|
هدايا لم تُفتح منذ مولدك
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4846 - 2015 / 6 / 23 - 09:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
“مَن أنا حتى أكونَ عبقريًّا ورائعًا وموهوبًا وخارقًا؟!” يسألُ المرءُ نفسَه على استحياء. ويجيبُ العلمُ ذاك السؤال الذي ربما سأله لنفسه معظمُ البشر: “ومَن أنت حتى لا تكون كذلك؟" إنما خلقَنا اللهُ جميعًا حتى نملأ العالم بالنور. جئنا إلى الدنيا لنعبّر عن التكريم الذي منحه اللهُ لنا. ذاك التكريمُ لم يمنحه الُله للبعض منّا دون الآخر، بل منحه لكل واحد فينا على حدة. تقول ماريان ويليامسون: “نحن نخاف من المواهب الفطرية التي نمتلكها، ربما بسبب الشعور بالمسؤولية التي تلقيها تلك المواهب على عواتقنا. إن النور الكامن داخلنا، وليس الظلام، هو الذي يخيفنا.” واستلهم تلك الفكرةَ العميقة ستيفن كوڤ-;-ي لبعض أفكار كتابه المهم "العادة الثامنة"، الذي أكمل به كتابه المهم أيضًا "العادات السبع للبشر الأكثر نجاحًا" الصادر مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي. أما العادة الثامنة فهي التي تحوّل ذلك النجاح، إلى عظمة واستثناء. تراودني منذ أيام فكرة الهدايا التي نمتلكها منذ مولدنا، ولم تُفضُّ أوراقُها بعد حتى اللحظة. وبعضنا يترك هداياه خبيئةَ أغلفتها حتى لحظة رحيله عن الدنيا، فيكون قد أهدر عمره كاملا غير منقوص، دون أن يستثمر تلك الهدايا الربانية التي منحتها له السماء ليكون إنسانًا عظيمًا ذا شأن. لكن انعدام ثقته في نفسه، وفي منح السماء، فوّت عليه فرصة أن يكون إنسانًا ناجحًا أو عظيمًا. لماذا اخترتُ هذه الفكرة لمقال اليوم؟ بسبب حسرة اعتصرت قلبي، وملأت حلقي بالمرارة بعد زيارة رئيس الوزراء المصري، مهندس إبراهيم محلب، لمعهد القلب، فصدمه، وصدمنا، كمٌّ هائل من الفوضى والفساد وانعدام الضمير، تمثّل في قطط وزواحف تسعى بين أسِرّة المرضى، وغياب أطباء عن مرضاهم، وممرضات وموظفات حولن أروقة المشفى الحكومي إلى سوق شعبي يبتاع فيه الناس ويبيعون! ثار في قلبي سؤال، كيف يتحول أحفادُ الفراعنة أرباب الحضارة والعلوم والفنون، إلى تلك المسوخ الفوضوية التي تخرّب وتلوّث وتُهمل وتقتل الجمال؟! تكلمتُ في بعض مقالاتي حول أزمة "شخصية مصر" التي فنّدها عالم الجغرافيا "جمال حمدان" في موسوعته المهمة، ووجدتُ فيها بعضَ الإجابة عن سؤالي. لكن البعض الآخر يكمن، في تقديري، في أزمة شخصية الإنسان الراهن بشكل عام. فالأفعالُ الصغيرة، لا تصدر إلا عن شخص يرى نفسه صغيرًا، وهنا، يحاول علم النفس أن يقنعه بأنه إنسان كبير ومتحقق وعظيم، حتى يرفض من تلقاء ذاته أن يرتكب الصغارات والنواقص. فالشخصُ الذي يدرك أنه جميل وعظيم، لا يقبل أن يخدش ذلك الجمال أو يجرح تلك العظمة بسلوكات مخزية. إنها ظاهرة "عدم الثقة بالنفس"، التي في تقديري تنطلق منها معظم آفات السلوك الإنساني في كل مكان وزمان. يحدثنا كوڤ-;-ي عن هدايا ثلاث لا يدرك المخفقون أنها لديهم، فيتحولون إلى بشر فوضويين. الهدية الأولى هي "الحرية". حرية اختيار سلوكك الإنساني. وهذه الهدية تهدم التبرير الذي يرفعه كلُّ فاشل حين يحاول لعب دور الضحية وإلقاء اللوم على المجتمع. فأنت ابنُ اختياراتك، لأن لك عقلا حرًّا يختار، فلا طائل من إلقاء اللوم على الموروث والثقافة السائدة والبيئة المحيطة وغيرها. البشرُ يختارون حياتهم، عكس الحيوانات والآلات والروبوت المنقادة. هناك مسافة بين "المؤثر" و"الاستجابة"، في تلك المسافة تكمن حريتنا وقدرتنا على اختيار ما نفعل. فالرياح في البحر لها اتجاه واحد، لكن بعض السفن تُبحر شرقًا وبعضها يُبحر غربًا، لأن لديها أشرعةً تختارُ لها اتجاه سيرها. الهدية الثانية هي "المبادئ". بوسع المرء "اختيار" المبادئ والقيم السامية ليحدد مسلكه، بدلا من مجرد الانجراف مع ثقافة القطيع السائدة. الصدق والعدل والإخلاص في العمل والرحمة وخدمة الآخرين وغيرها من بين المبادئ التي يختارها الناجحون، وهي قوانين طبيعية ثابتة لا تتغير مع الزمان والمكان. الهدية الثالثة هي القدرات الخاصة. الذكاءات الأربعة التي نتمتع بها. فالإنسان يتكون من أربعة أجزاء رائعة هي: الجسد والعقل والقلب والروح. تتوافق مع تلك الأجزاء أربعةُ ذكاءات أو أربع قدرات نمتلكها جميعًا. الذكاء الجسدي، الذكاء العقلي، الذكاء العاطفي، الذكاء الروحي. تلك هدايانا التي ولدت معنا، وقلّما نستخدمها. قدرتنا على التحليل والتعليل والتفكير التجريدي واستخدام اللغة والتصور الذهني والإدراك.... ذاك هو الذكاء العقلي. وهو "فرعٌ" من الذكاء نظّنه "كلَّ" الذكاء. لكن، تأمل المهام العظمى التي يقوم بها جسدك دون جهد واع منك. كيف تُدار أجهزتك التنفسية والعصبية والهضمية والدموية بشكل دائم، وكيف تُدّمَر الخلايا المريضة وتنتعش الخلايا السليمة طوال الوقت. جسد الإنسان منظومة معجزة يُدير سبعة ترليون خلية على نحو مذهل من التنسيق الفيزيائي والكيميائي الحيوي، فتتمكن من طي صفحة في كتاب أو قيادة سيارة أو دراجة، أو نقر مقال كهذا على كيبورد. فكّر في الأمر واندهش من تلك المعجزة التي قلّما تتأملها. كم مرّة فكرت في قلبك الذي ينبض دون أن تأمره بذلك، ورئتيك اللتين تنبسطان وتنقبضان من تلقاء ذاتهما وأنت تغطُّ في نومك؟! إنه الذكاء الجسدي الذي ننساه من ضمن ما ننسى. في متجر ريفي في كارولينا الشمالية كُتبت العبارة التالية: “يقول الدماغ: أنا أذكى عضو في الجسد. فيردُّ القلبُ: مَن أخبرك بذلك؟" أما الذكاء العاطفي فهو قدرة الإنسان على معرفة ذاته وإدارك مشاعره ومقدرته على الإحساس المجتمعي والتعاطف مع الآخرين والتواصل معهم بنجاح. مَلَكة الإنسان للاعتراف بالخطأ وإعلان نقاط ضعفه والتعبير عن الاختلاف مع الآخرين واحترام تلك الاختلافات. تؤكد الأبحاث أن الذكاء العاطفي يلعب دورًا أكبر من الذكاء العقلي في القدرة على النجاح وبناء العلاقات وقيادة الآخرين. ثم يأتي الذكاء الرابع. الذكاء الروحي، وهو الأهم والأكثر مركزية بين الذكاءات الأخرى لأنه يقودها. هو سعينا الدائم وراء "المعنى" والاتصال باللامحدود. هو سعي الإنسان الحثيث منذ سالف الأزمان نحو الاتصال بشيء أكبر وأكثر استحقاقًا للثقة من ذواتنا. التفكير في لغز كوننا أحياء. الذكاء الروحي يُمكّننا من إدراك المبادئ الصحيحة وتشكيل ضمائرنا وفق القيم العليا. إنه الجوهر الذي يجعل منّا بشرًا. فروح الإنسان هي شعلة مقتبسة من الله، كما تقول الأمثال. هل آن الأوانُ لنفضَّ أغلفة هدايانا ثم نستخدمها، علّنا ننجو من الانحطاط والفوضى؟
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصرُ ... وشخصية مصر
-
شيخ الكافرين
-
رحلتي للسماء
-
رسالة من ذوي الإعاقة إلى الرئيس السيسي
-
سلطان القاسمي... أحدُ أبناء مصر
-
ليس بوسعي إلا السباحة ضد التيار
-
قبل أن تُحبَّ صحفية
-
عكاشة والسيسي
-
النظافة ليست من الإيمان!
-
بعضٌ من الحلم لا يفسدُ العالم
-
في أي دركٍ من النار يسكن الأوركسترا؟
-
رسالة من فاطمة ناعوت للرئيس السيسي بخصوص تهجير المسيحيين
-
حزب النور... على أبواب التمكين
-
خالد منتصر... أهلا بك في وكر الأشرار
-
تمرّد... وكتابُ التاريخ
-
بذورٌ فاسدة
-
انتحارُ الأديب على بوابة قطر
-
حزب النور وحلم التمكين الداعشي
-
سلّة رمان ..
-
حكاية حنّا وعبد السلام
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|