أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمد طه عليوه - إحياء السياسة ....التغييرات اللازمة فى النظام السياسى المصرى















المزيد.....



إحياء السياسة ....التغييرات اللازمة فى النظام السياسى المصرى


محمد طه عليوه

الحوار المتمدن-العدد: 4844 - 2015 / 6 / 21 - 09:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



1. تأسست الجمهورية المصرية الأولى عقب انقلاب /ثورة 1952 في ظل كاريزما نادرة للزعيم جمال عبد الناصر وتأييد شعبى جارف قائم على تلبية طموحات طبقات الشعب الفقيرة ، و السعى لتحقيق أحلام تلك الجماهير فى الوحدة القومية العربية والاشتراكية ، وعلى توازنات دولية واسعة وجهد إعلامي فائق كماً ونوعاً. و اتسمت تلك الجمهورية بطابعها الشمولى القائم على تأثيم المعارضة والغاء الأحزاب السياسية لصالح التنظيم السياسى الواحد (جبهة التحرير فالاتحاد القومى فالاتحاد الاشتراكى ) ، والغاء التعددية النقابية لصالح التنظيم النقابى الواحد، والعداء للحريات السياسية والنقابية .
لقد أعطى عبد الناصر المصريين كل شىء وأخذ مقابله حقهم فى ممارسة السياسة واستقلالية التفكير ومعارضة السلطة والنمو الحر للشخصية والفكر .
ثم أصيب المشروع الناصرى بضربة قاصمة على إثر هزيمة 1967، وبعد جهد عسكرى رائع بدأه عبد الناصر واستكمله السادات دخلت مصر حرب 1973 لتستعيد كرامتها المهدرة.
وقبل أن تجف دماء شهدائها كان السادات قد شرع فى تفكيك المشروع الناصرى وتحويل تحالفاته الدولية والمحلية وتوجهاته الاجتماعية والاقتصادية من النقيض الى النقيض ، ولم يحتفظ من سمات الدولة الناصرية الا بالسمات الشمولية ، واستخدمها كأداة لممارسة سياساته البديلة فى التبعية والتحالف مع القوى الرجعية اقليميا وعالميا والتخلى عن التنمية الاقتصادية المستقلة لصالح سياسات التبعية والافقار .
وبعد أن دفع السادات حياته ثمنا لتلك التحولات الدراماتيكية جاء عصر مبارك ليفرض سكون القبور على الواقع السياسي، ويجمد حراكه حتى استقرت التحولات الساداتية أولا، ثم استمرت اتجاهات التطور نحو برامج التكيف الهيكلى لصندوق النقد الدولى اقتصاديا بما تعنيه من تخلى الدولة عن دورها التنموى وبيع القطاع العام والتخلى التدريجى عن الطبقات الفقيرة وتركها لتلقى مصيرها فى مواجهة قوانين السوق،والتبعية الذليلة لأمريكا عالميا . والتقوقع والتخلى عن أى دورعربى ، بل والتبعية لدول الخليج اقليميا . وتخلى الدولة داخليا عن أدوارها الاجتماعية وتعاظم دورها الأمنى فى مواجهة نفوذ الاسلام السياسى (الذى احتل موضع المعارضةالسياسية النظام ) المتنامى داخليا .
2. أسقطت ثورة يناير 2011 الجمهورية الأولى وضربت ، من خلال عودة الشعب المصرى بقوة الى المجال السياسى بزخم غير مسبوق تاريخيا ، شرط وجود الدولة الشمولية ، وفتحت الباب على مصراعيه لإعادة صياغة أسس الحياة الدستورية والسياسيةفى مصر.
ولكن غياب القيادة الثورية، وفقر الفكر السياسي المصري الناتج عن غياب السياسة ( بمعنى سيطرة المجتمع المدني على أسس وجوده وحقه في صياغتها) منذ النصف الثانى من خمسينات القرن الماضى أهدر هذه الإمكانية. وسمح للدولة (باعتبارها أحد القطبين المنظمين اللذين يملكان رؤية واضحة للسلطة وغايات واضحة للاستيلاء عليها) ، بأن تزيح الاخوان المسلمين ( القطب الآخر) بعد توليهم السلطة رسميا وعجزهم عن ممارستها فعليا لفترة لم تتجاوزعاما واحدا. وأن تشرع في لملمة أشلاءها التى بعثرها زلزال 28 يناير 2011 وماتلاه ، في إطار تصور استعادي غير خلاق، محكوم عليه مقدما بالفشل ، يهدف إلى استتنساخ النموذج الناصري فى الحكم ، الذي يمثل فيه رئيس الجمهورية محور السياسة والإدارة، معتمداً على جناحين: "الشعبيين" المُمثلين في المجالس المنتخبة (مجلس الشعب والمجالس المحلية) و"التنفيذيين " المُمثلين بالوزراء والمحافظين ورجال الإدارة، دون أن يكون هؤلاء أو أولئك من السياسيين .
على أن هذه المحاولة محكوم عليها مقدما بالفشل ، لغياب شروطها وأركانها: فليس للسيسي كاريزما ناصر، ولا لديه الإمكانات التي انتزعها من الرأسمالية الأجنبية والمحلية "الزراعية والصناعية"، والتي مكنته من تحقيق قفزات تنموية ومن إرضاء المطالب الشعبية ،ولا الظرف السياسى العالمى المميز بالاستقطاب الدولى الحاد بين المعسكر الامبريالي ونقيضه "الاشتراكى" الداعم لحركات التحرر الوطنى التى تجمعت تحت راية عدم الانحياز فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.
3. في ظل هذه الأجواء والظروف وضع دستور الجمهورية الثانية. وضعته لجنة غير منتخبة من خمسين عضوا ، عينهم رئيس الجمهورية المؤقت الذى آلت اليه السلطة بصفته رئيساً للمحكمة الدستورية العليا ، عبر "التوافق الوطنى " الذى مثل الظهير الشعبى لتحرك بيروقراطية الدولة العسكرية والمدنية لاستعادة سلطة الدولة من الاخوان المسلمين .
كان مقصوداً من تلك اللجنة أن تمثل "فئات الشعب" المختلفة : الأحزاب الضعيفة والفاقدة للرؤية، والنقابات المهنية والعمالية ، والمؤسسات الدينية والشخصيات العامة ... الخ ، ولم تكن بحال لجنة من المشترعين ، ولم يكن من بين أعضائها من يصلح لمهمة ضخمة بحجم صياغة دستور سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة . كانت تلك اللجنة تمثل "المواطن المتوسط" و "الوعي الشعبي العام" المتواضع أصلاً ، مما يصح معه وصفها ب "لجنة المحلفين" ، إذ كان أعضاؤها يستطيعون أن يميزوا بالكاد وبشكل إجمالى مايبدوا جيداً مما يبدو رديئاً ،على غرار المحلفين في محاكم النظام القضائى الإنجلو - سكسوني الذين يختارون من آحاد الناس الشرفاء الممثلين للضمير الشعبى العام ، ويقررون - بعد أن يستمعوا للشهود ومرافعات الادعاء والدفاع – ما إذا كان المتهم مذنبا أو غير مذنب . وناقشت تلك اللجنة وأقرت ( بعد عدة جلسات استماع لممثلى المجتمع كان الهزل فيها أكثر من الجد) مشروع تعديل دستور أعدته وساعدت فى صياغة مواده بعد مناقشتها لجنة مكونة من عشرة من "الخبراء" ليس من بينهم واحد من ذوى الخبرة السياسية ، من بينهم أربعة من أساتذة القانون الدستوري ، وستة من المستشارين ممثلين للهيئات القضائية بحكم مناصبهم، وغنى عن القول أن تدريس القانون(والقاعدة الدستورية قاعدة قانونية ذات مرتبة خاصة) وانزال أحكامه على الواقعات فى القضايا يختلفان عن وضعه اختلافا بينا .
وو ضع أعضاء لجنة الخبراء دوما نصب أعينهم إرضاء التحالف الذي أتى بهم، والذي تصدرته بيروقراطية الدولة العسكرية والمدنية، والهادف إلى أمرين : إزاحة الإخوان و" الشرور" التي وضعوها في دستورهم ووضع نظام ما للحكم . دونما وعي بالواقع، ودونما خيال يهدف إلى استشراف ما تحتاجه مصر في لحظاتها هذه. وكانت لجنة الخمسين فى حقيقة الأمر تقدم استعراضا إعلاميا لازما داخليا وخارجيا ، بينما كتابة الدستور تقوم بها مجموعة من الخبراء متوسطى المستوى داخل لجنة العشرة وخارجها بناء على مشاورات لاتنقطع مع ممثلى الدولة العميقة!
ثم أجرى الاستفتاء على الدستور وأثيرت أقاويل كثيرة حول حجم الحضور ونسبتهم إلى من لهم حق التصويت. ولكنه أُقر فى نهاية المطاف ، وأغلب من شاركوا في وضعه والموافقة عليه يقولون أنه ليس الدستور الأمثل، وأنه مجرد مخرج لتهدئة الوضع، واستيفاء مقومات الحكم حتى يمكن تسيير الدولة. باختصار، نظر إلى الدستور كخطوة أولى في خريطة طريق تضمنت ثلاث مراحل هى وضع الدستور و انتخاب رئيس الجمهورية و انتخاب المجلس النيابي ، وكضرورة لاستيعاب انتفاضة الإخوان ومشايعيهم في الداخل والخارج، ضد الطريقة التي أزيحوا بها من الحكم بعد أن وصلوا إليه عبر صناديق الاقتراع، والتى حظيت بتأييد دولى غير قليل.
4. إن النظام السياسى للجمهورية الثانية الذى وضع أسسه دستور 2013 ، أو " الوثيقة الدستورية الجديدة بعد تعديل دستور 2013"بحسب التسمية اللولبية التى أفرزها فقر الفكر السياسى والدستورى الذى هيمن على عملية تعديل الدستور، هو محاولة بائسة لاستعادة النظام الاستبدادى الذى كان سائدا قبل 28 يناير 2011. فقد وضع من تولى صياغة مشروعه من قضاة وفقهاء نصب أعينهم مساعدة الدولة (التى بوأتهم مقاعدهم) فى تحقيق استراتيجيتها العامة فى استعادة السيطرة على الشارع، وترميم أركانها التي هزها زلزال يناير (الهدف الخاص لجهاز الدولة) إلى جانب إقصاء الإخوان (الهدف العام الذى تتشارك فيه مع الجمهور الواسع) ، فكان طبيعياً أن يولوا أنظارهم قبل دستور 1971)الذى احتفظ من حيث الأساس بتركيب السلطة وبنية النظام السياسى المميزة للدولة الشمولية الناصرية) فيردوا ما أمكن رده مما استحدثه دستور الإخوان 2012 ( حتى ولو كان يمثل أرضية جيدة للتطوير) إلى ماكان عليه في دستور 1971، وهو النموذج الذي تربى فقهاء الدولة وقضاتها هؤلاء عليه ورأوا فيه مثالاً يحتذى ما كان يجب أن يهجر أو يلغى.
ولذلك، أعاد واضعوا الدستور الجديد تخصيص الباب الأول لـ " الدولة " فاصلين إياه عن "المقومات الأساسية للمجتمع" الذي خصص له الباب الثاني ، على غرار دستور 1971 بعد أن كان دستور الإخوان قد جمعهما في بابه الأول المعنون " مقومات الدولة والمجتمع " وأعادوا الباب الرابع من دستور 1971، الذي كان معنوناً "سيادة القانون" بعد أن كان دستور الإخوان قد ألغى هذا الباب ووزع موادَه على مواضعها الطبيعية في البابين الثاني "الحقوق والحريات" والثالث "السلطات العامة".
وجعلوا الباب الثانى "المقومات الأساسية للمجتمع" مرتعا لكل الحالمين يكتبون فيه أحلامهم الوردية ويختلفون ويتفقون حول منسوب اللبن والعسل في أنهارها ( خصوصا من المادة 17 وحتى المادة 25) .ورددوا فى الباب الثالث " الحقوق والحريات والواجبات العامة" النصوص التى استقرت فى الدساتير المصرية المتعاقبة وأحكام المحكمة الدستورية ، والتى يعتمد الالتزام بها على رغبة السلطة و قوة الجماهير فى الشارع اكثر مما تعتمد على سلطة النصوص ، مع اضافات (من المادة 78 وحتى المادة 84) تنتمى لعالم الأمنيات الطيبة أكثر من انتمائها لعالم الحقائق الواقعة.
ويمموا وجوههم شطر الباب الثالث من الدستورومحتواه الحقيقى ،باب الحقائق والوقائع الصلبة المعنون " نظام الحكم" و الذى ينظم سلطات الدولة. فأعادوا الى السلطة التنفيذية كامل سلطانها الذى ميز دساتير الحقبة الناصرية ومابعدها. وجعلوا رئيس الجمهورية رئيس الدولة ورئيسا للسلطة التنفيذية (م139) ، فعززوا هيمنتها على المجتمع وكرسوا تغولها على بقية السلطات ، و حولوا رئيس الوزراء ووزرائه الى سكرتارية لرئيس الجمهورية . وتحوطوا مسبقا لحالة اذا ما أصبح البرلمان برلمانا بحق فى يوم من الأيام ولم يقبل برئيس الوزراء الذى يختاره الرئيس واختار هو رئيسا للوزراء ، فجعلوا للرئيس حق تعيين وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء( م 146) .وهو أمر كانت تجرى عليه الممارسة فى الواقع ويكاد يكون عرفا فى النظام الدستورى المصرى ، إلا أنها المرة الأولى - فى علمنا – التى يجرى فيها تدوينه فى الدستور المصرى وما اطلعنا عليه من دساتير .
وحذفوا الباب الرابع من دستور الإخوان " الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية" والذي كان ينظم الأسس العامة للمفوضية الوطنية لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للمحاسبات والبنك المركزي، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ونقلوا محتواه إلى الفرع الثاني من الفصل الحادي عشر من الباب الخامس من الدستور المعنون " المجالس القومية والهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، مع جعل تحديدها وإنشائها وتحديد صلاحياتها للقانون ( أي لمجلس النواب ) على أن يعين رئيس الجمهورية رؤسائها بعد موافقة المجلس ، وسموا بعض تلك الأجهزة والهيئات على سبيل المثال، وأسقطوا منها المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد، مستبدلين بها "التزام الدولة بمكافحة الفساد (م 218 ) والمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي كان من أبرز الإضافات الجيدة في دستور الإخوان.
5. لقد أثبت النظام السياسى وتركيب السلطة الوارد فى دستور 1971 والمستعاد بشكل أكثر فجاجة فى دستور 2013 فشله الذريع ، وتحول من أداة لتحقيق طفرات تنموية واجتماعية بوجود زعيم كعبد الناصر على رأسه إلى أداة لإفقار الشعب وتجويعه والقضاء على روحه الخلاقة وقدرته على الحركة المستقلة وقتل وعيه السياسى وإحساسه بالمواطنة. وأدى غيب الوعى السياسى الى ان تكون ثورات الشعب ( وآخرها ثورة يناير 2015 ) بلا وعى وبلا قيادة وبلا أهداف، ومن ثم أمكن للإخوان ثم للدولة الالتفاف عليها وتفريغها من مضمونها . واستعادة هذا النموذج لن تكون فى صالح الدولة الاستبدادية المرممة كما لم تكن فى صالح الشعب الثائر . فلو كانهذا النموذج صالحا لإدارة الصراع الاجتماعى والسياسى ادارة سليمة لما وقعت الثورة ولما تردت أوضاع الشعب قبلها على النحو الذى قاد اليها. بمعنى اوجز : لو كان نظام مبارك يستطيع البقاء لما سقط ، برغم كل افتراءات الإعلام وحماقات الأجهزة تظل هذه الحقيقة ساطعة لا سبيل لانكارها الا لمن كان أصم وأعمى. ان استعادة ذلك النظام مرة أخرى لن يؤدى لتنمية أو تطوير أو حرية.لن يؤدى إلا الى أزمة حكم وتفجر ثورة جديدة ، تتلوها فوضى شاملة أو عودة الإسلام السياسى للسيطرة على الشارع فى المدى المنظور أو بعد فترة من القمع الذى يؤدى الى ركود كالذى ران على البلاد خلال عهد مبارك ، لأن المعضلات التى فجرت الثورة لم تحل و الشعب قد عرف مجددا طريق الثورة والإطاحة بالحكام .
6. لقد رفعت بيروقراطية الدولة العسكرية والمدنية و حركة الجماهير التى أفلحت البروقراطية فى حشدها مستعينة بتحالف سياسى من القوى المدنية وقصف اعلامى مكثف ، وقبل كل شىء بحماقات الإخوان واخطاءهم القاتلة فى الحكم والإدارة وغباءهم السياسى منقطع النظير، فضلا عن دعم دول الخليج سيما الامارات والسعودية ، المشير عبد الفتاح السيسى الى مقعد الرئاسة بعد ازاحة الإخوان من صدارة المشهد ، ولا أقول من السلطة ، لأن السلطة ، بمعنى أجهزة الدولة ، لم تدن لهم بالطاعة يوما خلال السنة التى تصدروا فيها المشهد السياسى فى مصر .
7. ورغم تحقيقه تقدما لا بأس به على صعيد الاعتراف بالسلطة الجديدة ، وإدارة العلاقات الاقليمية والدولية كرجل دولة يحترم القواعد وجهات الاختصاص ( على خلاف المهازل التى كانت عنوان السنة التى كان محمد مرسى فيها رئيسا) فلا يزال الوضع الداخلى يراوح فى مكانه ، وفيما عدا المناشدات والعبارات العاطفية الحارة لا يبدو أن للرئيس توجها ما فى ادارة السياسية الداخلية . اقتصاديا هناك استخدام لشعبية الرئيس المنتخب غير المنكورة ( باعتباره "المنقذ" فى نظر الجمهور الواسع المجرد من الوعى السياسى والذى أرهقه استمرار التدهور الاقتصادى واضطراب الأمن الناتج عن انهيار الشرطة وتعثر محاولات اعادتها للعمل) فى التخلى عن جزء هام من المبالغ المخصصة لدعم الطاقة ، إضافة الى توجه ساذج لتبنى توصيات المغفور له جون ماينارد كينز فى القيام بمشروعات بنية أساسية كبرى تمولها الدولة لتحريك الإقتصاد. واجتماعيا لا تبدو أى ملامح لتوجهات الرئيس الجديد سوى بعض تلميحات خجلى عن استقلاله وأنه غير مدين لأحد . وسياسيا لا قدرات تلفت النظر ، فى نظام ينتظر كله توجيهات الزعيم الملهم الذى اختارته الأقدار لكى يبدأ بالعمل. قوى سياسية قديمة وجديدة كلها تدَعى وصلا بليلى وتتقرب للرئيس ، والرئيس يترك الفخار ليكسر بعضه بعضا . وجهاز دولة مترهل يخترقه الفساد ، والبادى أنه تحول الى مجموعة من الإقطاعيات التى يسعى أصحابها الى تحقيق مصالحهم وتوريث أبنائهم وظائفهم واستدامة العجز والترهل.
8. الخلاصة : يبدو أن الرئيس فى ورطة ، والحكومة فى ورطة ، والقوى السياسية المعارضة فى ورطة . ورطة أساسها النظام السياسى الردىء الذى وضع أسسه من صاغوا دستور 2013 بقصر نظر يحسدون عليه!
المجتمعُ ينتظر من الرئيس (الشمس المشرقة والبطل الاسطورى) حلاً لجميع مشاكله على نحو أقرب لانتظار المعجزات الإلهية، ورئيس غرسه قصرُ نظر واضعو النظام السياسى فى وحل المشكلات اليومية المستعصية ، ولا ينى يظهر عجزاً متزايداً يوما بعد يوم ،و يفقد من رصيده مزيدا مع كل طلعة شمس، ومن ثم تتجه الدولة ، شاءت أم أبت ، الى القمع وخنق المجتمع.

9. ان صياغة النظام السياسى الملائم هو حجر الزاوية فى الاصلاح الذى ننشده جميعا . وأسس النظام السياسى ، أى تنظيم ممارسة السلطة السياسية هى لبالدستور ومحتواه الحقيقى وتكاد تكون الشىء الواقعى الوحيد فيه. وليست السلطة هدفا فى ذاتها، فهى فى نظر من يريدون صلاح المجتمع والارتقاء بحياة مواطنيه وسيلة لتغيير المجتمع وصلاح شأنه وأداة عظمى للتطوير ، وهى عند بيروقراطية االدولة والطبقات المهيمنة اجتماعيا وسيلة للسيطرة على المجتمع وابقاء الحال على ماهو عليه. ومنذ انقضت أيام الدولة - المدينة التى كان شعبها يمارس ادارة شؤونه العامة فى اجتماعه السنوى أو عبر مجموعة محددة من الموظفين الذين يمارسون سلطات محددة بدقة لمدة سنة واحدة ، تعددت النظم السياسية ، أى نظم ادارة الشؤون العامة لمجموع السكان القاطنين على اقليم محدد. ورغم امكان تعداد النظم السياسية (أى تنظيم ممارسة السلطات العامة على مجموعة من البشر على صعيد عالمى كما كان الحال فى امبراطوريات العصور الوسيطة أو على ساكنى إقليم محدد كما هو الحال فى الدولة الحديثة ) التى ظهرت على امتداد الحضارة الإنسانية وبيان أطرها العامة ( وهو المحتوى الرئيسى لعلم النظم السياسية والقانون الدستورى) إلا أن حياة كل مجتمع لا تستقيم ، ولا يرقى مستوى معيشة شعبه ولا تزدهر ثقافته إلا اذا توصل الى صياغة نظام لإدارة شؤونه العامة ( أى نظام سياسى) مناسبٌ لثقافته وتطوره التاريخى ، حائزٌ على قبول أغلبية سكانه بحيث يجتذبهم الى ساحة العمل العام ويساعدهم على اظهار أفضل مالديهم، بدلا من أن يطردهم خارج تلك الساحة ويقتل فيهم روح المواطنة ويخنق مبادراتهم ، فتتحول النفوس والبلاد الى خرائب متصلة، كما كان عليه حال مصر قبل ان تتداركها روح يناير ، تلك التى يبدو ان قوى الثورة المضادة بسبيلها للقضاء عليها وإعادة مصر الى سكون القبور والتدهور المستمر على كافة الأصعدة الذى كان يطبع حياة شعبها على امتداد العقود الأربعة الأخيرة .
10. ومن ثم فإن الحديث فى أسس النظام السياسى الذى وضعه دستور 2013 مقدم على ماعداه و من الأهمية القصوى اعادة النظر فيه لصياغة النظام السياسى المناسب لحالة المجتمع المصرى والذى يأخذ بعين الاعتبار عدة أمور :
• الخصائص الموروثة للنظام السياسى المصرى ، وأبرزها دور الدولة المركزية العتيقة وهيمنتها التاريخية على المجتمع وشدة وطأتها على قواه الحية والمنتجة و كبحها لجماح قوى التقدم فيه ، والذى لايمكن (رغم ذلك) التغافل عنه والغاؤه فى يوم وليلة .
• دخول جماهير الشعب المصرى القوى الى ساحة السياسة وانبعاث الاحساس بالمواطنة وحقوق المواطنة بدءا من ثورة يناير 2011 ، والذى يمثل الطريق الوحيد لكى تستطيع مصر أن تسير الى الامام والوسيلة الوحيدة للمحافظة على القوى الخلاقة الجبارة الكامنة فى نفوس شعبها . ذلك الاحساس الذى اضعفته وكادت أن تقضى عليه اضطرابات مرحلة مابعد سقوط مبارك، وغياب القيادة الثورية، وسعى بيروقراطية الدولة الى استعادة سيطرتها على زمام الأمور، والهجوم الاعلامى المستمر على ثورة يناير والتشكيك فيها ، وميل الجمهور الطبيعى الى البحث عن الاستقرار والأمان.
• ضعف وتخلف الحركة السياسية المنظمة ( الأحزاب) نتيجة مرحلة طويلة من حظرها أولا ( من 1954 وحتى 1976) ثم حصارها فى مقارها وشل حركتها (عقب انتفاضة يناير 1977 وحتى الانفجار العظيم فى 28 يناير 2015) وضعف الوعى السياسى لدى الجمهور نتيجة غياب الأحزاب التى هى المدارس التى تتعلم فيها الجماهير السياسة، ونتيجة تقادم وضياع التراث السياسى للفترة الليبرالية فى التاريخ السياسى المصرى ( من 1919 وحتى 1955) من الأذهان . ومن ثم كانت حركة الجمهور الواسع فى الثورة دون قيادة ودون أهداف تتعدى الإطاحة بحسنى مبارك ورموز نظامه، وبالتالى سهل على الإخوان تأطير حركة الشارع وحشدها لحملهم الى السلطة ، كما سهُل على بيروقراطية الدولة العسكرية والمدنية أن تـؤطر حركة الشارع وراءها فى سعيها للإطاحة بالإخوان واستعادة سلطة الدولة وهيبتها واستئصال الإرهاب ، الذى امتد ليصبح استئصالا لكل تعبير مستقل ، سياسيا كان أو إعلاميا أو ثقافيا. وغير خاف ماتسعى اليهدوائر السلطة والمال فى ظل حكم مبارك من اعادة الحال الى ماكان عليه ، وايهام الشعب بأن الثورة لم تكن سوى مؤامرة دولية كبرى قادها عملاء محليون، واعلاء شأن 30 يونيو 2013 باعتباره ثورة أنقذت البلاد من تلك المؤامرة، وأعادت الأمور الى نصابها ، ولم يتبق سوى خطوات ليعود كل شىء الى ماكان عليه قبل 25 يناير.
11. لقد صاغت الأطراف المشاركة فى وضع دستور الجمهورية الثانية دستورالا هو بالرئاسي الذى يمتاز بالفصل بين السلطتين على نحو شبه كامل وبحيث يكون لكل منهما مجاله الذى يستأثر به ، ولا هو بالبرلمانى الذى يهيمن فيه البرلمان على السلطة التنفيذية : تعييناً بمنح الثقة، ورقابة بالأسئلة والاستجوابات ، وإقالة بسحب الثقة ، فى الوقت الذى يوازن تلك الهيمنة حق الحكومة فى طلب حل البرلمان والعودة للشعب فى انتخابات مبكرة ، بل هو دستور شمولى يكرس تغول السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية ( التى يفترض أن تراقبها) ويجعل رئيس الجمهورية رئيسا للدولة والسلطة التنفيذية معا، فيمارس كل اختصاصات السلطة التنفيذية وتكون الوزارة أشبه بسكرتارية له، وتتحمل المسئولية عنه فى حال المساءلة وفق قواعد النظام البرلمانى (م131) ،ويملك الرئيس كذلك الحق فى اقالة الوزارة بشرط موافقة مجلس النواب (م 147)، وتؤول اليه السلطة التشريعية فى حال غياب مجلس النواب ( م156) ويعادل تلك السلطات الواسعة حق ورد النص عليه فى المادة ( 161) يكاد يستحيل تحقيقه وهو حق مجلس النواب فى سحب الثقة من الرئيس بطلب من أغلبية أعضائه وبموافقة ثلثى الأعضاء ، على أن يطرح الأمر بعد ذلك على الشعب فى استفتاء عام، فإن لم يوافق الشعب عُدَ المجلس منحلا ( م161) . فهو دستور يجعل لرئيس الجمهورية اليد العليا على كل من السلطتين التنفيذية و التشريعية ، إذ يرأس السلطة التنفيذية ولا يسأـل عن اخفاقاته فيها ،بل يملك اقالة الوزارة و يستطيع حل مجلس النواب فى حالة الضرورة بعد استفتاء الشعب مع تعليق جلساته حتى ظهور نتيجة الاستفتاء ( م137) .فهو دستور لممارسة الوصاية على الشعب .. دستور يؤدى لظهور طاغية، اذا كان من يحتل منصب الرئاسة يملك مؤهلات الطاغية وساعدته الظروف على ذلك !
12. و الحل ؟ لا حل الا بسيطرة المجتمع على مصائره : لا سبيل لخروج مصر من مأزقها سوى إحياء السياسة .أن ينفتح الصراع السياسى فى المجتمع، فتتطور قواه الحية بدلا من قمعها وايقاف تطورها وتنبعث فى أفراده روح المواطنة، والإحساس بالشىء المشترك الذى يخص المواطنين جميعا ويشعر كل منهم ( بحق) أن له حقا متساويا فيه ،ورأيا له قيمة ووزن فى كيفية ادارته بما يحقق مصلحة الجميع.
ومن أجل تحقيق ذلك نقترح نظاما سياسيا وتركيبا للسلطة يتخذ النظام البرلماني أساساً مع بعض السلطات التي يمارسها رئيس الدولة على استقلال عن السلطتين التنفيذية والتشريعية .
فلا بد أن يراعى النظام السياسى الجديد الثابت ( أجهزة الدولة البيروقراطية ) والمتحول ( المجالس المنتخبة جماهيريا والتى يتغير تركيبها مع كل عملية انتخابية ) فى الحياة السياسية المصرية.
المتحول هو المؤسسات التداولية ، أى كل مايشكل بالانتخاب من هيئات ومجالس . وأولها مجلس النواب الذى يشكل الحكومة ويراقبها ويقيلها، فضلا عن دوره التشريعى كمجلس يجب أن يوافق على القوانين قبل اصدارها، ومن خلال المعارك ( غير المعينة الحدود سلفا) التى ستدور فيه سيتعلم الشعب السياسة ومناوراتها ويرقى وعيه السياسى . ويصدق ذلك أيضا على المحليات ، النقابات، والتعاونيات ،..وأمثالها.
أما الثابت ( مؤسسات الدولة ) فيمثله رئيس الجمهورية والغرفة الأخرى للبرلمان أى مجلس الشيوخ .

(أ) نقترح إذاًبرلمانا من غرفتين :
(*)مجلس النواب ، ينتخب فى ظل أوسع حريات ممكنة ، مع دعم ( سواء بنص فى الدستور أو فى قانون الانتخاب المكمل له والمعتبر من مرتبة دستورية) للأحزاب الضعيفة والمتهاوية الموجودة على الساحة الآن بأن يشغل نصف مقاعد مجلس النواب بالانتخاب عن طريق القائمة النسبية والنصف الآخر بالانتخاب الفردى ،بمعنى آخر : كل دائرة كان لها نائبين تنتخب نائبا واحدا والنائب الآخر ينتخب ضمن قائمة على مستوى المحافظة ، وتتضمن تلك القائمة الفئات المتفق على تمييزها تمييزا ايجابيا . ويشكل الحزب أو الائتلاف الفائز بأعلى الأصوات الحكومة ، ويراقبها ، ويحاسبها، ويسحب الثقة منها أو من أحد أعضائها. والأحزاب الورقية الآن ستتحول الى نمور حقيقية من خلال المباراة المفتوحة. وفى كل قرية وفى كل حى سيكون لكل حزب انصار، يتنافسون على صالح الوطن وفى إطار القانون. ولن يقتصر اصطراعهم على البرلمان فقط ، بل سيكون أشد فى المحليات، وأغلب مشكلات الناس الحياتية تدخل فى اختصاص المحليات. وسيكون من خسر الانتخابات رقيبا على من فاز بها ، يحاسبه ويصوبه، ويشعر الناس دوما أنهم أصحاب القول الأول والأخير فى شأن حياتهم.
إحياء المبدأ الانتخابى يعنى احياء السياسة، واحياء السياسة يعنى احياء المواطنة، يعنى بعث الروح فى هذا الجسد المتحلل والذى تسعى الدولة الاستبدادية الى اعادته الى ثلاجة حفظ الموتى.
(*) مجلس الشيوخ : الذى سيختلف عن مجلس النواب فى تركيبه ويتدارك ماقد يلحق به من عوار ( من خلال اشتراط سن أعلى ومؤهلات علمية أعلى فى من يترشح لعضويته ومن خلال تعيين ثلث أعضائه بقرار جمهورى بناء على ترشيح مجلس الوزراء)، ويكون شريكا له فى سلطة التشريع بحيث لا يصدر قانون إلا اذا وافق عليه المجلسان. مجلسٌ لا يجوز حله ومدة فصله التشريعى ست سنوات ، وتتجدد عضوية نصف أعضائه كلُ ثلاث سنوات . لا يشارك مجلس النواب فى اختيار الحكومة أو سحب الثقة منها، وتؤول اليه سلطة التشريع فى حال حل مجلس النواب بدلا من أن تؤول الى رئيس الجمهورية.ويكون من بين اختصاصاته الموافقة على رؤساء الاجهزة الرقابية ( كالجهاز المركزى للمحاسبات) والمستقلة (كمفوضية الانتخابات) بناء على اقتراح رئيس الجمهورية.

(ب) اما بالنسبة لبيروقراطية الدولة الضخمة و القديمة قدم الدهر ومؤسساتها الراسخة ، ( ومع التسليم بأنها واقع كريه وسرطان يجثم على أنفاس المجتمع ويشل حركته ويعوق تقدمه ) فإن وجودها وثقلها الاجتماعى ودورها واقع لا يمكن التغاضى عنه، ويجب التعايش معه ، وتطويره تدريجيا . ومن ثم لابد من تطوير الجهاز التنفيذى ( فى الادارة المركزية وفى المحليات) ورفع مستوى معيشة وأداء موظفى الدولة ، والحد من انحرافاته من خلال رقابته بمعرفة الأجهزة المختصة بذلك و من خلال اشاعة الديموقراطية فى المجتمع .
إن درس الأمس لازال ماثلا فى الأذهان ، فرغم ان حماقة الاخوان المسلمين وغباءهم السياسى لعبا دورا كبيرا فى اسقاطهم، الا ان الدور الأكبرفى ذلك كان لبيروقراطية الدولة العسكرية والمدنيةالمستعصية عليهم بوضوح والمعادية لهم بالفطرة ، والتى سعى الاخوان بغباء يستحق الإشادة للاصطدام بها دون تقدير حقيقى لثقلها وتأثيرها فى المجتمع المصرى.ومن ثم يجب لأى حكم رشيد أن يحظى بثقة تلك البيروقراطية ، ويعمل على تطويرها والحد من فسادها ويحاذر ( فى نفس الوقت ) أن يسقط فى براثنها . إن الأسس والسمات المأخوذة من النظام البرلمانى فى نظامنا المقترح كفيلة بكف تغول البيروقراطية فى ظل السلطة الاستبدادية، وتجنب مساوئها .
(د) اما رئيس الجمهوريةفإنه ينبغى أن يكون ، فضلا عن اعتباره رمزاً للدولة وممثلا لسيادتها،حكماً بين السلطات ومنسقا بينها ورقيباً عليها لصالح الشعب ، وليس عضوا فى إحداها .يسعى لحل أزماتها إن تصاعدت : فيستطيع أن يطلب من الوزارة تقديم استقالتها ، ويستطيع أن يرد قانونا الى البرلمان ولا يصدره ان رأى مبررات لذلك، ويستطيع ان يحل البرلمان ويدعو لانتخابات مبكرة ان رأى أن التعاون بينه وبين الحكومة قد أصبح متعذرا وفق الشروط التى يضعها الدستور.ويستطيع ان يصدر مراسيم بقوانين فى حالة الضرورة أو فى غيبة البرلمان وفق الشروط التى يضعها الدستور لذلك. ويستطيع ان يدعو الشعب إلى استفتاء على أمور ذات أهمية خاصة ، على ان يكون استفتاءا ديموقراطيا ذو سؤال واحد يمكن قبوله أو رفضه دون التباس، ويمكنه أن يعلن حالة الطوارىء اذا وقع ما يستوجب إعلانها ،الى غير ذلك من سلطات يفصلها الدستور.
وبذلك ينجو رئيس الجمهورية بما بقى من شعبيته من محرقة المشكلات اليومية ، ويكون رقيبا مخولا من الشعب ،يراقب و يوجه ان رأى ما يستوجب ذلك وينسق ويحكم بين السلطات ، بدلا من أن يمارس السلطة دون مسئولية .
وبذلك أيضا يمارس الشعب وأحزابه السياسة والحكم بحرية ، وتتطور المعرفة السياسية فيكون هناك طرح منطقى ورأى عام مستنير وشعب يعرف ماينفعه وما يضره.و مواطن يعرف حقوقه وكيف يدافع عنها ويحصل عليها، وكيف يدافع عن بلاده وازدهارها، وكيف ينمى اقتصادها ويحقق رفاهيته، ويعلم ان الحصول على حقه فى الحياة الدنيا ممكن فلا يسلبه تجار الدين عقله ، ولا يدهس رجل الدولة كرامته ويغتال حقه.
إن تربية الشعب سياسيا لا تكون إلا بممارسة السياسة ، وتأجيل الديموقراطية حتى نصبح مؤهلين لها وهمٌ ذاقت مصر و لا زالت تذوق مراراته البشعة. ونزعم أن ممارسة السياسة والحكم وفق النموذج الذى ندعو اليه كفيلة بأن تسمح للشعب باستعادة روحه وعقله والتمرس فى الحقل السياسى ، دون مجازفة بانهيار النظام بمجمله. فملعب المباراة مفتوح على اتساعه للمتبارين ، وفى نفس الوقت هناك مستوىً أعلى يمكن الاتجاء اليه فى حال وصول المباراة الى طريق مسدود، هو الرئيس المفوض من الشعب لمراقبة المباراة الديموقراطية لحسابه والتدخل لتصويب مسارها عند االزوم. هناك حكم (ينصبُهُ الشعب بانتخاب مباشر) ويلتجأ اليه الشعب وحكامه اذا تأزمت الأمور ، وعلى قدر حيدة هذا الحكم ونزاهته ومراعاته لمصالح أغلبية المواطنين يكون نجاحه فى ضبط سير النظام.
ان الحريات المدنية والسياسية هى التى تسمح لأرواح الناس بالانطلاق ولعقولهم بالإبداع، ونسيمها قادر على الإتيان بالمعجزات . والمباراة الديموقراطية المفتوحة هى التى ستفرز أفضل العناصر وأقدرها على إدارة الشأن العام على مختلف مستوياته، ومن ثم تحقيق التقدم والازدهار والرفاهية . أما التطور المكبوح على النحو الموجود فى الدستور القائم ( وكافة دساتير الدولة الاستبدادية التى سبقته والقائمة جميعها على فرض الوصاية على الشعب ) فلن تولد الا الركود ولن تولي ادارة الشأن العام لعناصر يتم اختيارها على أساس الكفاءة والقدرة على تحقيق الصالح العام ، بل على أسس أبعد ماتكون عن ذلك ، كالتوارث والمجاملة والرشوة وتبادل المنافع.وهو لن يؤدى الا الى الانصراف الى الحلول الفردية مع ترك الشان العام على حاله من السوء لدى من يقدرعلى الحل الفردى أو يؤثر السلامة ، أو الى اليأس الممتزج بالاحساس بعدم الانتماء الى هذا الوطن ، ومن ثم عدم المبالاة بمصيره (وأحيانا بتمنى خرابه ،بل والمساهمة فيه ان سنحت الفرصة) لدى غيرهم ، والانفجارات العشوائية التى لا تحمل حلاً وتترك الحال أسوأ مما كان عليه قبلها بين حين وآخر.
والصياغات الدستورية التى تتبنى هذا الطرح موجودة وجاهزة ان كان هناك من يرغب فى التحاور حولها .

د/ محمد طه عليوه
محام لدى النقض وخبير دستورى



#محمد_طه_عليوه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو يُظهر اللحظات الأولى بعد اقتحام رجل بسيارته مركزا تجار ...
- دبي.. علاقة رومانسية لسائح مراهق مع فتاة قاصر تنتهي بحكم سجن ...
- لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
- لارا ترامب تسحب ترشحها لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا
- قضية الإغلاق الحكومي كشفت الانقسام الحاد بين الديمقراطيين وا ...
- التمويل الغربي لأوكرانيا بلغ 238.5 مليار دولار خلال ثلاث سنو ...
- Vivo تروّج لهاتف بأفضل الكاميرات والتقنيات
- اكتشاف كائنات حية -مجنونة- في أفواه وأمعاء البشر!
- طراد أمريكي يسقط مقاتلة أمريكية عن طريق الخطأ فوق البحر الأح ...
- إيلون ماسك بعد توزيره.. مهمة مستحيلة وشبهة -تضارب مصالح-


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمد طه عليوه - إحياء السياسة ....التغييرات اللازمة فى النظام السياسى المصرى