|
تأملات حول وضعية القضاء بالمغرب: في ظل دستور 2011 والإصلاح الشامل لمنظومة العدالة
أحمد السكسيوي
الحوار المتمدن-العدد: 4848 - 2015 / 6 / 25 - 11:28
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
ننطلق من المقولة التالية: " إن أغلى قيمة في الحياة هي الحرية... ولن تتحقق الحرية... إلا بتوفر الجانب الاقتصادي والقانوني..." (1) فتظهر الحرية إذن، ويبدأ الناس بالإحساس والتفكير بها عند الاكتفاء الاقتصادي، وبذلك يكون قد فرغ التفكير من مشكلة العيش، وهناك أمر ثان يجعل من الحرية أساس وقوام بناء الدولة، وهو القانون، فالحرية تتنزل على شكل حق يحميه القانون، وأهم حماية، هي ذات بعد قضائي. لأن التقاضي يعتبر مكفولا للجميع، والقضاء مهمة مقدسة عند الأمم المتحضرة، (2) لما يشمله من أهداف لحماية الحقوق بمفهومها الواسع، والقضاء يعتبر أسمى سلطة، لما يكرسه من مبدأ سيادة القانون، فالشعوب المتحضرة تحترم قضائها، ويظهر جليا على أن القضاء لا يجب أن يكون محط ضغوط لا سياسية ولا اقتصادية، أو اجتماعية تؤثر بذلك على جودة الأحكام (3) الصادرة عنه، وعن جودة الاجتهادات القضائية. (4) سنحاول وضع تأملاتنا المتواضعة في قضائنا المغربي، كآلية أولى لتحقيق العدالة بمختلف صورها، من خلال المحاول التالية: - خطة الدراسة: - المحور الأول: استقلال السلطة القضائية بالمغرب. - المحور الثاني: قراءة في مشروع قانون التنظيم الأساسي للقضاة - المحور الثالث: نشر الأحكام القضائية
المحور الأول: استقلال السلطة القضائية بالمغرب: الإشكالات ورهانات الإصلاح. إن استقلال القضاء، هو المحور الأهم والأساسي في السير نحو إصلاح العدالة، هذه الأخير لا يمكن أن تتحقق، في غياب أحد مقوماتها الأساسية وهو استقلال القضاة وحماية هذا الاستقلال من أي تدخل وتأثير(5).
أولا: أعطاب في استقلال السلطة القضائية بالمغرب لقد كان القضاء في المغرب، غير معترف به دستوريا كسلطة قائمة الذات، إلى جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية، لكن ومع دستور 2011، سلك المغرب طريقا مغايرا، على مستوى الاعتراف الدستوري بالسلطة القضائية، لقد جاء في الفصل 107 من دستور 2011 المغربي: " السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية." ومن المسلم به بديهيا أن المضامين الدستورية، لا تتحقق لوحدها، دون تنزيل حقيقي على أرض الواقع، وبذلك هناك مجموعة من الإشكالات والمعيقات، التي تحول دون استقلال القضاء في المغرب، ويمكن إجمالها في الأتي:
1 - التبعية لسلطة التنفيذية:
يلاحظ من خلال العمل القضائي أن القاضي المغربي خاضع خضوعا، غير مرغوب فيه لوزارة العدل باعتبارها سلطة تنفيذية، ويمكن الاستدلال، بقول الأستاذ عبد العزيز بناني: "... من الملامح الأساسية للدولة التسلطية خضوع قضاتها لسلطتها السياسية، من ثم فإنه لا يمكن الفصل بين الديمقراطية واستقلال القضاء عن السلطة السياسية." (6) ونحن نؤيد هذا الطرح تأييدا تاما، فالدولة المغربية تتعامل مع القضاء بمنطق المهنة التابعة للحكومة كتجل أساسي للسلطة التنفيذية، وهذا أمر غير صائب يؤدي إلى جعل القضاء في يد الحكومة وبذلك يقضي على كل أمل في تحقيق دولة الحق بالقانون (7). وليس ذلك فحسب بل عدم توطيد سلطة القضاء في عملية مراقبة أعمال الإدارة، وكما تحدث الأستاذ نبيل بوحميدي، عن الحذر من دولة اللاقضاة في مقال منشور له، فإن الحذر كل الحذر من تحول القضاء كاللعبة في يد السياسي، و أن هناك ارتباك واضح في الارتقاء بالقضاء كالسلطة، ويتجلى هذا الارتباك، في أنه مازالت وزارة العدل تسير مرافقه وموارده البشرية بمنطق الإدارة العمومية.
2 - الإشكالات في التنظيم القضائي المغربي:
إلى جانب التبعية للسلطة التنفيذية، والتي قوت المركز الإداري على حساب المركز القضائي، هناك جملة من الإشكالات الأخرى، والتي تحد من مسلسل إصلاح العدالة، هذه الأخيرة التي ترتكز أساسا على استقلال القضاء، باعتباره الضامن الأساسي لتطبيق العدالة. - أولى هاته المشاكل، هي إشكالية توزيع المحاكم، وهذا ما يظهر وبقوة، في المحاكم الإدارية، التي تتواجد في المدن الكبرى دون باقي المدن، مما يجعل التقاضي ضد الإدارة أمر يرهق المواطن ماديا ومعنويا. - عدم تنزيل الاختصاص الوظيفي بالمغرب، حيث ما زال المشرع المغربي يأخذ بتوحيد التنظيم القضائي في محكمة النقض، هذا يطرح إشكالات متعددة على مستوى النظر في القضايا والمنازعات، فيؤدي بذلك إلى بطء المسطرة، وكذلك عدم وجود عدد كافي من القضاة المتخصصون في المنازعات الإدارية والتجارية. - إشكالية أخرى متمثلة في عدم تنفيذ الأحكام القضائية، لأن تنفيذ المقررات القضائية هو الأمر الأهم في المسطرة القضائية، وعدم التنفيذ يفقد القضاء هيبته وسلطته، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنة " لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له "، فما جدوى المقرر القضائي إن لم ينفذ على أرض الواقع، وخصوصا المقررات الصادرة ضد الدولة والتي في الغالب لا تنفذ، هذا ما يؤدي كذلك إلى إشكال حقيقي في مسألة استقلال القضاء. من خلال كل ما سبق، نخلص إلى أن القضاء يعاني من مجموعة من المشاكل التي تعيق استقلالية سلطته.
ثانيا: أفاق تطوير استقلال القضاء بالمغرب
إذن كيف يمكن النهوض باستقلال القضاء بالمغرب، هذا السؤال يمكن الإجابة عليه في ظل المعطيات السابقة التي سبق البيان عليها أعلاه: أولا، وقبل كل حديث عن إصلاح القضاء والعدالة بالمغرب، يجب على السلطة القضائية أن تتخلص من التبعية إلى السلطة التنفيذية، وعدم تضييق الخناق على السادة القضاة، والمغرب صار في هذا التوجه، من خلال التنصيص الدستوري على استقلال القضاء صراحة عن باقي السلط، وبإعادة النظر في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء( المجلس الأعلى للسلطة القضائية ) وذلك بإلغاء عضوية وزير العدل في المجلس والتي كانت محل انتقاد باعتبار وزارة العدل مؤسسة تنفيذية ومن شان ذلك أن يؤثر على استقلال سلطة القضاء، هذا بالإضافة إلى بعض المبادئ والضمانات الدستورية التي من شانها تعزيز هذه الاستقلالية وترسيخها (8).
ثانيا، محاولة احترام القضاء، من خلال تنفيذ أحكامه وقراراته، والتشديد على المسؤولية الجنائية للممتنع عن التنفيذ، تنزيل الفصل 266 والذي جاء فيه: " في قضية ما. يعاقب بالعقوبات المقررة في الفقرتين الأولى والثالثة من الفصل 263 على: 1 - الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها التأثير على قرارات رجال القضاء، قبل صدور الحكم غير القابل للطعن 2 - الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها تحقير المقررات القضائية، ويكون من شأنها المساس بسلطة القضاء أو استقلاله." ثالثا، وجب التفكير في مجلس الدولة أو المحكمة الإدارية العليا لتتوج التنظيم القضائي وتقوي استقلالية السلطة القضائية، وتعزيز مراقبة أعمال الإدارة، لأن دولة الحق بالقانون يجب أن تراقب أعمالها أولا، قبل أي تقييد أو مراقبة لأفراد المجتمع، وليس هذا فحسب بل التوجه نحو تأسيس محكمة تجارية عليا توحد مختلف الاجتهادات القضائية في المادة التجارية، ومحاولة وضع لبنات أساسية لتوزيع المحاكم التجارية و الإدارية، حتى يتمكن المواطنون من ممارسة حق التقاضي، دون أي عناء مادي ومعنوي.
رابعا، كفانا إذن من المزايدة في قضية التسوية المادية للقضاة باعتبارهم محور السلطة القضائية بالمغرب، والناطقون الرسميون باسم العدالة والحق والقانون، كيف يعقل أن يكون للوزراء هيبة الدولة، وكذلك منحهم ضمانات مادية وقانونية، والبرلمانيون الحصانة، أما القضاة فيتم المزايدة عليهم وعلى قضائهم، فبالنسبة لي ، أن القضاء يجب أن يكون أهم من الوزراء والبرلمانيون باعتبارهم حماة العدالة، لأن الشعارات التي ترفع بأننا يجب أن نسير نحو دولة الحق بالقانون، لا تتأتى إلا بتسوية الأوضاع المادية والقانونية للقضاة. من خلال ما تقدم نخلص إلى أن شوط إصلاح منظومة العدالة لطويل جدا، ويجب المثابرة عليه، والتضامن بين كل الفاعلين والمؤسسات، وكما رأينا فإن إشكالية استقلال القضاء بالمغرب لموضوع من بين المواضيع التي إن أصلحنها، سنصلح بذلك العدالة بالمغرب.
المحور الثاني: قراءة في مشروع قانون التنظيم الأساسي للقضاة
انتهى الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة بالمغرب، وبدأت الوزارة الوصية في تنفيذ المقترحات التي أعلن عنها وزير العدل في الندوة الختامية للحوار، وقد صاغت وزارة العدل مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالتنظيم الأساسي للقضاة، لكن ترك هذا المشروع مجموعة من التساؤلات المعلقة لدى مجموعة من الأساتذة الجامعيين والقضاة والمحامون. من النقط التي سأحاول تناولها هي:
أولا: الشرط العلمي للولوج للقضاء ورفعه لشهادة الماستر. سرعان ما بدأ الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، بقيادة وزير العدل، وبأمر من الملك، وانتهى الحوار، وقد صاغ المحاورون كتيب يتضمن مختلف التوصيات الناجعة لإخراج العدل من الغيبوبة التي استمرت 50 سنة بعد الاستقلال، وقد رأى المحاورون أن من اللازم رفع المؤهل العلمي لولوج القضاء لشهادة الماستر، حتى نضمن الكفاءة والجودة العلمية للقضاة، إلى جانب توصيات أخرى يرون أنها ستعالج العلل التي يعاني منها القضاء والتي تؤثر على تطبيق العدالة تطبيقا سليما. ثم سرعان ما صاغت وزارة العدل مشروع القانون تنظيمي المتعلق بالقضاة، والمفارقة العجيبة أن جل الحكومات المتعاقبة على المغرب لم تستطع سن قانون تنظيمي خاص بالإضراب، فمنذ 1962 والمواطن المغربي ينتظر قانونا تنظيميا متعلقا بالإضراب. عند تناولنا للمشروع، وبالخصوص الباب المتعلق بشروط المتعلقة بالملحقين القضائيين، جاء في المادة 14 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالتنظيم الأساسي للقضاة (صيغة23 أكتوبر 2013) : " يشترط في المترشح للمشاركة في مباراة الملحقين القضائيين مايلي: ..... 6- أن يكون حاصلا على شهادة الماستر في العلوم القانونية أو الشريعة أو ما يعادلها أو شهادة تفوق شهادة الماستر في تخصصات أخرى." من خلال الفقرة السادسة من المادة الرابعة عشر، نستنتج أن واضعي هذا المشروع استمدوا هذه الفقرة من توصية رقم 145 ولدي مجموعة من المأخذ والإشكالات في تطبيق هذه الفقرة من المادة المذكور أعلاه: 1- أن الاعتماد على شهادة الماستر سيطرح الإشكالات التالية: -;---;-----;-------;---- حرمان قاعدة كبيرة من المجازين في القانون والشريعة من اجتياز مباراة الملحقين القضائيين، بدعوى عدم التكوين الجيد وهذا حكم ظالم وغير موضوعي، أو بدعوى ثلاثة سنوات في الإجازة غير كافية، وبالتالي الاعتراف بأن نظام الإجازة الجديد غير جيد لكن سؤال هو: - ما دور الامتحان الكتابي والشفوي إذا لم يكن دوره هو معرفة الطالب الكفؤ من الطالب الغير كفؤ؟ ثم أليس دور المعهد العالي للقضاء هو تدريب وتكوين الناجحين في امتحان الملحقين القضائيين ؟ -;---;-----;-------;---- ثم إن سلك الماستر غير متاح لكل المجازين، حيث إن الوزارة التعليم لم تستطع فتح الماستر في وجه كل المجازين، وهذا يطرح إشكالية عدم وجود طلبة كافيين لاجتياز القضاء، وهذا ما أقر به وزير التعليم العالي، فقد اعترف أن هناك نقصا حادا في الطلبة الباحثين في القانون الخاص بالسلك الماستر والدكتوراه، بالموازاة مع ذلك هناك نقص مهول وخطير في القضاة مما يشكل عبئا في النظر في القضايا، وهذا ما يؤدي إلي إشكالية تطبيق العدالة. -;---;-----;-------;---- كذلك فان سلك الماستر يعاني من مجموعة من المشاكل: -;---;-----;-------;---- أولها أن هناك غموض في طريقة اختيار الطلبة. -;---;-----;-------;---- والثانية أن جل تخصصات الماستر الموجودة لا تنسجم مع القضاء، فهناك قلة في أسلاك الماستر، وأن التخصصات المطلوبة في القضاء تكاد تنعدم، مثل القانون الإداري والقانون المدني والقانون التجاري. نتحدث عن المناداة بمبدأ التخصص في المحاكم، وتأسيس لدعائم الاختصاص الوظيفي، وليس لدينا متخصصين وباحثين في الماستر كثر.
2- الانفتاح على بعض التخصصات العلمية ما فوق الماستر سيؤدي إلي: -;---;-----;-------;---- ضياع الحق وانعدام العدالة، في شخص يصبح قاض وهو لا يعرف أبجديات القانون، أرى أنه خطاب متناقض، في إعطاء الحق لأناس لا يعرفون أي شيء في القانون، وحرمان المجازين في القانون والشريعة من ولوج القضاء. -;---;-----;-------;---- ضرب أحد أهم الشروط الموضوعية لمزاولة القضاء و هو التكوين القانوني. -;---;-----;-------;---- وكذلك عدم القدرة بعد ذلك في إرساء دعائم الاختصاص الوظيفي في التنظيم القضائي المغربي
ثانيا: إدراج الملحق القضائي بعد اجتياز ثلاثة سنوات في المعهد العالي للقضاء في درجة القاضي نائب. من بين المواد التي سأناقش هي: المادة 16: يعين المترشحون الناجحون في المبـاراة المنصوص عليهـا فـي المادة 14 أعلاه ملحقين قضائيين بقرار للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويقضون بهذه الصفة تكوينا تحدد مدته في ثلاث (3) سنوات، موزعة بين معهد تكوين القضاة ومحكمة النقض ومختلف المحاكم والإدارات والمؤسسات العمومية أو الخاصة. يتقاضى الملحقون القضائيون مرتبا وتعويضات يتم تحديدها بنص تنظيمي المادة 28: الاختيار الثاني" يعين الملحقون القضائيون الناجحون في امتحان نهاية التأهيل قضاة بمحاكم أول درجة أو نوابا لوكيل الملك لديها ، و يرتبون في الرتبة الأولى من الدرجة الثالثة." وسأناقش كل مادة على حدة.
1- جتياز ثلاثة سنوات في المعهد العالي للقضاء عند قراءة هذا المقترح المتضمن في مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، يظهر في البداية أنه مقترح معقول، لكن رغم ذلك يطرح عديد الإشكالات أهمها هو أنه سيتم تأخير الدفعة الناجحة من الملحقين القضائيين، مما سيؤثر في التغلب على القلة في عدد القضاة، وبالتالي 5 سنوات من التكوين الأكاديمي ثم يضاف لها ثلاثة سنوات في المعهد العالي القضاء، وهذا يعادل مدة الحصول على شهادة الدكتوراه، صراحة مدة صعبة وطويلة.
2- إدراج الملحق القضائي في درجة القاضي نائب. يناقض تماما هذا الطرح، بما ينادي به القضاة من التسوية المادية لهم، والمسألة الثانية كيف يعقل حامل شهادة الماستر أو الدكتوراه، يعين قاضي نائب؟، وكأن الوزارة والجهة المختصة لم تقتنع بشهادة الماستر، حقيقة إنه خطاب متناقض غير مبني على دراسة علمية، والرأي في ما أعتقد أن ما جاء به الأستاذ ناصر بلعيد (9) كمقترح لتعديل هذه المادة صائب، بقوله: " المادة 28: الاختيار الثاني:" يعين الملحقون القضائيون الناجحون في امتحان نهاية التأهيل قضاة بمحاكم أول درجة أو نوابا لوكيل الملك لديها، و يرتبون في الرتبة الأولى من الدرجة الثالثة." المادة المقترحة: "يعين القضاة المتدربون الناجحون في امتحان نهاية التأهيل قضاة بمحاكم أول درجة أو نوابا لوكيل الملك لديها، و يرتبون في الرتبة الأولى من الدرجة الثانية."
التعليل التحفيز المادي و المعنوي للقاضي من خلال ترتيبه في درجة أكبر من الدرجة المعتمدة في القانون الحالي، و ذلك ترجمة للنهوض بأوضاع القضاة المادية و المعنوية بناء على ما جاء في الإستراتيجية الحكومية المكلفة بترجمة أهداف ميثاق إصلاح منظومة العدالة، و ما تداولته مختلف المنابر الحقوقية المهتمة بالعدالة ببلادنا. " (10)
المحور الثالث: نشر الأحكام القضائية
يعتبر القضاء الوجه الأهم للعدالة كما بينا سابقا، والضامن لتنزيل القانون التنزيل السليم والصحيح، وإن الحكم القضائي هو الغاية والأصل في أي منازعة يلتجأ بسببها إلى القضاء، والمقرر القضائي هو: هو النتيجة القانونية الواقعية بالنسبة للقانون والواقع تترتب على عدد من المقدمات القانونية والواقعية القائمة على أساس من القانون (نصوصه وأحكامه) وعلى أساس الواقع (وقائع محددة تثبت حق الخصم المدّعي) وعدد من المفردات الاثباتية (مستندات مكتوبة أو شهادة شهود)، وحيث لا يأتي الحكم من فراغ بل نتاج الاعتماد على شكليات وإجراءات محددة أو معروفة تأتي ثمرتها بالحكم إمّا لصالح الخصم المدعي أو لغير صالحه ، فإنه لابد من مراعاتها، كل ذلك حسب أهمية الشكل المطلوب وفي ضوء الغاية من هذا الشكل ومكانته لدى القانون (11). وبذلك وجب أن يكون معبرا عن سلطة قضائية مستقلة، تنطق باسم القانون والعدالة، من أجل حماية الحق وتكريس دولة الحق بالقانون، وتكريس هذا المبدأ المذكور سلفا لا يتأتى إلا إذا كان الحكم القضائي حكما متماسكا من ناحية الشكل والمضمون، وقد أقدمت جمعية عدالة إلى التفكير بمشروع لمراقبة أداء المحاكم ونشر الأحكام، وقدم هذا المشروع في ندوة بالرباط في 28/2/2014، وبحضور السفير الهولندي. والرأي في ما أعتقد أن هذا الأمر ليس بجديد بل إن مختلف المجلات القانونية سواء الالكترونية أو الورقية تخصص ركنا لنشر الأحكام وتعليق عليها، وبذلك وجب أن يعطي هذا المشروع الدفعة القوية، للمثابرة على هذا العمل، وكما يقول الفيلسوف والمفكر طه عبد الرحمان: أن العمل القانوني منقسم إلى عمل تشريعي يحاول أن يضع لنا القواعد القانونية لتنظيم مختلف الظواهر الاجتماعية، والى عمل قضائي الذي يعمل باسم القانون، ويقوم بتحريك القواعد القانونية من جمودها وبذلك يساعد على تطوير النص القانوني، ومنقسم كذلك إلى عمل فقهي يحاول أن يكون مراقبا وشارحا للقانون. ولا ضير من أن نجزم القول، بأن هذا الثالوث لا يمكن أن يمارس عمله دون الأخر، وبما أن القضاء والفقه يعملان بجهد لشرح القاعدة القانونية وإظهار نواقصها، وبذلك تحفيز السلطة التشريعية على سن القانون بنوع من الجد. فانه لا مانع من نشر الأحكام القضائية وتعليق عليها حتى يتمكن المواطن والباحث على حد سواء، من الاطلاع على المستوى التي وصلت إليها المقررات القضائية ومدى جودتها، وهذا يجعل القاضي أكثر حرصا على تطبيق العدالة التطبيق السليم. لكن وجب التلميح لنقط التالية: -;---;-----;-------;---- أن هذا المشروع جاء لتأسيس لجنة علمية تراقب لنا الأحكام، وهذا أمر مهم وجيد لتكريس دولة الحق بالقانون، لكن لا يجب أن يستخدم هذا المشروع من أجل ضرب كل سلطات القاضي. والعمل على تكريس المصالح الخاصة. -;---;-----;-------;---- ورغم لما لهذا المشروع من ايجابيات، فانه سيفتح النقاش على مستوى المس باستقلالية القضاء. -;---;-----;-------;---- والخوف كل الخوف أن نسقط في حفرة التشويش على قناعات القاضي وقراراته، وهذا ما يتعارض مع الفصل 266 المذكور أنفا، جاء فيه: " في قضية ما. يعاقب بالعقوبات المقررة في الفقرتين الأولى والثالثة من الفصل 263 على: - الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها التأثير على قرارات رجال القضاء، قبل صدور الحكم غير القابل للطعن. - الأفعال أو الأقوال أو الكتابات العلنية، التي يقصد منها تحقير المقررات القضائية، ويكون من شأنها المساس بسلطة القضاء أو استقلاله." -;---;-----;-------;---- لكن عموما نرى أن هناك نية سليمة في نشر الأحكام وتقويمها، لكن لا يجب أن يكون التقويم لكل من هب ودب.
خلاصات وإستنتاجات:
كالخلاصة لما سبق هو أن إصلاح منظومة العدالة والمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالتنظيم الأساسي للقضاة، يتخبط في مجموعة من المشاكل، وعلل كما ذكر أعلاه. وفي رأيي المتواضع أن إصلاح العدالة، يرتكز على تعديل جذري للقانون، وذلك لعدة أسباب: - إذا كان القانون غير عادل، كان الحكم غير عادل. - هناك مجموعة من القوانين التي صاغها المستعمر ومازلنا لم نستطع تغييرها تغييرا جذريا، فمثلا قانون التحفيظ العقاري مازال النسخة التي صادق عليها المقيم العام: ليوطي، هي المستعملة رغم تعديله، إلا انه كان تعديلا سطحيا، لدى وجب: أولا: عدم التوقف عند ما وضعه لنا المستعر، فوجب علينا غاية الوجوب، أن نحاول تطوير قواعدنا القانونية، وعلى الأقل الأهم منها. ثانيا: إن الحديث عن التطوير القانوني، يستلزم القراءة الفاحصة والمتمعنة للقانون، وبالخصوص قانون الالتزامات والعقود. ثالثا: رغم المحاولات الأولى لتغيير بعد الاستعمار، إلا أنها محاولات باءت بالفشل الذريع. - بعض مضامين الموجودة في القانون الجنائي لا تحقق العدالة، مثلا جريمة الخيانة الزوجية التي يمكن التملص منها عند تنازل أحد الزوجين دون وجود حق المتابعة من طرف النيابة العامة إلا إذا كان أحد الزوجين خارج المغرب.
هوامش المقالة ـــــــــــــــــــــــ
1 - مصطفى أبوزيد فهمي، القضاء الإداري ومجلس الدولة قضاء الإلغاء، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2003. ص 9. 2 - محمد الأزهر: الدعوى المدنية. مطبعة دار النشر المغربية، طبعة الأولى 2010 ص-11 3 - محمادي المعشكاوي، الوجيز في الأحكام القضائية وطرق الطعن فيها، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء..ص- 11/ 12 4 - أحمد السكسيوي، التحفيظ العقاري بين العمل القضائي وسلطة المحافظ، مقال منشور في سلسلة فقه القضاء العقاري حول موضوع مستجدات قانون التحفيظ العقاري بين النص القانوني و العمل القضائي العدد الأول 2014، المطبعة الأمنية الرباط، ص 182. 5 - مداخلة النقيب عبد الرحمن بن عمرو، حول استقلال القضاء بين التشريع والواقع، منشورة بالحوار المتمدن: http://www.ahewar.org 6 - عبد العزيز بناني، أزمة استقلال القضاء في المغرب... تحد خطير لدعم دولة القانون، قدّمت خلال فعاليات مؤتمر “دور القضاة في الإصلاح السياسي في مصر والعالم العربي”، والذي نظّمه مركز القاهرة في الفترة من 1-3 إبريل (نيسان) 2006، جمعت في كتاب القضاء والإصلاح السياسي، تحرير نبيل عبد الفتاح، ص 545. 7 - في رأيي المتواضع أن مفهوم دولة الحق والقانون مفهوم خاطئ لان وظيفة القانون هي حماية الحق، فما جدوى وجود قانون لا يحمي الحق الذي يعتبر الأصل الموجود والمنبثق عن الحرية، وبدلك فالمفهوم دولة الحق بالقانون هو الأصح، لأن الحق مصلحة يصهر على حمايتها القانون. 8 - مسعود كربوب، استقلال القضاء بين الاستقلال المؤسساتي والاستقلال الفردي، نشر في هسبريس يوم 16 - 02 - 2012 9 - قراءة في مسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة: " مدى الموازنة بين ضمانات القاضي و حسن سير العمل القضائي؟ بقلم ذ. ناصر بلعيد منشور بموقع : http://www.marocdroit.com. 10- ذ. ناصر بلعيد، مرجع سابق. 11 - موقع جوريسبيديا: http://ar.jurispedia.org
#أحمد_السكسيوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فكرة القانون: بين التحديد الشمولي والإنحراف الوضعاني
-
القضاء المغربي بين إشكالية الإستقلال وسؤال الإصلاح
-
القضاء المغربي في قبضة وهم الإديولوجيا السياسية
-
جدلية السلطة والحرية: التأصيل والدلالات الفكرية
المزيد.....
-
تقنية التعرف على الوجه سلاح الجيش الإسرائيلي للإعدامات والاع
...
-
نائبة مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة تشير إلى ازدواجية معايير
...
-
أول رد فعل من نتنياهو بعد اعتقال اثنين من مكتبه في قضية التس
...
-
حماس: اتفاق يوليو الماضي هو المفتاح لوقف الحرب وعودة الأسرى
...
-
ممثل الأمم المتحدة يؤكد للسيستاني عدم التدخل في شؤون العراق
...
-
فيديو: ما وراء قرار الاحتلال وقف عمل وكالة الأونروا؟
-
السيسي يؤكد لعباس دعم مصر للسلطة الفلسطينية وحماية حق تقرير
...
-
بعد توقيف 4 أشخاص بمكتب نتنياهو.. اعتقال ضابط إسرائيلي في قض
...
-
أسامة حمدان: حظر الاونروا يؤكد اصرار الكيان على التمرد والاس
...
-
موسكو تطلق سراح بعض العسكريين الأوكرانيين الأسرى
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|