مريم الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 4853 - 2015 / 7 / 1 - 14:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثار أو ثُوّر الياسمين في الوطن العربي و كان له الحق بأن يثور, فالظلم و إن طالت إقامته لا بد للعدل أن يسود بعد الجور. هكذا وُعدنا منذ أن نطق الحقُ بوعده, و من يومها ما زلنا ننتظر الظهور. و الشاعر قالها يوماً و قد صدق الشابي في ما قاله (إذا ما الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر). لكن القدر حتماً لن يستحيب إلا إذا نادت عليه عزيمة البشر, و هو بالتأكيد لن يتغير بالاحلام و بالأماني و لا بطول الصبر وبانتظار الفرج أو بالدعاء له فقط مع كل غسق و في كل سَحر . ذلك أن القدر لا يُعير سمعه و لا يمنح تسديده و فرجه إلا للعامل الساعى إلى التغيير و ليس إلى القاعد السائل ربّه الفرج و المؤمن بأن حاله هو القضاء و القدر فوجب عليه الصبر و الإنتظار مع الدعاء من دون صرخة احتجاج تزلزل ركود حاله المُهين أو انتفاضة فيضان صبرٍ تقلب كل الموازين و تغير المقادير ليصبح بعدها صاحب الحق المستضعف هو الناهي و هو الامير, فيسقط بانتفاضته المستكبر مهما عظم تحالفه مع المستعمرين و مهما مكّن له الصهاينة شوكته لأنه كلبهم الوفي و خادمهم الأجير.
يقول سبحانه و تعالى في سورة البقرة, أية 216(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). و هذا بالتمام هو عينُ حالنا اليوم.
فأي قتال أبغض على قلب المؤمن من قتال أشعلت جذوته نار فتنة المفتنين. و أي قتال أكره على قلب المسلم من قتال يضطر فيه إلى قتل مسلماً آخر ينطق مثله بالشهادتين و يتشارك معه بنفس الشعائر الدينية و يتعبد مثله بنفس الكتاب. و أي قتال أقسى على قلب المسلم العالم بدينه من قتالٍ يُجبر فيه على قتال مسلماً آخر جاهلاً بدينه ابتدأه بالقتال بعد أن ضلله مُفتنٌ يتاجر بالدين, فجنّد حميته بالتعصب و بالبغضاء, و أزهق فطرته السليمة حتى قتل الرحمة في قلبه ليقتل بالتالي بقسوته كل من خالفه في الرأي أو في العقيدة بعد أن سلّحه بمدية التكفير لينحر بها أخيه الإنسان و يشوّه بها روح الإسلام الرحيم. و أي قتال يُفطر قلب المسلم من قتال ينجر فيه إلى قتال أخاً له في الدين أو في القومية, كان من المفترض ان يكون له عوناً في قتال المستعمرين و المغتصبين لولا انه اختطف من حضن الإسلام عنوةً و على غفلةٍ منه ليُجنّد في صفوف الإعداء فصار بذلك العدو الأول للمسلمين و المهدد الأول لأمنهم و لحقوقهم لأنه يقيم معهم في نفس الدار و يرافق أبنائهم و يسمم أفكارهم فأصبح للأمة كما المرض العضال الذي انتشر فيها فاستحال استئصاله من دون إلحاق الضرر و الأذى بباقي أعضائها.
في بداية ما بات يعرف بثورات الياسمين, انتفض الشارع العربي كله على نبضة رجل واحد, فمن حُسن ظن الشعب العربي الطيب بها و من لهفته لها , ظنها مِلكه و اعتقدها ثورته, ثورة المستضعف على المستكبر. الشعب المظلوم كان يريد, لكن الطابخ القابض على قابس الضوء الأخضر كان أيضاً يريد, فقامت الثورات بكل ما للمظلوم من حُسن نيةٍ و طيبة قلب, لكن كان لمصنّعها فقط...و له هو فقط ما أراد. (هذا في البداية). كانت رغبة المُصنِّع أن يجنّد المظلومين و أن يحشدهم جميعاً في جبهة واحدة, ففي احتشادهم قوة الزلزال التي ستحقق له ما خطط له و ما عجز عن تنفيذه بعد هزيمة مشروعه على يدي المقاومين في العراق و بعد فشله في اقتلاع الفكر المقاوم الذي بدأ بالتمدد و بالاتساع على إثر انهزام الجيش الإسرائيلي و انتصار المقاومين في لبنان و صمود الشعب الفلسطيني. هو كان يريد استقطاب القوة المظلومة ليوظفها لاحقاً في مشروعه. و لم يدري المظلوم حين ثار أنه ثوّر و انه جنّد و أنه صار بيدقاً في لعبة استراتيجية كبرى يقودها محور شر المستَعمر إلا بعد أن وقعت الواقعة و بعد أن أُدخل على ثورته لاعبين من دمه و لحمه لكنهم غرباء عنه في الغاية و الوسيلة و الانتماء و الولاء و العقيدة.
الشعب العربي الطيب أراد...لكنه خُدع و أُخذ على حين غرة. و الخبثاء ايضاً أرادوا...فكان لهم لبرهة ما أرادوا من تضليلٍ للرأي العام و من سفك للدماء ومن تشتيتٍ للأمة بزرع الفتنة فيها و بتغذية التفرقة المذهبية بين أبنائها. إلا أن الله الذي يُمهل و لا يُهمل يختِم بيدَي رجاله المقاوين بما يريد, ليكون له وحده في النهاية إحقاق ما يريد. فكما ألحق الله سبحانه و تعالى الهزيمة بالأمريكيين على يدي المقاومين في العراق و أخرجهم منها, و هزم المحتل الصهيوني في لبنان على يدي مقاوميه و مَحق بسواعدهم اسطورة الجيش الذي لا يقهر , فإن الله أظهر حقه أيضاً على يدَي المقاومين السوريين, ففضح على أيديهم المستعربين الخائنين و عرّفنا على الصهاينة المتأسلمين و عرّى كل منافق إدعى يوماً انه عربي او مسلم يغار على مصلحة العرب و المسلمين و جعل من الأرض السورية الطاهرة غربالاً للدين الحنيف, وبيّن بفضل جهاد أهلها و بصبرهم و مقاومتهم من هو العربي حقاً قولاً و فعلاً و عملاً و من هو المستعرب المنافق الناطق بالعربية فقط و العامل بكل كدٍ ضد مصالح العرب , و من هو المسلم الحقيقى و من هو الخارج عن الإسلام. و بفضل هذه المقاومة الشريفة, بان الحق حقاً و ظهر الباطل باطلاً و لم يعد هناك عذر لأي اصطفافات رمادية تطيل بعمر الذل و القهر و الـتأخر و الفتنة في أمتينا العربية و المسلمة.
للأمس القريب كانت بوصلة العرب و المسلمين هي القضية الفلسطينية, و كانت فلسطين المغتصبة و حقوق اهلها و دعم مقاوميها جلّ اهتمامات الأمتين العربية و المسلمة, و كان أي تأخر بالنهوض أو بالتقدم أو بالتحرر أو بالتحرير يُعلق على شمّاعة الإستعمار و التآمر الغربي على مصالح العرب و المسلمين. للأمس القريب كان عدونا البعيد التآمر الغربي و كان عدونا القريب فقط إسرائيل. البوصلة اليوم هي الإسلام, و عدونا الأول هو من يعتدي عليه بالتشويه و بالتحريف و بالتضليل لأنه يعتدي على هويتنا و على محور قيامنا و على جذوة القوة فينا و على السبب وراء بقائنا و صمودنا رغم كل التآمر علينا. فأي نضال و أي قضية و اي بوصلة أبدى و أهم و أسمى من بوصلة الإسلام؟ و أي مقاومة أجدى من مقاومةٍ تنقذ الإسلام من أسره لتعيد إليه روحه التي تسلب منه خنقاً لقيمه التي هي أكمل و أخلق و أعدل و أنقى القيم و أغناها. من دون إنقاذ الإسلام لن تتحرر الأراضي المغتصبة, و من دون إنقاذ الإسلام لن تنهض الأمة ولن تتقدم, و من دون إنقاذ الإسلام لن يتوقف سعي الغرب لإستعمارنا و لن يرتدع عن سرقة ثرواتنا, من دون إنقاذ الإسلام ستظل الفتنة قائمة بيننا تنهش بلحم شبابنا و تشرب من دماء أحبابنا و سنظل فيها مذلولين و متأخرين ننظر بعين الإنكسار و الحسرة إلى تقدم باقي الأمم و نحن نقضم أصابع القهر و ندعو الله أن يُعجّل علينا بالفرج و نحن قاعدون ندعي بأننا المغلوب على أمرنا و بأن لا حول و لا قوة لنا.
الفتنة ليست بين المذهبين السني و الشيعي كما يراد تصويرها للشباب و لمُضَللين في الأمة, فكلى المذهبين تعايشا معاً لعقود بل لقرون و ترافقا سوياً يداً بيد في كل معارك الأمة ونضالاتها, و كلى المذهبين هما غِنى للدين, و الاختلاف في أي فكر او عقيدة او توجه هو نعمة للإنسانية و ليس نقمة عليها, و هل بغير الإختلاف و تناقش وجهات النظر و حوار النظريات المتضاربة يتطور الإنسان؟ و أليس من نِعم الله علينا أنه خلقنا مختلفين؟ و من نعمه أنه ميّزنا عن باقي مخلوقاته بالعقل الذي هو كالبصمة الشخصية في كل آدمي منا ؟ فالعقول لا تتشابه إلا بما فُطرت عليه و ببدهيات الأمور. و الحق سبحانه هو الذي خلقنا شعوباً و أمماً لنتعارف و هو الذي أرادنا أن نتعرّف عليه بالعقل و أن نعبده بالعقل و لهذا ترك لنا حرية الإختيار بين الكفرو بين الإيمان و عنده هو فقط الحساب و بيده هو فقط القرار بين ثوابٍ او عقاب (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ...) إلى آخر الأية الكريمة.
فتنة اليوم هي بين مدعي الإسلام و بين المسلمين بمختلف طوائفهم المتعارف عليها تاريخياً حتى ظهور الفكر الوهابي التي تغلغل بين مذاهبنا مدعوماً بمال السحت الذي ينفقه آل سعود عليه لنشر سُمّه التكفيري في خلايا إسلامنا السمح و ذلك منذ استيلاء هذه العائلة على أرض الحجاز و بوكالتهم عن صهاينة الغرب. لذا وجب على المسلمين أن يثوروا ضد ناشري هذا الفكر المنحرف و لا إسلامي و لو كان ناشريه ينطقون بالشهادتين و يدّعون في العلن أنهم ينتمون إلى الإسلام بينما هم في الحقيقة يحاربونه في الباطن و يعملون على تدميره من الداخل. ففي القعود و في السكوت عن فسادهم نظلم الدين و نضعف الإسلام و نساعدهم على إغراق الأمة أكثر و أكثر في الفتن. و محاربة فكرهم التكفيري لا يكون بصد هجمات إرهاب دواعشهم عن قرانا و مدننا فقط و لا بإغلاق مساجدهم هذا إن استطعنا إلى ذلك سبيلا, فذلك لن يوقف زحف إرهابهم طالما أنه يُغذى بمال الأمة المنهوب منها و المستثمر فقط في كل أشكال إضعافها. السبيل الأوحد لإنقاذ الإسلام من براثنهم هو باقتلاع السلطة من بين يدي ممولي الفكر الوهابي و بإزاحتهم عن عروش تسلطهم, عندها فقط تخمد نار الفتنة ليعود لشبابنا صوابه و يعود لإسلامنا أخلاق نبيه الذي ما بعث فينا إلا ليتمم مكارم الأخلاق.
من عليهم التعويل اليوم لإنقاذ الإسلام هم مقاومو الحجاز و أهلها. فكل منا يقاوم من موقعه و كل مؤمن يعمل و يناضل و يقاوم لخير البشرية جمعاء و ليس فقط لمصالح قومه أو فئته أو طائفته أو مذهبه. بإنقاذ الإسلام من براثن وحوش التكفير و من أفواه شيوخ الفتن و التضليل و تسلط ملوك الفساد عليه ننقذ الأمة كلها و نُرجع إلى الإسلام سمعته الطيبة فيعود إلى ما أراد له الله أن يكون عليه: ناشراً لمكارم الأخلاق , باسطاً للعدل بالرحمة و بالكلمة الطيبة, مجادلاً من خالفه بالمنطق و بحسن الخُلق , أكمل الأديان و أرحمها و أعدلها. بتحريرأرض الحجاز من صهاينة العرب يُحرر الإسلام لتُحرِر الكعبةُ الحُرة أقصى فلسطين من يد صهاينة اليهود, فيرجع الحق إلى أهله في كلى البلدين, و تُحقن دماء المسلمين المهدورة بالفتن لتُبذل فقط في تحرير ما اغتصب من أرضهم و ثرواتهم.
إن ياسمين العرب و المسلمين لن يزهر طالما الإسلام رهينة التكفيريين و طالما الكعبة أسيرة المنافقين و طالما من يقاوم ليسترد الأقصى قد تُرك وحده ليقاوم و ليصد عن إسلامنا و أرضنا وعرضنا و وحدتنا هجوم كل شياطين الكون لا سيما شيطانَي المنطقة الأكبرين : شيطان إسرائيل الصهيوني و شيطان آل سعود الوهّابي.
#مريم_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟