عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 4847 - 2015 / 6 / 24 - 23:05
المحور:
سيرة ذاتية
في بدايات الحرب العراقية الإيرانيّة . في شهر رمضان الهجري الموافق لـشهري تموز وآب 1981 الميلاديّان .
هناك في صحراء " الأهواز " الشاسعة . هناك حيث لا شيء سوى الرمل والذباب والبعوض والفئران و " الجرابيع " ، وكل صنوف الرصاص ، وكل انواع القذائف .
هناك .. في ذلك الزمن الميّت ، والوقت الضائع .. كان رمضان قد حلّ . و 90% من الجنود والضبّاط وضبّاط الصفّ .. كانوا يصومون .. ولا يفطرون .
يصومون في ذلك العراء القاسي .. حيث لا تقلّ درجة الحرارة في الظلّ عن 50 مئوي . ويفطرون على الماء " المجّ " و حساء العدَس الحزين ، والصمون " الحجريّ " اليابس القلب ، والتمر " الزهديّ " .
وعندما كانوا يموتون .. كانوا يموتونَ وهم صيام . يموتون .. ولا يفطِرون .
وإذا قُدّرَ لهم أن يذهبوا إلى بيوتهم وأهلهم ، أحياء ، في اجازاتهم الدوريّة .. كانوا يصعدونَ على ظهور " الإيفات " المكشوفة ، ويأخذون معهم " جلكانات " الماء .
ولأكثر من ساعتين ، تقطعها " الأيفا " ، في الطريق الممتدّ بين الأهواز والبصرة ، كانوا يصبّونَ الماء على رؤوسهم الملفوفة بـ " الخاوليّات " و " اليشامغ " ، لكي لا تحرقها لفحات الهواء المغبّر القادمة من جهنّم ، والتي تزيدها سرعة " الأيفا " سعيراً .. ولا يفطرون .
لا تسألوني لماذا كان الجنودُ يصومونً ، ولا يفطرونَ ، مع كلّ ذلك العناء ، وكلّ ذلك الأسى .
لا تسألوني .. لأنّني لا أدري .
لا تسألونّي .. لأنّني أعرف كلّ شيءٍ عن اولئكَ الجنود .
أمّا رمضان ، فأنا لا أعرفُ عنهُ شيئاً ،غير أنّهُ .. كريم .
و لا أعرفُ عنهُ شيئاً ،غير أنّهُ .. مُبارَك .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟