محمد مندلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4844 - 2015 / 6 / 21 - 15:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
محمد مندلاوي
قبل عام ونصف من الآن, تحديداً في شهر يناير سنة (2014), نشرت مقالاً بعنوان: " إنها حكاية علم", تطرقت فيه بالتفصيل, عن تاريخ العلم الكوردي, الذي أصبح فيما بعد, العلم الكوردستاني, وشرحت فيه بإسهاب رمزية الألوان الثلاثة التي تغطي أرضيته, وكذلك الشمس التي تزين وسطه بإشعاعاتها الواحد والعشرون. إلا أن هناك شخص ما, لا أود أن أذكر اسمه,لأنه هو أيضاً لم يشر إلى اسمي في مقاله, الذي انتقد فيه فقرة واحدة فقط من مقالي المذكور, إلا أني سأذكر عنوان مقاله المفخخ, فلذا, يستطيع القارئ الكريم, من خلاله أن يستدل على اسمه. وهذا هو عنوان مقاله: " إمتداد عيد نوروز في أعماق التاريخ الكوردي". كما أسلفت, ركز في ذلك المقال, بشكل انتقائي على فقرة واحدة من جملة الفقرات التي جاءت في مقالي المذكور, ألا وهي الشمس و إشعاعاتها الواحد والعشرون, التي قلت حينها, إنها ترمز إلى شمس السومريون الكورد، والإحدى والعشرون إشعاعاً حولها، ترمز لتاريخ إحدى الأعياد السومرية، الذين كانوا يحتفلون به, في الحادي والعشرون من شهر آذار. عزيزي القارئ, كالعادة, سأناقش مجمل ما جاء في مقاله, وأوضح له وللقراء الأفاضل, كافة النقاط التي أثارها بالتفصيل الممل. بالمناسبة, في إحدى مقالاتي باللغة الكوردية, التي كانت باسم: "ئای-;-ا ووشە-;-ی-;- نە-;-ورۆ-;-ز ووشە-;-ی-;-کی-;- کوردی-;-ە-;- ی-;-ا فارسی-;-ە-;- = هل أن كلمة نوروز كلمة كوردية أم فارسية؟" شرحت فيه بطريقة علمية لا تقبل الشك ولا جدال, أصالة هذه الكلمة الكوردية المركبة, نوروز.
بداية, سأتجنب الخوض مطولاً في الكلمة التي جاءت في عنوان مقاله الـ " أعماق" لأنها لا تناسب مضمون العنوان,الذي يثير التساؤل, وهي جمع كلمة عمق, و"أعماق التاريخ" كما جاءت في سياق عنوان مقاله, التي تعني "ما قبل التاريخ" أي ما قبل اختراع الكتابة, وبهذا يكون القصد منها غير صحيح, لأن "عيد نوروز" تم الاحتفال به بعد اختراع الكتابة. و قال ذات الكاتب في سياق مقاله المشار إليه, أن تاريخ عيد نوروز بدأ عام (700) قبل الميلاد. فعليه, هل يجوز أن نطلق على المدة الزمنية (2700) سنة, "أعماق التاريخ!".
يقول الكاتب: "تذكر أسطورة مناسَبة عيد نوروز بأنه كان هناك ملِك ظالم يحكم بلاد الكورد". هذا الكلام غير صحيح أيضاً, لأن الأسطورة لم تقل, أن ذلك الملك حكم بلاد الكورد, بل تقول إنه كان يحكم بلاد إيران, والكورد كانوا جزءاً من تلك البلاد الآرية, بجانب الفرس, والبلوش, وغيرهم من الشعوب الآرية, حتى أن اسم إيران, يعني بلاد الآريين, وفي القرون القليلة الماضية, بسبب سياسات حكام إيران الرعناء, أصبح عدداً من تلك الشعوب الآرية, خارج الحدود السياسية لدولة إيران. ثم إن (كاوه الحداد) لم يكن من ضمن الطبقات المسحوقة, كما قال الكاتب, لأنه كان حداد, يصنع السيوف والدروع وما شابه, وفي يومنا هذا, يقال له صاحب مصنع, أو شركة لصناعة آلات الحرب والقتال, أي أنه كان ميسور الحال, وليس معسور الحال, كما تصور الكاتب. أما انتفاضته ضد ذلك الملك حسب ما جاء في الشق الكوردي في الإسطورة, كانت بسبب قتل عدداً من أولاده, الذين أصبحوا طعماً للأفعيين, اللذين ظهرا على كتف ذلك الملك. وفي نهاية جزئية أخرى يقول: "لذلك من المرجح أن الفرس الأخمينيين خلقوا رواية "إستبداد وترف" الإمبراطور (أستياگ) لتشويه سمعته للفوز بتأييد الشعب الميدي لهم وللحيلولة دون قيام الميديين بالثورة ضدهم لإسترجاع حكمهم". إن هذه الجزئية, التي سطرها الكاتب بطريقة يريد أن يظهر للقارئ, كأنه من بنات أفكاره, ألا أن هذا الكلام, قيل قديماً وحديثاً, مرات ومرات, من قبل المؤرخين والكتاب.
وفي مكان آخر, في مقاله المشاكس يقول:"من جهة أخرى، نجد تناقضاً بين التقويم الكوردي وتاريخ سقوط الإمبراطورية الميدية. لو تتم المقارنة بين تاريخ عيد نوروز الذي يبدأ في عام 700 قبل الميلاد، نكتشف أن هذا التاريخ لا يتطابق مع تاريخ سقوط الإمبراطورية الميدية التي كان يحكمها الملك (أستياگ) ، والذي حصل في عام 550 قبل الميلاد. كما نرى فأن الفرق بين التاريخَين هو 150 سنة. كما أن الفرس لم يتبنوا يوم تأسيس الدولة الأخمينية كبداية للتاريخ الفارسي، بل أنهم يستعملون في الوقت الحاضر التاريخ الهجري الشمسي الذي يبدأ من هجرة النبي محمد". بما أن الكاتب, يتكلم بدون قاعدة معلومات, وقع في نهاية هذه الجزئية في مطب آخر أيضاً, حيث تصور, أن السنة الهجرية الشمسية الإيرانية تبدأ من هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة, لم يعرف الكاتب, أن اسمها فقط هجرية, ألا أنها تبدأ حسب التقويم الإيراني, يوم الاعتدال الربيعي, في (21) آذار, المصادف لأول من الشهر الإيراني "فروردين" وفي عام الكبيسة تبدأ يوم (20) آذار. إن القياس الزمني للسنة الهجرية الإيرانية, هي تلك الفترة الزمنية التي تستغرق دوران الأرض حول كوكب الشمس لمرة واحدة في السنة. أما السنة الهجرية, التي قصدها الكاتب, تبدأ في الأول من شهر محرم الحرام. سمي بهذا الاسم, لأنه, أحد أشهر الحُرم الأربعة عند العرب وهي محرم, رجب ذوالقعدة, ذو الحجة, التي حرموا فيها القتال قبل الإسلام, وبعد أن جاء الإسلام, قبلها وقننها بنصوص دينية. في الحقيقة, ليس في كلام الكاتب موضوعية حتى بالحد الأدنى, لم أفهم جيداً مقارنته, في صدر الجزئية, بين التاريخين اللذين ذكرهما الكاتب, بدء عيد نوروز, وسقوط الإمبراطورية الميدية. أ يجوز إنه يجهل هذا, كجهله عن بدء السنة الهجرية الشمسية, بأن عد الأعوام قبل الميلاد, يكون عدها عكس بعد الميلاد؟, أي كلما يَقل الرقم, نقترب من نهاية العام قبل الميلاد. دعوني أقدم له مختصراً عن صعود نجم دولة ميديا وأفوله. يقول العلامة (علي أكبردهخُدا) في كتابه (لغت نامه) ج (13) ص (19925):" ماد, اسم شعب آري, إيراني الأصل, لقد أسس هذا الشعب, في بداية القرن السابع أو آخر القرن الثامن قبل ميلاد المسيح دولة ميديا. وأول ملك لهذا الشعب, كان اسمه ديوكس (708 - 655) ق.م. وآخر ملك لهم كان آستياگس (584 - 550) ق.م". من خلال نظرة سريعة على ما قاله (دهخُدا), يظهر جلياً للقارئ, أن تاريخ تأسيس دولة ميديا, يطابق تاريخ عيد نوروز الذي ذكره الكاتب الذي نحن بصدد, أن نوضح له بعض الأمور التي اشكلت عليه. قال الكاتب في سياق مقاله, أن التاريخ المذكور يوافق جلوس الملك دياكو على عرش مملكة ميديا, وحدده الكاتب بسنة (700)ق.م. لكن التاريخ الصحيح, هو في بداية القرن السابع قبل الميلاد. نعم أن الفرس يستعملوا اسم السنة الهجرية الشمسية, نسبة لهجرة النبي محمد, كما جاءت في "ويكيبيديا" أيضاً, إلا أن واضع هذا التقويم في إيران, هو الشاعر والعالم (عمر الخيام) (1048 - 1131) ميلادي, وبمعاونة عدداً من علماء الفلك الإيرانيون. وتقول المصادر, إنه يسمى أيضاً التقويم الجلالي, نسبة لجلال الدولة ملك شاه السلجوقي (1072 - 1092) ميلادي. حتى أن تسمية شهور السنة الاثني عشر, إيرانية مائة بالمائة, ليس فيها تسمية شهر واحد عربي أو إسلامي, وهذه أسماء الشهور الإيرانية: 1- فروردين. 2- أرديبهشت . 3- خرداد. 4- تير. 5- مرداد. 6- شهريور. 7- مهر. 8- آبان. 9- آذر. 10- دي. 11- بهمن. 12- اسفند. إن هذه الأشهر مقسمة على الأبراج السماوية, تبدأ من برج الحمل, وتنتهي ببرج الحوت. لزيادة المعلومات, لكي يكون على بينة, نقدم له الشهور العربية الإسلامية الهجرية: 1- محرم. 2- صفر. 3- ربيع الأول. 4- ربيع الثاني. 5- جمادي الأول. 6- جمادي الثاني. 7- رجب. 8- شعبان. 9- رمضان. 10- شوال. 11- ذو القعدة. 12- ذو الحجة. قارن بينها وبين الشهور الإيرانية, أنك لا تجد أي تقارب أو ارتباط بينهم. عزيزي القارئ, لا تنسى, سيكون لنا في سياق هذا المقال, عودة إلى تسمية الشهور الإيرانية. الآن نأتي إلى الجزئية الأخيرة والفقرة رقم واحد في مقاله آنف الذكر, وهي بيت القصيد في الموضوع الذي نحن بصدده الآن. يقول الكاتب:"ما دمنا نتحدث عن الديانات الكوردية التي هي الجذور التاريخية لعيد نوروز ورأس السنة الكوردية والتي قسم من معتقداتها لا تزال باقية في الثقافة الكوردية والتراث الكوردي، أود هنا أن أذكر بأن الشمس التي تتوسط عَلَم كوردستان هي رمز للإله (ميترا)". دعونا نوجه للكاتب سؤالاً استنكارياً بهذا الخصوص؟. إن الكاتب كشخص أكاديمي, لا شك أنه يعرف جيداً, عندما يتحدث عن تاريخ يسبق سنين عمره, يجب عليه أن يوثق أقواله بمصادر معتمدة ومعتبرة. السؤال هنا, يا ترى من أي مصدر اقتبس هذه المعلومة التاريخية, أن الشمس التي تتوسط علم كوردستان ترمز إلى الإله (ميترا)؟. ثم, هل أن وجود (ميترا) كإله للشمس, سابق على وجود سومر والسومريين؟ أم أن العكس هو الصحيح؟, أي أن حضارة سومر واحدة من أقدم الحضارات في العالم, إن لم تكن أقدمها. أعتقد, أن الكاتب يتفق معنا, أن السومريين ينتمون إلى الشعب الكوردي, وفي أضيق الحالات, يكون العكس هو الصحيح, وفي كلتا الحالتين, تكون النتيجة واحدة, أما أن السومريين كورداً, أو الكورد سومريون. تماماً كحكاية البيضة, هل هي من الدجاجة, أم الدجاجة من البيضة؟. ألم يطلع الكاتب على جانب من تاريخ "الإيزيديين" بأنهم امتداد لسومر؟ والشمس التي تعلوا بوابة معبد "لالش" المقدس, هي امتداد لشمس سومر, كما صرح بهذا العديد من رجال الدين الإيزيديون. وفي السنين الأخيرة, تم اكتشاف معبد في سومر, باسم معبد "إيزي". وجاءت في "الموسوعة الحرة" أن الملك (حمورابي) بنى في بابل معبداً بهذا الاسم "إيزي" لعبادة الآلهة إنانا. والإيزيديون إلى اليوم, عندهم صوم وعيد يحتفلون به, يسمى صوم إيزي وعيد إيزي؟؟. كل هذه المقارنات التي جئنا بها في هذه الجزئية, لكي نوضح ونثبت للكاتب ولغيره, أسبقية الشمس السومري على شمس (ميترا) وغيره, والتي اتخذها الكورد على مر العهود رمزاً لدينهم ودنياهم, ما هي إلا امتداداً تاريخياً مجيداً للشمس السومري. ولا شك إنها ستستمر في الوجود, مع استمرارية الحياة, لحين وجود الشعب الكوردي على أديم هذا الكوكب الدوار.
ويضيف الكاتب:" كما أن الأشعة الواحدة والعشرين للشمس التي تتوسط عَلَم كوردستان تعود الى الديانة اليزدانية. العدد (21) يحمل أهمية قصوى في الطقوس الدينية اليزدانية وأن الأشعة الواحدة والعشرين لشمس العَلَم الكوردستاني ليست لها علاقة بالتاريخ الميلادي و لا تُمثّل الحادي والعشرين من آذار، كما يظن الكثير من الناس. عليه فأن إختيار 21 شعاعاً للشمس التي تتوسط علم كوردستان، تمّ لِكون العدد 21 عدداً مقدساً في الدين اليزداني. الدين اليزداني هو دين كوردي قديم جداً، إعتنقه الشعب الآري قبل أكثر من 4000 سنة". توضيحي على هذه الجزئية الظنية, التي سطرها الكاتب باندفاع شديد؟. قبل أن أبدأ, دعونا نوضح للكاتب ولغيره ممن يفتقدون إلى هذه المعلومة التراثية. إذا يحاول الكاتب أن يعد الإيزيديون كإمتداد لذلك الدين الوهمي الذي سماه الـ"يزداني" فليس لعيد نوروز, الذي يصادف الحادي والعشرون من آذار, أي ذكر في كتب الكورد الإيزيديين المقدسة وغير المقدسة, ولا في تاريخهم وتراثهم, وعلى المستوى الشعبي والديني ولا يحتفلوا بهذا العيد الذي يسمى نوروز. الآن دعونا نرى ماذا قال الإيرانيون أنفسهم عن الـ" يزدان و اليزدانيين", ونتصفح أشهر كتاب أنتجه العقل الإيراني في الألفية الثانية, ألا وهو موسوعة العلامة (علي أكبر دهخُدا) الشهيرة, المسمى بـ(لغت نامه دهخُدا) يقول في ج (15) ص (23769):" يزدان, إحدى أسماء " خُدا= (الله)" وبعد أن يستشهد (دهخُدا) بأبيات شعرية كثيرة قالها الشعراء الإيرانيون الكبار, كالفردوسي, ودقيقي, و فرخي, وعنصري, ونظامي, وخاقاني, ومولوي الخ. وذكروا فيها اسم الـ"يزدان" كـإحدى أسماء (خُدا = الله) عند الإيرانيين وليس كدين؟. ثم يستطرد (دهخُدا) في ذات الصفحة:" في عقيدة الفرس قبل الإسلام, أن اسم "يزدان" كان يطلق على ملاكاً يفعل الخير, وفاعل الشر كان يطلق عليه اسم "أهريمن". وفي كتاب الـ(أفستا) المقدس جاء اسم "يزد" بصيغة (يزتا -Yazata ) وفي الپهلوية جاءت بصيغة (يزتان - Yaztan). وفي حاشية موسوعته يقول (دهخُدا) أن اسم "يزدان" هو جمع لاسم "يزد". مما لا شك فيه, أنه أطلق عليه هذا الاسم ((يزدان)) من باب التعظيم والتفخيم, حتى أصبح اسماً شائعاً بين الناس. ومن الدلائل العلمية والمنطقية بأن "يزد" هو "خودا" عند الإيرانيين القدماء, لقد جاء الاسم في المصادر العديدة, ومنها "لغت نامه" أيضاً, إن اسم نجل ملك إيران "خسرو أنوشيروان" هو "يزداد" أي عطية الإله "يزد". يقابله في العربية اسم (عطا الله). وكذلك كانت لخسرو أنوشيروان بنت اسمها (يزدان داد) ويحمل نفس معنى اسم " يزداد". هناك إيرانيون كثر حملوا هذا الاسم. من المرجح, حين يطلق الاسم على فئة من الناس, باسم الإيزيدية أو ما شابه, يقصد به, بأنهم موحدون, يعبدون الإله "يزد" الخالق. كما تقول لشخص مسلم أنه رباني. ويؤكد هذا, العلامة (دهخُدا) في موسوعته ج (15) ص (23771) قائلاً:" يزداني, صفة تطلق على إنسان رباني, وإلهي, يقال "يزدان پرست" أي عابد الإله يزدان, موحد. حتى أصبح اسماً يطلق على مجموعة بشرية من عبدة الإله (يزد). يستطيع الإنسان, أن يطلق اليوم أيضاً, صفة الـ"يزداني" على أي شخص من عموم الشعب الكوردي, لأن الكورد إلى اليوم يذكروا في أحاديثهم الـ(يزدان) كخالق للكون, فعندهم, الله, وخودا, ويزدان, ثلاثة (أسماء) لشيء واحد. قد يجهل البعض, أن للـ"خودا" في الديانة الزردشتية (101) اسماً, وأعظم هذه الأسماء,هو (خودا), ولذا أن الكورد إلى اليوم يسموا أبنائهم "خوداداد" أي "عطية خودا" الإله. وفي دولة "إيران" توجد مدينة قديمة في وسط البلاد باسم "يزد" تقول كتب التاريخ, أن تاريخها يعود إلى خمسة آلاف عام, وكانت مكاناً للعبادة, وذكرها الرحالة الإيطالي المعروف (ماركو بولو) (1254 - 1324م). وتعتبر المدينة, أهم مركز تجمع للـ"زردشتيين" وعرفت قديماً, بمدينة النار, ودار العبادة؟.
عزيزي القارئ, أعلاه تطرقنا بالتفصيل لحيثية الاسم الـ"يزداني" الذي أشبعناه بالأدلة الدامغة بما فيه الكفاية, ألا أن الكاتب, قبل هذا التوضيح التفصيلي, حاول أن يدمغه لصالحه, حين زعم: "إنها كانت ديانة قديمة بهذا الاسم, اعتنقها الشعب الآري". وجب على كاتب المقال, أن يقول الشعوب الآرية, وليس الشعب الآري, لأنه حتى في التاريخ الذي حدده الكاتب, وهو (4000) عام قبل الآن, كانت هناك شعوباً و قبائل آرية وليس شعباً, منتشرة في أصقاع كثيرة من العالم بأسمائها القومية, على سبيل المثال وليس الحصر, الأرمن وهم آريون, ذكروا قبل (5000) عام. والكورد الذين ذُكروا في المصادر التاريخية باسمهم القومي الـ((كورد)) , قبل أكثر من (4000) عام من الآن. كي لا أطيل, أكتفي بهذا القدر في هذه الجزئية. دعونا الآن نذهب إلى جوهر الموضوع, ولأهميته أكرر الجزئية الممجوجة, التي ذكرها الكاتب في مقاله المذكور, الذي أشرنا إلى عنوانه أعلاه:" كما أن الأشعة الواحدة والعشرين للشمس التي تتوسط عَلَم كوردستان تعود الى الديانة اليزدانية. العدد (21) يحمل أهمية قصوى في الطقوس الدينية اليزدانية وأن الأشعة الواحدة والعشرين لشمس العَلَم الكوردستاني ليست لها علاقة بالتاريخ الميلادي و لا تُمثّل الحادي والعشرين من آذار، كما يظن الكثير من الناس". إن الكاتب وهو يتحدث عن التاريخ القديم, لم يقدم لنا دليلاً أو مصدراً, يقول أن رقم (21) رقماً مقدساً في تلك الديانة الوهمية, التي حدد تاريخ وجودها بـ(4000) سنة. عزيزي القارئ, نحن قلنا في مقالنا السابق, الذي انتقدنا الكاتب على الفقرة التي ذكرناها أعلاه, دون أن يشير إلى اسمنا, عندما قلنا أن الشمس التي في وسط العلم الكوردستاني هي امتداد للشمس السومري, والواحد والعشرون إشعاعه التي انبثقت منها, هي رمز ليوم الواحد والعشرون من آذار الذي احتفل به السومريون قبل آلاف السنين. ألا أن الكاتب, رجم بالغيب, وادعى خلاف ما نحن قلنا, لكن دون أن يدعم أقواله بمصادر معتمدة, أو بقرائن دالة على ذلك, يقبلها العقل البشري. الشيء الذي لا يهضم عند الكاتب, وعند زمرة من الكورد وغيرهم, كيف اختار الشعب الكوردي تاريخاً لعيده القومي "نوروز", ليس من ضمن تقويمه القومي, ولا من اختراعه؟. يبدوا لي أن هؤلاء, لا يعرفوا, أن الغالبية العظمى من المناسبات المقدسة لا تمس ولا تتغير مهما جرى ومهما حدث, ستبقى محافظاً على التسمية التي سميت بها أول مرة. على سبيل المثال, شهر رمضان الذي يصوم فيه المسلمون في بلدانهم, يعرف الكاتب, أن المسلمين في العديد من البلدان الإسلامية, لا يستعملوا التقويم الهجري, لا الشمسي ولا القمري, رغم هذا, يطلقوا عل صومهم في هذا الشهر, شهر رمضان, من هذه البلدان, إيران وأفغانستان, لقد ذكرنا في سياق هذا المقال, اسم الأشهر الإيرانية, التي ليس فيها شهراً واحداً باسم رمضان, ولا باسم شهر محرم, ولا العاشر من محرم المسمى بـ"عاشوراء", ولا مناسبات أخرى التي تحمل تسميات لأشهر العربية الإسلامية, ألا أن الإيرانيين, عندما يحتفلوا بهذه المناسبات الدينية, ويطلقوا عليها أسماء تلك الأشهر العربية الإسلامية, التي ليس لها وجود في تقويمهم السنوي كما بيناه أعلاه؟. حتى أن المسيحيين, عندهم صوم, باسم صوم نينوى, كان سائداً قبل المسيح, بينما نينوى اسم وثني, والمسيحيون موحدون, ولم يغادروا هذا الاسم إلى الآن. حتى أولئك الذين ينتحلون اليوم اسم آشور, وهم مسيحيون, وآشور هو اسم إله وثني. دليل آخر, مما لا يقبل الشك, أن غالبية العظمى من الشعب الكوردي, تعتنق الدين الإسلامي, ألا أن المسلمين الكورد, وبالذات رجال الدين الكورد, حين يذكروا اسم الخالق, يقولون "خودا" بينما من منظور الدين الإسلامي, أن قائله يكون قد كفر بالله, لأنه وفق العقيدة الإسلامية "خودا" إله وثني, لا يوجد شيء في الإسلام اسمه "خودا" ألا أن الكورد بعامتهم وخاصتهم وقبل الجميع رجال دينهم, لا يزالوا يذكروا هذا الاسم دون تردد؟,أليس هذا يعني, أن الشعوب لا تغادر تراثها بسهولة, حتى لو تؤدي بها إلى الهلاك الدنيوي والأخروي؟. وكذلك العرب قبل الإسلام, كانت عندهم أسماءاً عديدة تطلق على الأوثان التي كانت تُعبد, وتطلق كذلك على الإناث والذكور من البنات والأبناء وليومنا هذا, كعبد مناف, وعبد شمس, و حكم, وعلم, ورضي, وسحر, وهلال, وحارث اسماً من أسماء الشيطان الخ. لو نظرنا نظرة فاحصة إلى هذه الأسماء, وجب عليهم مغادرتها, لأنها أسماءاً محذوره في العقيدة الإسلامية. وكذلك الأشهر الفارسية التي ذكرنها, جلها أسماءاً وثنية, ألا أنهم لم يتخلوا عنها, رغم أن نظام الحكم في إيران, نظام ديني إسلامي يقوده رجال دين لهم باع طويل, في أحكام وشرائع العقيدة الإسلامية. من هنا نقول, يحتم على الكاتب وغيره, ممن يشككوا في الشمس الكوردي السومري ويوم (21) آذار, أن ينظروا إلى الأمور بعيون محايدة, بعيداً عن الغيرة, والحزازيات الشخصية, ويقارنوها مع المناسبات التي ذكرناها, التي تحييها الشعوب الأنفة الذكر, التي تبين لهم بكل وضوح, أن التسميات القديمة التي سميت بها المناسبات المقدسة, لا تغيرها الشعوب بسهولة مهما جرى من متغيرات على حياتها اليومية. ويوم نوروز وتاريخه المجيد, أحد تلك المناسبات العزيزة, التي لم يغادره الشعب الكوردي منذ أيام سومر, رغم التغيرات التي التي جرت على تقويمها السنوي, إلا أن تلك التسمية الجليلة (21) آذار, بقية مقدسة وحية في ضمير الشعب الكوردي شكلاً ومضموناً.
وفي آخر فقرة يقول الكاتب:" من الجدير بالذكر أن اليزدانية هي أقدم بكثير من الزردشتية وأن الدين الزردشتي قد أخذ الكثير من مبادئه وطقوسه من الدين اليزداني، بل أنه عندما بدأ زردشت بنشر دينه في كوردستان، لاقى معارضة كبيرة من أهالي المنطقة الذين كانوا يعتنقون الدين اليزداني، لذلك إضطر زردشت أن يترك منطقته (منطقة ورمێ-;- "أورمية") ويهاجر الى بلاد فارس، حيث قام هناك بنشر دينه بين الفرس. الفرس إعتنقوا الدين الزردشتي وإستغلوه لأهداف سياسية، لإستلام الحكم وبناء دولة لهم. أود أن أشير أيضاً بأن الديانات الكوردية القديمة مثل الإيزدية والعلوية والشبك والدروز واليارسانية (كاكه يي) هي من بقايا الدين اليزداني وأن فلسفة و طقوس وآداب هذه الأديان تكاد تكون متطابقة مع بعضها، بإستثناء ظهور إختلافات طفيفة جداً بينها بسبب التباعد الجغرافي الذي يعزلهم عن البعض وتشتت معتنقيها الناتج من إحتلال كوردستان من قِبل عدة دول".
لا أرد على ما جاء في صدر هذه الفقرة, لأني تكلمت عنها كثيراً في هذا المقال. وبينت من خلال المصادر المختصة بهذه المادة التاريخية, لا وجود لدين بهذا الاسم "يزداني", إلا في خيال الكاتب, ونفر من الذين يلتقون معه في هذا الحقل الأجدب. ألا أني أستسمح القارئ الكريم عن الإطالة, وأقدم جملة أخرى من هذه المصادر التي تقول صراحة, أن لا وجود في التاريخ لدين باسم الـ"يزدانية" غير الإيزيدية التي أخذت اسمها من "يزد" أي الفئة التي تقر بأن "يزد" هو الخالق, وبالمفهوم الإسلامي, أي هؤلاء ربانيون, إلهيون . كما أسلفت في سياق هذا المقال, أن الكوردي المسلم لليوم يذكر اسم "يزد" كخالق, فعليه هو أيضاً يزداني. يقول الدكتور (رشيد ياسمي) في كتابه (كُرد و پی-;-وستگی-;- نژادی-;- و تاری-;-خی-;- او) ص (128):" يظهر من الآثار الباقية, أن هذه الطائفة من الناس - الإيزيدية- تحمل معها عقيدة قديمة, لكن بمرور الزمن و بسبب جهل القائمون عليها, وعدم تدوين مسيرة تاريخها, شوهتها الروايات والقصص المختلفة والمختلقة, وعدت فيما بعد واحدة من الأديان المنسوخة, ويضيف ياسمي: وتعد هذه العقيدة, فرعاً من الدين الزرادشتي أو الدين المانوي. واسم هذه الطائفة نابع من اسم "ايزد" الذي ذكر في الـ"أفستا" بصورة "يزتا" وفي البهلوية "يزدان" ويقول ياسمي: إن الإيزيدية عبدة الإله "يزد", و جميع الصيغ لاسم "يزد" تعبر عن معنى شيء موجود قابل الاحترام والمدح والثناء". وقبل ياسمي بعدة قرون, ذكرهم المؤرخ الكوردي (شرف خان البدليسي) في كتابه (شرف نامه) طبع بغداد عام (1953) ص (147) باسم الإيزيدية واليزدانية. نسبة لإلههم "يزد" الذي يعبدونه. من المصادر الأخرى التي ذكرت اسم الإيزيديين, (دائرة المعارف الإسلامية) طبع (لندن) عام (1934) ص (1164):" كلمة يزيدي يحتمل إنها فارسية, اشتقت من ((يزد)) التي وردت في الـ" أفستا" بصيغة ((يزتا)) وفي سانسكريتية ((يجتا)) وفي الفارسية ((يزدان)), وتضيف دائرة المعارف, أن مصطلح "يزدان" مصطلح أفستايي دخلت الفارسية عن طريق الطقوس والعبادات الدينية". واعتبر (محمود الدرة) في كتابه (القضية الكردية) طبع بيروت عام (1966) ص (181) الإيزيدية, من بقايا الدين الزردشتي أو المانوي. وهناك آراء أخرى, تتفق مع الذي ذكرناه في هذا المقال في كل ما قلناه, ألا أننا تجنباً للإطالة لا نذكر جميع الآراء. هناك كاتب كوردي, يقتبس منه أحياناً الشخص الذي نرد عليه في هذه الوريقات, وهو من الإخوة الكرمانج, يقيم في بلد خليجي, له نتاجات ومجهودات كتابية عديدة, يخدم بها بني قومه, وهو عمل جاد و مثمر, يشكر عليه. لكنه أيضاً شطح بعض الشيء, عندما تبنى الفكرة الخاطئة, التي تزعم أن هناك ديناً يسمى الـ"يزدانية" وذكر في إحدى مقالاته اسم عالم غربي يتبنى هذا الرأي المشوش, وهو (جفري بارندر) أستاذ المقارنات الدينية في جامعة لندن, لم يقل لنا أنصار هذا الرأي الهرطقي, ما هي فلسفة هذا الدين الوهمي؟, وما هو اسم الإله في هذا الدين المزعوم؟, وما هو اسم نبيه, أو الشخص الأول الذي نادى به؟, وما هو اسم كتابه المقدس وبأية لغة كتب؟, وما هي تواريخ مناسبات الفرح والحزن في هذا الدين؟ الخ. عزيزي القارئ اللبيب, أية دعوة تفتقد إلى هذه العناصر, لا تعد ديناً ولا مذهباً, وليس لها وجود ألا في خيالات من ينسجها. ألم يشاهد الكاتب الذي نرد عليه الآن, أن الأديان التوحيدية, وغير التوحيدي, التي أثبتت حضورها على مر التاريخ, من خلال إلهاً يعبد, ونبياً كان يعظ الناس, وكتاباً يتلى بلغة ما, ومناسابات احتفالية تقام هنا وهناك, الخ. هل الدين المسمى بالـ"يزدانية" عنده شيء من مثل هذا مذكوراً في بواطن الكتب, أو الرقُم الطينية؟!. بالطبع لا, إذاً, أن من يدعوا له, مجرد ادعاء باطل, لا أكثر. قال الكاتب أن زردشت كان في كوردستان. لم يقل زردشت, أن موطنه كان اسمه كوردستان في ذلك العصر, بل قال أن موطنه اسمه " ارياناويچ" أي إيران, يعنى موطن الآريين. أما لماذا لم يقبل به بني قومه, هذا واقع حال, جميع النبوات والأديان التي ظهرت, في بادئ الأمر رفضتها شعوبها رفضاً باتاً, وخير شاهد ودليل على ما نقول, الدين الإسلامي, حين جاء النبي محمد رفضته القرشيون. وقبله الدين المسيحي, اضطهد عيسى أيما اضطهاد على أيدي الرومان واليهود حتى صلبوه. وكذلك ما جرى للنبي موسى, من اضطهاد وتشريد وعدم التصديق, جميع هذه القصص التي تروي لنا حياة أولئك الأنبياء وغيرهم, مدونة في بواطن كتب التاريخ, وبصورة مستفيضة في الكتاب المقدس "التوراة والإنجيل", وكذلك القرآن, أن هذه الكتب الدينية , خير من ذكرت لنا المعارضة التي لاقتها تلك الأديان عند ظهورها. لا شك, أن زردشت, كان إنساناً مفكراً وحكيماً, سابقاً لعصره, فلذا كانت طروحاته الفكرية والعقائدية تقدمية, قياساً بذلك العصر, فلذا كانت أفكاره لا تناسب ذلك المجتمع البدائي الزراعي. وعندما لم يجد آذاناً صاغية لدعوته بين أبناء جلدته, اختار الهجرة ضمن بلاد الآريين, لأن الديانة الزردشتية دين غير تبشيري, خاص بالآريين. فعليه هاجر إلى مدينة (بلخ) في (خراسان الكبرى) وليس إلى فارس كما قال الكاتب, لأنه لا وجود للفرس في خراسان قديماً, ولم يؤسسوا دولاً هناك, إنهم أقاموا في جنوب إيران, في إقليم الذي يحمل اسمهم, إقليم فارس, وعاصمته شيراز, وقبل نزوحهم إلى فارس, نزلوا ردحاً من الزمن قرب بحيرة أرورمية. بالمناسبة إلى اليوم, لا يوجد تجمع فارسي كبير في خراسان, بحجم نفوس الكورد أوغيرهم. نعم أن أهل خراسان يتكلمون الآن الفارسية, لأنها لغة البلد الرسمية, ألا أن غالبية المحافظة التي مساحتها توازي مساحة جمهورية العراق تقريباً, هم من الكورد, والأتراك, ومن الأصول المغولية. من الشخصيات الكوردية الخراسانية المعروفة, الكاتب (كليم الله توحدي) والشاعر الشهير (جعفر قلي). أما حياة زردشت أنهيت في خراسان بالقتل, على أيدي الأتراك الطورانيون عن عمر ناهز الـ (77) عاماً.
في نهاية هذا المقال, بينا للكاتب ولغيره, أن التاريخ ليس حكايات وأساطير. بخلاف الـ "يزدانية" التي ليست أكثر من حكاية تناولها نفر هنا وهناك, بينما السومر والسومريون كان واقعاً موجوداً على الأرض, قبل (5000) عام, ودون تاريخهم وحضارتهم في الرقم الطينية, التي تزدحم بها المتاحف العالمية, وكذلك عيدهم الذي احتفلوا به في (21) آذار ذكرها المصادر العديدة. لكن, هل يوجد وثيقة واحدة عمرها ولو (1000) عام, تتحدث لنا عن دين اسمه الـ"يزدانية". أخلص إلى القول, إذاً, وفق هذه الأدلة والبراهين التي قدمناها, لا وجود لدين بهذا الاسم, وعندما يكون المسمى وهماً, مما لا شك فيه, أن كل الذي ينسب إليه يعد وهماً أيضاً. عزيزي القارئ الكريم, وبهذا, نكون قد انتهينا من دفن هذه البدعة الكاذبة, التي يروج لها البعض لغاية في نفسهم.
#محمد_مندلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟