1-1-2003
( دفاعا عن الفلسطيني الأصيل البروفيسور إدوارد سعيد ورفضا لمنطق أمريكا وأزلامها في المنطقة)
في قديم الزمان كانت أمريكا قارة مجهولة,ولم تكن تحمل اسم أمريكا وربما كان اسمها بلاد ما وراء المحيطات أو البلاد المجهولة أو أي شيء و بالتأكيد غير أمريكا. لكن شاء القدر أن يكتشف الرحالة الأوروبيون تلك القارة البعيدة ومن ثم يستعمرونها بعدما أبادوا سكانها الأصليين من الهنود الحمر وغيرهم.
كانت تلك البلاد المهجر الرئيسي لكل أوروبي أراد العيش في عالم جديد, حيث كان البعض يحلم بإنشاء عالمه الجديد. لدى أقيمت الدويلات في البلاد وعلى المساحات الشاسعة, وأخذ البعض يبحث عن الذهب والثروات في تلك الأمريكا, ثم بدأت الحروب والصدامات والصراعات على السيطرة والتوسع والثروات حتى حسم المستوطنون البيض أمرهم فيما بينهم ووحدوا البلاد بالدم والحديد والنار. حصل كل هذا بعدما قتلوا بعضهم البعض ومارسوا ابشع البشاعات في حربهم التي عرفت بحرب الجنوب والشمال.
من المحطات السوداء الأخرى في تاريخ تلك الأمريكا,استعبادها للزنوج السود حتى وقت غير بعيد. حيث كانت لازالت البلاد تعج بالعنصريين والأوباش من أعداء السود والهنود. لو أردنا عد المحطات السوداء وحسابها في التاريخ الأمريكي سنحتاج لزمن طويل ومجهود كبير. لكننا سنكتفي بتعداد بعضها بشكل سريع:
- إبادة الهنود الحمر وسكان البلاد الأصليين.
- استعباد السود وقهر العبيد واضطهادهم لأسباب عرقية وعنصرية.
- شن الحرب ومصادرة أراضى الآخرين, المكسيك وكوبا..الخ
- استعمال الأسلحة المحرمة دوليا وإنسانيا ومنها القنابل الذرية في اليابان, النابالم في فيتنام وكوريا, وأسلحة عديدة أخرى في العراق وأفغانستان سابقا ولاحقا وحاضرا.
- تقسيم العالم إلى معسكرات غربية وشرقية وخيرة وشريرة وفقيرة وغنية..
- المساعدة والمشاركة في تأسيس و إقامة وتثبيت الأنظمة العسكرية والديكتاتورية في العالم الثالث وفي بعض الدول الأوروبية.
- تبني دولة إسرائيل العنصرية الاستعمارية وحمايتها وصيانتها وتسليحها وصرف بلايين الدولارات عليها, ومعاداة العرب وحقوقهم, بالذات حق الشعب الفلسطيني في الاستقلال والحرية والدولة من أجل بقاء إسرائيل وضمان أمنها وتفوقها في كل مجال.
- محاصرة وتجويع العراق واستباحة سيادته الوطنية وتصويره وكأنه العدو الأول للبشرية وللحياة الإنسانية. وانتزاع قرارات دولية جائرة بحقه, تشرع الظلم والحصار.
- تدمير أفغانستان بحجة مكافحة الإرهاب ومن ثم احتلالها رسميا.
- التحضير لشن حرب واسعة يكون العراق أرضا وشعبا هدفها الأول, أي احتلال البلد والسيطرة على آبار النفط والإطاحة بالنظام الحاكم هناك والمجيء بنظام جديد, يكون المسئول الفعلي عنه قائد القوات الأمريكية في المنطقة,أما الوزارات فتقسم على ما يسمى بالمعارضة العراقية المتأمركة, فقد يأخذ البعض وزارة الشؤون الدينية أو دار الإفتاء العراقية أما وزارة الثقافة والتعليم فقد تسند للسيد كنعان مكية المتفوق في عدائه للثقافة العربية والملتزم التزاما كبيرا بالتعليم والتثقيف على الطريقة الصهيونية الأمريكية. حيث أصبح منذ زمن ضيف عزيز على المؤسسات الصهيونية والعنصرية التي ترعى أمثاله من الشواذ,الذين لا يخفون تأففهم من القضية الفلسطينية واعتبارها عائقا في وجه التحولات الكرتونية التي يريدونها في عراق أمريكا وإسرائيل الجديد.
أما الشعب العراقي فله رحمة الله وثقته بأهل العزائم ورفض الهزائم,من أبناءه الحقيقيين الذين يرفضون الاحتلال الأمريكي والهيمنة الغربية على ثروات شعب الرافدين.
أمريكا ليست قدر العالم وليست مرآة الشعوب, لذا فليس من حق أمريكا ولا من حق رئسها المهووس أن يحددوا مصير البشرية وأن يقسموا الناس إلى أخيار وأشرار,وإلى متهمين وأبرياء. لأن أمريكا لازالت رغم تبييضها سيدة الأقمار السوداء وصاحبة التاريخ القريب,الحاضر بسواده وظلامه ,على الرغم من كل ما أنجزته في مجالات أخرى.
ورؤساء أمريكا كانوا السباقين لشن الحروب على الشعوب الأخرى وترويعها في عقر دارها.
كلنا نذكر تصريحات الرئيس الأمريكي الحالي بوش الابن عن محور الشر الذي يقصد به بعض الدول العربية والإسلامية بالإضافة لكوريا الشمالية وكوبا. وما قاله عن تغيير النظام العالمي وأنها "حرب صليبية" جديدة, في إشارة إلى الدول العربية والإسلامية أيضا. لكن بوش لم يكن أول رئيس أمريكي ينتهج تلك السياسة الاستعلائية التي تقوم بالحرب بحجة حماية الإنسانية, فقد قال في الماضي أنهم يقاتلون في كوبا والفلبين وكوريا وفيتنام وغرينادا من أجل الإنسانية. قد تكون هناك إنسانية أمريكية غير الإنسانية البشرية التي نعرفها, لذا تقوم أمريكا بالدفاع عن إنسانيتها ضد لا إنسانية الآخرين. وسياسة أمريكا تقوم على إبادة الإنسانية التي تختلف عن إنسانيتها لتزرع مكانها إنسانيتها التي تريدها أن تكون إنسانية كل كائن حي في عالمنا "الميت حبا بديمقراطية وإنسانية أمريكا" الحية في تابوت حياتها.
أليست الإنسانية التي استعمرت "هواي" و"بورتوريكو" و"جوام " و" بنما " إنسانية مثالية يجب أن نحتذي بها كلنا, من المحيط إلى الخليج ومن النهر إلى البحر. وأكثر من ذلك يجب أن يعتبرها العراقي والفلسطيني والأفغاني والقطري والبحريني والسعودي والإيراني مثالا من أروع ما يكون, على أساسه يقوم هؤلاء بعدها بالتحالف مع "إنسانية" أمريكا ضد "لا إنسانية" شعوبهم المتمسكة بعاداتها وتقاليدها وتراثها ودينها ودنياها وحكاياتها وقصصها وسوالف عجزتها.
على هؤلاء الذين هم شعوبنا العربية والاسلامية, أن يعترفوا بتفوق العرق الأمريكي المستنسخ في غياهب الطوائف العنصرية والدينية العديدة. وألا أن مجموعات ميكنلي ستقوم بمعاقبتهم واضطهادهم على معاداتهم للقيم الأمريكية العليا, تلك القيم التي تريد استباحة العالم بالقوة وبلا اعتبار للشعوب وعاداتها وتقاليدها وتواريخها التي تكبر التاريخ الأمريكي بآلاف السنين. أما التاريخ العربي الإسلامي العريق والمجيد فلا ينكره ولا يطعن به ويشوشه سوى النكرات من أمثال مكية وغيره من الذين امتطوا جواد الأعداء من أجل مجد في عالم معادي لمجد بلادهم العربية والإسلامية ,التي ليست بحاجة لمرجع صهيوني أمريكي يعطيها شهادة حسن سلوك, فمثل تلك الشهادات تعطى لأمثال السيد مكية ومن ركب معه في قطار اللعبة الأمريكية.
أما العراق, فله دجلة والفرات وسومر وبابل وأربيل والبصرة والناصرية والعمارة والسياب والعذاب والكوفة والنجف وبغداد ونبوخذ النصر وحمورابي وصلاح الدين والرشيد وتاريخ طويل وجليل من الحضارة والتقدم.
ولأمريكا التي ظهرت كنشاز في عالمنا نردد قول تشارلز اليوت نورتون: " خسرت الولايات المتحدة موقعها الخاص كقائدة في تقدم الحضارة,وشغلت منصب إحدى الأمم الغاضبة والأنانية في أيامنا".
وكذلك قول وليام جيمس بصدد ضم الفليبين إلى أمريكا وحرب العصابات التي تلتها:" اللعنة على الولايات المتحدة لممارساتها السافلة .. نستطيع تدمير مثل الفليبينيين العليا,لكننا لا نستطيع أن نمنحهم مثلنا".
ونحن نقول لهم كذلك أنهم يستطيعون تدمير العراق أو غيره من البلاد العربية أو الإسلامية, لكنهم لن يستطيعوا تدمير مثلنا العليا ولا دنيانا, لأننا باقون هنا مع النخيل والتراب إلى أن يرد علينا التراب.