكن هذا لا يحول دون تقديم المدعي العام طلبا لا حقا يستند الى وقائع او ادلة جديدة متعلقة بالحالة نفسها .
2) التحقيق
رغم تشديد نظام روما على استقلالية المدعي العام ومكتبه، فقد قلصت مراعاة نظام روما مبادئ السيادة التي تتعارض مصالحها مع هذه الاستقلالية.
رغم ان المدعي العام هيئة قضائية لا شان له بالسياسة، فان نشاطه لا يخلو من التاثير في الوسط السياسي، ولا سيما وانه قادر على تحريك الدعوى من تلقاء نفسه، لملاحقة مختلف الاشخاص على الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة.
وهذا ما اخاف الولايات المتحدة الامريكية من ان يثير المدعي العام بممارسته صلاحياته ازمات سياسية تهدد الاستقرار الدولي.ولهذا نجد نظام روما كرس تسوية تقيد المدعي العام من ثلاث نواحي :
1) ائتمنت المادة 16 من نظام روما مجلس الامن على اعاقة التحقيق او الملاحقة من خلال قرار صادر بالاستناد الى الفصل السابع من الميثاق
2) ربطت المادة 15 صلاحية المدعي العام في بدء التحقيقات من تلقاء نفسه بشرط مسبق هو الحصول على اذن بالتحقيق من غرفة ما قبل المحاكمة.
3) الزم النظام الاساسي المدعي العام باعطاء النظام القضائي الوطني الاولوية من خلال مراعاة شروط مقبولية الدعوى امام المحكمة الجنائية الدولية. حيث يمتنع المدعي العام عن بدء التحقيق او الملاحقة الى ان يثبت ان الدولة صاحبة الاختصاص الاقليمي او الشخصي غير قادر او غير راغبة في الملاحقة. وياتي هذا نتيجة مبدا التكامل وعدم تفوق المحكمة الجنائية الدولية على الاختصاص الوطني، على عكس المحاكم الجنائية المؤقتة التي انشاها مجلس الامن.
ثانيا: المحاكمة
تستوحي المحاكمات امام المحكمة الجنائية الدولية صفاتها واهمها العلنية والوجاهية من النظام الاتهامي، وعليه تجري المحاكمة بصورة علنية يحضرها من يشاء من الناس وذلك ضمانة للمدعى عليه. وفي احوال خاصة تقتضي سرية المحاكمة، اذا كانت تنطوي على عنف جنسي او عنف ضد الاطفال، وتلتزم المحكمة بسرية الوثائق والمعلومات التي تحصل عليها من أي جهة . وتجري المحاكمة اساسا بحضور المتهم يبلغ بقرار الاتهام في جلسة خاصة تعقدها دائرة ما قبل المحاكمة. شريطة ان يكون في وضعية يفهم التهم المنسوبة اليه. والدفاع عن نفسه. مباشرة او بواسطة ممثل قانوني. وفي حالة استحالة حضوره يجب ان يمثل تمثيلا عادلا يضمن له حقوقه كلها. وفي حال تقرر اجراء المحاكمة بصورة سرية فلا تشمل السرية اطراف الدعوى. وبخاصة الدفاع ليتاح له تقديم الدفوع والادلة المعاكسة.
1)الدائرة الابتدائية
بعد صدور قرار المقبولية التمهيدي واعتماد دائرة ما قبل المحاكمة التهم ، تشكل هيئة الرئاسة دائرة ابتدائية تتالف من ثلاث قضاة يمارسون وظائف الدائرة الابتدائية، وأبرزها الفصل ببراءة المتهم او ذنبه بشكل مستقل وعادل وسريع، والبث في طلبات الاطراف المختلفة ، وتنظيم مسار اجراءات المحاكمة. ويلتزم القضاة في هذا الصدد بتوجيهات المادة 64 من نظام روما، والقواعد التي اوردتها المادة 21 بتراتبية واضحة، وتطبق المحكمة بالدرجة الآولى احكام نظام روما ومن تم القواعد الاجرائية وقواعد الاثبات، والا فتبطق المبادئ القانونية العام للقوانين الوطنية ، بما لا يتعارض مع المعايير المعترف بها دوليا. كما يجوز ان تعتمد المحكمة على تفسيرات القانون الواردة في قراراتها السابقة. وتبدا المحاكمة بتلاوة التهم التي سبق ان اعتمدتها دائرة ما قبل المحاكمة هلى المتهم ، لتتأكد الدائرة الابتدائية من ان المتهم يفهم طبيعة التهم الموجهة اليه، ويبقى للمدعي العام بعد موافقة المحكمة الابتدائية سحب بعض التهم التي ادعى بها بشكل اولي . وبعد ذلك تعطي للمتهم فرصة الاعتراف بالذنب او الدفع بالبراءة . بعد تشاوره مه محامي الدفاع، مع تاكد المحكمة من ان هذا الاعتراف بالذنب مدعوم بحقائق تحتويها المواد المتوفرة لغرفة المحاكمة، وان الادلة الاضافية تثبت الوقائع التي يتضمنها الاعتراف بالذنب، كما تطلب شهادة الشهود اذا رات في ذلك تحقيقا لمصلحة العدالة. مع ضمان حمايتهم وحماية المتهم والمجنى عليهم. وهذا دون قطع صلتها نهائيا بدائرة ما قبل المحاكمة،اذ ان للدائرة الابتدائية ان تحيل المسائل الاولية اليها، لتسيير العمل بها بشكل عادل وفعال .
أما فيما يخص ضمان حماية الشهود والضحايا، ضمنت احكام المادة 68 من نظام روما، للضحايا حق عرض ارائهم حيث تتاثر مصالحهم الشخصية مباشرة او عبر ممثل قانوني في مراحل المحاكمة كلها من دون اي قيد سوى عدم التعدي على حقوق المتهم، أما في الحالات التي يخشى فيها من الاعمال الانتقامية بشكل خاص، فلا تكشف المحكمة عن هوية الضحايا والشهود، ولها ان تقرر باستثناء مبدا علنية المحاكمة، جلسات سرية، أو تقديم الادلة عبر الوسائل الاليكترونية، أو الادلاء بشهادة شفوية بواسطة تكنولوجيا الربط السمعي او المرئي في قضايا العنف الجنسي او قضايا القصر وشهاداتهم . كما تراعي المحكمة سن المجنى عليهم والشهود وجنسيتهم وصحتهم وطبيعة الجريمة، كما تستعين المحكمة بخبراء يشرفون على اوضاع الضحية او الشاهد، النفسية والصحية.
شروط عامة لصحة القرارات الصادرة لجهة الاجراءات المتبعة، وهي حضور كل قضاة الدائرة الابتدائية،جميع مراحل الدعوى من محاكمة ومداولة ، ليبقوا على اطلاع بمعطيات الدعوى جميعها، ضمانا لتحقيق العدالة، وسرية المذاكرة، ومبدأ الاجماع والا فالأكثرية، وطبيعة القرار الكتابية.
أما بخصوص العقوبات التي تقررها الدائرة الابتدائية بعد ادانة المتهم، وتتراوح العقوبات الواجبة التطبيق مابين السجن والغرامة والمصادرة بحسب جسامة الجرم والظروف الخاصة، هذا فضلا عن العوامل المشددة منها اساءة استخدام السلطة، والعوامل المخففة ومنها ابداء الندم والاستعداد التام للتعاون في التحقيق والملاحقة. على أن لا تتعدى عقوبة السجن ثلاثين عاما، مع امكانية الحكم بالسجن المؤبد اذا كامن شدة الجرم والظروف الشخصية المتعلقة بالشخص المدان تبرر ذلك. اما عقوبة الاعدام فقد استبعدها النظام الاساسي ، كما ضمن عدم تاثيرنصوصه على القوانين الوطنية. ويقضي المدان عقوبة في الدول التي تختارها المحكمة من لائحة الدول الاطراف التي اعربت عن قبولها سجن المحكومين، على أن تضع المحكمة في اعتبارها العوامل التالية عند اختيارها الدول :
- توزيع العادل للمحكوم عليهم، بين الاطراف في تنفيذ احكام السجن
- تطبيق المعايير المقبولة في المعاهدات الدولية بشان معاملة السجناء
- اية عوامل اخرى تتعلق بملابسات الجريمة وتنفيذها وظروف المحكوم
اما اذا لم تختر المحكمة دولة يقضي فيها الجاني محكوميته، تتولى المؤسسات العقابية في الدولة المضيفة ذلك، وتستمر المحكمة بالاشراف على اوضاع تنفيذ العقوبة لضمان توافقها مع المعايير الدولية.
ولا يجوز للمحكمة ان تحكم بتخفيف العقوبة الا بعد انقضاء ثلثي مدة العقوبة اة انقضاء مدة خمسة وعشرون عاما في حالة السجن المؤبد، بناء على استعداد السجين المستمر للتعاون مع جهود المحكمة في التحقيق والمقاضاة، او مساعدته اياها في تحديد مكان الاصوص الخاضعة للغرامة او المصادرة او التعويض. ويجب أن يتضمن الحكم العلل والاسباب الموجبة، وتبيان الادلة التي اعتمدها القاضي، وأراء القضاة الأغلبية والأقلية، وأن يتلى في جلسة علنية.
اما بخصوص التعويض، فقد اختلفت بشانه المحكمة الجنائية الدولية مع محكمتي نورمبرغ وطوكيو، حيث لم يكن للضحايا الحق في المطالبة بالتعويض، عن الأضرار التي لحقت بهم، حيث نصت المادة 75 من نظام روما، على اسس تعويض المجنى عليهم من الناحية المالية والقانونية والمعنوية. وتقدر المحكمة نطاق الضرر ومقداره او الخسارة او الاذى ، بناء على طلب المتضررين او بمبادرة منها، فتصدر بذلك اوامر بدفع التعويضات المناسبة التي يمكن ان تشمل التعويض النقدي او رد الحقوق او رد الاعتبار. من صندوق التامين الذي يغذى باموال الغرامات والمصادرات. لكن امر التعويض لا تستطيع المحكمة فرض امر التعويض على الدولة حتى لو تمكنت من اسناد افعال الفرد الاجرامية اليها، وذلك من دون المساس بحقوق المجنى عليه، النابعة من القانون الوطني او الدولي حيث له ان يدعي بهده الحقوق امام محكمة اخرى .
كما تختلف المحكمة الجنائية الدولية مع محكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا الدوليتين، بحيث لا تتوفر على جهاو تنفيذي مثلهما، لتنفيذ قراراتها واحكامها، لذا فهي لا تستطيع القبض على المتهمين ونقلهم الى مقرها بنفسعا، كما لا تستطيع تنفيذ مذكرات التفتيش، وحمل الشهود على المثول امامها ، بل تعتمد في ذلك على تعاون الدول الاطراف.
وهذا يعززه كون المحكمة الجنائية الدولية مكملة للمحاكم الجنائية الوطنية، لأنها ليس جهازا أجنبيا عنها، خصوصا بعد التصديق على معاهدة روما . وسوف لن نفصل في موضوع التكامل ، لنراه جميعا مع العرض القادم .
2) الاستئناف
تضم دائرة الاستئناف خمسة قضاة،
لا شك انه من العدل ان يتاح لمن يتناوله قرار الغرفة الابتدائية ان يطعن بما صدر بحقه لاسقاط الحكم والاستئناف واعادة النظر هما الوسيلتان الوحيدتان لذلك. اذن ، فان نظام روما لم يعالج الطعن عن طريق التمييز.
ونطاق الاستئناف يختلف بين نظام القانون المدني والنظام العرفي، ولكن بالعودة الى المادة 81 من نظام روما الاساسي، يتبين ان الاستئناف شامل، حيث يطال الوقائع والنقاط القانونية والقرار والحكم. ويمكن الاعتراض على الادانة في معرض استئناف العقوبة والعكس صحيح.
ويعود الحق في استئناف قرارات المحكمة واحكامها في كل من الشخص المدان والمدعي العام، في الحالات التالية:
- الغلط الاجرائي
- الغلط في الواقع
- الغلط في القانون
- اي سبب اخر يمس نزاهة او موثوقية الاجراءات او القرار.
كما له وللشخص المدان ان يستانفا اي حكم بالعقوبة وفقا للقواعد الاجرائية وقواعد الاثبات بسبب عدم التناسب بين الجريمة والعقوبة.وادا رات المحكمة في هده الحالة، ان هناك من الاسباب ما يسوغ نقض الادانة كليا او جزئيا جاز لها ان تجعو المدعي العام والسخص المدان الى تقديم الاسباب وجاز لها ان تصدر قرار بشان الادانة .
كما لا يمنع نظام روما المدعي العام من الطعن في قرار التبرئة، كما له الحق في أن يستأنف قراراتالمحكمة بالنيابة عن الشخص المدان،اذا لم يكن ممثلا تمثيلا عادلا او في حال لم يمثله محاموه تمثيلا فاعلا .
وهذا الحق كان مضمونا ايضا في محكمتي يوغسلافيا السايقة ورواندا، كما نصت عليه المادة 14 الفقرة 5 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .
المبحث الثاني: ضمانات المحاكمة العادلة أمام المحكمة الجنائية الدولية من خلال دراسة حال

تنظر المحكمة الآن في أربع قضايا، ثلاث منها أحالتها عليها دول صادقت على المحكمة، وتتهم أشخاصا بارتكاب جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية على أراضيها، وهي الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى وأوغندا، والقضية الرابعة أحالها على المحكمة مجلس الأمن متهما فيها الرئيس السوداني ومسؤولين آخرين بارتكاب جرائم مماثلة في إقليم دارفور غرب السودان.
وأول شخص تم تقديمه للمحكمة الجنائية الدولية هو توماس لوبانغا، زعيم إحدى المليشيات المسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم حرب، حيث قيل إنه جند أطفالا قاصرين واستخدمهم في الحرب.
وتسعى المحكمة أيضا إلى متابعة قادة مليشيا جيش الرب الأوغندي، المتهمين بدورهم بتجنيد أطفال واستغلالهم في الحروب. وسنكتفي بالقاء الضوء على قضيتي دارفور ولوبانغا. بالكونغو الديموقراطية.

المطلب الأول: نموذجي قضايا طرحت على المحكمة الجمائية الدولية
تمثل قضيتي دارفور ولوكيربي، نموذجين يكشفان عن عجز المحكمة الجنائية الدولية عن الوفاء بما جاءت من أجله وهو ضمان المحاكمات العادلة، وعدم افلات مرتكبي الجرائم المختصة فيها من العقاب.
الفرع الأول:قضية دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية
وقع السودان على نظام روما الأساسي في 8 سبتمبر 2000 ، لكنه لم يصادق عليه. ورغم ذلك ، فانه تبعا لضغوط الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل مستغلين المادة 13 من نظام روما التي تسمح لمجلس الأمن إحالة أي ملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، مع عدم اكتراث الدول الكبرى للوضع ي دارفور مادام لم يمس مصالحها، فقد أحيلت قضية ته على المحكمة الجنائية الدولية، من قبل مجلس الأمن، التابع لمنظمة الأمم المتحدة بمقتضى الفصل7 ، من ميثاق الأمم المتحدة. ردا على الأحداث التي وقعت بمنطقة دارفور بالسودان، وذلك في سبتمبر 2004 ، حيث أرسل لجنة تحقيق ترأسها الأستاذ أنطونيو كاسيسه. وأورد تقرير هذه اللجنة، الذي نشر في 25 يناير 2005 (الوثيقة رقم 60/2005S))، والذي كان ضمن توصياته، إحالة الوضع في منطقة دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، على أساس وجود دلائل ملموسة تدفع للاعتقاد بوقوع جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب منذ عام 2003. وعلاوة على ذلك، تم اعتبار أن القضاء السوداني غير راغب في ملاحقة المسؤولين المفترضين عن هذه الجرائم. لذا كان من واجب مجلس الأمن أن يحيل هذا الوضع في دارفور إلى المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، بما يتوافق والمادة 13 /ب من نظام روما.
في مارس 2005، قامت نيجيريا، نيابة عن دول الاتحاد الإفريقي بصفتها رئيس الاتحاد، باقتراح إنشاء "الهيئة الإفريقية للعدالة الجنائية والمصالحة" للنظر في "انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المشتبه في وقوعها في دارفور". لكن تم رفض هذا الاقتراح، رغم حصوله على تأييد حكومة السودان، مع عدد من الاقتراحات الأخرى، منها اقتراح الولايات المتحدة بتمديد فترة انتداب المحكمة الجنائية الدولية حول رواندا ، لتنظر في جرائم دارفور. وفي 31 مارس 2005، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 1593 (2005) ، وأحال لأول مرة في تاريخه قضية، وهي المتعلقة بمنطقة دارفور، إلى المحكمة الجنائية الدولية (وقد امتنعت الصين والولايات المتحدة والجزائر والبرازيل عن التصويت). وأخذ مجلس الأمن، في اعتباره تقرير لجنة كاسيسه، على أن سائر أطراف النزاع في دارفور يجب أن يتعاونوا تعاونا كاملا مع المحكمة والمدعي العام، كما دعا المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الإفريقي إلى مناقشة الترتيبات العملية التي ستيسر عمل المحكمة والمدعي العام، بما في ذلك إمكانية إجراء مداولات في المنطقة. فقرر مجلس الأمن "إخضاع مواطني أي دولة من الدول المساهمة من خارج السودان لا تكون طرفا في نظام روما الأساسي، أو مسؤوليها أو أفرادها الحاليين أوالسابقين، للولاية الحصرية لتلك الدولة المساهمة عن كل ما يدعى ارتكابه أوالامتناع عن ارتكابه من أعمال نتيجة للعمليات التي أنشأها أو أذن بها المجلس أو الاتحاد الإفريقي، أو فيما يتصل بهذه العمليات، مالم تتنازل تلك الدولة المساهمة عن هذه الولاية الحصرية تنازلا واضحا"، و القرار يسلّم بأنه "لا يجوزأن تتحمل الأمم المتحدة أية نفقات متكبدة فيما يتصل بالإحالة، بما فيها النفقات المتعلقة بالتحقيقات أو الملاحقات القضائية فيما يتصل بتلك الإحالة، وأن تتحمل تلك التكاليف الأطراف بنظام روما الأساسي والدول التي ترغب في
الإسهام فيها طواعية. " وفيما يخص الشروع في التحقيق ، فقد تلقى السيد مورينو أوكامبو، المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، ملف لجنة كاسيسه، الذي يحتوي على أكثر من 5000 وثيقة، منها مظروف مغلق يضم 51 اسما، لأفراد قد يتحمّلوا مسؤولية جنائية عن الأحداث. وفي 6 يونيو 2005، خلص المدعي العام، إلى أن متطلبات نظام روما الأساسي للشروع في التحقيق قد اكتملت. وقد أشار مكتب المدعي العام إلى أن التحقيق، يجب أن يوجه اهتماما خاصا الى الأشخاص الذين يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية عن الجرائم المرتكبة بدارفور، كما أعلن أيضا أنه لن يتقيد بالأسماء الـ51 الواردة في المظروف المغلق، الذي تسلمه. وفي 29 يونيو 2005، عقب صدور القرار رقم 1593، قدم المدعي العام في بيان له إلى مجلس الأمن إيضاحات بشأن ظروف الشروع في التحقيق في قضية دارفور، فيما يتعلق بالجرائم الواقعة في اختصاص المحكمة، ليكشف كما كبيرا من المعلومات الموثوق بها عن وقوع جرائم خطيرة تدخل في اختصاص المحكمة بدارفور. ومن هذه الجرائم قتل آلاف المدنيين، وتدمير ونهب القرى على نطاق واسع، مما أدى إلى نقل حوالي 9,1 مليون من المدنيين، وقد أدت الظروف المعيشية التي ترتبت على هذه الجرائم إلى وفاة عشرات الآلاف من جراء الجوع والمرض، خاصة فيما يتعلق بالجماعات الأقل تحملا كالأطفال والمرضى وكبار السن، حلل الآليات الخاصة المتعددة التي أنشأتها السلطات السودانية في 2004 ، في سياق النزاع القائم بدارفور، بما فيها لجان مناهضة الإغتصاب، والمحاكم الخاصة والمحاكم المتخصصة التي حلت محلها، ولجنة التحقيق المحلية، وغيرها من اللجان القضائية والآليات غير القضائية. واستنادا إلى هذا التحليل، أصر المدعي العام على وجود قضايا متعلقة بالوضع في دارفور، تتمتع بالمقبولية لدى المحكمة الجنائية الدولية، وكان هذا القرار لا يتعلق هذا القرار بالنظام القضائي السوداني في حد ذاته، بل هو نتيجة لغياب الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بالقضايا التي سيركز اهتمامه عليها؛ فيما يتعلق بمصالح العدالة، كما درس المدعي العام المسائل ذات الصلة، بما فيها آليات الإنصاف والمصالحة المحلية، وقرر مواصلة التحقيق. وحسب قواعد المحكمة، ينبغي على المدعي العام، عندما تحال إليه مسألة، أن يعلم بها رئاسة المحكمة، التي تعهد بها إلى الدائرة التمهيدية. وفيما يتعلق بالقضية المذكورة، فإن خطاب المدعي العام مؤرخ في 4 ابريل 2005، وقد أنشئت الدائرة التمهيدية الأولى، التي أحيلت إليها القضية، في 21 ابريل 2005. يجدر التذكير بأن مجلس الأمن يشير في قراره رقم 1593 إلى أنه يدرك أن الدول غير الأطراف في نظام روما الأساسي لا يقع عليها أي التزام بموجب النظام الأساسي، فحث جميع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى المعنية على أن تتعاون تعاونا كاملا". وفي كلمة له أمام مجلس الأمن في 29 يونيو 2005، أوضح السيد مورينو أوكامبو، أنه لم يقدم أي طلب محددا بالتعاون خلال مرحلة التحليل الأولي. وقد أعلن أنه قد عقد اجتماعين في لاهاي مع مسؤولين بالحكومة السودانية، وأن الحكومة السودانية قد زودته بمعلومات عن النظام القانوني والقضائي بالسودان، وعن آليات المصالحة العرفية . وفي عام 2004 ، بدأت المحكمة في التفاوض بشأن اتفاق، ينظم علاقاتها بالاتحاد الإفريقي، بهدف إنجاز الصيغة النهائية له بحلول ابريل 2005 ، وفي مايو 2005، التقى المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية بالسيد أوباسانجو، الرئيس النيجيري ورئيس الاتحاد الإفريقي، الا أن قرار مجلس الأمن رقم 1593 كان قد أشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة لن تتحمل أية نفقات متكبدة فيما يتصل بالإحالة، بما فيها النفقات المتعلقة بالتحقيقات أو الملاحقات القضائية المتعلقة بتلك الإحالة، على أن تتحمل تلك التكاليف الأطراف بنظام روما الأساسي والدول التي ترغب في الإسهام فيها طواعية. وتأتي هذه الإشارة رغم وجود المادة 115-ب من نظام روما الأساسي، والتي تنص ضمن مصادر تغطية نفقات المحكمة على الأموال المقدمة من الأمم المتحدة، رهنا بموافقة الجمعية العام، وبخاصة فيما يتصل بالنفقات المتكبدة نتيجة للإحالات من قبل مجلس الأمن، وقد أنشأت السلطات السودانية آليات مختلفة فيما يتعلق بمنطقة دارفور، كلجنة مناهضة الاغتصاب التي أنشئت بمقتضى قرار وزاري في 2004، والمحاكم المتخصصة التي حلت محلها، بمقتضى قرار وزاري في 2004، واللجنة القومية لتقصي الحقائق...إلخ. وفي أعقاب قرار المدعي العام بالشروع في التحقيق، قدمت حكومة السودان معلومات إلى مكتب المدعي العام بشأن إنشاء محكمة خاصة جديدة ، مهمتها محاكمة المسؤولين المفترضين عن الجرائم التي ارتكبت بدارفور. وحسب خطاب بتاريخ 18 يونيو 2005 ،موجه من البعثة الدائمة للسودان لدى الأمم المتحدة إلى رئيس مجلس الأمن، قامت وزارة العدل في 7 يونيو 2005، في أعقاب أعمال اللجنة القومية لتقصي الحقائق، بإنشاء المحكمة الجنائية الخاصة بأحداث دارفوربموجب القرار رقم 702، وهي مختصة بالقضايا التي تتعلق على وجه الأخص بالجرائم الواردة في القانون الجنائي السوداني، وتلك التي أشارت إليها اللجنة القومية لتقصي الحقائق. وقد نظرت في 6 دعاوى في الفترة بين يونيو واكتوبر 2005. واقترح سفير السودان لدى الأمم المتحدة في 29 يونيو 2005 أن يقوم وفد من المحكمة الجنائية الدولية بمراقبة المحاكمات أمام المحكمة الخاصة لضمان الشفافية. وهل تفي تلك المحكمة الخاصة بشروط المادة 17 من نظام روما الأساسي وتحول بالتالي دون اتخاذ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ذاتها لأي تحرك إضافي إذعانا للإجراءات الجنائية الوطنية...؟ إن الإجابة سلبية، حتى إن أخذنا في الاعتبار أن وزير العدل قد أنشأ في 8 سبتمبر 2005 مكتب النائب الخاص للجرائم ضد الإنسانية بما يتفق وتعريف الجرائم ضد الإنسانية الوارد في قانون الإجراءات الجنائية لعام 1991. وعلاوة على ذلك، فقد أكد مجلس الأمن في الفقرة 5 من قراره رقم 1593 على ضرورة العمل على التئام الجروح والمصالحة، وشجع في هذا الصدد على إنشاء مؤسسات تشمل جميع قطاعات المجتمع السوداني. وإحدى المؤسسات الممكن إنشائها هي لجنة للحقيقة والمصالحة، إذ تكمل التحركات القضائية، وتعزز محاولات إرساء السلام. وعندما شرع السيد مورينو أوكامبو في التحقيقات، أعلن أن الآليات العرفية الأفريقية قد تكون أداة هامة لتكميل جهود المجتمع الدولي لإنهاء العنف، وتحقيق المصالحة المحلية . لكن من الضروري الالتزام بالشروط الدنيا لضمان مصداقية كافية لمثل هذه الآليات، .
هنا في هذه القضية طرحت مسألة مبدأ التكامل، كما ينص عليه النظام الأساسي، هل ينطبق على الحالات التي يحيلها مجلس الأمن، أم أن تلك الحالات تخضع لنظام خاص. وهناك حجتان تعضدان الرأي الثاني: أولا، عدم سريان عوامل المقبولية المتعلقة بأراضي الدول الأطراف وجنسيتها على الإحالات عن طريق مجلس الأمن، وثانيا، أن إحالة مجلس الأمن ذاتها قد تمثل اعترافا بعدم قدرة النظام القضائي الوطني المعني في الاضطلاع أو رغبته بمقاضاة ومعاقبة من يفترض ارتكابه لجرائم تقع في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وهناك خمسة عوامل أساسية تدعو للقلق بشأن محكمة دارفور الخاصة التي أنشئت عقب إحالة مجلس الأم.:
* إختصاص المحكمة الفعلي الذي لا يشتمل تحديدا على جرائم نظام روما الأساسي. صرامة مقتضيات الإثبات؛
* الحصانة ضد الملاحقة القضائية التي تسري على قوات الشرطة والجيش؛ 4. عدم وجود ضمانات للمحاكمة العادلة، وبالأخص صعوبة الوصول عمليا للتمثيل القانوني، وسبل التصرف حيال الاعترافات خلال المحاكمة؛
*حماية المجني عليهم.
وأحالت المحكمة ملف السودان إلى مجلس الأمن الدولي في عام 2010 لعدم تعاونه مع المحكمة.
كما أحالت كينيا وجيبوتي ومالاوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية للمحكمة لرفضهم القبض على البشير أثناء زيارته لهذه الدول، بالإضافة إلى تشاد التي زارها 3 مرات.
ولم يرد مجلس الأمن على المحكمة بخصوص أي من هذه الإحالات.
وقالت مدعية المحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودا إنه بسبب الموارد المحدودة "وفي ظل عدم تحرك مجلس الأمن بشأن ما يحدث في دارفور لم يعد أمامي من خيار سوى وقف مجريات التحقيق في دارفور، وقد حولت الموارد إلى قضايا أخرى ملحة خصوصا تلك القضايا التي اقترب موعد المحاكمة فيها." فأصدرت قرار بذلك، يوم الجمعة 12 ديسمبر 2014 والقاضي *بحفظ التحقيق في قضايا جرائم الحرب في دارفور بغرب السودان ، يبدو أنه مقدمة لقرارات و أحداث على درجة من الأهمية والأثر على الساحة السياسية السودانية .
وقالت بن سودا، في التقرير العشرين للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لمجلس الأمن بشأن قضية دارفور إن الوضع في الإقليم الذي مزقته الحرب يتدهور، وإنه يشهد جرائم أكثر وحشية.
وبهذا يرى فقهاء القانون في العالم ورجال السياسة في العالم أن المحكمة الجنائية الدولية أصبحت أداة لتحقيق أهداف سياسية للدول الكبرى وليس تحقيق العدالة للمجتمعات الإنسانية .
ولما كان ميثاق الأمم المتحدة قد أعطى الحق للهيئة العامة للأمم المتحدة لتشكيل المحاكم الجنائية الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب وفق المادة 22 وليس لمجلس الأمن الدولي ، ولهذا فإن تعديل نص المادة 13 فقرة /ب/ ، بحيث يكون من حق الجمعية العامة للأمم المتحدة إحالة الملف إلى المدعي العام وفق المادة 22 من الميثاق لأنها في الواقع تمثل مصالح الشعوب كافة ولا تملك أي دولة منفردة التأثير على قرارات الهيئة العامة بأي شكل من الأشكال وإلغاء المادة التي تعطي الحق لمجلس الأمن الدولي لإحالة أي موضوع أمام المحكمة الجنائية الدولية لعدم اختصاص مجلس الأمن الدولي بالنظر في أمور قانونية من ناحية ومنع استغلال الدول الكبرى لمجلس الأمن لتحقيق مصالحها السياسية من خلال تحكمها في قرارات المجلس وبهذا تتحقق العدالة للشعوب وتكون المحكمة الجنائية الدولية وسيلة لتحقيق العدالة وليست وسيلة لتحقيق أهداف سياسية لأية دولة كانت.
الفرع الثاني:قضية قائد الميليشيا الكونغولي توماس لوبانغا دييلو
أدين لوبانغا دييلو في مارس بتهمة خطف أطفال تحت سن الخامسة عشر وإجبارهم على القتال في الحرب التي شهدتها جمهورية الكونغو الديمقراطية عامي 1999 و2003، كجنود في القوات المسماة "القوات الوطنية من أجل تحرير الكونغو"، حيث تم قتل نحو 60 ألفا في منطقة إيتوري شرقي جمهورية الكونغوالديمقراطية في صراع عرقي استمر من عام 1999 حتى عام 2003. ويعد لوبانغا أول شخص تم اعتقاله بمذكرة من المحكمة الجنائية الدولية، وخضع للمحاكمة منذ إنشائها عام 2002. وتم اعتقاله لمدة ست سنوات، الى ان الحكم عليه بتاريخ 14 مارس 2012، بأربعة عشرة سنة، تم احتساب الدوة التي قضاها بالسجن، فتبقى له ثماني سنوات فقط. وقد قال رئيس مكتب الدفاع في المحكمة الخاصة بلبنان المحامي الفرنسي فرانسوا رو بهذا الخصوص:"لديّ معلومة مهمّة جدّاً لكثير من اللبنانيين وهي ما صدر عن المحكمة الجنائية الدولية في 14 مارس 2012، في قضيّة (زعيم المتمرّدين الكونغوليين توماس) لوبانغا ، حيث طلبت المحكمة من المدعي العام محاكمة الوسطاء الذين أوصلوا الشهود إلى المحكمة بعدما اعتبرتهم شهوداً غير ذوي مصداقية ". وهذا ما هو الا دليل على المحاكمة العادلة.
المطلب الثاني: الصعوبات التي عاقت نشاط المحكمة الجنائية الدولية والانتقاذات الموجهة اليها

الفرع الأول:ايجابيات المحكمة الجنائية الدولية

أبرز إيجابيات المحكمة الجنائية الدولية، هي أنها حققت تقدما ملموسا بالنسبة للقانون الدولي الإنساني باعتماد مؤسسة جنائية دائمة عوض المحاكم الظرفية التي سبقتها كنيورمبيرك وطوكيو ويوغوسلافيا سابقا ورواندا.
إذ أصبح للمجتمع الدولي منذ 2002 مؤسسة قضائية قائمة الذات متخصصة لردع وزجر أبشع وأفظع الجرائم الدولية، وتضاف هذه اللبنة الجديدة إلى محكمة العدل الدولية كأداة لتصريف القانون الدولي وفرض سيادته ضدا على الامتيازات التي تفرضها القوة والهيمنة وضدا على مفهوم السيادة الضيق.
هذا بالاضافة الى أن نظام روما أهم ايجابياته كالتالي:
ـ أنه أكد على ضرورة توفير كل شروط المحاكمة العادلة: مبدأ البراءة هي الأصل، صيانة كل حقوق الدفاع وحقوق المتهم حتى في حالة الاعتراف بالذنب، استقلالية القضاة، إمكانية تنحيتهم أو عزلهم، تعدد وسائل الطعن، إذ لا يدان المتهـم إلا بعد أن تتاح له أكثر من فرصة للدفاع عن نفسه.
ـ حرص على صيانة حقوق الأطراف المتضررة وفتح المجال لكل من يعنيه الأمر أو دوي حقوقه في الحصول على تعويض يغطي الضرر اللاحق به، وقد حرص النظام على إنشاء صندوق استئماني بقرار من جمعية الدول الأطراف لصالح المجنى عليهم في الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة ولصالح أسـر المجنى عليهم ، هذا فضلا على توفير وحدة خاصة للمجني عليهم ينشئها المسجل ( رئيس كتابة الضبط) للسهر على توفير الحماية والترثيبات الأمنية والمشورة والمساعدات الملائمة للمجنى عليهم، والشهود...الخ
ـ أكد كل المبادئ العامة للقانون الجنائي: لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص عدم رجعية القانون، المسؤولية الجنائية الفردية، الطابع الحضوري والتواجهي للمحاكمة إذ لا تتم الإدانة إلا على أساس حجج قدمت ونوقشت أمام المحكمة.
ـ منح المدعى العام سلطة مباشرة ما يراه من تحقيقات في كل الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة تلقائيا، إضافة إلى إمكانية الإحالة المخولة لكل دولة طرف.
ـ غير جامد إذ حرص مؤسسوه على خلق ديناميكية المراجعة والتعديل لنص النظام الأساسي للمحكمة بعد انقضاء أجل سبع سنوات من بدء نفاذه.
كل هذه الإيجابيات وغيرها مما لم تسع هذه الدراسة لذكرها حققت مجتمعة في نص واحد تقدما نوعيا على طريق تحصين القانون الدولي الإنساني، رغم أن كل الجرائم والمبادئ المنصوص عليها في النظام الأساسي أوردتها وعرفت بها عدة اتفاقيات دولية سابقة.
الفرع الثاني:الانتقاذات
يبدو من أول وهلة أن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قد وضع جميع الضمانات لتحقيق هذا الهدف النبيل: المساواة أمام المحكمة، عدم الأخذ بالحصانات، منع حق العفو عن الدول الأطراف ومنع حق التحفظ على النظام، كلها آليات قانونية فعالة تهدف إلى تحقيق المبتغى المنشود.
هكذا وعلى سبيل الاستدلال فقط نصت المادة 4 من اتفاقية منع جريمة إبادة الجنس والمعاقبة عليه على ضرورة معاقبة الأشخاص الذين يرتكبون جريمة إبادة الجنس أو أي من الأفعال المنصوص عليها في المادة 3 سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عموميين أو أفرادا عاديين، ويسجل القارئ أن اتفاقية 1948 هذه وضعت مبدأ المسائلة الفردية ومبدأ المساواة أمام العقاب ومن تم مبدأ عدم الإفلات من العقوبة، وقد مرت 60 سنة كاملة من دون أن يشهد العالم أية محاكمة دولية لمجرمي إبادة الجنس لا في كمبوديا ولا في غيرها من بقاع العالم التي اقترفت فيها جرائم بشعة ثار لها ضمير الرأي العام العالمي، وبالخصوص مجازر صبرا وشاتلا والإبادة الممنهجة للشعب الفلسطيني، وما واكب أزمة دارفور من أفعال جرمية، لتبقى مبادرتي يوغوسلافيا سابقا وروا ندا استثنائيين لتأكيد قاعدة الفتور الدولي في ملاحقة منتهكي القانون الإنساني الدولي.
وفي إطار المسؤولية الفردية، لإن أورد النظام مسؤولية الرئيس بالنسبة للأفعال التي يرتكبها المرؤوس إذا توفرت الشروط المحددة لهذا الغرض، فإن هذا الإستثناء للمبدأ العام أوردته عدة مواثيق صادرة عن الأمم المتحدة.
وهكذا تنص الفقرة 19 من مبادئ ـ المنع والتصدي الفعالين لعمليات الإعدام خارج القانون والإعـدام دون محاكمـةـ التي تبناها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بقراره رقم 65-1989 على أنه يمكن اعتبار الرؤساء وكبار الموظفين وغيرهم من الموظفين العموميين مسؤولين عن الأفعال التي يرتكبها من يعملون تحت رئاستهم إذا كانت قد أتيحت لهم فرصة معقولة لمنع حدوث هذه الأفعال .
هذه الخواطر تمهد طبيعيا لسرد سلبيات النظام الجنائي الدولي الجديد، ومحاولة تقييم مفعولها على مستقبل هذا النظام.
لإن أكدت ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على وجوب التصدي لأخطر الجرائم التي تثير قلق لمجتمع الدولي بأسره، حتى لا تمر دون عقاب، بمقاضاة مرتكبيها على نحو فعال، ولإن عقد واضعو النظام المذكور العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب، فإن المفاوضات والمساومات التي واكبت ميلاد المحكمة الجنائية الدولية أدت إلى وضع نظام لا يؤشر بتحقيق هذا الهدف.
فاختصاص المحكمة بإحالة من دولة طرف أو بمبادرة من المدعي العام لا يشمل سوى الدّول التي صادقت على النظام.
أما الاختصـاص الشامل المعرف عليه بمصطلح الاختصاص الكونيCompétence universelle والذي يعرِّض كل مرتكب لإحدى الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية للمسائلة والعقاب، فإنه ليس من اختصاص أجهزة المحكمة ولا يتحقق إلا بتدخل المنتظم الدولي بواسطة حق الإحالة المخوَّل لمجلس الأمن.
ولما نستحضر الطبيعة السياسية لمجلس الأمن وهيمنة الدول العظمى عليه، يتأكد أن النظام الأساسي لما أعطى لمجلس الأمن حق الإحالة بذريعة التصرف لحفظ الأمن والسلم الدوليين، فإنه قد أحدث في الواقع نظاما سياسيا عوض النظام القضائي المتوخى.
وبالتالي من البديهي القول إن مجلس الأمن الذي هو تجمع سياسي بامتياز يستحيل عليه عمليا إحالة مجرمين من جنسية إحدى الدول العظمى أو من جنسية دولة موالية لها وتحظى بحمايتها، على المحكمة الجنائية الدولية.
أكثر من ذلك، فقد خَوَّلَ النظام لمجلس الأمن حق التحكم في جميع الإجراءات أمام المحكمة إذ له أن يطلب عدم البدء أو المضي في تحقيق أو مقاضاة لمـدة اثني عشر شهرا، ويجوز له تجديد نفس الطلب ولو بناء على نفس الأسباب.
أي أن الإحالة أصبحت أداة مرنة وفرها النظام الأساسي لمجلس الأمن كوسيلة ضغط لبلوغ أهدافه السياسية.
في هذا الإطار طلب مجلس الأمن من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق ضد الرئيس السوداني عمر البشير، وهي المبادرة الفريدة التي أقدم عليها المجلس منذ دخول نظام روما حيز التطبيق في 1/7/2002.
ولا داعي للتذكير بما عرفه العالم خلال الست سنوات الفارطة من خروقات للقانون الإنساني الدولي ومن جرائم الحرب في العراق ولبنان وفلسطين وغيرها من الدول من دون أن يتحرك المجلس ومن دون أن يتفق أعضاؤه حتى على مجرد التنديد بتلك الأفعال وبمرتكبيها
أضف على ذلك أن إقحام مجلس الأمن بالكيفية المذكورة أعلاه في نظام روما ينطوي في حد ذاته على خرق للقانون الدولي من الوجهة المسطرية الصرفة.
فميثاق الأمم المتحدة الذي هو سابق لنظام المحكمة الجنائية الدولية، هو الذي ينظم مجلس الأمن واختصاصاته، ولا يمكن التوسع في تلك الاختصاصات إلا بتعديل الميثاق المذكور، وجمعية الأمم المتحدة هي التي لها سلطة إدخال ما يلزم من تعديلات على ميثاقها.
ولو اتفق واضعو النظام الأساسي للمحكمة الجنائية على منح مجلس الأمن سلطة الإحالة فإن هذه المنهجية تبقى مقبولة من الوجهة القانونية بتوفر شرطين أساسين:
- الأول أن تقبل هيئة الأمم المتحدة بذلك، أو أن تكون طرفا في النظام الذي لا يشمل سوى الدول.
- الثاني أن يقتصر حق الإحالة على الدول التي قبلت الخضوع لنظام روما دون غيرها.
وما دام أن أيا من الشرطين لم يتحقق فإن حق الإحالة وحق الإرجاء المخولين لمجلس الأمن يشكلان خرقا مسطريا للقانون الدولي، وبالخصوص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات المعتمدة في 23-5-1969 والتي دخلت حيز التطبيق في 27-1-1980، إذ بمقتضى المادة 26 من الاتفاقية المذكورة > أي أن الأطراف لا تلزم إلا بما التزمت به، وبالتالي لا يمكن من الناحية القانونية الصرفة فرض نظام روما على دولة لم تنضم إليه، أيا كانت الذريعة والوسيلة، اللهم بتعديل لميثاق الأمم المتحدة الذي يشمل كل دول المعمور باستثناء دولتين أو ثلاثة لا تأثير لها.
والمرجو بالمناسبة إن كان من اللازم إعطاء المجتمع الدولي حق الإحالة أن تناط هذه المسؤولية بالجمعية العامة، وليس مجلس الأمن، تحقيقا لمبدأ المساواة، وأن يتم التخلي عن حق الإرجاء الذي يتنافى مع ضرورة تصريف العدالة ومبدأ المساواة أمام القانون.
ـ2)حرص واضعي نظام روما على جعله نظاما تكميليا للأنظمة الجنائية الوطنية.
فيعد تأكيدها حق كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على مرتكبي الجرائم الدولية، أكدت ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن المحكمة ستكون مكمِّلة للولايات القضائية الجنائية الوطنية.
وقد أكد النظام الأساسي على الطابع التكميلي هذا، ونص على عدم مقبولية أي دعوى تكون الدولة التي لها الولاية عليها تباشر التحقيق أو المقاضاة بشأنها، ما لم تكن هذه الدولة حقا غير راغبة في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة أو غير قادرة على ذلك، ويقضي كذلك بعدم المقبولية إذا كانت قد أجرت التحقيق في الدعوى دولة لها ولاية عليها وقررت عدم مقاضاة الشخص المعني، ما لم يكن القرار ناتجا عن عدم رغبة الدولة أو عدم قدرتها حقا على المقاضاة، ويقضى بعدم المقبولية إذا كان الشخص المعني قد سبق أن حوكم على سلوك موضوع الشكوى عملا بمبدأ عدم جواز المحاكمة عن نفس الجريمة مرتين، ما لم تكن المحاكمة مجرد إجراء صوري للحيلولة دون مسائلة الشخص المعني من طرف المحكمة الجنائية الدولية.
فالطابع التكميلي للنظام يعد تراجعا عن أولوية الاختصاص أو الاختصاص الحصري الذي خُوِّل للمحاكم الجنائية المحدثة سابقا ـ نيورمبرك ـ طوكيو ـ يسوغرسلافيا سابقا ، ورواندا.
ولإن نصت المادة 9 من النظام الأساسي لمحكمة يوغوسلافيا سابقا على الاختصاص المتوازي لهذه المحكمة مع المحاكم الوطنية، فإنها أضافت أن المحكمة الدولية لها الأفضلية على المحاكم الوطنية، إذ يمكن لها في أي وقت أن تطلب من المحاكم المذكورة أن ترفع يدها عن الفصل في النزاع لصالحها.
وأهم سلبيات النظام التكميلي أنه يفتح المجال للتلاعب والتسويف من طرف أي دولة ترغب في حماية الأشخاص الخاضعين لولايتها الجنائية من الملاحقة الدولية، خصوصا وأن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية لم يضع معايير دقيقة لتقييم عدم رغبة الدولة المعنية في ممارسة سلطتها القضائية.
والمرجو في هذا السياق أن تتشدد المحكمة الجنائية الدولية في تقدير الطابع التكميلي لنظامها تقديرا ضيقا وأن تضع شروطا صارمة لممارسة الاختصاص الجنائي الوطني.
خصوصا وأن النظام لم يضع أي جزاء يذكر تجاه تصرفات الدولة التي توهم بممارسة سلطتها القضائية.
3)أكد النظام الأساسي أن أحكامه بخصوص المسؤولية الجنائية الفردية للأشخاص لا تؤثر في مسؤولية الدول بموجب القانون الدولي، فإن تعويض المجنى عليهم بواسطة الصندوق الائتماني المحدث بقرار من جمعية الدول الأطراف يعفي مبدئيا الدولة المعنية من تحمل مسؤولية تبعات التصرفات الجرمية الصادرة عن مواطنيها، وبالخصوص المسؤولين السامين منهم.
وسوف لا يكون نظام روما متكاملا ومنصفا إلا إذا شمل الأشخاص الذاتيين فيما يرجع للاقتراف الفعلي للجريمة، والدول والأشخاص المعنوية فيما يرجع لتبعيات تلك الجرائم من حيث تعويض المصابين والمتضررين وذويهم.
4) عدم توافق واضعيه على التعريف بجريمة العدوان بتدخل من الولايات المتحدة الأمريكية بالخصوص.
إذ نص النظام على أن المحكمة تمارس الاختصاص على هذه الجريمة متى اعتمد حكم أي تعديل بهذا الشأن يعرف جريمة العدوان ويضع الشروط التي تمارس بموجبها المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة، وفرض النظام أن يكون هذا الحكم متسقا مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة.
وكان من السهل اعتماد تعريف جريمة العدوان الذي توافقت بشأنه جمعية الأمم المتحدة سنة 1974 إلا أن دور الولايات المتحدة في تأخير هذا الأمر كان حاسما لأسباب واضحة وجلية.
و كان ومازال التخوف كبير من أن يترتب عن تعريف جريمة العدوان وتحديد سلسلة من الانسحابات من نظام روما.
5) هذا النظام الذي ينص على أن كل تعديل عليه يخضع لمسطرة ذات مرحلتين:
- مرحلة تقرر فيها جمعية الدول الأطراف ما إذا كانت ستتناول الاقتراح أم لا وذلك بأغلبية الحاضرين.
- مرحلة الاعتماد التي تقتضي توفر أغلبية ثلثي الدول الأطراف.
وبخصوص شروط البدء في العمل بالتعديل المعتمد ميز النظام حالتين:
- التعديلات على المادة 5 من النظام التي عددت الجرائم الذي تدخل في اختصاص المحكمة: يصبح أي تعديل نافذا بالنسبة للدول التي تقبله بعد سنة من إيداع صكوك التصديـق أو القبول الخاصة به،وفي حالة الدولة الطرف التي لا تقبل بالتعديل يكون على المحكمة ألا تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشمولة التعديل عندما يرتكب هذه الجريمة مواطنون من تلك الدولة أو ترتكب الجريمة في إقليمها.
- باقي التعديلات يبدأ النفاذ بشأنها بالنسبة إلى جميع الدول الأطراف بعد سنة واحدة من إيداع صكوك التصديق أو القبول لدى الأمين العام للأمم المتحدة من قبل سبعة أثمانها، وفي هذه الحالة جاز لأية دولة طرف لم تقبل التعديل أن تنسحب من النظام الأساسي، انسحابا نافذا في الحال وذلك بتقديم إشعار في موعد لا يتجاوز سنة من بدء نفاذ التعديل.
وفي جميع الحالات يمكن لأي دولة طرف أن تنسحب من النظام بموجب إخطار كتابي يوجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ويصبح هذا الانسحاب نافذا بعد سنة واحدة من تاريخ تسلم الإخطار ما لم يحدد الإخطار تاريخا لاحقا لذلك.
هذه الترتيبات تفيد بالوضوح، أن التعريف المرتقب بجريمة العدوان سيدخل حيز التنفيذ بعد قبوله من طرف سبعة أثمان الدول الأطراف، ويفتح الباب للثمن الباقي للانسحاب الفوري من النظام.
ويبقى خطر التقليص من عدد الدول الأطراف في النظام نتيجة متوقعة ونتيجة حتمية لكل تعديل توافق عليه جمعية الدول الأعضاء.
وهكذا تم إستبدال نظام التحفظ الذي ألغاه النص بنظام الانسحاب الذي يمكن أن يؤدي إلى وأد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية.
وكان حريا بمحرري هذا النظام أن يضعوا الترتيبات اللازمة حتى لا تخضع أحكام التعريف بجريمة العدوان وشروط ممارسة المحكمة لاختصاصها بشأنها، للترتيبات المتعلقة بالانسحاب من النظام ما دام أن النص الأصلي حدد موعدا لهذه الإجراءات، إذا لا يعقل أن تصادق دولة على اختصاص المحكمة للتصدي لجريمة العدوان وتنسحب من النظام بسبب تعريف هذه الجريمة.
أما إذا اعتبرت جمعية الدول الأطراف أن في التعريف المرتقب تعديل للمادة 5 من النظام، فإن النتيجة ستكون أفظع لأن التعديل سوف لا يطبق على الدول التي لم تقبله وتحتفظ مع ذلك هذه الدول بعضويتها في النظام.
الخاتمة:
من خلال ما تقدم ، يتضح ان محكمة الجنايات الدولية مقيدة وغير مستقلة ومحدودة الصلاحيات ولا تستطيع الوصول الى مسئول من المسؤولين، إلا بشروط معقدة، وهذا ما ساهم في فاعلية استخدامها كأداة ، أي تحريكها في إطار موازين القوى في النظام العالمي . رغم ان هذه المحكمة ليست جهازاً من اجهزة الامم المتحدة، الا انها ذات صلة وثيقة بها من خلال العديد من الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الانسان بوجه عام ، فبسبب الهيمنة الامريكية اولاً وازدواجية التعامل للمنظمات الدولية، ومنها محكمة الجنايات الدولية، فقدت نتيجة لذلك العديد من الدول، ثقتها بالتنظيم الدولي المعاصر ومبادئ القانون الدولي، التي أصبحت أثرا مباشرا للإخلال بمبدأ العدالة والمساواة في السيادة بين الدول . إن الجرائم الدولية التي تختص بها المحكمة تمثل جزءاً فقط مما يجب أن يدخل في اختصاصها ، إذ ان الجرائم المهددة للأمن والسلم الدوليين قد تتسع لأكثر من الجرائم الاربعة المشار اليها في المادة الخامسة من النظام الاساس للمحكمة بسبب كثرة الجرائم الامريكية والصهيونية بحق الانسانية . واصبحت تحت التأثير المباشر للهيمنة الامريكية سواء بشكل مباشر أو عن طريق مجلس الامن، الذي اوجد له دورا أساسيا في عمل المحكمة، لذلك ربما لا نرى دوراً لهذه المحكمة في الجرائم التي ارتكبتها امريكا بحق العديد من شعوب العالم، ويبدو ان مدعي عام الجنايات الدولية_ بسبب الهيمنة الامريكية- ليس لديه من اهتمام الا بإصدار مذكرات القبض على الرئيس السوداني وما حصل من انتهاكات لحقوق الانسان في العالم ولاسيما في العراق وفلسطين واخرها ما تعرض له اسطول الحرية في المياه الدولية لا يجد العالم أي اهتمام من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية . فهذه الازدواجية والهيمنة الامريكية أدت الى فقد الثقة بالتنظيم.
كما نلاحظ انطلاقا مما سبق في هذا العرض، أن نظام روما حاول تنسيق مساعي المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة، من اجل بلوغ الهدف المنشود، لكن يبدو ان الاعتبارات السياسية تغلبت على المعطيات القانونية، وهذا من شانه أن يخلق اشكالية خطيرة تهدد استقلالية المحكمة وشرعيتها وسلطتها ومصداقيتها. وضمان المحاكمة العادلة.
من كما أنه انطلاقا استعراض سلبيات النظام نكشف أن الهدف المنشود للمحكمة مازال بعيد المنال.بحيث ما تم عمله لغاية الآن ليس سوى انجاز بسيط" يقول القاضي الايطالي فاوستو بوكار من المحكمة الدولية ليوغوسلافيا، وهي محكمة سابقة كانت تحت رعاية الامم المتحدة ومقرها لاهاي ايضا. "هي بعيدة عن كونها عالمية..اقل من 50% من الناس محميين. عمر البشير (الرئيس السوداني) بقي حرالمدة من الزمن دون القاء القبض عليه، بل أكثر من ذلك فقد تم العفو عليه هذه السنة، وهذا يخالف ما جاء به نظام روما، كما أن قضية واحدة فقط انجزت. بعد 10 سنوات، هذا الامر لا يعد فعالا للغاية".فمنذ التصديق على هذه المحكمة منذ عشر سنوات لغاية الآن: هناك ثلاث محاكمات، 22 مذكرة توقيف و9 استدعاءات للمثول امام المحكمة و8 تحقيقات اولية جارية- من افغانستان وجورجيا الى هندوراس وكوريا.








لائـــحة المراجع
الكتب:
- ذ. يوسف حسن يوسف، المحاكم الدولية وخصائصها الطبعة الأولى 2011
- ذ.فيدا نجيب حمد، المحكمة الجنائية الدولية نحو العدالة الدولية، الطبعة الأولى 2006
- أ. يحيى عبد الله طعيمات، جرائم الحرب في نظام المحكمة الجنائية الدولية ، الطبعة الأولى 2010.
- ذ. نصر الدين بوسماحة، المحكمة الجنائية الدولية، شرح اتفاقية روما مادة مادة، الجزء الأول والثاني،دار هومة للطباعة والنشر الجزائر 2008.
- المستشارين،محمد أمين المهدي، قاضي سابق بالمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، وشريف عتلم، المستشار الاقليمي باللجنة الدولية للصليب الأحمر، والأستاذ الذكتور، دوللي حمد ، أستاذ القانون الجنائي بالجامعة اللبنانية سابقا، الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية،منورات اللجنة الدولية للصليب الأحمرالطبعة الثانية 2013
- ذ.كارن اي سميث ومارغوت لايت، تعريب فاضل جتكر، الأخلاق والسياسة الخارجية، الطبعة الأولى 2005
- حسن الحلو،المحاكم الجنائية الدولية _المحطات التاريخية الكبرى التي ساهمت في نشوئها _اختصاصها القانونية،عن د. ضاري خليل محمودوباسيل يوسف، المحكمة الجنائية الدولية،هيمنة القانون ام قانون الهيمنة، بيت الحكمة بغداد.
- علي عبد القادر القهوجي، القانون الدولي الجنائي، أهم الجرائم الدولية، المحاكم الدولية الجنائية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2001 .
- حسنين عبيد، القضاء الدولي الجنائي، تاريخه، تطبيقاته، مشروعاته، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الثانية 1992.
- محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية، نشأ-;---;--ا، ونظامها الأساسي، مع دراسة تاريخ لجان التحقيق الدولية والمحاكم الجنائية الدولية السابقة، الطبعة الثالثة، 2002 .
- علي يوسف الشكري، القضاء الجنائي الدولي في عالم متغير، دار الثقافة، عمان ، الأردن، الطبعة الأولى، 2008 .
- عبد الحسين شعبان، المحكمة الجنائية الدولية: قراءه حقوقية لإشكالات منهجية وعملية، مجلة المستقبل العربي،. العدد 281 ،2002.
- كوسة فضيل، المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، دار هومة، الجزائر، 2007 .
- عبد الله سليمان سليمان، المقدمات الأساسية للقانون الجنائي الدولي، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1992 .
- عصام عبد الفتاح مطر، القضاء الجنائي الدولي، مبادئه وقواعده الموضوعية والإجرائية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، مصر، 2008 .
- كارن اي سميث ومارغوت لايت، الأخلاق والسياسة الخارجية، تعريب فاضل جتكر،الطبعة الأولى، 2005.
المطبوعات:
- مركز دراسات حقوق الانسان والديمقراطية، بدعم من المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان من أجل مصادقة المغرب على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية،الطبعة الأولى2013.
الأطروحات:
- ذ. بارعة القدسي ،المحكمة الجنائية الدولية طبيعتها واختصاصاتها، موقف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل منها، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية– المجلد 20 - العدد الثاني-2004.
وثائق ومقالات
- منظمة العفو الدولية، المحكمة الجنائية الدولية ، اتخاذ الخيارات الصحيحة في مؤتمر المراجعة، توصيات، الطبعة الأولى 2010، مطبوعات منظمة العفو الدولية.
- هانس كوكلر، العدالة الجنائية الدولية في مفترق الطرق: عدالة عالمية أم انتقام شامل؟ ترجمة: محمد جليد، الدار البيضاء: طوب إديسيون، 2011، مجلة رباط الكتب العدد 11 شتاء 2012 على الموقع اليكتروني http://www.ribatalkoutoub.ma/i
ـ علي الموسوي،مقال،رو لـ"السفير": فرق الدفاع باشرت تحقيقاتها لنقض الاتهام، 18 أبريل 2012، الموقع http://www.stl-tsl.org/ar/media.
- نظام روما الأساسي
















#:_خماسي_هند (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع ...
- مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ ...
- كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
- حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع ...
- البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان ...
- أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
- مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
- أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني ...


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - : خماسي هند - المحكمة الجنائية الدولية على ضوء اتفاقية روما