|
أشجار معدومة وحُصن مرعوبة
صباح كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 4846 - 2015 / 6 / 23 - 23:44
المحور:
سيرة ذاتية
أشجار معدومة وحُصن مرعوبة
بين شعاب جبال كردستان الممتدة لتتجاوز الحدود من محور قلعه دزة حتى سردشت عبر الفاصل الجغرافي لمرتفعات (كاني بوق) المطلة على الوادي العميق بين سلسلة جبال متدثرة بالأشجار والغابات الكثيفة، شهدتُ مطلع حزيران 1979 أول جريمة قتل خلفتها طائرات السيخوي المغيرة علينا بعد أن انطلقت منها الصواريخ الموجهة لتستهدف السفح الذي احتضنت فيه أشجار البلوط ثلاث خيمات لفصيل نينوى للأنصار . في تلك الساعة التي مزقَ فيها صوت الانفجار السكون .. شهدتُ فيها حيثما امتد بي النظر هول الكارثة التي خلفتها الصواريخ المتفجرة بين الصخور والأشجار.. كارثة تمتدُ عبر الفضاء الفاصل بين الوادي العميق في السفح العراقي حيث كنا نختبئ والذي أزيلت معالمه في تلك اللحظات المرعبة بعد ان تدحرجت الصخور لتسقط في الوادي العميق .. أمّا الأشجار .. أشجار البلوط العملاقة التي اقتلعت من جذورها وتقطعت أغصانها وتناثرت في الفضاء الصاخب المرافق لدوي الانفجار المرعب.. فقد أصبحت في عداد القتلى والضحايا .. ولم تكتفي الصواريخ الآثمة في تلك اللحظات بقتل العشرات من الأشجار في أقصى السفح العراقي بل تمادت في غيها لترفع وتدفع عبر فضاء الوادي بعضاً منها إلى الجهة الثانية حيث السفح الإيراني المواجه لنا .. حينما وقفت مشدوهاً أتأمل مشهد الأشجار المقتلعة من السفح العراقي معلقة بأشجار في السفح الإيراني كدت اجزم إني في ساحة إعدام.. الجذوع المستهدفة ليست إلا ضحايا تتدلى من أعواد المشانق. تلك كانت أول جريمة لمستُ أبعادها وأنا أخطو أولى خطواتي مع جيل الثوار.. غرست تأثيرها في صورة لا تمحوها الأيام من ذاكرتي .. ومن بعدها تتالت وتتابعت الصور .. في بير موس شهدتُ واقعتين لا تبرحان مخيلتي .. الأولى لحظة استهداف غنم البدوي خلف جنيب الذي جاء بأغنامه في سنة القحط لترعى في مناطق الثوار واختار بير موس مرعى مؤقتاً نصب فيها خيمة هي في ذات الوقت مسكنه.. لم يمضي إلا أيام .. أيام معدودات وإذا بالطائرات المقاتلة تحوم للحظات لتلقي قنابلها الفسفورية على الخيمة والغنم المتجمع في المنبسط القريب منها .. كانت المفاجأة بعد هذه اللحظات التي ومضت فيها القنابل الساقطة على الهدف.. اختفاء الغنم وتحول الخيمة إلى هباء.. بعد أن تبخرت بفعل القذائف الصاروخية الفسفورية ولم يبقى من كل نعجة إلا كتلة صغيرة بحجم كرة القدم تكوّن ركاماً من فحم تشكل من بقايا قطيع الغنم العائد للبدوي خلف جنيب. في هذا الموقع أيضا الذي شهد قبل سنوات استهداف مفرزة ذهب ضحيتها تسعة أنصار، سأتجاوز الحديث عنهم إلى صفحات أخرى، لكن ما حدث للحصان الذي كان يسرح في ذلك الوقت الذي استهدفت فيه الطائرات.. المفرزة الأنصارية.. إذ أصابته نيران القصف الجوي بجرح لم يقتله.. لكنه بقي مرعوباً وخائفاً يهربُ ليتخفى بين الأحراش.. كلما حلق فوقه طائرُ أو نسرٌ أو حتى حمامة .. إذ تراه يعدو فزعاً كأن الطيور هي التي استهدفته . بعد الأنفال حينما بقيت وحيداً في شعاب الجبال لأكثر من سنة يداهمني فيها الجوع والبرد و الإرهاق .. في تموز من عام 1989 عندما واجهت شبح الموت من الجوع وفقدت فيها القدرة على النطق والحركة بعد أن بقيت أياما بلا طعام قررت في لحظة مواجهة مع الموت البحث عن حل.. كدت أطير فرحاً حينما شاهدت في أطراف قرية مهجورة فرساً مع مهرة لا يتعدى عمرها السنة.. قلت مع نفسي: هذا هو الحل .. كان الوقت عصراً حاولت التقرب من المهرة والفرس لكنهما ابتعدا .. يبدو ان الفرس قد نسيت ملامح البشر وألفتهم .. أما المهرة بالتأكيد أنها لم ترى إنسانا في تلك الأصقاع المدمرة .. هذا إذا كنت قد احتفظت بملامحي الإنسانية ولم أتحول إلى كائناً خرافياً يسعى للفتك بالمهرة التي ستسكن جوعه وتنقذه من شبح الموت. في تلك الساعة انتبهت إلى صوت هليوكوبتر من بعيد تحسبت للأمر وتوجهت نحو صخرة في مرتفع لأحتمي بها .. اخذ الصوت يقترب ويدنو .. كنت أتكور على نفسي ملتصقاً بالصخرة انتبه للصوت المفزع ومراقباً الفرس والمهرة فمصيري مرتبط بهما إنْ لم يضفر بي الطيار ويرديني قتيلاً بعد لحظات . توقفت الفرس وجلة رافعة أذنيها تستمعُ للصوت .. شاهدتُ المهرة تعدو نحوها تلتصق بها .. ومن ثم تكورت مستكنة لتحتمي بين أقدامها وبطنها للحظات.. حينما تعالى الصوت المرعب معلناً هدير الطائرة المقتربة لاحظت الفرس تعدو مسرعة لتختبئ بين الأحراش والمهرة تتبعها. قلت محدثاً نفسي .. حتى الحيوانات لم تسلم من همجية الجيش المدمر لقرى ومدن كردستان.. وغضضت الطرف عن المهرة متحملا المزيد من الجوع والألم .
صباح كنجي ـــــــــــــــــــــــــ مقتطف من حكايا الأنصار والجبل
#صباح_كنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بالوثائق ماذا يجري في العراق؟!!
-
تجمع جماهيري كبير في هامبورغ
-
منو فينا مو قشمر!
-
طائر الفينيق ل نوّاف السنجاري
-
هلْ تحولَ الحزب الديمقراطي إلى حزب البعث الكردستاني؟!
-
من أجل تحرير المسلمين وانقاذهم من أوهام الدين..
-
آشتي يزور التاريخ ويتجنى على الضحايا!
-
تحرير سنجار لا يَلغي مَسْؤولية مَنْ سَاهمَ بسقوطها!
-
بحزاني لَنْ تخشع وجبل سنجار لنْ يركع ..
-
مداخلة في مؤتمر حقوق الانسان برلين
-
نفاق السياسة في الحرب على دولة الخلافة
-
لقاء مع اللاجئين العراقيين والسوريين في هامبورغ
-
توثيق جينوسايد سنجار وسهل نينوى ضرورة ملحة
-
سنجار .. المزيدُ من ألغازِ التماهي مع الدواعش
-
نداء استغاثة الى الضمير الانساني ضد الابادة الجماعية للإيزيد
...
-
رسالة مفتوحة الى الله
-
نداء عاجل..!!
-
طلاسم النار في جبل سنجار !
-
ماذا جرى في سنجار ؟!
-
هلوسة .. الفهيم يتدارك الجحيم!
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|