|
المنهج الديني_العلمي؟؟!!!
ماجد مغامس
مهندس مهتم بالدراسات الإنسانية والدينية
(Maged Moghames)
الحوار المتمدن-العدد: 4850 - 2015 / 6 / 27 - 19:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
صراع الدين والعلم معروف منذ زمن. ومحاولات الخطاب الديني إثبات أن الدين " يحض على التفكير" ويتماشى مع العلم معلومة للجميع. لكن هذا يتنافى مع ماهية الإيمان الذي هو صلب الدين. فتعريفات الأيمان في الخطاب الديني تتفق على أنه يمثل "الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح" أو هو "ما انعقد عليه القلب ، وصدّقه اللسان." فهنا لا ذكر أبدا لمفهوم العقل والتفكير، وحتى حث القرآن على التدبر والتفكر هو حث على التفكر في " ملكوت الله" من أجل زيادة مستوى الإيمان. لن ندخل في هذه الجدلية الآن برغم أن الإطار النظري مهم. لكن لكي لا نطيل على القارئ سنتطرق هنا الى مثال يبين لنا كيف أن الخطاب الديني قد وضع الإيمان المطلق والنقل مكان البحث التجريبي و العقل.
ورد عن النبي محمد أنه "قال لأبي ذر حين غربت الشمس: أتدري أين تذهب قال : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها : إرجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى : والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ." ( البخاري ومسلم).
لن ندخل في جدلية مدى مطابقة مضمون الحديث للعلم، فهذا الأمر تم إستهلاكه سواء من طرف الهجوم أو الدفاع. هدفنا هنا كما بينا أعلاه هو التعرف على "المنهج الديني_العلمي" متمثلاً هنا في "الدفاع" عن "شبهة" عدم توافق هذا الحديث مع العلم. سوف نرى هنا كيف أن هذا المنهج مجملاً لا يعتمد العلم والعقل بالمفهوم المعروف، بل يترك ذلك لمصلحة " الإيمان" المتمثل في إعتماد النقل بدل العقل والتسليم بعجز الإنسان عن الإدراك كوسيلتين للوصول إلى الحقيقه!!!
ردت الكثير من المصادر على " الإدعاءات" المتعلقه بهذا الحديث. وسنأخذ ثلاثة من هذه المصادر لندرس منهجية ردها.
نبدأ مع مركز الفتوى التابع لموقع ( إسلام ويب). لا بد من الإشارة في البداية إلى أن موقع ( مركز الفتوى) يقدم نفسه كجهه علمية بحته. لاحظو تكرار كلمة " علم" ومشتقاتها في تقديم المركز عن نفسه, فهو يعرف بنفسه على الموقع على أنه ( بوابة (علمية) دعوية كبيرة.... ويقوم على العمل في المركز فريق من طلبة (العلم) الشرعي المتميزين والمتمرسين في هذا المجال.... وفي المسائل الاجتهادية التي قد تختلف فيها أنظار أهل (العلم،) فإنه.... يتم مناقشة الأدلة وأقوال أهل (العلم) فيها).
لنرى ماذا قدم لنا " أهل العلم" من منهجية علمية في هذه الحاله:
أورد مركز الفتوى في رده على سؤال يتعلق بهذا الحديث ما يلي:
(إن الأحاديث إذا صحت روايتها فإنها تقبل عند المحدثين ولو كانت آحاداً، والمحدثون .... اتفقوا على قبول حديث الآحاد إذا صح، وعلى صحة ما في البخاري .... وبناء عليه.. فإنه لا يقبل رد ما صح بدعوى مخالفته للعقل، بل ينبغي أن تتهم العقول التي لم تفهم بالقصور، فقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن ما صح نقلاً لا يخالف العقول السليمة).
نلاحظ هنا غياب أي مفهوم لمنهجية علمية فعلية في الرد. بل أن هذا الرد جاء مبنيا على فكرة الإيمان، والإيمان فقط :(اتفقوا على قبول حديث الآحاد إذا صح ، وعلى صحة ما في البخاري). إذن هنا يقول لي المصدر بأنني لست بحاجة للبحث العلمي والتنقيب والدراسه للتعمق في هذه الإشكالية. فما صح من الأحاديث وخصوصاً البخاري يؤخذ به بدون مسائله. لا بل يذهب المصدر أبعد من ذلك ليقول (لا يقبل رد ما صح بدعوى مخالفته للعقل، بل ينبغي أن تتهم العقول التي لم تفهم بالقصور).
إذن بشكل واضح يخبرني مركز الفتوى بأن ما صح من المنقول وإن خالف العقل فإنه يؤخذ به ويهمل التفكير العقلي. لا بل هنا يتم التقليل من شأن العقل بصفته قاصراً أمام قوة ما صح من النقل. ويأخذ المصدر هنا رأي إبن تيمية القائل بأن "ما صح نقلاً لا يخالف العقول السليمة." إذن يا مسلم, إن وجدت تناقضاً صريحا وواضحاً بين ما هو منقول وما هو معقول فأعلم أن عقلك ليس سليمأ والمنقول هو السليم. بعبارة أخرى... المصدر هنا يقول لي أنزع عقلك وضع بدلاً منه البخاري وإبن تيمية وغيرهم من السلف.
المصدر الثاني الذي تعامل مع هذه الإشكالية هو موقع (ملتقى أهل الحديث). ما يلفت النظر هو أن الموقع قد عنون رده بعبارة: ( بحث علمي يزيل الإشكال عن سجود الشمس تحت العرش). علاوة على عدم دقة العنوان في ملامسته للمطلوب, دعونا نرى ماذا قدم هذا " البحث العلمي."!!!!
أول ما يبدأ به هذا "البحث العلمي" هو التأكيد على ما اسماه عدة "مسائل هامة ينبني على فهمها أكثر الفهم وأجوده." أولى هذه المسائل تتمثل في أنه (إذا ثبت عندنا صحة الخبر آمنا به وعملنا بما فيه مذعنين متعبدين). السؤال هنا هو: اذا كانت هذه هي أولى مسلمات "المنهج العلمي" المتبع فعن أي بحث علمي تتحدث؟ إذن بعبارة أخرى هذا هو ذات المنهج المتبع في ( إسلام ويب.) أنه منهج الإذعان وتحييد العقل أمام النقل. أنه منهج الإيمان.
يمضي المصدر بعد ذلك في تفنيد القضية من خلال التطرق لسند الحديث وقضايا لغوية بحتة. ومن ثم يتكئ المصدر على بعض المصطلحات العلمية مثل "فيزياء الكم, ومبدأ اللاحتمية" بدون توضيح ماهيتها للقارئ. وعلاوة على إستخدام هذه المصطلحات في غير سياقها، فإنها قد وظفت فقط لتصل بالقارئ إلى حقيقة إيمانية مفادها أن الحديث (لا يخالف صريح العقل إنما قد يخالف ما اعتاد عليه العقل ... وأن لله حكمة بالغة يطلع من يشاء عليها ويستأثر بما يشاء عنده). إنه ببساطة يقدم للقارئ ما يقدمه الخطاب الديني غالباً: وهو أنه عندما نعجز عن تفسير أمر ما نرفعه الى أن هناك أمور غيبية نعجز عن إدراكها. وهذا ما يترك المتلقي في حيرة وفي شك من " عقلانية" الطرح علاوة على تقديم فكرة عجز العقل البشري وبالتالي قتل جزء كبير من تساؤلاته.
المصدر الثالث الذي بحث في هذا الأمر هو الموقع الألكتروني المسمى ( موسوعة بيان الإسلام). كغيرها من المصادر المذكورة تقدم ( الموسوعة) نفسها على أنها أكبـر قـاعـدة "علمـية" شـامـلة للـرد "العـلمي" وفيها خلاصة لخبرات "علماء" الإسلام و مجموعة من "العلماء" كلٌ فى تخصصه، ومنهجها البدء بـ " الدليل العقلي" في الرد ومن ثم "إلحاق الرد النقلي بعد التأسيس العقلي له." ويقوم على هذه الموسوعه وزير الأوقاف المصري الأسبق, ورئيس الأزهر الأسبق وأساتذه من الأزهر بالإضافة الى نائب رئيس مجمع اللغه العربيه وأمين عام إتحاد المجامع اللغوية و أمين عام الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمكة المكرمة. لاحظنا هنا أيضاً تكرار مشتقات كلمة " علم." إذن ربما هذا مبشر بالخير، وبشيء مختلف عما رأيناه في المصدرين السابقين. لنرى...
بدأ علماء الموسوعة الرد بالقول: (ونحن - المسلمين - نؤمن بالصحيح الثابت..... فإن تحقق وتأكد صحة الخبر عندنا آمنا به وسلمنا بمقتضاه). كما يتضح, فإن البدء بهذه المقدمة يخالف ما أدعته الموسوعه بالبدء بالدليل العقلي ومن ثم " الحاق الرد النقلي." كما أن هذا لا يختلف عما أورده المصدران السابقان من حيث إعتماد صحة النقل كدليل على ثبوت صحة أي مسألة.
بعد التركيز على أهمية " النقل," يتجه " العلماء" إلى "الدليل العقلي" فيتحدثون عن مفهوم ال ( Solar Apex) كدليل. ولأن موضوعنا هنا ليس التشكيك في ما ورد في الحديث فإننا نكتفي بأن نبين أن هذا المصطلح لا يتحدث عن " مستقر" الشمس كما فهم " علماء الموسوعه". وسوء الفهم ليس بغريب... فمتخصصو الفقه لا علاقة لهم بعلوم الفضاء وفهمها – مع كل الإحترام لهم. ويتحدث المصدر بعد ذلك عن " قانون العطالة" على الرغم من أن ما يقدمه ليس نقطة الخلاف في الحديث.
عدا ذلك لم يتطرق المصدر في مقاله المطول لاي حقيقة علمية. بل يعتمد كالمصدرين السابقين على التحليل اللغوي لبعض مفردات الحديث ودعم ذلك بآيات من القرآن، هذا رغم أن الموقع أكد في الصفحة التعريفيه إدراكه أن "المخالف لا يؤمن بقرآن ولا سنة،" إذن فكيف نأتي بدليل لهذا المخالف من مصدر لا يعترف به؟ وفي خلاصة المقال يؤكد المصدر مره أخرى أننا "كمسلمون إذا تحققنا من ثبوت ( الخبر) آمنا به يقيناً". إذن فإن "الموسوعة" تبدأ وتنهي ردها " العلمي" بالتأكيد على أعتماد صحة النقل كأساس لإعتماد صحة أي مسأله.
الخلاصة أننا هنا أمام ثلاثة مصادر " إسلامية" تقول أنها تقدم رداً "علميا" على " الشبهات" حول الإسلام ولكن ثبت منطوقها بعيد كل البعد عن المنهج العلمي حسب الأصول. فهذا الخطاب "الأبوليجيتيك" يخلو من أي منهج علمي تجريبي يعتمد الدليل العلمي البحت. على العكس من ذلك، بينت هذه المصادر بشكل واضح طبيعة المنهج الديني العام في الوصول للحقيقة. وهو منهج مبني على مسلمتين: أولاهما التسليم بصحة المنقول على حساب منطقية المعقول، ثانيهما " الإذعان" بعجز الإنسان ومحدودية فهمه لأن هناك أمور غيبية لا يستطيع أدراكها. وهذا هو لب وقف مسيرة البحث والتجربة. و"العلماء" المسلمون لم يأتو بهذ المنهج من لدنهم. بل أنه مؤصل لديهم في أقوال السلف، وعلى رأس هذه الأقوال ما ينسب تارة لأبي بكر وتارة لعلي بن أبي طالب من أن ( العجز عن الإدراك إدراك). إذن هنا إبطال للعقل أولا باستحسانه للعجز, وثانياً رمسنة هذا العجز بإعتباره إدراكاً بحد ذاته .... هذا هو صلب الإيمان.
المواقع الإلكترونية المشار إليها http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=103017 http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=28404 http://bayanelislam.net/Suspicion.aspx?id=03-02-0065
التعليقات لمن يرغب على صفحتي على الفيسبوك https://www.facebook.com/majid.mgamis
#ماجد_مغامس (هاشتاغ)
Maged_Moghames#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقديس الصحابه وقطع البلعوم !!!
-
-كلمة سواء- في حوار الأديان
-
سلطوية الأستاذ الجامعي
-
بلاغات البخاري غير الصحيحه
-
تقاطعات بين الزردشتيه والإسلام
-
(أصحابي أمنة لأُمَّتي): حادثة السقيفه وجدال السلطه
-
غير الصحيح من صحيح البخاري
-
بارانويا الحاله الإسلاميه
-
جوانب التشريع فيما ورد عن الرسول
-
-قل يا ابا الوليد اسمع- - أم - اتيتكم بالذبح-
-
في الصباح: فنجان معرفه أم وليمة قينات؟؟؟
-
الخطاب الديني وثقافة التخويف: الى متى؟
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|