|
خاتمة كتاب: أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 4848 - 2015 / 6 / 25 - 18:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المستفاد من تحالف المتصوفة ( رجال الدين ) مع خكام العسكر المماليك 1 ــ من بؤس أى شعب أن يقوم الجيش المدافع عن الشعب بالتحكم فى الشعب . نقول التحكم وليس الحكم ـ لأن حكم العسكر بما هو معروف عنهم من غلظة وقتل وقتال وتعامل مع السلاح والدم يؤسّس نظرتهم لغير العسكريين ، أى الشعب ، فيصبح الشعب أسيرا لدى العسكر ، والعسكر بهذا لا يحكمون الأسرى لكن يتحكمون فى الأسرى . هذه هى نظرة العسكر لو تحكموا فى شعب ما ، وحكموه بمنطقهم العسكرى ، وهم يختكرون السلاح ، ويمنعون الشعب من إستعماله حتى فى مقاومة جيش عدو مهاجم . 2 ــ فى العصور الوسطى كان البؤس مُعتادا ، سواء من حُكم خليفة أو نظام عسكرى ، إذ كان الاستبداد هو ثقافة العصر يعيش عليها ويتعايش معها كل شعب فى الغرب والشرق . أما الان فى عصر الديمقراطية وحقوق الانسان وثورة الاتصالات والمواصلات وحرية التعبير على الانترنت فقد أصبح البؤس مؤلما وغير محتمل ، وأصبح ضحايا المستبدين بين نارين : الخضوع للمستبد القائم وصراعه مع حركة معارضة أكثر إستبدادا ، أو الثورة على هذا الحاكم وتحمل النتائج بتقديم آلاف الضحايا ، مع ما يستلزمه هذا من حرص حتى لا يختطف الثورة كلاب الصيد من بقايا المستبد أو من خصومه . هذه هى تجربة ما حدث وما يحدث فى الربيع العربى الملتهب فى مصر وسوريا واليمن والعراق وتونس..وما سيحدث فى الجزيرة العربية والخليج والجزائر والسودان . وغيرها. 3 ــ المستفاد من أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية العسكرية أن المستبد ـ وخصوصا المستبد العسكرى ـ يحتاج الى طُغمة من رجال الدين الأرضى ، يركبها ، وهى تركب الشعب . هى فى الوسط ، هى راكبة ومركوبة ، تتمتع بتقديس الشعب الجاهل وبأنها واسطته لدى المستبد . وكونها فى الوسط ( راكبة ومركوبة ) فبضاعتها النفاق وفنّ الاسترزاق ممن يركبها وممن تركبه . وهذا الوضع يجعلها أسرع فى التخلى عن الحاكم لو فقد سلطانه ، فهى تهتف له فى سطوته وتُنكره فى محنته . وبنفس الحال مع النظام بأكمله ، سرعان ما تتخلى عنه وتقدم خدماتها للنظام الجديد حتى لو كان غازيا مُحتلّا . وهذا ما فعله الصوفية مع كل سلطان مملوكى فى محنته ، وما فعلوه مع المماليك فى صراعهم مع العثمانيين . 4 ــ وما فعله الصوفية فى الدولة المملوكية لا يختلف عما فعله ويفعله شيوخ الأزهر فى العصر الحديث . كانوا مركوبين من الملك فاروق ، وقد إصطنعوا له نسبا شريفا يصله بالنبى محمد عليه السلام ، ثم ركبهم عبد الناصر واستخدمهم فى سياسته فأطاعوه ، وفى صراعه مع اسرائيل هنتفوا بين يديه بالآية الكريمة ( وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ) . وجاء السادات بسياسة مختلفة فهللوا له وللصلح مع اسرائيل يقولون ( وإن جنحوا للسلم فإجنح لها ) . وركبهم مبارك فكانوا نعم الركوبة . وشيخ الأزهر الحالى كان عضوا فى لجنة السياسات مركوبا لجمال مبارك ، وظل على ولائه لمبارك حتى إذا تيقن إذا سقط إنتقل الى خدمة المجلس العسكرى ، وبعده إنحاز الى الاخوان ورئيسهم مرسى مع إحتقار الاخوان العلنى له ، وهو الان مركوب من الرئيس السيسى ، ولو عاش بعد السيسى سيكون مركوبا ممن سيأتى بعده . 5 ــ فى كل الأحوال فهذه الطُّغمة من رجال الدين لا دين لها سوى البقاء فى المنصب والتمتع بحُطامه الدنيوى على حساب الدين الالهى أو حتى الدين الوضعى الأرضى ، وعلى حساب الأخلاق وعلى حساب الشعب ، وحتى على حساب المستبد نفسه ، ليس فقط لأنهم يتخلُّون عنه فى محنته ، بل أيضا لأنهم لو لمسوا ضعفا من هذا المستبد فسرعان ما يتآمرون عليه ، بل قد يطمحون للجلوس مكانه . 6 ــ الأزهر منذ إنشائه على يد الفاطميين ـ وحتى الآن ـ وهو مركوب للسلطة ، سواء كانت شيعية فاطمية أو مملوكية عسكرية أو عثمانية ، أو من أسرة محمد على أو من العسكر المصرى الذى يدمّر مصر منذ 1952 . شيوخ الأزهر من خدم السلطة لم ينتفضوا ضد الظلم والفساد ولم يأبهوا بحال الشعب المقهور الذى يدمّر مصر منذ 1952 . شيوخ الأزهر من خدم السلطة ليس لهم على الاطلاق سجل فى الاجتهاد العلمى أو الاصلاح الدينى ، سجلهم الوحيد الذى يتفوقون فيه منذ أكثر من ألف عام هو كونهم حميرا للسلطان القائم ، يتنافسون فى إرضائه طالما كان قويا ، فإذا سقط إنفضوا عنه ليرقصوا فى موكب السلطان القادم . لا يهمهم إسلام ولا سنة ولا تشيع ولا تصوف ولا أخلاق ولا مظاليم . يهمهم ان يظلوا فقط فى ( تكية ) السلطان القائم يسبحون بحمده ، ثم إذا لمسوا منه ضعفا حازوا سلطة أكبر ، ثم إذا سقط لم يستحق منهم دمعة واحدة ولا حتى برقية عزاء .!! هم متفوقون فى الجهل وفى النذالة أيضا . 7 ــ وإذا كان صعبا التخلص من حكم المستبد ، فإن الأصعب التخلص من هذه الطُّغمة الحقيرة من رجال الدين . وتجربة الغرب ( الشيوعى ) تعتبر دينهم أفيون الشعوب وتنادى بشنق آخر مستبد بأمعاء آخر قسيس. وتجربة الغرب البرجوازى الرأسمالى بعد معاناة قرون من الكنيسة البابوية هو إعتقال الدين فى الكنيسة وحظر تجوله خارجها . والعرب والمحمديون يعيشون الآن نفس العصر الذى عانته أوربا من القرن 16 الى القرن العشرين بعد هزيمة هتلر وموسولينى آخر واشرس الطُّغاة . حربان عالميتان والعديد من الحروب والثورات والحروب الأهلية دخلتها أوربا والعالم معها حتى وصلت الى الديمقراطية الغربية الراهنة . فقدت أوربا فى تلك الحروب ما يقرب من اربعين مليونا من البشر وتدمير العشرات من المدن وسقوط دول وأمبراطوريات وتأسيس دول ، وتغيير خرائط وتحالفات وعقد مختلف المعاهدات . ويبدو أن طريق المحمديين مفروش بالدم ومحفوف بالأشلاء والجماجم كى يتخلصوا من نفس الاكليروس ( تحالف أو تصارع المستبد والكهنوت الدينى )، وأن مدائن المحمديين ينتظرها نفس التدمير الذى يجتاح الآن مدن سوريا والعراق . وليس مستغربا أن يتحالف الخصوم ( المستبد والوهابيون ) ضد أى حركة تنوير تدعو الى الاصلاح السلمى بالديمقراطية والعدل وحقوق الانسان والحرية المطلقة فى الدين . وهذه هى تجربتنا ــ أهل القرآن ــ مع العسكر والوهابيين ، وهم الكهنوت الدينى الذى يخدم المستبد فى بلد ويعارضه فى بلد آخر. 8 ــ ولكن يمكن إختصار الطريق وتقليل المعاناة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالتنوير الدينى من داخل الاسلام ، وهذا هو ما نفعله الآن . التنوير يقضى على نفوذ وصُدقية أحقر البشر ، وهم طُغمة رجال الدين ، يكفى أنه ليس فى الاسلام ( رجال الدين ) ولا كهنوت . هو قتل معنوى لهم يُظهرهم على حقيقتهم مستحقين للإحتقار بدلا من التقديس والاحترام . بالتخلص من هذه الطغمة التى تركب الشعب ويركبها الحاكم يصبح المستبد بلا غطاء عاريا أمام الشعب فيسهل القضاء عليه . 9 ــ ماذا لو تعاون أو تنافس الأحرار المثقفون فى إنتاج حلقات على اليوتوب تسخر من كل رجال الدين الشيعى والسنى والصوفى والمسيحى ، لتدمر هيبتهم المزعومة ، وتظهرهم على حقيقتهم ، مجموعات من الحمير يركبها المستبد ، ويتحكم من خلالهم فى االشعب ؟.. هذا الجهاد السلمى التنويرى أفضل كثيرا من الشعار الشيوعى القائل :" إشنقوا آخر مستبد بأمعاء آخر قسيس ." هذا مجرد إقتراح لتقصير أمد المعاناة .. إذ لا أمل فى أن يتنازل مستبد عن سلطانه بإختياره ، ولا أمل فى أن يتوب أحقر البشر عن إستغلالهم لدين الله جل وعلا وخداعهم للناس . بالنسبة للمستبد وأعوانه من أحقر الخلق ـ هو صراع وجود . ومعهم القوة والثروة .. فلا سبيل إلا المقاومة للحصول على الحرية ، والتنوير هو السلاح الفعّال ــ لو كنتم تعلمون .!! أحمد صبحى منصور 21 مايو 2015
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور المتصوفة في الداخل وقت انهيار الدولة المملوكية
-
ف 3 : دور الصوفية في انهيار الدولة المملوكية من الخارج
-
: المماليك يقيمون للصوفية العمائر الدينية
-
إسلاميا : لا يجوز عقاب من يفطر علنا فى رمضان
-
ف 2 : استغلال الصوفية نفوذهم السياسي ضد النصارى
-
ف2 استغلال الصوفية نفوذهم السياسي في إضطهاد الفقهاء السنيين
-
انغماس الصوفية في الفتن السياسية
-
ف 2 : التصوف طريق للوصول للمناصب والنفوذ في السياسة المملوكي
...
-
هل ( ينسى ) رب العزة ؟.. جلّ وعلا .!!
-
الزبالة
-
هذا الأب السلفى ..( ... ) .. !!
-
رشاد خليفة رسول الميثاق ... الأمريكى
-
القاموس القرآنى : حصر ( من الحصار )
-
ف 1: استفادة المماليك من تأييد الصوفية لظلمهم : الصوفية حُما
...
-
ف 1 إستغلال المماليك للصوفية ومؤسساتهم سياسيا
-
ف1 : استغلال التكفير كسلاح سياسي وتصوف المماليك عند الشدّة
-
ف 1 : دور الصوفية في قيام الدولة المملوكية البحرية ثم البرجي
...
-
رأيت هذا المنام .. فهل هو أضغاث أحلام ؟؟!! هل إقترب سقوط آل
...
-
تمهيد : كتاب (أثر التصوف السياسي في الدولة المملوكية )
-
الخازوق الذى يجلس عليه المحمديون : حديث ( إنما الأعمال بالني
...
المزيد.....
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
-
ماما جابت بيبي..فرحي أطفالك تردد قناة طيور الجنة بيبي على نا
...
-
عائلات مشتتة ومبيت في المساجد.. من قصص النزوح بشمال الضفة
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|