|
وضع الرئيس بوتين في روسيا اليوم: رِفْعَة وسؤدد أم أفول واحتضار؟
ميشال يمين
الحوار المتمدن-العدد: 4851 - 2015 / 6 / 28 - 23:45
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
سرغي نوفيكوف - ترجمة ميشال يمين
الدعاية الروسية ووقوف روسيا بوتين البرجوازية المعاصرة بعض المواقف المعاكسة – مع كثير من المسايرة والحياء- للتوسع الأميركي والغربي في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في سوريا، آخر معقل للنفوذ الروسي في منطقتنا بعد إطاحة الاتحاد السوفياتي، وكذلك خفقان نجم الرئيس الروسي بوتين بزعم أنه "أوقف روسيا مجدداً على قدميها" بعد الهوان الذي خلفته سياسة سلفه يلتسين العاجزة حيال الهيمنة الأميركية على مجمل مفاتيح السياسة الروسية وعلى العالم - أفلحت في تلميع صورة بوتين هذه في أوساط الرأي العام اللبناني والعربي، ولا يستثنى من هؤلاء الشيوعيون السابقون وبعض الشيوعيين الحاليين الذين تنقصهم ملكة استرشاد الموقف الطبقي الماركسي في تقييم القادة والساسة. وهي دراسة قام بها سرغي نوفيكوف، عضو اللجنة الأيديولوجية لمنظمة موسكو في حزب العمال الشيوعي الروسي
وضع الرئيس بوتين في روسيا اليوم: رِفْعَة وسؤدد أم أفول واحتضار؟
خلاصة التقرير الصادر عن اجتماع النادي السياسي لمنظمة حزب العمال الشيوعي الروسي في موسكو بتاريخ 27 مايو 2015 1- للوهلة الأولى يبدو هذا السؤال غريبا. فشعبية بوتين أعلى منها في أي وقت مضى: حوالي 80٪-;- من المستطلعة مواقفهم. ويحكم حزب السلطة، حزب "روسيا المتحدة"، السيطرة بقوة على كل الجمعية الاتحادية، فضلا عن سيطرته المباشرة أو غير المباشرة على كل حكام الأقاليم: إذ بين هؤلاء الحكام من هو عضو في هذا الحزب، وبينهم من عينه الرئيس الروسي، أي أنه تحت سيطرته مباشرة وتوجيه غير مباشر من قبل الحزب الحاكم، حتى وإن كان ثمة حكام ينتمون إلى أحزاب أخرى. أما سيطرة حزب “روسيا المتحدة” على المجالس التشريعية الإقليمية والسلطات البلدية فحدث عنها ولا حرج، إذ هي سيطرة كاملة. ووسائل الإعلام، والالكترونية منها خصوصا، لا يسيطر عليها الكرملين وحسب، بل إنها تؤلهه وتمجده، لا سيما أنها قد أغرتها وغرّتها وأفسدتها الصدقات النقدية وهي المهنة التي اعتاد كثير من أهلها بيع أنفسهم بمقابل الدعاية للسلطة والترويج لمحاسنها، عبر المشاركة في مشاريع يصرف عليها المال بسخاء وعبر غيرها من المكرمات والإعطاءات تُجزَل من الموازنة العامة للدولة. لقد تمكن بوتين بذكاء ودهاء من استخدام الاحتفال بالذكرى الـ70 للانتصار العظيم على الفاشية في الحرب العالمية الثانية، من أجل الظهور أمام الشعب الروسي، هذا الذي أضنته خلال ما يزيد عن عقدين من الزمن عقدة النقص الناجمة عن الوضع الجديد لروسيا البرجوازية في العالم الحديث كشبه مستعمرة، كزعيم وطني زُعم أنه "أوقف روسيا على رجليها بعد ركوع"، وأنه بمثابة متابع أمين ودؤوب لقضية قدامى المحاربين السوفيات العظيمة ولجميع الإنجازات التي حققها الاتحاد السوفياتي. وهو يقدَّم للشعب من خلال جهود الدعاية الرسمية بمثابة القائد الذي تحدى الإمبريالية، مثلما كانت الحال في تلك الأيام عندما كان الاتحاد السوفيتي قوة عظمى. تحقيقا لهذه الغاية، "تخصخص" الإمبريالية الروسية الشابة اليوم التاريخ السوفيتي خصخصة ليست أسوأ من خصخصة السيء الصيت تشوبايس في حينه للصناعة السوفيتية، كما تخصخص مع التاريخ أيضا الخطاب السوفياتي المناهض للفاشية والمعادي للامبريالية. وبالتالي، فإن المزاج السيادي للملايين من المواطنين الروس يستغله بذكاء الكرملين الذي تمكن من تقديم بوتين لا كوريث للجنرال الخائن فلاسوف (الذي رفع في حينه العلم الروسي المثلث الألوان المعتمد حاليا كعلم روسيا) ولا كشريك لهتلر في قضية تدمير روسيا (اقتصادا وثقافة وعلماً...)، وهو بالذات ما يمثله في الحقيقة والواقع، بل كـ"مقاتل عنيد" في سبيل كل ما هو روسي وسوفييتي ومُعظِمٍ للدولة رافع لشأنها، وكل ما هو وطني. على عكس ذلك، تعاني المعارضة سواء بجناحها اليميني الليبرالي "المتغربن" أو بجناحها اليساري الشيوعي من ضعف وانقسام. وإذا كان هؤلاء "الليبراستيون" - كما يسمَّون هنا تهكماً – قد أخصوا أنفسهم سياسياً في الواقع بانتمائهم إلى مواقف علنية موالية للولايات المتحدة إن في مسألة انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا أو في شأن أحداث أوكرانيا، فإن الشيوعيين واليسار استمروا في العمل والنشاط على أنقاض حركة عمالية لم تصل بعد إلى مستوى أواخر التسعينيات كونها منقسمة ما بين الحزب الشيوعي الروسي الذي دهمته الشيخوخة ودهاه البِلى وهو ينشد الدفء في ردهات البرلمان، والحزب الشيوعي المتحد الذي انفصل عن الحزب الشيوعي الروسي، وحزب "شيوعيي روسيا" وحزب العمال الشيوعي الروسي وعدد من الأحزاب الأخرى. والوضع ليس أفضل بين اليساريين والاشتراكيين الديمقراطيين. وهكذا، يبدو وكأن بوتين كسياسي هو أقوى منه في أي وقت مضى، كما لو أن السنوات التي مررنا بها استحالت تأليهاً حقيقياً له وعزاً ورفعة لـ 15 سنة من حكمه، وكما لو أن المعارضة لم يبق لها سوى أن تكتف يديها بخنوع قبيل انتخابات مجلس الدوما المقبلة (في سبتمبر 1916) والانتخابات الرئاسية (1918)، وأن تشكر بصمت الإمبريالية الروسية عموماً وبوتين وحزب "روسيا المتحدة" على وجه الخصوص أقله على إحياء الخطاب الرسمي المعادي للإمبريالية والفاشية والسوفياتي النبرة، كما يحدث اليوم. 2. ولكن هناك للمسألة جانباً آخر فلئن وعد بوتين الشعب خلال الانتخابات الأخيرة بتصنيع جديد للبلد، فقد استحال الوعد في الواقع أزمة اقتصادية. ويصبح من الواضح بناء على تفحص دقيق للأمور أن المسؤولية عن هذه الأزمة ليست تقع على العقوبات الغربية ولا على مكائد المضاربين بالعملة، بل على الحمرنة في سياسة الكرملين والبيت الأبيض الاقتصادية على مدى السنوات الـ 15 الماضية، على غباء وقصر نظر النخبة البائسة القابعة في سدة الحكم الروسي حالياً، ناهيك عن فترة حكم يلتسين. وبالنتيجة يتوقع بعض الاقتصاديين ركودا صناعيا مع حلول نهاية هذا العام، في حين يتوقعه آخرون في خلال السنوات الخمس المقبلة. فها هي البطالة ترتفع نسبتها، والأجور انخفضت، والأسعار والرسوم والتعرفات، فضلا عن التضخم النقدي بشكل عام، تتزايد في اطراد، على الرغم من أي محاولات تبذل لتجميد الأسعار أو لتأمين شيء من استقرارها. وهذه الأزمة تتكشف ببطء ولكن بثبات على الرغم من الاستثمارات الضخمة التي تصب في صناعة الدفاع بهدف تحويلها إلى قاطرة للتصنيع الجديد. ولقد حان الوقت اليوم للاعتراف بأن هذه السياسة برمتها وصلت إلى هزيمة ساحقة. فصناعة الفضاء وقعت في براثن أزمة شاملة، ومحاولة حل الأزمة من خلال زيادة التمويل تحولت إلى تنامٍ للفساد. وهذه هي الحال في العديد من الصناعات. لكن الأفظع ان هذا ليس وحسب أرقام هبوط الإنتاج وارتفاع الأسعار؛ الأفظع أن هذا ليس يعني وحسب تقليص الكمية، بل هو فقدان النوعية: نمو الفجوة التقنية والتكنولوجية بين روسيا والدول المتقدمة في العالم وتخلفها عنها. الإصلاحات الأخيرة في مجال التعليم، وفي أكاديمية العلوم وفي مجال الصحة العامة وفي عدد من المجالات الأخرى لا تزال تثير احتجاجاً خجولاً وصامتاً، ولكنه واضح من جانب الأقلية النشطة من السكان، وحتى الأغلبية التي هي بعد مطيعة وصابرة واضح أنها لا توافق على كل هذه الإصلاحات. لقد أضر إضراراً شديداً بهيبة روسيا وهيبة بوتين شخصيا سقوط السفينة الفضائية "بروغرس" وسقوط صاروخ "بروتون" الذي كاد أيضا يسمم بوقوده كل منطقة ما وراء جبال البايكال. وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك حرائق الغابات، ومشاكل النقل الكثيرة وغيرها. وأصبح واضحاً بشكل متزايد، على النقيض مما تقوله الدعاية وتنشره السياسة الخارجية، أن "من هم فوق لم يعد يمكنهم" العيش كما في السابق في مجال الاقتصاد والمجال الاجتماعي، كما يقول كلاسيكيو الماركسية. فالدوائر الحاكمة غير القادرة على تغيير الوضع في الاقتصاد نحو الأفضل تتشبث بقضايا جانبية من مثل الأخلاقيات والإنترنت وحماية الشباب أخلاقياً في محاولة منها لإخفاء إفلاسها اجتماعياً واقتصادياً وتوجيه الناس وجهة مناقشة مواضيع ثانوية ومشتقة من مشاكل أخرى أساسية. وكل هذه الوصاية تترجم في الواقع إلغاء صامتاً لمواد الدستور في شأن فصل الدين عن الدولة والمدرسة عن الدين، وتعزيزاً للظلامية الدينية والرجعية، ومحاولات يائسة لـ"استعادة النظام" على شبكة الإنترنت. في بداية حكمه، أجلس بوتين على كاهل دافعي الضرائب الروس جيشا جديداً ضخما من البيروقراطيين. وكان من المفترض أن تحرك هذه البيروقراطية الجديدة عجلة روسيا إلى الأمام وأن تصبح بديلا فعالا عن الأوليغارشيا اليلتسينية وداعماً مخلصاً لنظام بوتين. بيد أن هذه البيروقراطية البرجوازية الجديدة غرقت، في الواقع، غرقاً مذهلاً في متاهات الرشوة وأبدت عجزاً تاماً حتى عن "الاستفادة" من جميع الأموال الروسية المتراكمة في السنوات العشر الأولى الذهبية من القرن الحالي، على الرغم من أن بعض هذه الأموال اضطرت لاستخدامه في مواجهة الأزمة، ولكن معظمها لا يزال يقبع في البنوك الأجنبية في أراضي الخصم السياسي الرئيسي لروسيا بوتين، وبما أن الجيش البالغ قوامه ما يقرب من مليون من البيروقراطيين لا يمكنه حتى أن يصرف بشكل لائق هذا المبلغ. فما صُرِف بُدِّد بغير كفاءة وكيفما اتفق وبغباء مطبق ما جعل السؤال التالي يطرح نفسه: فيم هذه "الاستفادة" هي أفضل من مجرد السرقة؟ بنتيجة كل ذلك تظهر الإمبريالية الروسية الحديثة في صورة مرعبة امام أعين العالم. فعشرات الآلاف من الأوليغارشيا السابقة و"البيروقراطيين الشرفاء" سحبوا الكثير من الأموال من روسيا وهم يعيشون بها الآن في ترف بشكل رئيسي في المملكة المتحدة، ما يتسبب لدى مواطني هذا البلد بالحسد والكراهية. أما في روسيا نفسها فلا يزال مستمراً الانفصال الطبقي التدريجي بين أغنياء وفقراء، بينما يرى جزء كبير من السكان أن دخول الأغنياء "غير شرعية"، أي غير سليمة. وبالتالي، تتسم رأسمالية بوتين ، على عكس الرأسمالية الكلاسيكية، بأن البرجوازية في روسيا تنمو بسرعة فائقة، ولكن ليست البروليتاريا المنظمة هي من يواجهها بقدر ما تواجهها البروليتاريا الرثة، غير القادرة أساساً على اعتماد أشكال التنظيم الحديثة في الاحتجاج المدني. والبرجوازية الروسية هي أيضا غريبة جدا في نشأتها. فهي لم تندمج فقط بالبيروقراطية لتشكل معها طبقة طفيلية عاتية، بل هي اليوم ليست دعامة لنمط الإنتاج الرأسمالي بقدر ما هي بمثابة الطفيلي الأفّاق الذي لا يصلح إلا لأن يستأثر بما لا يخلق إذ هو لا يخلق شيئاً . إن ما يسمى بـ"الطبقة الوسطى"، حلم الليبراليين، في روسيا قد تكوّن، ولكن هذه "الطبقة الوسطى"، أولا، ليست تشكل الأغلبية، كما حلم الليبراليون، بل أقلية، وثانيا، ليست طبقة بوتين الوسطى هذه البتة تتمتع بالذكاء الذي يميز المعلم أو الطبيب أو العامل الاختصاصي أو رجل الأعمال الصغير، بل إن وجهها القبيح أشبه بوجه البيروقراطي الروسي الإمبراطوري النزعة، الأبله والمتغطرس في آن. وهكذا نرى أن "الطبقة المتوسطة" إياها تبدو على مستوى أقل من المتوسط ... 3- كيف يمكن تفسير أن يكون ثمة في البلد نفسه منحيان اثنان متباينان إلى هذا الحد؟ هذه الحالة نادرة، ولكنها ليست شيئاً فريدا من نوعه، ولا شيئا غير متوقع في هذا المجال. فالقضية هي في ماهية الوضع الحقيقي للأمور وكيفية انعكاسه في مرآة الوعي العام، ذاك الوعي الاجتماعي إياه الذي له أهمية ذاتية مستقلة لا بأس بها على الرغم من أن الواقع الحياتي كما هو معلوم هو المحدد للأمور عادة. إن واقع الحياة الطبيعي والحتمي يكمن في أن البوتينية إلى انتهاء وزوال. فلم يعد لدى روسيا الحديثة، كما يتضح من تقلص حجم الميزانية الروسية، من الموارد ما يكفي لإطعام هذا الجسم المتورم العفن من الموظفين الرسميين اللصوص. فبعض الموظفين البيروقراطيين اليوم يتم تسريحه والبعض الآخر يُعمد إلى تخفيض أجره أو مصادر دخله الأخرى. وعلى الرغم من أن هذه التسريحات والتخفيضات لا تزال ضئيلة جدا بالمقارنة مع تنامي الحرمان وتناقص الضمان الاجتماعي للجماهير الآيلة إلى افتقار وتتسم بكونها حملة شعبوية بحتة في طبيعتها، فإن هذا مؤشر واضح إلى أن بوتين هو مضطر اليوم حتى إلى تقليص جيشه السياسي عدداً وعدّة. والمناقشة المستفيضة لموضوع المعاشات التقاعدية والتظاهر بأن هناك صراعاً بين وزارة المالية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية يدلان على أن تخفيض الميزانية الروسية سوف يشعر به قريباً المتقاعدون أيضا، والسؤال الوحيد هو فقط: متى وإلى أي درجة وبأي شكل سيتمظهر هذا الشعور. وقد كان الضحية الأولى حتى الآن هو "رجال الأعمال الصغار" الذين ضعفت صفوفهم ضعفاً شديداً. وهذا التخفيض في الميزانية ليس هو الحد والنهاية، بل هو فقط بداية توجه طويل الأجل فرضه عموماً الميل إلى الحد من الطلب العالمي على المواد الخام الروسية من جهة، والنمو المتزايد لاعتماد الاقتصاد الروسي على الغرب بشكل عام. وهذا ما يجعل روسيا بوتين تضطر إلى بيع الخامات بكميات أقل، فيما هي مضطرة للشراء من المصنوعات ما هو أكثر وأكثر. حتى اللحظة يغفر المواطن العادي لبوتين كل هذا لمجرد أن بوتين قد تمكن بمهارة من ركوب موجة نهوض الوعي القومي الذي جاء نتيجة للأحداث في أوكرانيا. لقد تمكنت الدعاية الروسية التي تعمل بمهارة من جعل بوتين مؤقتا يرمي بكامل المسؤولية عن جميع العلل الاقتصادية والاجتماعية على عاتق الولايات المتحدة ودول حلف شمال الاطلسي وعلى عقوباتها والسياسات الأخرى المعادية لروسيا، وعلى الحاجة إلى النهوض بشبه جزيرة القرم ومساعدة الدونباس. إلا أن كل هذا ليس سوى وهم وأسطورة. وسوف يمر قليل وقت، ويصبح واضحا وجليا أن بوتين ليس أبداً الراعي لنوفوروسيا (روسيا الجديدة) والداعم لها والمنجد. بل على العكس من ذلك، ثمة في ذمته اكثر من 6000 قتيل وأكثر من 10 آلاف جريح، وما يزيد على 340,000 لاجئ، ناهيك بالدمار الذي لم يسبق له مثيل في مدن وقرى نوفوروسيا، كما أنه هو الذي أبدى إغفالاً مجرماً برفضه رفضا جباناً الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين رسميا وتقديم المساعدة اللازمة لهما. وفي محاولة منه للمناورة والوقوف في الوسط بين الأمنيين (الجيش) الذين يحاولون مقاومة توسع النفوذ الأمريكي، والقلة الأوليغارشية التي لا تريد القطع حقا وفعلا لا مع الغرب ولا مع أوكرانيا الجديدة، لم يفعل بوتين في نوفوروسيا حتى ما تم فعله في عهد يلتسين حيال بريدنستروفييه (ترانسنيستريا) (خلال صراعها مع جمهورية مولدافيا وانفصالها عنها)، وفي عهد ميدفيديف حيال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا (خلال صراعهما مع جورجيا وانفصالهما عنها أيضاً). ونتيجة لذلك، تحمل الميزانية الروسية على كاهلها ليس فقط شبه جزيرة القرم الذي عزله عن أوكرانيا نازيو كييف والغباء البوتيني، بل أيضا نوفوروسيا التي أرسل إليها أكثر من اثنتي عشرة قافلة من المساعدات الإنسانية، واللاجئون الذين خصصت لهم مساعدات بمليارات الروبلات. وكانت أسوأ أيضا الآثار الدولية لمناورة بوتين هذه. فهو، من جهة، في مسعى منه بكل وسيلة ممكنة للتظاهر بأن روسيا لا تشارك في الصراع الدائر في نوفوروسيا، مضطر إلى إخفاء وتمويه كل شكل من أشكال هذه المشاركة، وتمارس الإمبريالية العالمية، من جهة أخرى، على الامبريالية الروسية بجريرة شبه المشاركة المتخفية هذه، ضغطاً لا يقل عن الضغط الذي كانت ستمارسه لو كانت المساعدة التي قدمها قانونية ومباشرة وصريحة ومبررة بطلب من كلتا الجمهوريتين. وهنا يحب الليبراليون أنصار الغرب ومعهم جماعة بوتين الأغبياء أن يقولوا ويكرروا أن مساعدة كهذه كان من شأنها أن تسبب حربا فورية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، ولكن أيا منهم لا يمكنه أن يفسر لماذا أدى تدخل القوات الروسية في بريدنستروفييه، وفي أوسيتيا الجنوبية وفي أبخازيا إلى وقف كامل للعمليات الحربية، بينما يفترض أن يؤدي اتخاذ تدابير مماثلة هنا في أوكرانيا إلى حرب جديدة. وأخيرا لا آخراً، يتصرف بوتين نفسه اليوم في نوفوروسيا بما يتعارض مع تطلعات شعبها من خلال دفعه قادة الجمهوريتين بما أوتي من قوة إلى الارتماء في أحضان كييف، في حين أن الناس في نوفوروسيا ترغب في الانضمام إلى قوام روسيا. فالرئيس الروسي يشبه اليوم العشيقة التي هي على استعداد لتحمل مسؤولياتها النسائية على أكمل وجه فقط بشرط أن لن لا يترك الرجل أسرته وأن يحتفظ بالولاء الرسمي لزوجته. فبعد تلك الحرب وبعد الدمار والبؤس اللذين عانت منهما نوفوروسيا ليست ثمة حماقة أكبر من تلك التي ارتكبت. وبهذا ينفذ بوتين بتدخله، أو بالأحرى - تدخل الإمبريالية الروسية، تقريبا نفس الدور الخياني الذي قام بتنفيذه في عام 1999 في يوغوسلافيا رئيس الوزراء الروسي في عهد يلتسين فيكتور تشيرنوميردين، عندما عمل على إقناع ميلوسيفيتش بالاستسلام لمنظمة حلف شمال الأطلسي. وما أشيه اليوم بالأمس، إذ يجبر بوتين لوغانسك ودونيتسك على نفس الاستسلام أمام نازيي كييف الموالين للغرب، ولكن فقط إذا شغّل الرئيس الأوكراني بوروشينكو من أجل هذا مدفعيته فإن بوتين سوف يرد بأن يرسل قوافل المساعدات الإنسانية وغيرها من أشكال التدخل. أما بالنسبة لشعبية بوتين الكبيرة، فإنها أمر مؤقت في اللحظة الحالية يرجع أساسا إلى ثلاثة أسباب هي أيضاً مؤقتة. أولا، في بداية عهده، أجرى بوتين "تطهيراً للساحة السياسية من القمامة السياسية" كما عبر بسخرية أحد موظفيه. ونتيجة لذلك، ترك في هذا المجال إياه فقط من هم في معظمهم من المعارضين العتاق الذين طلعت رائحة العفن منهم وتعب الناخبون الروس من أشكالهم منذ بداية تسعينيات القرن الماضي. وكان هناك شعور لدى الناس العاديين بأن هذه المعارضة قد كشفت النقاب عن فشل كامل ومطلق وأنه لا يوجد بديل لبوتين كزعيم للبلاد،". ويحب هذا المواطن العادي الضيق الأفق أن يسأل دائماً: إذا لم يكن بوتين فمن إذن؟!"، على الرغم من أن بوتين عليه معظم اللوم في واقع أن الحياة السياسية في روسيا، والتي يمكنها دوماً أن تلد القادة الجدد، تم تجميدها وتعليبها عملياً في عهده بالذات، وأن أولئك الذين كان يمكن لهم أن يشكلوا بديلا ما لبوتين لم يكن يسمح لهم ببساطة الانخراط في السياسة. وهكذا كان أن بقي بوتين وحده في الميدان (كما يقول المثل العامي: ليس في الميدان إلا حُدَيدان!) من أصل 140 مليون مواطن في روسيا هو الصفوة و"التوجيهة"، أوجده الخالق وكسر القالب!!!، أي أصبح نوعا من أوج سياسي وقمة في الذكاء بين شعب هائل العدد. ومع ذلك، وهذا ليس ذنب الناس بقدر ما هو نتيجة للنظام السياسي الذي يختار للسلطة لا أفضل السياسيين، بل أشدهم مكراً ودهاء، أي لا السياسيين بل ممتهني الألاعيب السياسية. فقبل عدة سنوات، حصلت في مسألة تسجيل الأحزاب السياسية بعض التنازلات والتسهيلات. ولكن النتيجة كانت ان ممثلي المعارضة في الحكومة الإقليمية لم يصبح عددهم أكبر، بل صار أقل، فيما أبقى النظام السياسي على الطابع التمييزي المتشدد ضد الأحزاب السياسية المسجلة حديثا والتي لا يمكنها أن تشارك في الانتخابات إلا من خلال جمع التوقيعات، وهذا الجمع عقّدته التشريعات بتحويلها التنازلات والتسهيلات السياسية التي قدمت في السنوات الأخيرة إلى محض خيال. وبالتالي، بني النظام السياسي للإمبريالية الحديثة برمته بشكل عام وروسيا بوتين على وجه الخصوص بحيث تقتل هذه الإمبريالية وتسحل وتسكت كل ما هو حي حقا، وأصلي فعلا، وذكي وقادر قطعاً، محولة الحياة السياسية إلى مستنقع آسن. ثانياً، يتضح من استطلاعات الرأي العام أن البنية الاجتماعية والنفسية لشعبية بوتين تشهد على هشاشتها، بما أن الناخبين لا يوافقون على كل ما يحدث في روسيا اليوم. فكثيرون من الناس ما زالوا يقولون "نعم" لانضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ويؤيدون الخطاب المناهض للفاشية لدى بوتين وحاشيته، ولكن مع هذا كله يتزايد الاستياء الجماهيري من السياسات الاجتماعية والاقتصادية، خصوصا الإصلاحات الأخيرة. وهكذا، بخلاف الإيمان الجماهيري للشعب السوفياتي بستالين وبانتصار الاتحاد السوفيتي، على سبيل المثال، ذلك الإيمان الذي لم يهتز حتى عندما كانت النازية الهتلرية عند مشارف موسكو، ثم لاحقا عند نهر الفولغا – فإن شعبية بوتين هشة كفقاعة الصابون، ذلك أن الناخب الحالي على تناقض ذاتي في تقييماته، ويكفي أن يتعرض ولو قليلاً لتأثير ما حتى تفوق السلبيات الإيجابيات. في هذا المعنى، يشبه بوتين بعض الشيء شخصية القيصر بوريس غودونوف في رواية الشاعر الروسي بوشكين: فما دامت سياسته تمر بسلاسة، لا أحد يتذكر لا عدم شرعيته، ولا المسار الجنائي لتوليه السلطة، ولكن ما إن يظهر دمتري الدجال الطامع بتبوء العرش حتى لا يبقى من هذا الاستقرار حجر على حجر. ساعتئذ سيتذكرون الانتخابات والتلاعب بنتائجها و"براءة" (أي تبرئة) وزير الدفاع السابق سردوكوف من الفضائح المالية التي ارتكبها، والكثير من الأشياء الأخرى. ثالثا، كنا نرى سواء في الاتحاد السوفيتي وبلدان مجلس التعاضد الاقتصادي الأخرى في عهد غورباتشوف، أو في مصر في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس مبارك، أو في العديد من البلدان الأخرى، ولا نزال نرى الشعبية الكبيرة للرؤساء المعمّرين طويلاً في السلطة، والتي لا تمنع المعارضة من إطاحة هؤلاء الرؤساء عندما يحين الحين. بعد ذلك لا يبقى من هذه الشعبية شيء. ويحدث مثل هذا التأثير عندما يكون النظام السياسي الاستبدادي كابحاً ومعرقلاً لفترة طويلة بروز استياء المواطنين إلى السطح. فيتراكم هذا السخط، في حين يوفر النظام السياسي للرئيس بفضل قوة الاستمرار انتخابه مرة تلو المرة، ثم بدعم من الخارج يحصل انفجار سياسي قوي يغير جذريا اتجاه الرياح السياسية، ويؤدي في وقت قصير إلى تغيير شامل في الوعي العام. والوضع في روسيا هو هذا بالذات: الناخبون يتسامحون مع بوتين ويدعمون حزبه "روسيا المتحدة" فقط طالما بوتين في السلطة ويضمن عبر الاستفادة من ظروف السوق المواتية في سوق الخامات الشبع والاستقرار النسبي لهؤلاء الناخبين. ولكن ما إن يهتز هذا الاستقرار حتى يتذكروا لبوتين فورا تزوير الانتخابات في عهده، وحالات الفشل العديدة في سياسته الداخلية والخارجية، تلك التي تتشكل تدريجيا في الوعي الجماعي في صورة فشل واحد شامل وكامل، وفي ما هو أكثر من ذلك، وهنا لن يعود ينقذ بوتينَ استرجاعُ شبه جزيرة القرم إلى الحضن الروسي. وبعد ذلك قد يأتي الجيش ويذكره كيف أنه أجبره على دعم الروس في أوكرانيا بالسر والخفاء، ومن دون أي غطاء وأي وضع دولي رسمي. وهذا يعني أن موت أحدهم في القتال هناك سيتم في جنازة سرية، أو يعني - في حالة الأسر - عدم القدرة على استخدام حتى صفة أسرى الحرب. وبالتالي، فإن شعبية بوتين الحالية والهيمنة المتزايدة لحزب “روسيا المتحدة” في روسيا ليستا إلا النزع الأخير للبوتينية بينما يأتي الموت كاملاً بالضبط عندما "ينتهي عند روسيا المال." 4- وهكذا، فإن نهاية البوتينية - هذه ليست سوى مسألة وقت، نهاية لن تكون فقط اقتصادية واجتماعية ولكن أيضا سياسية، وسوف تأتي عاجلا كلما عجل بوتين في تحقيق ما يصبو إليه في أوكرانيا، أي إجبار جمهوريتي دونتسك ولوغانسك الشعبيتين على إظهار المصالحة مع كييف من دون إضمارها (ما يعني إجبار الزوج الخاطئ الضال أخيرا على "العودة إلى أحضان الأسرة"). وبمجرد أن تنخفض إيرادات الميزانية الروسية، سيواجه روسيا فورا أحد خيارين: إما انعطاف إلى اليمين جديد مع "علاج بالصدمة" بوصفات ليبرالية "غايدارية" جديدة، وإما انعطاف نحو اليسار. حتى الآن، يبدو أن الأمر الأكثر احتمالا هو الانعطاف نحو اليمين، والذي سيتم إنجازه إما عن طريق "الليبراستيين" إياهم وإما من خلال جماعة بوتين "المتلبرلين" (أي الصائرين فجأة ليبراليين). إلا أن هذا سيعني بالنسبة لروسيا مآسي جديدة وملايين جديدة من المصائر المتعثرة والمكسورة ومن الناس المشوهين نفسيا، وسيعني انهيارات وأزمات جديدة تكون بفظاعة مأساة الحرب العالمية الأولى، وتتسبب حتما بتفاقم جديد للتناقضات الطبقية. أما القول بأن تنتهي هذه التناقضات إلى انعطاف جديد نحو اليسار، أو على الأقل إلى احتجاج منظم ومتبلور إلى هذا الحد أو ذاك فيعتمد على مهارة الشيوعيين واليساريين وقدرتهم على أن يُكسبوا الاحتجاج العفوي المتنامي طابع الاحتجاج الواعي والمنظم ولو بالقدر اليسير، وعلى الاستعداد لأجل هذا على الاستفادة من انتخابات الدوما المقبلة، ومن ثم الانتخابات الرئاسية، فضلا عن قدرة المعارضة الفتية الشيوعية الجديدة على أن تطرح على المجتمع برنامجاً اجتماعياً واقتصادياً جديداً. 5- أصبحت البوتينية على مدى السنوات الـ15 الماضية مثابة الوجه الجديد للرأسمالية الروسية في بداية مرحلتها الإمبريالية. وفي الوقت نفسه، ليس فقط اليسار، ولكن أيضاً الشيوعيون تأخروا كثيراً في انتقاد البوتينية تاركين قصب السبق في هذا الأمر لليبراستيين الموالين لأميركا والغرب، ومعتبرين ان هؤلاء الأخيرين، وليس البوتينية، هم خصمهم الرئيسي. وها هو الوقت قد حان اليوم ليس فقط لاستعادة قصب السبق هذا، ولكن أيضا لتطوير نقد البوتينية لا من اليمين بل من اليسار، كي يضحي من الأسهل تطوير هذا النقد في وقت لاحق ليصبح نقداً لليبراستيين أنفسهم. وهكذا، نحن اليوم أمام انحراف هائل في الوعي جعل عشرات الملايين من المواطنين الروس ينظرون إلى ذاك الدجال القابع في الكرملين باعتباره بطلا قوميا تحدى للمرة الأولى منذ الحقبة السوفيتية الولايات المتحدة والغرب. وهذا الانحراف بات ممكناً، في جزء منه، على وجه التحديد لأن بوتين تلقف بسهولة من لدن ما يسمى بـ"المعارضة الوطنية" راية الكرامة الوطنية للدولة العظمى، وراح يسعر أجواء الخطر المحيق بالوطن لصالح الإمبريالية الروسية. ويقع اللوم إلى حد معين في هذا على عاتق المعارضة نفسها، تلك التي فضلت، وهي تقدم عصا الطاعة وتنزلق إلى نهج ما قلّ من الصد والمقاومة، أن تعزف أكثر على أوتار النزعة الوطنية للقوة العظمى، بدلا من تطوير الوعي الطبقي لحتمية النضال الاقتصادي من قبل طبقة ضد طبقة وحتمية ثورة جديدة لا اجتماعية فقط، ولكن أيضا ثورة اشتراكية. ويأتي هذا فيما يقدم الدروس في الثورات السياسية لا الماركسيون ولا حتى المفترض أنهم اليسار، بل الامبريالية التي أطاحت وتطيح بسهولة قادة "انتخبوا قانونيا" ولكنهم لا يروقون لها، بطريقة غير دستورية وغير قانونية اسمها الحقيقي الثورة المضادة، أي تجاوزاً لأي انتخابات أو إجراءات قانونية أخرى. إن اليسار بشكل عام وخصوصا الشيوعيين لن يحققوا أبداً نجاحا في تحويل روسيا ما لم يقولوا مباشرة وعلنا إن طريق القانون والانتخابات لا يمكن أن يفضي إلى أي تغيير نوعي في روسيا، وإن الطريق الوحيد لبناء روسيا جديدة للعمال والكادحين رغم كل ما أوتينا من نزعة إنسانية ثورية، هو ثورة اجتماعية جديدة موجهة ضد العدو الرئيسي الذي ليس هو في واشنطن ولا في بروكسل، بل يجلس في الكرملين والبيت الأبيض الروسي، في مكاتب مريحة ومقارّ فاخرة. فالعدو الرئيسي هو اليوم، كما كان الأمر قبل 100 سنة، في بلدنا بالذات! وواجبنا أن نشرح للناس أن روسيا الحديثة يعيش فيها نوعان من الناس مختلفان: هم ونحن، وإلى أن نستطيع الاطاحة بـ"هم" والانتصار عليهم وإنهاء سيطرتهم واستغلالهم وقهرهم واستبدادهم، وحماقتهم وغطرستهم البلهاء، فإنهم سوف ينهبوننا ويسلبون تعبنا ويستعبدوننا أسوأ من أي معتد خارجي، غاسلين أدمغتنا بالكلام المعسول عن الوحدة الوطنية. من وجهة النظر هذه تبدو البوتينية في روسيا اليوم أقوى بكثير من "غايدار" ليبرالي جديد. أقوى لا لأنها، بطبيعة الحال، مدعومة بقوة السلطة أو الموارد، بل لأن البوتينية أعرف كثيراً من غيرها بكيفية خداع الجماهير وتنويمها على حرير كذبها، ما يؤدي بهذه الجماهير بعيدا عن الصراع الطبقي من أجل مصالحنا المشتركة من خلال الحديث عن وحدة وطنية. وخطر البوتينية يكمن أيضا في حقيقة أنها، حتى إذا لم يحاول الليبراستيون أن يصوروا أنفسهم على أنهم قوة متعاطفة مع الشعب كله ومع الوطن برمته، وأن يخفوا انتماءهم الطبقي، تعمل، في المقابل، في صالح إمبريالية روسية تحت ستار الوحدة الوطنية ووحدة الطبقات. لهذه الأسباب وغيرها العديد تبرز البوتينية اليوم كعدو رئيسي، وهؤلاء الذين يسمون بـ"البوتينيين الحمر" ليسوا سوى أعوانها، بينما الليبراستيون هم عدو من الدرجة الثانية، ولن يكونوا إلا غدا، بعد الإطاحة ببوتين، العدو الأول. وفي الوقت الحالي، باعتبار أن عملنا الرئيسي هو نشر الوعي الطبقي بين البروليتاريا الجديدة في روسيا، ليس ما يمنع تحالفنا بشكل مؤقت مع الساسة الليبراليين الذين هم على استعداد لاستخدام الوسائل الثورية للنضال ضد البوتينية، على الرغم من أن مثل هذه التحالفات غير المرجحة أصلاً، لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن توقف نقدنا لليبراستيين بشكل عام، وانتقادنا لطبعة جديدة من "الصدمة دون علاج"، هذا الانتقاد الذي سيكون بدونه مستحيلاً غداً الصراع الطبقي. وهنا لا ينبغي لنا أن نقلل من أهمية أي دعم أجنبي لليبراستيين أو من كونهم ذوي انتماء طبقي مبدئي محدد، ولا أن نؤمن بنزاهة انتقامهم الليبرالي. هم يقولون: "نحن سوف نأتي عندما ينفد المال". في حال أدنى تهديد بتغيرات سياسية سيلوذ البوتينيون بالفرار، ويتخلون عن "بطاقاتهم الحزبية"، أما الليبراليون فلا. ومع ذلك، فإن المهمة الرئيسية للحظة الراهنة هي بالذات تحويل عز ورفعة البوتينية إلى احتضار سياسي لها من دون أن نسمح بأي صفقات أو غزل أو حوار مع هذه البوتينية الكذابة والفاسدة التي جلبت اللعنة لروسيا حتى ولو كانت حجة هذا مكافحة المعارضة الليبرالية الجديدة والقديمة. واليوم، فيما يعمل جماعة "روسيا المتحدة" لتحويل روسيا مع حلول كل ما يسمى "عيد الاستقلال" إلى موعد مع الشرب حتى الثمالة والذهاب إلى البيت الريفي للراحة ونسيان المشاكل، يجب علينا أن نجهد لنوضح بكل الوسائل للناس الحقيقة، وهي أن روسيا لم يتم في عهد بوتين تعزيز رفعتها وإعلاء سؤددها، بل بعكس ذلك أصبحت أشد غباء وحمقاً وفقدت مظهرها اللائق بتورم وجهها وتحبحبه وترهل "قططها السمان" من كثرة الغنائم المسروقة. وإن الفجوة التقنية والتكنولوجية بين روسيا وباقي العالم لم تضق بل توسعت، وإن اعتماد روسيا اعتماداً علمياً وتقنياً واعتماداً اقتصادياً محضاً على العالم الخارجي لم يتراجع، بل زاد. لذا تشكل البوتينية أسوأ من جريمة. إنها الركود الجديد الذي شوه ومسخ واحدة من أغنى الدول في العالم، وأكثرها وفرة بالمواهب، حتى أكثر مما فعلته "التسعينيات العجاف". وهذا حتى وإن يكن كثير من الناس ليس فقط في روسيا، ولكن في بقية أنحاء العالم لا يزالون ينظرون إلى بوتين كرمز لتحدي الإمبريالية الأميركية وحلف الناتو. وسوف يمر بعض الوقت، وسيدرك الناس أن بوتين اليوم كما تلك الإمبريالية العسكرية الإقطاعية التي حكمت روسيا القيصرية هو أفضل هدية منحها القدر للإمبريالية العالمية، وأن بوتين هو من دون أن يتخلى عن الصراع ضد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على مناطق النفوذ، هو أفضل هدية من القدر لرأس المال في العالم المعاصر، وهو يستغل روسيا ليس أقل بل أكثر مما في عهد يلتسين. إن العالم سيتحدث عن روسيا الحديث الحقيقي فقط عندما تنهض البروليتاريا المتعددة القوميات فيها بدعم من باقي الكادحين للقيام بثورة اجتماعية جديدة مناهضة للبرجوازية. وعندما سيقوم المؤرخون من علياء هذه الثورة بتحليل موضوعي لحصيلة حكم البوتينية وتناقضاتها، فإننا نعتقد أن العالم سوف يتداول النوادر والنكات حول منح الرئيس فلاديمير بوتين وسام الثورة الاشتراكية الجديدة على خلقه حالة ثورية في البلاد. بقلم سرغي نوفيكوف، عضو اللجنة الإيديولوجية لمنظمة موسكو في حزب العمال الشيوعي الروسي
#ميشال_يمين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|