عبد الحسين العطواني
الحوار المتمدن-العدد: 4840 - 2015 / 6 / 17 - 22:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التدخل الدولي وتداعياته
على الرغم من شيوع مبدأ عدم التدخل باعتباره احد أهم ركائز وقواعد القانون الدولي , إلا انه جرى الالتفاف عليه وذلك من خلال ظهر ما يسمى بنظرية التدخل العسكري لأجل الديمقراطية , والتي أثارت مشكلات قانونية متعددة حول قيام المنظمات الإقليمية , والتحالفات الدولية العسكرية بتطبيق إحكام التدخل العسكري لأجل الديمقراطية , وأثر ذلك في حق الدول بالسيادة غير المنتقصة .
ولتوضيح ماهية التدخل الدولي , فان فقهاء القانون لم يتوصلوا إلى تعريف جامع مانع لمفهوم التدخل , لكن بعضهم عرفه بأنه : ( ضغط يمارسه شخص دولي على احدي الدول بقصد إرغامها على إتباع سلوك معين يتعلق باختصاصها الداخلي , أو الامتناع عنه , بغض النظر عن كيفية التدخل ونوعه ) , وعرفه آخرون بأنه : ( جميع التصرفات التي تصدر من دولة ما في الشؤون الداخلية والخارجية لدولة أخرى سوى أن كان هذا التدخل بشكل مباشر , أو غير مباشر , لان كلمة تدخل جاءت واضحة وبلا قيود , أي أنها تشمل جميع إشكال التدخل , وبضمنها العلاقات الدولية , بغض النظر عن نوع العلاقة أن كانت ودية , أو عدوانية) .
فالتدخل المباشر هنا يعني استخدام القوة العسكرية , والسيطرة ويؤدي إلى استعمار دولة لدولة أحرى , أما التدخل غير المباشر فيتمثل بإرسال الأسلحة , والمرتزقة , والأموال , والمجندين , والعصابات الإرهابية , والتفجير , ومساعدة الأحزاب المعادية لسياسة الدولة , والمتمردين , والانفصاليين , من اجل القضاء على النظام الحاكم وإشاعة لغة العنف , والفوضى , لأهداف معينة قد تكون سياسية , أو اجتماعية , أو دينية , وبالتالي النيل من استقلال الدولة , وسلامة وحدة أراضيها , فضلا عن أن هناك نوع أخر من التدخل يسمى بالتدخل الإنساني ويأخذ مجالات عدة منها : تقديم المساعدات الإنسانية , والغزو الثقافي , ونقل التكنولوجيا وغيرها .
لكن المتفق عليه هو أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول أمر لا تقره المواثيق والشرائع الدولية ,إذ اعتبر عدم التدخل في الشؤون الداخلية احد أهم المبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة في المادة (3 ) الفقرة (7) والذي تناول علاقة هيئة الأمم المتحدة بالدول , إلا انه لم يعالج علاقة الدول في شؤون بعضها بعضا , لكن النص الذي اقر عدم جواز تدخل الدول في شؤون بعضها ببعض, أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بما يسمى بإعلان عدم جواز التدخل , في الشؤون الداخلية للدول وبكل أنواعه رقم (103/36) والمؤرخ في 19/12/1981 , وقد كانت الدول العربية سباقة في هذا المجال , حين أدركت منذ ستينيات القرن الماضي بعد أن تبين لها تردي أوضاعها وافتقارها إلى التضامن , لهذا أعلن القادة العرب في قمة الدار البيضاء عام 1965 عن التزامهم باحترام كل دولة عربية ونظامها السياسي , وعدم التدخل في شؤونها الداخلية , واعتبر هذا الموقف تجسيدا لمبدأ أساسي قام عليه التضامن العربي في ذلك العام . إذن الدول العربية أول من أعلنت التزامها بعدم التدخل فيما بينها من منطلق أن التدخل مهما كان نوعه مباشر , أو غير مباشر , دفاعي للحفاظ على النظام السياسي , أو هجومي لتغيير النظام السياسي , يعد أمر مخالفا للمواثيق الدولية , لما له من تأثيرات في المساس بسيادة الدولة التي لها السلطة العليا في جميع الشؤون الواقعة في نطاقها الجغرافي .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه إلى اى مدى يتم ممارسة هذه المواثيق والعمل بها وفقا لأهدافها بعيدا عن الانتقائية في التطبيق , فلو استعرضنا صور التدخل السائدة وكيف أنها مورست على الشعب العراقي بشكل مفرط دون أن يكون هناك أي رادع دولي قانوني , أو أخلاقي يمكن أن يستند لتلك المواثيق التي أعلنت الدول عن الالتزام بها ومن ضمنها الدول العربية كما أوضحنا , للحد من هذه التدخلات , لكن الأمر بقي مفتوحا لتقديرات الدول كل حسب موقفها وأي نوع من العلاقة التي تربطها ووفقا لما تقتضيه مصالحها , فلنبدأ بالتدخل الأول وهو التدخل العسكري المباشر الذي انتهى بالاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 , أما النوع الثاني فهو التدخل بفرض العقوبات والحظر الاقتصادي , وهذا طبق على العراق بموجب القرار 661 في 6/8/1990 , ومازالت تداعياته وأثاره السيئة تهتك باقتصاد العراِق, والثالث التدخل عبر المساعدات والمنح المشروطة , وتمثل بالمطالبات الأمريكية الأخيرة بإقرار قانون الحرس الوطني , وقانون العفو العام , وإكمال الإجراءات الخاصة بالمصالحة الوطنية , فضلا عن ربط تقديم منحة المساعدات المالية للعراق البالغة (715) مليون دولار مقابل تنفيذ قرار لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأمريكي الذي يقضي على تسليح المكونين السني , والكردي , دون المرور بالحكومة المركزية , والرابع التدخل بسياسات الإغراق التجاري على الأسواق , لغرض إلحاق الضرر بالمنتجات الوطنية , وهذا ما جعل العراق سوقا لتصريف البضائع والمنتجات والأدوية المستوردة دون أن تخضع لنظام التقييس والسيطرة النوعية , والخامس التدخل عبر شراء وبيع العملة الوطنية للدول الأخرى لإضعاف قوتها الشرائية , أو ما يسمى ( بغسيل الأموال ) , وكم من محاولة تهريب للأموال العراقية تم ضبطها وأعلن عنها في وسائل الإعلام , والتدخل السادس بدفع أموال ومخصصات آنية وشهرية لزعماء العشائر, والقيادات العسكرية , والسياسية , لغرض كسب ولائهم بما يتفق مع توجهات البلدان التي تتولى دفع الأموال , وقد اتضح ذلك من خلال انسحاب الجيش والشرطة الاتحادية واحتلال الموصل , والانبار من قبل زمر داعش الإرهابية , وتصرفات شيوخ المنصات وخطباء فنادق الخمس نجوم في اربيل , وعمان , والسابع التدخل بتصدير العقائد والأيديولوجيات السياسية , والثقافية , والمذهبية عبر وسائل الإعلام , وهذا ما اقترن بالفتاوى التكفيرية التي يطلقها علماء الكفر والضلالة والنفاق لإحداث التغيير في سياسات ومواقف البلدان التي لا تتفق وتوجهاتهم , وتجنيد الانتحاريين وفتح معسكرات تدريبية لهم وحثهم للقيام بعمليات التفجير في العراق , والثامن التدخل عن طريق التقارير المتعلقة بوضع الحريات العامة , وحقوق الإنسان , وهذا تجسد بالإدانات المتكررة التي تحاول الإساءة إلى الحكومة العراقية , بزعم انتهاكها لهذه الحقوق دون أن يكون هناك واقع ملموس سوى بعض التصريحات المأجورة والحاضنة للإرهاب , وأخيرا التدخل الإنساني الذي شاع استخدامه بحجة حماية الأقليات , وتمثل بتقرير نائب الرئيس الأمريكي ( جو بايدن ) الذي دعا فيه إلى تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم مستقلة : شيعية , وسنية , وكردية , منذ 2004 وأعيد الحديث به الآن بحجة ضمان الاستقرار , وحماية الأقليات .
ومما تقدم وعلى الرغم من قناعة القوى الإقليمية , والدولية من أن الأزمة التي يعيشها العراق كانت نتاجا لأوضاع داخلية بين المكونات السياسية العراقية , إلا أن هذه القوى تمكنت من بسط أجندتها , وتدخلها المباشر , وغير المباشر , كما أوضحنا , وفرض رؤيتها على جميع الإطراف حتى لا تتضرر من نجاح التجربة الديمقراطية في العراق ,وتضمن بالوقت نفسه بقاء مصالحها من خلال ضرب المكون الوطني , بقيادة وأجندة أمريكية , وبأيادي عربية وإسلامية وكما يجري في حربنا ضد زمر داعش الإرهابية , والمؤامرات التي تحاك ضد العراق من خلال التباين بين التصريحات الداعية لدحر الإرهاب , والمواقف الحقيقية الداعمة له ,.لكننا نتساءل هل أن هذا التدخل سيسري على دول المنطقة التي معظمها دولا بعيدة كل البعد عن الديمقراطية , واغلب نظمها وراثية وطائفية , ومغذية للأفكار التكفيرية والإرهابية , أم يقتصر التدخل على شعوب العراق , وسوريا , واليمن , والبحرين لعدم انصياعها للوصاية الأمريكية , وتمسكها بهويتها الوطنية , ومطالبتها بحقوقها الشرعية , وبالتالي غض النظر عن هذه الدول المنفذة والمستسلمة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية وخططها الاستعمارية .
#عبد_الحسين_العطواني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟