|
الدستور في العراق
جاسم العايف
الحوار المتمدن-العدد: 1339 - 2005 / 10 / 6 - 12:03
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يعرف الدستور بأنه مجموعة القواعد التي تحدد شكل الدولة وعلاقاتها بمواطنيها، أي هل هي دولة تعتمد النظام المركزي في إدارة شؤون البلد، كما هو عليه شكل الدولة العراقية منذ تأسيسها حتى 9/4/2003 هذا إذا تم استثناء كردستان بعد عام 1991 بعد أن قامت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتحت ضغط الرأي العام الدولي بتأمين الحماية لمنطقة كردستان ومكّنت الأكراد من تسيير أمورهم الخاصة والعامة بإشراف الأمم المتحدة، أو أن الدولة تعتمد صيغة اللامركزية في الإدارة المحلية بإتباعها صيغة النظام الاتحادي الذي يطلق عليه (الفيدرالي) ويمنح الأقاليم أو المحافظات بعض السلطات ويحدد الدستور مدى هذه السلطات والكيفية التي توزع بموجبها بين المركز الذي يضم الحكومة المركزية في العاصمة وبين الأقاليم والمحافظات، وحيث أن الدستور ينطوي على قواعد وأسس تنظيم السلطة من حيث مصدرها وكيفية انتقالها وعلاقة القائمين أو (القابضين) عليها فلا بد أن يحدد الدستور بوضوح فلسفة الدولة في الجوانب العامة، الاجتماعية الاقتصادية ، السياسية، التي عليها الدولة كما يأخذ الدستور بمبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القانون واستقلال القضاء ويضع آلية واضحة لا لبس فيها لاحترام القواعد الدستورية وأسسها. بحكم تابعية ولايات (بغداد والموصل والبصرة) إلى الدولة العثمانية فان هذه الولايات التي تشكل منها العراق بعد تفكك الدولة العثمانية أصبحت خاضعة للدستور العثماني الذي صدر عام 1876 وبذا يمكن اعتبار ذلك الدستور هو الدستور الأول الذي عرفه العراق في العصر الحديث. بعد قيام الحكم الملكي في العراق صدر الدستور الملكي سنة 1925 وتألف من 125 مادة وقد نصت مقدمته على انه (القانون الأساسي العراقي) وان شكل الحكم ملكي وراثي، واحتوى على الأسس التي تعتمدها المملكة العراقية في تسيير الشؤون العامة وان الحكم فيها ملكي- دستوري ونص على الفصل بين السلطات وعلى استقلال القضاء..الخ ولقد خاض الشعب العراقي خلال العهد الملكي صراعاً متواصلاً من اجل تفعيل فقرات الدستور التي اهتمت بالحريات العامة واستغلالها لتنشيط الحياة المدنية و السياسية في العراق القادم من ليل الاستبداد العثماني السلطاني المتلفع برداء الدين الاسلامي ،والخاضع فعليا للهيمنة البريطانية التي تتحكم في شؤونه العامة ، ولعبت النخب العراقية التنويرية دورا مهما في ذلك، إلا أن القابضين على السلطة آنذاك حاولوا الالتفاف عليها وتعطيلها ، وعلى العموم فان القوى السياسية- الاجتماعية كانت حريصة على استثمار مواد الدستور لصالحها خاصة تلك التي تتعلق بالحريات وتشكيل الأحزاب والمنظمات المهنية والاجتماعية مقترناً ذلك بالوضع الدولي ومدى تأثيره في الوضع في العراق، والان ونحن على مسافة بعيدة عن ذلك التاريخ وأحداثه وبحكم ما اطلعنا عليه من وثائق تلك المرحلة ، يمكن اعتبار الدستور الملكي وثيقةً كانت قابلةً للتطور، ولارساء نظام برلماني تعددي في العراق ،الا الشكل الذي انطوت عليه العلاقات الاجتماعية وطبيعة التكوين الطبقي للسلطة القائمة انذاك ولانها افراز كولينايلي ،حتم عليها ان تفرغ ذلك الستورمن محتواه. بعد ثورة تموز /58 / وفي الشهر السابع صدر (دستور الجمهورية الأولى) أو (دستور عبد الكريم قاسم) كما يوصف وقد تألف من 30 مادة وتنسب صياغته إلى الراحل حسين جميل وقد تمت خلال 48 ساعة !! بتكليف من الزعيم عبد الكرم قاسم وبعض الوزراء المقربين منه ووصف بأنه دستور مختزل كرس السلطة بيد مجلس الوزراء وبيد رئيسه تحديداً واعتبر قرارات وأوامر وبيانات رئيس مجلس الوزراء بمثابة القوانين السارية المفعول. إثرَ انقلاب 8 شباط الدموي1963والذي عصف بالعراق وأجهز على ما افرزته ثورة تموز من ملامح وممارسات مدنية ديمقراطية والذي زج بالالاف في (هولوكست ) الحرس القومي ، ومن نجا من ذلك الليل الدموي فقد اعطبت روحه، وبهذا ازيح الاف الرجال والنساء من ساحة العمل السياسي الديمقراطي. في الشهر الرابع من العام ذاته صدر دستور اخر سمي بالقانون 25 لسنة 1963 ويتألف من 20 مادة وقد وضعه كذلك الراحل حسين جميل وربما أنجزه هذه المرة خلال 24 ساعة!! وبهذا الدستور تم تكريس السلطة كاملة من ناحية التشريع والتنفيذ بيد المجلس الوطني لقيادة الثورة ولم يتطرق إطلاقا إلى الحريات أو الحقوق أو القضاء. بعد انقلاب 18 تشرين 1963 عمدعبد السلام عارف إلى إصدار دستور آخر حمل ذات الاسم واختزلت مواده إلى 16 مادة فقط وقداستبدل عبدالسلام عارف ذاته بعد مدة وجيزة هذا الدستور بدستور آخر مختلف عن كل الدساتير العراقية السابقة حيث أطلق فيه لأول مرة على العراق بأنه (دولة ديمقراطية اشتراكية)؟! تقوم على قاعدة اقتصاد موجه عام وجعل رئيس الجمهورية رئيساً للدولة ومنحه السلطات الواسعة والتي لا حصر لها,وقد كان هذا الدستور صدى للإجراءات التي قام بها الرئيس جمال عبد الناصر في مصر وخاصة الجوانب الاقتصادية والسياسية، تجربة الاتحاد الاشتراكي العربي وحصر النشاط الاقتصادي بيد الدولة من خلال تأميم البنوك وشركات التأمين وتفعيل القطاع العام،ثم عدل هذا الدستور ليعطي حق الانتخاب المباشر للعراقيين في اختيار مجلس الأمة فصدر عام 1967 قانون الانتخابات رقم 7 ولكن سقوط نظام عبد الرحمن عارف أدى إلى توقف العمل به. إثرَ انقلاب 17 تموز سنة 1968 صدر دستوران، الأول عام 1968 والثاني عام 1970والذي وضعته لجنة برئاسة صدام حسين بصفته نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة وكان البعثي السوري (عبد الفتاح زلط) عضواً فيها لكونه رئيساً لمكتب الشؤون القانونية في مجلس قيادة الثورة وقد ضمت اللجة بعض أساتذة القانون العراقيين وقد عدل هذا الدستور أكثر من 40 مرة لتكريس السلطة بيد حاكم واحد يمسك بيده كل مفاصل السلطات ولإملاء الفراغات التي تحصل في الدستورجراء الحراك الذي يتميزبه الواقع العراقي ، ومن أهم التعديلات التي أجريت عليه بعد وضوح هوية النظام القمعي البعثي بشكل لا لبس فيه ،التعديل الذي حصل سنة 1980 حينما تم استحداث (المجلس الوطني) كهيئة تشريعية ثانية، إلا أن القانون الذي وضع لها جعلها مجرد هيئة استشارية، أفرغت عملياً حتى من هذه الأخيرة وتحول (المجلس الوطني) إلى صدى لآراء وأفكار وتصورات صدام حسين شخصياً من خلال شعار (إذا قال صدام قال العراق)، وبقيت رئاسة الدولة وصلاحياتها محصورة في شخص واحد هو رئيس مجلس قيادة الثورة الذي هو بحكم القانون رئيس الجمهورية، والذي منح سلطات واسعة لا حدود لها ، ثم أصدر صدام حسين مشروعا دستوريا إلا انه لم يُفعَّل بسبب الظروف التي حاطت بالنظام والعراق جراء حماقته في غزوالكويت ، مع انه قد فُصّل ذلك المشروع الدستوري على مقاساته شخصياً، وبعد سقوط النظام البعثي- الصدامي في 9/4/ 2003 صدر قانون إدارة الدولة الانتقالي، ومع انه حمل اسم القانون إلا انه في طبيعة مواده ومحتواه يمكن أن يعد دستوراً ،لأنه نظم قواعد السلطة والحكم واشتمل على الحريات الأساسية والحقوق في الجنسية والمساواة وحرية التعبير والضمير والعقيدة والأمن وتأسيس الأحزاب والمنظمات المدنية والمهنية واقراستقلالها المادي والمعنوي ، وكفل حق التظاهرات السلمية والتعليم وحقوق المرأة ، وانه اوكل ولاول مرة في العراق، القوات المسلحة واجهزةالشرطة والامن والمخابرات الى القيادات المدنية، منذ سقوط النظام الملكي، وبذا فأنه قد نزع اظافر هذه الاجهزة وحدّ من انيابها الحادة القاطعة حينمااوكل للجمعية الوطنية الحق في الاشراف على ميزانياتها و تعيين قادتها ووضعهم تحت المسائلة القانونية في حالة سوء استخدام سلطاتهم.. الخ ، وفي الواقع وبغض النظر عما يراه هذا الطرف أو ذلك في من شرعه او في الظروف التي صدر فيها أو ما يسجل عليه من ملاحظات وتحفظات فإن قانون إدارة الدولة الانتقالي، يفوق كثيراً الدساتير العراقية التي سبقته، خاصة في ما يخص الحريات العامة وحقوق الإنسان، ودساتير الدول العربية مجتمعة والدول الإقليمية وخاصة المجاورة للعراق، ولأنه في غاياته ومراميه وطبيعته بمثابة الدستور، لقد اخضع قانون إدارة الدولة العملية السياسية في العراق إلى خانق التواريخ التي تحولت إلى مقدسات لا يمكن المساس بها ومنها وفي أهمها كتابة الدستور وقد استثمرت القوى السياسية الفائزة بالانتخابات هذه التواريخ ووجدت فيها فرصتها في صياغة دستور يكرّس توجهاتها الفكرية الدينية - السياسية والقومية.. ونلاحظ جلياً أن عملية كتابة الدستور كانت متناغمة مع التاريخ المحدد لها سلفاً بعيداً عما عليه الواقع العراقي من تحديات وتجاذبات وانقسامات، وقد انعكس الواقع الراهن على بعض فقرات مشروع الدستورالحالي باستثمار اغلبيات ومراكز قوى وصلت الىالجمعية الوطنية نتيجة انتخابات لعب في نتائجها الوضع المتدني الذي عليه المجتمع في العراق بسبب الاستبداد الذي مارسه النظام البعثي - الصدامي وحروبه العبثية اللامجديه وتدميره لابسط انواع الوعي المدني الديمقراطي من خلال تكريسه للقيم والممارسات المتخلفه وساهم في ذلك الحصارالذي حوله النظام الى سلاح فعال بيده لدحرانسانية العراقي و توجيه حتى احلامه نحو السعي اليومي المتواصل في تأمين حاجاته للغذاء طيلة سنوات الحصاروالذي افرز وعيا مشوها تم استثماره جيدا من قبل الاحزاب السياسية - الدينية وتم استغلال نداء المرجعية للواجب الانتخابي لصالحها واستثمرت مسألة الموالاة الطائفية الى حدها الاقصى وقد تم خلق كتلة انتخابية كبيرة تنطوي على تناقضات شتى انعكس ذلك علىطبيعة التشكيل الوزاري في القائمة ذاتها، والامر ينطبق على الوضع في كردستان، اضافة لتأكيدالخصوصية القومية فيها،من هنااصرت القوىذات الاغلبية النيابية علىالاستجابة لمنطق وخانق التاريخ الذي حدده قانون ادارة الدولة الانتقالي، من جهة اخرى فأن التيارالديمقراطي العلماني وبصراحة مملؤة بالاسف لم يرتفع الى المهمة الكبرى التي تواجهه فبقي يعيش اوهام السيتنيات في الحتميات المستهلكة، ودخل ساحة الانتخابات متشرذما الى قوائم عدة، وكانت النتيجةالمعروفة والتي اتضح فيها جيدا طبيعة وحجم القوى التي اشرفت على كتابة الدستوروالشكل الذي عليه بحيث انطبق عليه التبريرالذي يرى ان هذا افضل ما هومتوفر الان وان علينا ان ننتظر الزمن العراقي القادم، والذي يعي فيه الناخب العراقي أن مصالحه الأساسية تكمن في أن يصوت للبرنامج الانتخابي الاجتماعي - السياسي الذي يخدمها لا لغيره ، وبحسب المعطيات المحسوسة داخل الساحة العراقية، والتي نكابد اشكالاتها ومأزقها ومآسيها عن قرب وبشكل يومي متواصل، و ويترافق ذلك مع انحطاط اشكال الوعي الاجتماعي الذي ينطوي عليه المجتمع العراقي في هذه المرحلة، فأن ذلك الزمن لايبدوقريبا الان .
#جاسم_العايف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سقوط دكتاتور*.. بين همجية النظام ومرتزقة الثقافة والإعلام
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|