|
روسيا .. و عودة الحلم (1)
وليد مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 4852 - 2015 / 6 / 30 - 13:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كانت حلماً لبيتر الاكبر ، ان تصبح امبراطورية تحكم العالم ، لكنها تحولت في عهد لينين الى قلبٍ ينبض بسخاء لكل العالم .. وشتان بين حلم الامبراطورية العظمى المتحكمة وحلم " الاممية " الكونية الملهمة للشعوب بالحرية والانعتاق من ربقة الاستبداد الرأسمالي الجاثم على صدر الكوكب منذ مئتي عام .. إنها روسيا ، التي كانت و مع تحطم كل حلم ، تنتفض كالعنقاء من تحت الرماد لتبني لها حلماً جديدا ..
فمن قلب التحديات مع التتار والعثمانيين والاوربيين في عهد " بيتر الاكبر " في القرن السابع عشر ولد حلم الامبراطورية العظمى الذي وصل ذروته منتصف القرن التاسع عشر ، ومن رماد الحرب العالمية الاولى ولد حلم الدولة الشيوعية العالمية في القرن العشرين التي كسرت ظهر النازية واسقطت الاساطير القومية التي روجت لها الامبريالية منذ القرن التاسع عشر .
وحتى بعد تحطم هذا الحلم بتحطم جدار برلين ، ما هي الا سنوات حتى عادت روسيا مضيئة مشرقة عظيمة في عهد " بوتين " لتؤكد للتاريخ بانها العنقاء التي لا تموت ..
لكن ، هل ثمة أمل بان تصبح كل احلامها حقيقة في النهاية لتنتصر على " الشر الكوني " وهي القوة الوحيدة في العالم القادرة بترساناتها العسكرية على مواجهة الشيطان الانجلوسكسوني الذي زيف التاريخ البشري وصيره من تأريخ " امم " إلى تاريخ " افراد " و حرف مسار الانسانية المنعتق من العبودية الى مسار مرتهن برموز الانانية والذاتية والجشع التي يروج لها عبر إمبراطوريته الاعلامية العملاقة ؟
التحديات الكبرى - السياسة الخارجية
لا شك أن منظومة الحكم في روسيا ، بقيادة بوتن ، لا تزال دون مستوى هذا الحلم واقل قدرة في الوقت الراهن لمواجهة هذا التحدي ، وهو شيء ليس بالخاف عن اي متابع من خلال السياسة الخارجية لروسيا مع ازمات العالم المختلفة . فمن يحكمون روسيا اليوم لا يمتلكون الخبرة والدهاء الموازيين لمنظومة الحكم في الولايات المتحدة ، فالأخيرة ( وريثة بريطانيا العظمى ) بالإضافة الى هيمنتها على عصب الاقتصاد العالمي ممثلاً بالمنظومة " المالية " العالمية المرتبطة بالبترودولار ، فهي ايضاً تعتمد على تاريخها الطويل في ادارة الحروب والازمات عبر العالم ، في وقت لا يحمل فيه " الكرملين " من رصيد تاريخي عبر تاريخ السياسة الدولية إلا تاريخ " الثورة " الموروثة من العهد السوفييتي ، وهو تاريخ يحمل للأسف انطباعيات سلبية حالياً لدى شريحة كبيرة من الطبقة السياسية الروسية ، وبالتالي كانت دافعا للسياسة المناقضة الى حدٍ ما للمنهج الكوني الذي تبنته روسيا في القرن العشرين والذي انتهى بتفكك الاتحاد السوفييتي في 1991 ، ما ادى الى هذا الارتجاع في قيمة المفاهيم في السياسة الخارجية الروسية الحالية المتبناة لدى بوتن وفريقه .. إن رغبة الكرملين الملحة للوصول الى امبراطورية عالمية عظمى تكون ندا للإمبراطورية الاميركية الاكبر ، هي اليوم نابعة من تاريخه الامبراطوري السابق للثورة البلشفية ، هذه الرغبة بالمجد الاثيل ، يمكن اعتبارها اليوم اهم حافز لحكام روسيا ( الاكثر شبابا ) للوصول إلى هذه الغاية عبر نظام سياسي ذو نزعة برجماتية في السياسة الخارجية و نزعة التنمية المؤطرة بمفهوم " الدولة القومية الكبرى " في السياسة الداخلية .. صحيح إن تراجع روسيا من المنهج الاممي الى منهج " المصلحة القومية " بحد ذاته يجعلها ليست بقدر التحدي المطلوب لمواجهة منهج " حكومة العالم " التي سيحكمها الانجلوسكسون و كارتيلات الرأسمال الكوني ، لكن هذا هو المطلوب حالياً من دولة تحتاج الى سنوات لبناء نواة صلبة تجنبها الدخول في مسار الكارثة الذي ادى الى انهيار الاتحاد السوفييتي واضعاف روسيا .
التحديات الكبرى – الامن والسلم العالمي
هذا الحماس لدى قادة الكرملين الذي توقد منذ مطلع القرن الحادي والعشرين ، يبدو اليوم اقل جذوة بسبب عقبات لا يستهان بها لم تعد تعترض المسار نحو الامبراطورية العالمية فحسب ، بل باتت اليوم تشكل تهديدا لوجود روسيا كدولة شاسعة الجغرافيا متعددة الاثنيات . لعل ابرزها هو وجود الامبراطورية العالمية الكبرى ( الولايات المتحدة ) التي لا تسمح ببروز اقطاب كبيرة منافسة ، لان الأخيرة ، لن تألو جهداً لمنع روسيا من إدراك هذه الغاية .. ففضلا عن طريقة التفكير المختلفة في كلا النظامين " الاميركي والروسي " ، فالروس ينطلقون من فكرة الدولة القومية ، فيما دهاقنة البيت الابيض ، لا ينطلقون إلا من اطار شامل هو " النظام العالمي " والطريق نحو قانون العالم الموحد ، يبقى الروس في موقف " الدفاع " منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1991 ، و الاميركان لا يزالون في عزيمة " الهجوم " منذ سقوط جدار برلين ...
الاميركان يشعلون النيران ويغذون بعضها المشتعل اصلاً في داخل وحول روسيا في البلقان والبلطيق و اوربا الشرقية منذ تفكك الاتحاد السوفييتي في 1991 ، فيما الروس ، حتى اليوم لا يزالون يعملون على اطفاء هذه الحرائق في مناطق حدودهم واخرى بعيدة تتمثل فيها مصالحهم .. ! على مدى العقود الماضية التي تلت انهيار الاتحاد السوفييتي ، نشبت " حرائق " جيوسياسية حول خريطة روسيا لا تزال متقدة حتى اللحظة ، في اوربا الشرقية :
جورجيا والقوقاز و أوكرانيا ، ايضا التوترات في ليتوانيا واستونيا و مولدافيا وارمينيا واذربيجان ، وما هي في الحقيقة إلا بؤر لتخليق الكراهية بين الشعوب وإعادتها الى المربع الاول الذي كانت عليه قبيل الحرب العالمية الاولى ، ما قبل الثورة البلشفية العالمية حين ساد الفكر القومي وروح التنافس على صعيد القوميات وليس روح التعاضد الانساني الشامل الذي اطلقته الثورة البلشفية فيما بعد ..
فما يجري اليوم في تلك المناطق يقوم بالدرجة الاساس على شيطنة روسيا و حكامها كما كان يحدث في الحملات السابقة ضد النازية وضد الشيوعية في القرن العشرين .. وفي الحقيقة ، حرائق تسعينيات القرن الماضي في اوربا الشرقية تحولت الى " أخدود " ناري ، او خط كبير للصدع كما اراده الغرب يمتد اليوم من بحر البلطيق شمالاً عبر اوربا الشرقية وصولاً الى البحر الاسود لينعطف هذا الخط بزاوية حادة الى سوريا والعراق نزولاً عبر سيناء والبحر الاحمر الى مضيق باب المندب .. !
ولو عدنا للخريطة مرة اخرى ، لوجدنا ان الثورات الملونة في اوكرانيا وجورجيا وقرغيزستان بحدود الاعوام 2003 – 2005 قد امتدت الى ثورات " الربيع " العربي في 2010 ، وقد غذتها منظمات عديدة منها مدنية ومنها سياسية ( ممولة من كارتيلات الرأسمال ) واسهمت الآلة الاعلامية العملاقة لهذه الكارتيلات في تحويل محصلة هذه الثورات إلى جدار النار الممثل في بؤر الصراعات الدموية المسلحة والتوترات الطائفية والعرقية والسياسية الممتدة من بحر البلطيق الى البحر العربي ...!!
منذ وصول بوتين رسمياً الى رأس الكرملين في العام 2000 ، وبعد اخماده لازمة الشيشان ، يستيقظ قيصر روسيا العظيم من حلمه في إعادة مجد الاتحاد السوفييتي بصيغة " الاتحاد الاوراسي " على وقع هذا الحريق المشتعل الذي بات يهدد كيان الدولة الروسية ...!! كيف يمكن للغرب ان يحيك كل هذه الفتن وبهذه المدة القياسية ، وكيف يمكن لروسيا ان تعاود الآمال في تحقيق احلامها وتتغلب على هذا الهجوم الامبريالي غير المسبوق الذي يهدد امنها الداخلي وسلمها الاهلي وهي التي تتكون من قوميات عدة ؟
بماذا تتميز اميركا عن روسيا لتعطيها هذه القابلية على المبادرة في ايذاء الخصوم دون ان يبدوا اي مواجهة ضدها سوى الدفاع عن انظمتهم باي طريقة ..؟؟
روسيا واميركا تتنافسان في التسلح ، وتتوازيان في القدرة التدميرية النووية ، لكن ، ثمة سلاح تحارب به اميركا لتحقيق غايتها نحو " النظام العالمي " او " الحكومة العالمية " لا تمتلكه روسيا ولا عهد لها باستخدامه ويهدد وجودها ووجود اي دولة قومية كبرى أخرى سوى روسيا كالصين والهند .. ألا وهو :
حرب الاساطير ....... (( يتبع ..... ))
В-;-о-;-р-;-о-;-н-;-е-;-ж-;-, Р-;-о-;-с-;-с-;-и-;-я-;- فارونيش , روسيا
30.06.2015
#وليد_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرب الاميركية الناعمة : الغاية و المصير
-
على متن السفينة (3)
-
على متن السفينة (2)
-
على متن السفينة (1)
-
الثقافة .. و الحضارة .. و التأريخ ، المسيرة الانسانية نحو ال
...
-
الثقافة الانتاجية : الطريق الى الدولة المدنية ، دولة الإنسان
-
السياسة الخارجية الاميركية و آل سعود ، إلى اين ؟
-
سقوط الحتمية
-
كارما التأريخ
-
بارادايم العقل البشري ، مقدمة في علم الحتمية
-
إشكالات في النظرية الماركسية 2-2
-
إشكالات في النظرية الماركسية 1-2
-
مراجعات في الماركسية (2)
-
مراجعات في الماركسية (1)
-
الإمام المهدي والحرب العقائدية الامبريالية !!
-
الوعي السياسي العربي بين قبول التسلط الاسرائيلي ورفض السلطة
...
-
الوعي السياسي العربي بين قبول التسلط الاسرائيلي ورفض السلطة
...
-
الكعبة , الرمز والدلالة
-
شيء عن الحب
-
شرقاً عبر المحيط ..
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|