|
نحو إصلاح وتطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي(5) ثقافة الدراسة عن بُعد
مصطفى فؤاد عبيد
الحوار المتمدن-العدد: 4839 - 2015 / 6 / 16 - 17:42
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
نحو إصلاح وتطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي (5) ثقافة الدراسة عن بُعد - Distance Learning Culture
بقلم : مصطفى فؤاد عبيد التاريخ: 16 يونيو 2015
تُعتبر ثقافة الدراسة عن بعد ثقافة عامة ومنتشرة في الأوساط الغربية بشكل أكبر من انتشارها في الوسط العربي، باعتبارها تُتيح الفرصة للطلاب الذين يرغبون باستكمال دراستهم الجامعية والدراسات العليا بدون الحاجة للتقيد بالنظام الأكاديمي، الذي قد لا يستطيع الالتزام به بعض الطلاب بسبب ظروفهم الحياتية الناتجة عن ارتباطهم الأسري والتزامات الأبوة والأمومة، أو بسبب التقيد بالوظيفة أو العمل في مهنة أو حرفة ما، أو حتى لانشغالهم بإدارة مشاريعهم الخاصة، أو حتى بسبب ضعف القدرات والمهارات العلمية والأكاديمية. ومن أهم أسباب انتشار ثقافة الدراسة عن بُعد في دول الغرب أنها تتميز بانخفاض الرسوم الدراسية فيها مقارنة بالرسوم الدراسية في الجامعات النظامية، بحيث أدى هذا الأمر لانتساب العديد من الطلاب المتميزين لها بسبب ضعف إمكاناتهم المالية وليس العلمية، وساهم بمرور الوقت في تميز إنتاجها البحثي المعرفي العلمي والعملي التطبيقي، وعزز من الاعتراف بشهاداتها من قبل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والتعليمية والمهنية في تلك الدول.
كما اكتسبت ثقافة الدراسة عن بعد أهميتها في دول الغرب كمنظومة دراسة مهنية تطبيقية يستند عليها المجتمع، وذلك نتيجة لانتساب الأفراد الذين لا يمتلكون الوقت الكافي للحضور في الجامعات الرسمية، بخاصة أولئك المرتبطون أسرياً ولديهم أبناء ينشغلون برعايتهم، أو الموظفون العموميون، والعاملون المهنيون والحرفيون الذين يعملون بالأجرة أو حتى يمتلكون مشاريعهم الإنتاجية الخاصة، بحيث شكلت الدراسة عن بعد بالنسبة لهم وسيلة لتطوير إمكاناتهم في نفس المكان الذين يشغلونه، أي أنها كانت وسيلة لتوسيع معارفهم وتطوير قدراتهم ومهاراتهم من أجل تربية أبنائهم بشكل أفضل، وتطوير أدائهم الوظيفي، وزيادة وتحسين جودة الإنتاج وحتى الابتكار في المهن والحرف التي يتقنونها، أو تطوير مشاريعهم الإنتاجية الخاصة. ويمكن القول بشكل عام أن ثقافة الدراسة عن بُعد ساهمت في رفع وتطوير قدرات ومهارات المهنيين والحرفيين في أماكن تواجدهم، وساهمت في تقليص الفجوة العلمية المعرفية والثقافية بينهم وبين الأكاديميين من كافة التخصصات وأضفت نوع من التوازن في المجتمع بما يخدم مسيرة التنمية الإستراتيجية فيه وبما يحقق التوازن بين الدراسة العلمية الأكاديمية والفنية المهنية.
والغريب أنه عند بدء انتشار هذا النوع من الدراسة في الوسط العربي كان أغلب من يُقبلون عليها من ذوي القدرات العلمية والأكاديمية المتدنية نسبياً، ممن لم يحالفهم الحظ بالالتحاق بالجامعات والمعاهد المحلية. وقد شاع هذا الأمر إلى درجة جعلت من مسألة الدراسة عن بعد ثقافة غير مستحبة في كثير من البلدان العربية، وفقدت بذلك، تلك الدول، الكثير من المزايا التي توفرها هذه النوعية من الدراسات!
وإذا افترضنا أن المجتمع العربي كان منصفاً في العقود السابقة في مواقفه السلبية تجاه الدراسة عن بُعد، سواء من حيث إهماله لها وقلة الاهتمام بها وشحة الإقبال عليها، أو حتى من حيث عدم الاعتراف بشهاداتها من قِبل المؤسسات الرسمية والأهلية، إلاّ أننا مطالبون اليوم بإعادة النظر في تلك المواقف وتصحيحها في عصر الإنترنت تحديداً، العصر الذي تأسست وانتشرت فيه فلسفة وأسلوب "التواصل الإليكتروني عن بُعد" وأصبح وسيلة لا غنى عنها في المجتمع وثقافة منتشرة ساهمت في تنمية وتطوير كل المجالات الحيوية فيه باستثناء "الدراسة عن بُعد"!!
إن الفوائد المنتظرة من تصحيح ثقافة الدراسة عن بُعد في المجتمع العربي لا تقتصر على التوفير في المصروفات الدراسية والمساهمة في تعزيز قدرات ومهارات أصحاب المهن والحرف التطبيقية والمشروعات المختلفة وربات البيوت دون الحاجة للالتزام بدوام نظامي، ولكنها تتعدى ذلك إلى المساهمة في نشر ثقافة البحث العلمي التطبيقي التي تعتمدها أساليب الدراسة عن بُعد كمنهجية لها، وذلك من خلال دفع الطلاب للاستكشاف والبحث حول الموضوعات والمسائل المقررة في مناهجها والتي تكون على شكل اختبارات بحثية، الأمر الذي تفتقده الكثير من الجامعات النظامية وكافة البرامج التدريبية وحتى برامج التنمية البشرية المنتشرة بشكل أكبر في المجتمع العربي، بالرغم من اعتمادها لنظام حضور المحاضرات فيها والميل لأسلوب التلقين.
وتساهم الدراسة عن بُعد بشكل مباشر في امتلاك الطالب لأدوات وأساليب البحث العلمي وتمكينه من استخدام تلك الأدوات بشكل عملي مهني وتطبيقي على أرض الواقع في محيط عمله، سواء كان ذلك في وظيفته العمومية أثناء دوامه الرسمي لتخصصات العلوم الإدارية والسكرتارية وإدارة المكاتب والعلوم الإنسانية، أو خلال ممارسته لمهنته أو حرفته في المصنع أو الورشة في التخصصات المهنية والحرفية الصناعية الإنتاجية والتكنولوجية بكافة أشكالها، أو في تطوير وإدارة مشروعه الخاص في تخصصات الإدارة العليا وإدارة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو حتى في تربيتهم وتعليمهم للأبناء في المنزل في حالة التخصصات التربوية والتعليمية. فالعامل الذي يمتلك شهادة جامعية سوف يسهل تعاونه مع السلطات من حيث تطبيقه لشروط السلامة المهنية مثلاً، وسوف يبذل المزيد من الجهد لرفع كفاءة وجودة الإنتاج وترتقي قيمة ما ينتجه من صناعات يستطيع المنافسة بها عالمياً، كذلك الأمر لأصحاب المشروعات الصغيرة الذين سيرتقون بطريقة إدارتهم لتلك المشروعات عندما يبتكرون سبلاً جديدة للنجاح والاستمرار به، وأخيراً سوف يؤثر الأمر بشكل ملحوظ على تربية الأبناء وانتشار ثقافة التربية والتعليم في المنازل من خلال الأمهات والآباء الذين يلتحقون في تلك التخصصات من أجل مواصلة ومتابعة تعليم أبنائهم دون مغادرة المنزل.
ولا تقتضي إعادة النظر بالضرورة أن يتم اعتماد أسلوب الدراسة عن بُعد بشكل عام أو الاعتراف بكافة الشهادات والدرجات الممنوحة من كل الجامعات بين ليلة وضحاها، ولكن قد يتطلب الأمر البدء بالتخطيط والتوجيه والإشراف المناسب وبحث الشروط والمعايير التي ينبغي وضعها من أجل أن تلقى مثل هذه النوعية من الدراسات القبول العلمي المهني والأكاديمي، الجزئي أو الكلي، بحسب كل مؤسسة ومدى مصداقيتها، وذلك من أجل المساهمة في تعزيز الدور المهم الذي تلعبه في المجتمع من خلال تنمية وتطوير التعليم المهني والفني المستند على أساليب البحث العلمي التطبيقي الذي تنتهجه، وبما يحقق المصلحة العامة واستمرارية التقدم والازدهار في المجتمع بموازاة التعليم الأكاديمي النظامي، ويساهم في تشجيع الإقبال على الدراسات الفنية والمهنية، طالما يتوفر لها خطط لاستكمال الدراسات العليا عن بُعد ومعترف بها مهنياً وتحقق شروط ومتطلبات التنمية الإستراتيجية المستدامة.
#مصطفى_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحو التطوير الإستراتيجي لمنظومة الأمن (4) مفارقة شخصية رجل ا
...
-
أسرار التنمية الإستراتيجية الحديثة (1) مركز الثقل التنموي
-
نحو التطوير الإستراتيجي لمنظومة التربية والتعليم(4) المناهج
...
-
نظريات الإدارة الأمنية الإستراتيجية (3) استقلالية وحياد تحلي
...
-
نحو تخطيط التنمية الإستراتيجية المستدامة للاقتصاد الوطني في
...
-
حواء العصر الحديث
-
نظريات العقد الاجتماعي الحديثة-5، العقد الديني الاجتماعي
-
نحو التطوير الإستراتيجي للنظم القانونية(1) القوانين الدينامي
...
-
المسألة الاقتصادية الحديثة(1) مفهوم الاقتصاد
-
الحلول الإستراتيجية للصراعات المستعصية(1) نحو تطوير وإرساء م
...
-
نحو التطوير الاستراتيجي لمنظومة الصحة(1) التأمين الصحي الذكي
-
نحو التطوير الاستراتيجي لمنظومة الاقتصاد(3) الاستثمارات التس
...
-
نظريات الإدارة الأمنية الإستراتيجية(2) اللامركزية -المركزية-
-
نحو التطوير الإستراتيجي لنظم القيادة والإدارة العليا(1) ميكن
...
-
أين تذهب عائدات اليانصيب الوطني في أوروبا ؟
-
نحو تطوير أنظمة المنافسات الرياضية العالمية وأهدافها الإسترا
...
-
نحو إصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي (2) استحداث هو
...
-
نحو التطوير الاستراتيجي لمنظومة الاقتصاد(1) استحداث دوائر ال
...
-
نحو إصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي (1) تطوير الإش
...
-
نظريات الإدارة الأمنية الإستراتيجية (1) النظرية النسبية -الأ
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|