سليم سوزه
الحوار المتمدن-العدد: 4850 - 2015 / 6 / 27 - 19:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في أوروبا، ركز الناقد الغربي على المسيحية ونقدها وفق نظرية المثلث المقلوب. بدأ من القمة اولاً وانتهى صعوداً بالقاعدة. ضرب رأس الكنيسة وهاجم الهرم الكنسي فتهاوى الخطاب الديني لعدم قدرته على مواجهة العقلانيين وثورات الشك الكبرى التي قادوها. لم تكن مهمة سهلة لكنها أسهل بكثير من تلك التي تحصل مع أديانٍ أخرى.
نجحت المهمة في اوروبا لكنها فشلت في بلاد المسلمين والسبب ، حسب تصوري ، أن المسيحية لم تولد في الغرب بل في الشرق وعملية التصاق الفرد بدينه وشدة إنصهاره فيه لها أسباب جغرافية وإثنية إضافة الى العامل الروحي. فالعرب مثلاً وهم الحاضنة الأولى للإسلام جغرافياً وإثنياً ، حيث الارض التي نزل فيها الاسلام عربية والنبي محمد عربي ، لن يستسهلوا أبداً عملية الفصل بين الاسلام والقومية. يرون الاسلام في قوميتهم ويرون القومية في اسلامهم حتى صار نقد العرب كقومية نقداً للإسلام عندهم، والعكس صحيح، نقد الإسلام كأنه نقد لعرقهم العربي. ملازمة شديدة بين الدين والقومية لم يستطع حتى مفكري القومية العربية العلمانيين من تجاوزها فحاولوا توظيف المسارين لصنع حركة فكرية جامعة تحمل شيئاً من الاسلام وأشياءً من العرق.
لن يقل عامل الجغرافيا أهمية عند العربي المسلم من عامل العرق.
للمنطقة العربية ولمكة بالتحديد حضور روحاني ونفسي على العربي المسلم تشعره بملكية إعتبارية للإسلام.
يملك العربي الاسلام أرضاً أيضاً وليس فقط عرقاً ودينا. هو يقبض على جغرافيا الاسلام ، أي أنه يملك نسخة الاسلام الاصلية. كلما تذكّر أن الأسلام نزل في أرضه أرتفعت عنده لحظة الذوبان في الأصالة. لحظة روحية غريبة كالتي تحصل للإنسان حين يقف على عمل فني أصلي لفنان عالمي كبير. فعلى سبيل المثال، رؤية لوحة الموناليزا الاصلية ليست أبداً كرؤية نسختها المقلدة في الصور والتلفاز ورسومات الملابس. تفقد نسخ التقليد ما يسميها الفيلسوف الالماني ڤ-;-التر بينيامين Aura ، أي أصالتها، وفي فقدانها لأصالتها تفقد معها قيمها المقدسة Cultic Values. تفقد معها لمسات الفنان وروحه وانفاسه فتصبح نسخة إعتيادية مبتذلة يسهل التخلي عنها.
لهذا أي عملية نقد توجه للإسلام ستصطدم بعقبة القومية وتعثر بحجر الجغرافيا قبل أن تصل هدفها. ستكون إنتقاصاً من قومية العربي وحضارته قبل أن تكون نقداً لدينه ومعتقده. هذه هي المشكلة.
ليس كما حصل في اوروبا، تلك البلاد التي اعتنقت ديناً غريباً على عرقها وارضها فكانت مسألة نقده وتهذيبه بل حتى مهاجمته أسهل من تلك التي حصلت مع أديانٍ أخرى. ربما أكون مخطئاً لكنه تصورٌ خاص أتبنّاه لنفسي ولست أدّعي عصمته.
يتبع .....
#سليم_سوزه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟