|
نقاشٌ هادئ حول مدوّنة الصحافة الجديدة بالمغربْ
خالد ديمال
الحوار المتمدن-العدد: 4846 - 2015 / 6 / 23 - 23:44
المحور:
الصحافة والاعلام
لكي ينتج الصحفي مقالا، يجب أن تكون لديه معرفة دنيا بالنظام الثقافي والإجتماعي لبلده، هي خلفية لابد منها، لأنها منتوج صيرورة تاريخية، وإشكالات يعيشها.. وبالنسبة للمغرب، فالصحافة قبل 20 سنة، لم تكن إلا حزبية ذات موارد لإخراج جريدة. الآن صارت مجالا للإستثمار، وجزء منها مملوك للرأسمال. هنا يُطرح السؤال، كيف لهذه الصحافة أن تعكس الحقيقة والموضوعية. طبعا هي مسألة نسبية، لأن الصحافة أيضا مجال للتموقع الإجتماعي. لكن الحقيقة الأخرى، هي أن الجيل الجديد من الصحافة، يتحرك على خلفية مشهد آخر، ليس المخزن أو القبائل، بل بخلفية السلطة ‘‘الدولة’’ والحركات الإجتماعية، والتي قد تأخذ لبوسات لها علاقة بالتاريخ والجغرافيا أيضا، خاصة عند الحديث عن التقسيم الجهوي الذي لا يأخذ حمولات إعلامية إلا بالرجوع لهذه العناصر الأساسية للتطور التاريخي. في كل هذا النسق المترابط، يُطرح التساؤل عن قوانين الصحافة المكتوبة، ونظيرتها السمعية البصرية، إضافة إلى القوانين المرتبطة بالإعلام الإلكتروني، وفي منحاها سؤال حرية الصحافة، وتقييم مؤشرات الولوج إلى المعلومة. طبعا، هناك ضوابط تتحكم في الصحافي، من بينها أسرار الدولة، وتبعات أخرى مُعاقب عليها كالقذف، خاصة عندما تُطرح مسألة مدى تقبُّل النقد من طرف مسؤول إداري مقارنة بمواطن عادي، وهنا أيضا يُطرح الفارق في درجة التمييز في المواقع بين هاته الفئات الإجتماعية، وتحديدا عندما يغيب التساوي في معالجة نشاطات مسؤولين عموميين، مع وجود مؤسسات تُطالب بتجريم القذف الذي يطال هذه العينة من المواطنين، وأخرى تشدد على ضرورة التجاوز.. لكنها تطرح التجريم على علاته، في شقه ‘‘الصحافي’’ الذي يُحتكم فيه لقضاء مختص عوض الجنائي الذي يسلب الحرية ويثقل كاهل الصحفي بالغرامات. وفي سؤال المؤشر، يُطرح السؤال المعروف في المجال الإعلامي، حول ما إذا كان هذا الإعلام مؤشرا حقيقيا للحوار الديموقراطي الوطني. ومدى إنفتاحه على كل الآراء في إطار نقاش ديموقراطي مفتوح، خاصة مع وجود من يهمش نشاطات بعينها في هذا النوع من الإعلام، وكذا بوجود جماعات سياسية وأحداث بعينها، يتم إهمالها في الإعلام العمومي في فترة الإنتخابات، حيث ترتفع أصوات تندد بإقصاء صوتها إلى جانب باقي المتدخلين في الإذاعة والتلفزيون، تكون من نتائجه إقصاء تعددية الأفكار عند إعطاء النقاش للأحزاب ذات الأغلبية، خاصة مع سيطرة الإعلام العمومي في هذا الباب. وهو ما يكشف حقيقة إنغلاق هذا الإعلام السمعي البصري، في الوقت الذي تغيب فيه القنوات الخاصة. وبالتالي يكون التوجه هو حصر التتبع وتشكيل الرأي العام في الإذاعات الإلكترونية، مع أن المغرب سيخرج من البث الأرضي إلى نظيره الإلكتروني، حيث يمكن للمغرب أن يتحمل البث لمئات القنوات والإذاعات، والغريب في الموضوع، أن وزارة الإتصال لم تطرح هذا النقاش على العموم لإبداء الرأي فيه، كما لا توجد هيئة بعينها تطرح هذه القضية، إنما هناك جماعات متطرفة تهدد الصحفيين، ولا تتحرك الجهات المعنية، وهو ما يطرح إلحاحية إدراج مادة لحماية الصحافيين في قانون الصحافة، وأن تكون المادة المذكورة قابلة للتطبيق، مضافا إليها رصد حالات السجن التي يتعرض لها الصحافيون، يُضاف إلى ذلك، ضرورة تكوين الصحافيين سواء في الجانب العام ‘‘الجامعات’’ أو مثيله الخاص ‘‘المعاهد’’. لكن ماذا عن الصحيفة الإلكترونية؟؟.. هل هناك ضوابط مهنية للإشتغال؟؟.. وهل الجمعيات هي من ستقوم بدور تكوين الصحافيين في هذا المجال؟؟.. هناك تفسير ضيق للصحافة، لأن الإعتداءات التي يتعرض لها الصحافي في عمله اليومي، لا يتم إدخالها في هذا الجانب، وذلك بسبب التعريف الفضفاض للصحافي، وحصره في كونه إما شخصا يقوم بجمع المعلومات ونشرها، وقس على ذلك في عدد من التسميات الأخرى كالصحافي المواطن، والصحافي الblogueur ونظيره الطابع، وكل شخص يشتغل في عملية نشر المعلومات بصفة مستمرة، أو كل شخص ينتج معلومات ويوزعها على نطاق واسع. في حين يتم تغافل الصحافي المهني، هذا مع العلم أن وظيفة الصحافي تشمل مجالات شاسعة. المشكلة أن هناك صراعا في المغرب، بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي تدافع عن المهنيين، وفدرالية الناشرين التي تحصر الدفاع عن حقوق الناشرين، وبالتالي كان هناك نوع من الإقصاء، بحيث يتم إقصاء كل من لم تشمله هذه العينة، بمبرر أنهم ليسوا صحافيين، وكذا للحفاظ على المهن من الدخلاء، مضافا إلى هذين الطرفين، وزارة الإتصال التي تقول بأن من لا يملك البطاقة المهنية ليس صحافيا، وبالتالي تبقى البطاقة المهنية أساسية حسب وزارة الإتصال، لإكتساب صفة ‘‘صحافي’’، للقيام بالتغطيات الصحفية، والتمكين من المعلومات.. من هنا جاءت فكرة تقنين الصحافة الإلكترونية، ومعها تطبيق قانون الصحافة المكتوبة، والتشديد على ضرورة التكوين في هذا النوع من الصحافة، وتحديد النطاق في ma عوض com، والحصول على ترخيص للتصوير من المركز السنمائي صالح لمدة سنة، والإجازة لإكتساب صفة مدير التحرير، وتشغيل 4 صحفيين على الأقل في المقاولة الصحفية للحصول على دعم وزارة الإتصال. لكن الخطير في الموضوع، أن هذا التقنين، سيجعل هذه الصحافة خاضعة للمراقبة من خلال وكالة تقنين الإتصالات، وهي أخطر أنواع الرقابة.. ولحسن الحظ أنه في المغرب لا توجد إغتيالات في حق الصحفيين على غرار بلدان أمريكا اللاتينية كالمكسيك والبرازيل، وفي باقي مناطق النزاعات، وعوضا عنها يوجد الإعتقال ‘‘السجن’’ الذي ما زال قائما في المغرب، وغالبا ما يتم إعتقال الصحافي خلال التحقيق. ومن حسنات مشروع مدونة الصحافة الجديدة، أنه ألغى عقوبة السجن، وإكتفى عوضا عن ذلك بالغرامة ‘‘الثقيلة’’ التي قد تصل إلى مليون درهم، وهنا مكن الخطر الذي قد يعصف بمستقبل الصحفي المهني الذي يعجز عن سداد مبلغ الغرامة، مضافا إليها حالات التحرشات التي تكون الصحافيات عرضة لها، ومثال ذلك الثورات العربية، ومصر بميدان التحرير، خير مثال يُستشهد به على ذلك، أو التوقيف على مزاولة العمل الصحافي، مثلما حدث مع أحمد المرابط الذي حُرم من مزاولة المهنة مدة وصلت إلى 10 سنوات، أو التهديد من طرف جماعات أو أشخاص، ليسوا بالضرورة جماعات إرهابية، خاصة عندما يصل هؤلاء الصحافيون إلى معلومات خطيرة تطال مسؤولين في أسلاك مؤسسية بعينها، وإثبات تورطهم في ملفات حساسة، وهو ما قد يعرّض هؤلاء الصحافيين، خاصة المتخصصين في صحافة التقصي، إلى مخاطر شتى بإتفاق مع مجموعات إجرامية، والمشكلة أن هناك رأيا عاما يتأثر بهذه الفتاوَى، بمبرر حماية المعتقدات، وبالتالي يكون سند التحريض ضد الصحافي وتهديد سلامته، هو حماية القيم الإجتماعية، ينضاف إلى ذلك، أن المغرب يعتبر ضمن الثلاث دول إفريقية، من له نظام متطور لمراقبة شبكة الإنترنيت، كما أن العديد من الصحفيين هواتفهم مراقبة وإيميلاتهم أيضا. يمكن القول، أن حرية الصحافة هي جزء من حرية التعبير، وهو التعريف نفسه الذي خرجت به منظمة الأمم المتحدة، كما أن الصحافة تتميز بالإستمرارية وجمهور يقرأ لها، والصحافي هو من يحس بأن هذا هو عمله ويتقاضى عليه أجرة، والصحافيون يبقون في نهاية المطاف، هم أولئك الذين ينتجون أخبارا، لكنه نقاش مفتوح لم يُحسم بعد، وفي مقابل ذلك هناك المجتمع المدني الذي يدافع عن هذه الفكرة، في إنتظار الحسم الذي سيقوم به البرلمان بعد طرح مدونة الصحافة عليه للمصادقة النهاية عليها.
#خالد_ديمال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
واقع المرأة بين الخصوصية والكونية: -نحو تجاوز التوظيف الإيدي
...
-
واقع المرأة بين الخصوصية والكونية: -نحو تجاوز التوظيف الإيدي
...
-
تشغيل المرأة بين المساواة ومقتضيات الحماية الخاصة (2/2)
-
تشغيل المرأة بين المساواة ومقتضيات الحماية الخاصة (1/2)
-
الديمقراطية ناظم أساسي لمسارب الثقافة
-
البيدوفيليا: عندما يندغم الجنس بالإستغلال..
-
القانون فكرة متعالقة بحتمية الإنصاف ومتطلبات الوجود الإجتماع
...
-
ماذا بعد مدونة الأسرة الجديدة؟..
-
التغيير وإشكال الهوية
-
هاجس التغيير..جدلية الثقافة والسياسة.. أية علاقة؟ !..
-
ندوة - مجتمع المعرفة وتحديات الحداثة والتنمية-
-
الإنتخابات الجماعية بالمغرب: هل تحولت إلى أداة لقياس نبض الش
...
-
في حوار مع عبد الجليل العروسي، ممثل منظمة أوكسفام أنترناسيون
...
-
الإعلام وسؤال التنوير..بين التحرر الدينامي ووصاية السلطة.
-
القراءة فعل نفسي مرهون بمخاضات الشفهي والمكتوب في المتواصل ا
...
-
الحداثة بين التحول الدينامي وغموض المفهوم.
-
الممكن والمستحيل في المسألة الديمقراطية.
-
سمات الوضع الراهن بالمغرب
-
العمل الجمعوي بالمغرب: من سلطة الرمزي إلى التنموي.
-
هزيمة 1967، الأسباب والنتائج..(1)
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|