أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - حول جرامشي وتعريف الكتلة التاريخية ومضمونها ارتباطاً بالخروج من المأزق الفلسطيني الراهن















المزيد.....



حول جرامشي وتعريف الكتلة التاريخية ومضمونها ارتباطاً بالخروج من المأزق الفلسطيني الراهن


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 4839 - 2015 / 6 / 16 - 11:58
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



حول جرامشي وتعريف الكتلة التاريخية ومضمونها ارتباطاً بالخروج من المأزق الفلسطيني الراهن:
 
من المعروف أن القائد الشيوعي والمفكر الماركسي أنطونيو جرامشي (1891-1937)، قدم ابداعاته التطويرية وإسهاماته في النظرية الماركسية ، انطلاقاً من إدراكه ان "ماركسية ماركس إن صح التعبير ، بحكم كونها منهجا جدلياً ، تشكل نقيضاً لكل ما هو قطعي ومطلق وجامد، وهي فكرٌ يقوم على النقد الذي لا ينقطع ، نقد الواقع ونقد المفاهيم بهدف تغييرها . ولم يقدم ماركس أية وصفات جاهزة أو قوالب ملزمة للمجتمع المستقبلي الخالي من الطبقية ، ولم يقترح – كما يقول المفكر المصري سمير أمين – إستراتيجية للانتقال إلى الاشتراكية وبنائها ، بل انصب اهتمامه حصراً على استراتيجيات مقاومة الرأسمالية ، تاركاً – ليس فقط عن قصد ، بل أيضا عن قناعة وتمشيا مع منهجه – مهمة صياغة إستراتيجية الانتقال إلى الاشتراكية إلى الذين يقتنعون بتلك النظرية، ليتحملوا مهمة وعبء التوصل إلى تفاصيل ذلك بما يتلاءم والواقع الملموس والمعطيات الملموسة والظروف التاريخية والاجتماعية"[1] .
يعد المفكر الشيوعي انطونيو غرامشي احد اهم الشخصيات الماركسية التي تجاوزت الاطر التقليدية في تفسير المتغيرات التاريخية عبر تناول دقيق لفهم الواقع المحلي لايطاليا، انطلاقا من تأمله القائم على تحليل ميداني مرهون بحسابات الزمان والمكان، مما اضفى على آرائه طابعا تحليليا يتجاوز الفهم التقليدي للمدرسة الرسمية المتمثلة بتجربة ستالين وتقديسها للنصوص بصورة براقة ، لا تضفي على الواقع الا الجمود وخذلان الحقيقة التي وضع اساسها ماركس بتفسيره الواقع الاجتماعي ودراسته المادية التاريخية، وبالتالي يعد غرامشي المجدد الحقيقي للفكر الماركسي بتجاوزه المعاني الجامدة واعتماده مذهبا انسانيا مفتوحا لجميع الفئات الاجتماعية متجاوزا مذهب السوفييت المؤطر بقواعد التأليه والقدسية لمفاهيم ماركس ولينين[2].
لقد كان جرامشي "ماركسياً مخلصاً ، لكنه رفض عبادة ماركس كمعصوم من الخطأ، فماركس من وجهة نظره، كما قال في العام 1918 "ليس مسيحاً خلّف وراءه سلسلة من الحكايات ذات المغزى الأخلاقي التي تحمل ملزمات صريحة وقواعد غير قابلة للتغيير على الإطلاق، خارجة عن مقولات الزمن والفضاء. إن الملزم الصريح والوحيد، والقاعدة الفريدة هي؛ يا عمّال العالم اتحدوا". وما عدا ذلك تفاصيل قابلة للاجتهاد والنقاش العلمي"[3].
وعلى هذا الأساس ، قام جرامشي بالتنظير "للتحالف بين البروليتاريا والفلاحين، بين العمال الصناعيين والزراعيين. ومن يقوم بتوطيد مثل هذا التحالف هم الطليعة المثقفة. وفي أفق هذه النظرة لطبيعة وكيفية التحالف أسس غرامشي لمفهوم (الكتلة التاريخية) حيث يشكّل المثقفون "الاسمنت العضوي الذي يربط البنية الاجتماعية بالبنية الفوقية ويتيح تكوين كتلة تاريخية"[4].
استحدث غرامشي مفاهيم لم تكن مطروقة في حقل الفكر الماركسي، مثل مفهوم الهيمنة الثقافية التي تعني أن الطبقة البرجوازية تهيمن على المجتمع لا بامتلاكها وسائل الإنتاج وإدارتها والتحكم بمؤسسات الدولة وحسب، وإنما من طريق فرض تصوراتها وأفكارها على المجتمع أيضاً، إلى الحد الذي تستدرج معه الطبقة العاملة لِتَبنّي تِلْكُم التصورات والأفكار، والتي تغدو كما لو أنها تصورات وأفكار المجتمع برمته. كما اجترح مصطلحي/ مفهومي (المثقف التقليدي والمثقف العضوي ) والأول هو من ينفصل عن هموم المجتمع. أو هو من يعيد الترويج لأفكار قديمة، المرة تلو المرة، مثل المعلمين ورجال الدين. فيما الثاني هو من يرتبط عضوياً بطبقة اجتماعية، أو مؤسسة ويعبّر عن ماهيتها ومصالحها وآمالها، ويصوغ وعيها"[5].
"وإذا كان أفراد المجتمع جميعاً مثقفين ( أي أن لهم أفكارهم وآراءهم ومنظومة قيمهم وتقاليدهم ) فإن قلة من هؤلاء يمارسون وظيفة المثقف في المجتمع. وهؤلاء هم المفكرون والمبدعون في شتى مجالات الثقافة والفلسفة والاقتصاد والعلوم والفنون والمعارف والآداب. ويستطيعون التأثير عبر أفكارهم على الناس.  وهذا ما قاد غرامشي إلى بلورة تصور جديد عن الحزب الثوري الذي يكون أعضاؤه مجموعة ناشطة من المثقفين العضويين المُعَبّرين والمرتبطين بقوة بقضايا المجتمع، لاسيما البروليتاريا والفلاحين"، كما "ميّز غرامشي بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني. فالمجتمع السياسي بنظره يضم الحكومة والقوات المسلحة والشرطة والمؤسسات التشريعية والقضائية، فيما المجتمع المدني يُمثَّل بالاقتصاد وأفراد المجتمع، ومؤسساته المستقلة عن الحكومة"[6].
- الكتلة التاريخية :
يقول المفكر الماركسي محمود أمين العالم- " مفهوم الكتلة التاريخية تتداخل فيه مختلف عناصر فكر جرامشي حول الثقافة والايديولوجية والمثقفين والهيمنة . ولعل أبرز ما يعنيه مفهوم الكتلة التاريخية عنده هو استبعاد النزعة الاقتصادية (الاقتصادوية) ، وإبراز أهمية الأفكار في الفعل التاريخي ، وأهمية التحالف الواسع بين مختلف القوى الاجتماعية المنطلقة للتغيير الجذري ، فضلاً عن الربط بين القيادة السياسية والقيادة الثقافية والاخلاقية ، ولهذا تتميز الكتلة التاريخية لقوى التقدم والاشتراكية بالديمقراطية أساساً كما يرى جرامشي ، أي بالترابط والتداخل بين القيادات والقواعد، بين البنية التحتية والبنية الفوقية إلى درجة استيعاب المجتمع المدني شيئاً فشيئاً للمجتمع السياسي ، وهذه الكتلة التاريخية تسعى لتحقيق هدفها التاريخي بخوض ما يسميه جرامشي بحرب المواقع، أي الامتداد في أجهزة المجتمع المدني، والنظام السياسي تحقيقاً للهيمنة ، وإلغاء للإنقسام السياسي بين الحكام والمحكومين، ولتكوين السلطة الثورية الجديدة[7].
وفي هذا السياق، يصف المفكر الراحل محمد الجابري، الكتلة التاريخية بأنها "ليست مجرد جبهة بين أحزاب، بل هي كتلة تتكون من القوى التي لها فعل في المجتمع أو القادرة على ممارسة ذلك الفعل ، ولا يُسْتَثنى منها بصورة مسبقة أي طرف من الأطراف ، إلا الطرف أو الحزب الذي يضع نفسه خارجها وضدها وضدأهدافها، كما أن هذه الكتلة لا تلغي الفصائل والأحزاب والحركات السياسية والمجتمعية، ولا تقوم مقامها، ذلك لأن ما يجعل منها كتلة تاريخية، ليس قيامها في شكل تنظيم واحد، بل انتظام القوى والأطراف المكونة لها انتظاماً فكرياً وسياسياً ومجتمعياً" حول الاهداف الوطنية التحررية والديمقراطية، والعمل الموحد من أجل تحقيقها"[8].
ويضيف الجابري "ان الكتلة التاريخية كما ناديت وأنادي بها هي: "كتلة تجمع فئات عريضة من المجتمع حول أهداف واضحة تتعلق أولا بالتحرر من هيمنة الاستعمار والإمبريالية، السياسية والاقتصادية والفكرية، وتتعلق ثانـيا بإقامة علاقات اجتماعية متوازنة يحكمها، إلى درجة كبيرة، التوزيع العادل للثروة في إطار مجهود متواصل للإنتاج. وبما أن مشكلة التنمية مرتبطة في الوطن العربي بقضية الوحدة، فإن هذه الكتلة التاريخية يجب أن تأخذ بعدا قوميا في جميع تنظيراتها وبرامجها ونضالاتها"[9].
أما الفيلسوف الفرنسي الراحل جورج لابيكا ، فقد أعتبر مفهوم الكتلة التاريخية ، أحد أهم المفاهيم التي بسطها غرامشي، وهو مفهوم يترابط فيه ترابطاً وثيقاً إسهامه الشخصي في الماركسية وتصوره للسيرورة الثورية كـ"بناء لكتلة تاريخية جديدة". إن هذا المفهوم ، الذي أعد في البداية لحل "مسألة" المادية التاريخية "العويصة"، مسألة الجدلية القائمة بين البناء التحتي والبناء الفوقي، أبرز هذا الانطلاق وحدتهما العضوية، حيث "يشكل البناء التحتي والأبنية الفوقية كتلة تاريخية". لا يمكن أن تُخْتَزَلْ في مجرد تحالف طبقي، أو أن تفضي إلى انقلاب أحادي الجانب للأولويات الماركسية (إحلال أولية البناء الفوقي محل البناء التحتي) [10].
 وبالفعل –كما يضيف جورج لابيكا- "ففي هذه الكتلة، "تشكل القوى المادية المحتوى (البناء التحتي)، أما الايديولوجيات فهي تمثل الشكل"، فالقوى المادية لا يمكن إدراكها تاريخياً بمعزل عن الاشكال، كما أن الأيديولوجيات لا تعدو أن تكون نزوات شخصية في غياب القوى المادية". وهكذا، وجه مفهوم الكتلة التاريخية كامل أبحاث غرامشي الماركسية إلى دراسة طبيعة هذا الرابط الذي يقحم مفاهيم أخرى مقرونة به ومترابطة معه مثل الهيمنة والأيديولوجية ودور المثقفين"[11].
يتعلق الأمر إذاً بمفهوم جديد في الماركسية آخذين في الاعتبار أنه لا يمكن أن تكون كل لحظة تاريخية (ظرف، ميزان قوى) كتلة تاريخية. لقد ركز غرامشي إذاً كل مجهوداته على تحديد شروط قيام الكتل التاريخية واندثارها وتحولها. وقد بلغ به الأمر، في سبيل تحقيق ذلك، إلى تجديد تأويل مادية ماركس التاريخية وهذه الشروط[12] يوردها الفيلسوف الفرنسي جورج لابيكا كما يلي:
1/ الشروط الأيديولوجية –الثقافية : –
يرتبط وجود كتلة تاريخية بقيام علاقة ما بين المثقفين والطبقات، بين المثقفين والشعب ، فقد لاحظ غرامشي، عند تحليله للبنية الاجتماعية في الجنوب الإيطالي، أن "المزارع الجنوبي مشدود للملاك الكبير بواسطة المثقف" . ففوق "الكتلة الزراعية" تعمل إذاً "كتلة فكرية" وهي دعامة حقيقة لها، مرنة ولكنها لا تتحطم بسهولة ويستحيل بالتالي فك هذه الكتلة الزراعية بدون كسب (أو تحييد) المثقفين الذين يدعمونها.
وفي هذا السياق أشير إلى استحالة فك الكتلة اليمينية الكومبرادورية المهيمنة والمسيطرة في الواقع الفلسطيني بفرعيها اليميني الليبرالي والديني (فتح وحماس) بدون مجابهة أو تحييد أو كسب المثقفين الذين يدعومنها.
2/ الشروط السياسية :–
إن الكتلة التاريخية ، التي هي كتلة ثقافية ، هي أيضاً كتلة سياسية تنشأ عن أزمة هيمنة أو أزمة دولة بأسرها . وهي أزمة تفكك الكتلة القائمة، كما هو حال م.ت.ف عندنا.
و"إذا ما تحققت العلاقة بين المثقفين والشعب – الجماهير وبين القادة والقاعدة وبين الحاكمين والمحكومين بصورة عضوية بحيث تتحول العاطفة إلى إدراك وبالتالي إلى معرفة.. فإن ذلك يعني ان هناك كتلة تاريخية بصدد التكون".
3/ الشروط التاريخية والفلسفية: –
إن مفهوم الكتلة التاريخية يفضي أيضاً إلى فهم جديد "لفلسفة البراكسيس" فيعيد النظر في التمييز التقليدي بين "العلم" و "الإيديولوجية". إن الأفكار والتاريخ، والفلسفة والتاريخ تشكل كتلة حسب التطور التاريخاني للتاريخ الخاص بغرامشي، وهي تاريخانية تؤثر في فهم غرامشي "الفلسفي" لماركس، كما تحدد صياغته النقدية الجديدة لفكرة الاشتراكية ذاتها باعتبارها "كتلة تاريخية لا يمكن اختزالها في التمييز التقليدي بين القاعدة والبناء الفوقي، بين نمط الإنتاج والأيديولوجية. ان مفهوم الكتلة التاريخية ، بهذا المدلول، هو حقاً مفهوم استراتيجي جديد بالمقارنة مع ماركسية الأممية الثانية والثالثة.
وإذن فالكتلة التاريخية لا تتطلب من الأحزاب والتشكيلات الحاضرة لا التنكر لتاريخها ولا التضحية بأحلامها، ولا حتى التخلي عن اسمائها، وانما تتطلب منها فقط التخلص من الشرنقة المترهلة التي تسجن فيها نفسها لتتمكن من الارتباط ارتباطاً جديداً، حياً وفاعلاً، بجسم المجتمع، والمساهمة بالتالي في بعث الحركة فيه من جديد[13].
وإذا كنا نقر –كقوى ماركسية- بأن الكتلة التاريخية هي أولاً موقف تاريخي أو هي غير "الحزب" أو "الطليعة" فإن هذا لا يعني أبداً تجاوزنا أو اغفالنا لأهمية دور الأيديولوجيا / الماركسية المتجددة المتطورة ، ولدور الحزب الثوري الطليعي ، لكن هذه الرؤية لا يجب أن تحجب عن وعينا حقيقة أن الجانب المعرفي في الأيديولوجية المعاصرة لا يعبر عن الواقع العربي الراهن ، كما يقول المفكر الراحل محمد الجابري ، إذ أن هذا الجانب المعرفي/الأيديولوجي، لا يعكس الواقع الفلسطيني أو العربي المعاش بكل تفاصيل مكوناته وتطوره التاريخي والراهن ، كما لا يدخل معه في علاقة مباشرة أو شبه مباشرة ، بل إن هذا الجانب المعرفي/ الأيديولوجي هو –كما يقول الجابري- عبارة عن مفاهيم غير محددة وقوالب أيديولوجية مضببه ، تجد اطارها المرجعي الاجتماعي التاريخي في واقع غير الواقع العربي الراهن (الواقع العربي اليوم ينتمي في معظمه إلى أفكار ومقولات وتراث القرون الوسطى) ، في حين أن الجانب المعرفي/الأيديولوجي لدى أحزاب اليسار والليبراليين والعلمانيين العرب ينتمي إلى الواقع والفكر الأوروبي الحديث ، وهذا النقص المعرفي (أو الاغتراب) الذي تعانيه الأيديولوجية العربية المعاصرة ، هو ما يرسخ الطابع الدوغمائي ، لأن الاحزاب اليسارية والليبرالية والعلمانية العربية لم تكن –كما يقول د.إدريس جنداري- "تُمثل تشكلات أيديولوجية شرعية الولادة وطبيعية النشأة في العلاقة بالواقع العربي ، بل إزاء تشكلات أيديولوجية سلفية ، وهذا ما أثر على الممارسة السياسية نفسها ، وساهم في خلق أنظمة سياسية تابعة ومتخلفة ومعاقة ، غير قادرة على استيعاب حقيقة الواقع العربي ، ولذلك كانت ملجؤها الأخير في كل مرة ، ليس محاولة استيعاب التحولات ، ولكن العمل على التحكم فيها ، باعتماد آليات الاستبداد والتسلط، لكن النتيجة تكون عكسية في غالب الأحيان، حيث يخرج المارد الشعبي من قمقمه ويرمي بهذه الأنظمة وإيديولوجياتها السلفية المغتربة في مزبلة التاريخ"[14].
وفي هذا السياق يستخلص المفكر الراحل الجابري بمنتهى الموضوعية العلمية؛ "أن هناك غياب أية علاقة بين الفكر و الواقع في الإيديولوجيا العربية المعاصرة؛ مما جعل الخلافات النظرية و الإيديولوجية؛ لا نتيجة الاختلاف في تأويل الواقع و تفسيره؛ بل نتيجة اختلاف السلطة المعرفية المعتمدة كمرجع. و بعبارة أخرى فإن الخطاب العربي المعاصر لا يطرح قضايا الواقع الملموس؛ بل قضايا تقع خارج الواقع؛ قضايا مستعارة من النموذج –السلف- دوما. و بذلك تنحو الممارسة النظرية إلى ممارسة كلامية؛ في مفاهيم مجردة فارغة من أي محتوى واقعي؛ الشيء الذي يجعلها تنقلب إلى شكل من التضليل والتعتيم".[15]
وإذا كان الراحل الجابري "قد خلص؛ من خلال ممارسته النقدية؛ إلى كون المنظومات الإيديولوجية في الثقافة العربية؛ تعاني قصورا ذاتيا؛ أدى بها إلى الاغتراب في الماضي أو في حاضر الآخر (الغربي/الشيوعي)؛ فإن دعوته إلى الكتلة التاريخية ليس حلا نهائيا لهذه المعضلة الفكرية؛ بل حل مؤقت؛ في انتظار نضج الممارسة العملية؛ لتكون قادرة على بلورة أنساق إيديولوجية؛ تستجيب لمعايير الواقع العربي زمنيا و مكانيا"[16] .
إن طرحنا لفكرة الكتلة التاريخية ، ينطلق من تحليلنا الموضوعي الذي يستنتج أن كل فصيل أو حزب أو طرف فلسطيني (أو عربي) لابد أن يقتنع -في هذا الظرف والمأزق التاريخي الفلسطيني والعربي- أنه بمفرده لا يمثل كل الشعب ، لأنه من الناحية العملية لا يستطيع وحده ان يحقق الاهداف والمرامي والطموحات الشعبية، ما يعني ضرورة اتفاقنا على المهام المطروحة في مرحلة التحرر الوطني والديمقراطي الراهنة، ونتفق على تحقيقها كمرحلة انتقالية لنجتاز المأزق الذي نحن فيه.
ومن الأهمية بمكان في هذا الجانب العمل على استيعاب وتوعية رفاقنا وكوادرنا في فصائل وأحزاب اليسار الفلسطيني والعربي بمفهوم الكتلة التاريخية كمدخل لتبيئة هذا المفهوم في مجتمعنا الفلسطيني والمجتمعات العربية، دون أن يعني ذلك تجاوزاً لأيديولوجية الماركسية ومنهجها وحزبها الثوري الطليعي، وهنا بالضبط أكد على ما قاله الراحل الجابري، "عندما طرح الكتلة التاريخية؛ باعتبارها تجاوزا للمنظومات الإيديولوجية السائدة؛ لم يكن غافلا عن حتمية الصراع الإيديولوجي؛ كتعبير عن اختلاف المنظومات الفكرية و المشاريع المجتمعية؛ و لكنه دعا إلى تأجيل هذا الصراع؛ في انتظار أن تنضج التشكيلات الإيديولوجية في الثقافة العربية؛ في علاقة بالممارسة العملية؛ التي هي وحدها القادرة على فرز منظومات أيديولوجية حقيقية؛ تعبر عن التطلعات الحقيقية للجماهير العربية؛ و إلا سيظل الصراع الإيديولوجي فارغا من أي محتوى عملي؛ و هذا ما سيؤثر بشكل مباشر على الممارسة السياسية نفسها؛ حيث سنجد أنفسنا في مواجهة مشاريع مجتمعية غريبة عن الواقع العربي"[17].
بيد أنه مهما تعددت واختلفت تصنيفات هذه المهام، فإنها تنطلق من كون الكتلة التاريخية تقوم على رؤية شمولية جامعة للمجتمع والسياسة والإيديولوجيا والاقتصاد، لتعبئة كل القوى السياسية من أجل الوصول إلى توافق أو إجماع. ولا تستطيع هذه الأهداف الكبرى أن تحصل على مثل هذا التوافق أو الإجماع ما لم تكن قادرة على التعبير عن «المصلحة الموضوعية» التي يلتئم حولها الجميع، أي ما لم تشكل قاسما مشتركاً بين برامج القوى السياسية والإيديولوجية والثقافية. مما يعني أن هناك علاقة تلازم متبادل بين التاريخية والوفاق الوطني: فلكي تحصل الأهداف الكتلوية على لقب التاريخية ينبغي أن تحقق الوفاق الوطني حولها، وفي المقابل من أجل أن تحصل أهداف الكتلة على الوفاق الوطني يتعين أن تكون تاريخية. والوظيفة القصوى لهذا التلازم هو تحقيق قفزة تاريخية جذرية، أو كما يسميها الجابري "تدشين مرحلة تاريخية جديدة"[18].
ومن الواضح أنه لكي يكون للتاريخية في عبارة «الكتلة التاريخية» معنى ينبغي ألا تظل أهدافها مبعثرة، بل يجب أن تخدم «مشروعاً للوطن ككل يجعل من المصلحة الوطنية والقومية العليا المرجعية التي تنحني لها جميع المرجعيات الأخرى». ويقدم هذا المشروع الوطني الكبير بوصفه بديلاً للاستبداد الداخلي يقوم على الديمقراطية والعدالة والتنمية، وبديلاً للتبعية الشاملة للإمبريالية لغاية التحرر من التخلف. وهذا بالضبط ما يجعل أهداف الكتلة بالمطلب الوحدوي القومي، «لأن التنمية القطرية أصبحت شبه مستحيلة من دون ارتكازها على بُعد وحدوي، اتحادي، تكتلي، شراكي تماماً مثلما أن تحقيق نهضة على الصعيد العربي ككل، مستحيلة من دون الانطلاق من الاعتراف بالقطرية، ككيان وخصوصية"[19].
لكن الدعوة لإقامة الكتلة التاريخية، ينقصها في ظروفنا اليوم شروط كثيرة، -كما يؤكد د. حسن مدن – "من أهمها وفي مقدمتها عزوف، أو عجز أو عدم وعي من يفترض أن يكونوا أطرافاً فيها لمثل هذه الفكرة، ولا يقل أهمية عن ذلك –كما يضيف د.حسن مدن- ضعف من يفترض فيهم أن يكونوا النواة الصلبة للكتلة التاريخية، فهشاشة هذه النواة تجعل من الفكرة كلها متعذرة، لان هذه النواة، إذا كانت صلبة، هي التي يجب أن توجه الكتلة في الاتجاه الصحيح، اتجاه البناء الديمقراطي العصري بما يستلزمه من حقوق سياسية ودستورية ومن خطط تنموية جادة تحارب الفساد المالي والإداري وتؤمن مصالح الفئات الكادحة الواسعة. ونعني بهذه النواة: التيار الوطني الديمقراطي، المُطَالَب بالتوافق على منطلقات عمل رئيسية، تتطلب من أطرافه حواراً معمقاً وأكثر جدية، وهذا مصدر دعوتنا لبناء الكتلة الديمقراطية التي نراها أولاً: مهمة ممكنة وواقعية، ونراها ثانياً: مهمة ضرورية وملحة، وتتطلب منا جميعاً مقاربة جريئة للتغلب على العوائق التي نراها ذاتية كامنة في تنظيماتنا أكثر مما هي موضوعية، لا بل يصح القول ان الظروف الموضوعية، كما كنا قد أشرنا إلى ذلك في بداية هذه السلسلة من المقالات، باتت أكتر نضجاً وملائمة للشروع في مهمة بناء هذه الكتلة الديمقراطية"[20].
 
في ضوء ما تقدم من تعريف مفصل للكتلة التاريخية فإننا يمكن أن نضع تعريفاً لها في واقعنا الفلسطيني الراهن كما يلي:
إن الكتلة التاريخية المقترحة،هي إطار يضم كافة القوى الفاعله في أماكن تجمع أبناء شعبنا في الوطن والشتات، والتي من مصلحتها الخروج من المأزق السياسي الفلسطيني الراهن، باتجاه إنهاء الانقسام وتكريس الوحدة الوطنية التعددية ، ومواصلة النضال لتحقيق أهدافنا الوطنية التحررية والديمقراطية، وتكريسها كأهداف وأفكار وشعارات توحيدية لشعبنا، لكي نحقق الهيمنة الثقافية والسياسية بالمعنى الجرامشي، مستلهمين في ذلك تجربة الانتفاضة الشعبية 1987 التي التف حولها الأغلبية الساحقة من جماهير شعبنا بمختلف أطيافها وشرائحها الاجتماعية، ارتباطاً بالتفافه حول الأفكار التوحيدية الوطنية الجامعة (الحرية وتقرير المصير والاستقلال والعودة) التي جسدتها م.ت.ف آنذاك باعتبارها إطاراً اتلافياً واسعاً أو كتلة تاريخية ضمن في صفوفها كل أطياف الشعب الفلسطيني عبر الفصائل والنقابات والاتحادات والشخصيات الوطنية.
إن المطلوب هو قيام كتلة تاريخية تنبني على المصلحة الموضوعية الواحدة التي تحرك، في العمق ومن العمق، جميع التيارات التي تنجح في جعل أصدائها تتردد بين صفوف الشعب : المصلحة الموضوعية التي تعبر عنها شعارات الحرية والأصالة والديمقراطية والعدل وحقوق المستضعفين وحقوق الأقليات وحقوق الأغلبيات الخ. ذلك لأن الحق المهضوم في الواقع العربي الراهن هو حقوق كل من يقع خارج جماعة المحظوظين المستفيدين من غياب أصحاب الحق عن مراكز القرار والتنفيذ. إنه ... بدون قيام كتلة تاريخية من هذا النوع لا يمكن تدشين مرحلة تاريخية جديدة يضمن لها النمو والاستمرار والاستقرار"[21].
ان توجهنا – كماركسيين -صوب العمل على التفاعل مع فكرة "الكتلة التاريخية" وبلورتها في أوساط شعبنا، سيضمن لنا تشكيل قوة سياسية اجتماعية جماهيرية تُعيد الاحترام والمصداقية للقوى اليسارية ، وتعزز وتخدم دوره المأمول في المرحلة الراهنة والمستقبل إذا ما أحسنا التعاطي والتفاعل الجاد والصادق مع هذه الفكرة .
إن هذه الكتلة التاريخية المقترحة، ستخوض وتجابه –عبر نواتها الصلبة أو البديل الشعبي الديمقراطي- التحديات الماثلة اليوم أمام مسيرة النضال الوطني والديمقراطي لشعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات التي أشرنا إليها أعلاه ، وكل ذلك مرهون بدور اليسار الثوري الطليعي المتميز في التوعية والتأسيس للبديل الشعبي في اطار النضال السياسي والكفاحي والمطلبي الديمقراطي، داخل الإطار الجماهيري العام أو الكتلة التاريخية، ومن ثم بلورة البديل الشعبي ، ودوره المأمول على طريق الخروج من مأزقنا الراهن صوب استعادة الأفكار التوحيدية الناظمة لأهدافنا الوطنية ، بما يمكننا من مواصلة النضال وفق الرؤية والثوابت الوطنية في الصراع مع العدو الصهيوني من ناحية وفي الصراع الديمقراطي الداخلي ضد التحالف الطبقي الكومبرادوري المسيطر راهناً في الضفة الغربية عبر القيادة اليمينية في م.ت.ف والسلطة ، وعبر قوى اليمين الاسلاموي المسيطر في قطاع غزة، بحيث نحقق من خلال هذا الصراع تجديد وإعادة بناء الاهداف والثوابت الوطنية وآليات النضال الشعبي والمسلح، بالاستناد إلى برنامج  البديل الشعبي في المجابهة الوطنية والمقاومة والصراع التناحري ضد الاحتلال الصهيوني من جهة وفي المجابهة والصراع السياسي الديمقراطي الداخلي من جهة ثانية.
وبالتالي، فهي كتلة تاريخية ليس فقط لكون أهدافنا الوطنية من أجل التحرر وتقرير المصير والعودة والدولة المستقلة هي أهداف تاريخية ، بل أيضاً لأنها تجسيد لوفاق وطني في هذه المرحلة التاريخية ، يمكن ان تجمع وتستوعب في اطارها فئات عريضة من شعبنا الفلسطيني حول أهداف واضحة ومحددة هي:
 أولاً: مواصلة النضال–على كل المستويات الشعبية- من أجل انهاء الانقسام وصولاً إلى مصالحة وطنية شامله، تلتزم بالثوابت الوطنية والبنود الأساسية للمصالحة وإنهاء الانقسام كما وردت في اتفاقية القاهرة الموقعة في شهر مايو 2011 باعتبارها اتفاقية شاملة لكافة القضايا على العكس من اتفاقية "مخيم الشاطيء" نيسان 2014، ومن ثم البدء بممارسة كافة أشكال الضغط الشعبي من أجل التحضير لانتخابات ديمقراطية تضمن تكريس النظام السياسي الوطني الديمقراطي التعددي الفلسطيني كخيار وحيد صوب مواصلة وتفعيل مقاومة الاحتلال الصهيوني بكافة الوسائل الكفاحية والشعبية على طريق تحقيق أهداف شعبنا.
ثانياً: النضال السياسي والجماهيري المتواصل و الدؤوب من اجل تفعيل لجنة الاطار القيادي المؤقت الذي تم التوافق عليه في حوارات القاهرة لتحقيق استعادة وحدتنا في إطار م.ت.ف لتتعزز وتترسخ صفتها ودورها كممثل شرعي وحيد لشعبنا وقائدة لكفاحه الوطني وبناء مؤسساتها على أسس وطنية وديمقراطية تتسع للجميع، وبما يُمكن من حشد وتنظيم طاقات الشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي الشتات، وهي طاقات عظيمة لما يزيد عن 11,5 مليون من البشر نسبة الكفاءات المتقدمة منهم على كل الصعد تضاهي أكثر الشعوب علماً وامكانات.
وهذا يعني إعادة موضعة السلطة وبنائها ديمقراطياً في اطار النظام السياسي الفلسطيني ومبناه العام، فالمنظمة هي المرجعية والقيادة، والسلطة اداتها في قطاع غزة والضفة بما فيها القدس.
ثالثاً: التمسك بالثقافة الوطنية التي تحفظ الذاكرة الوطنية وتجددها وتحفزها للنضال بكل أشكاله، واعتبار الصمود على أرض فلسطين أول وأهم مكونات هذا النضال.
رابعاً: تأكيد فكرة المقاومة بكل أشكالها كطريق استراتيجي للانتصار على الدولة الصهيونية بما يجيز التقدم والتراجع في أشكال المقاومة ووسائلها وفقاً للظروف الموضوعية والذاتية وموازين القوى في كل مرحلة من مراحل هذا النضال.
وفي كل الاحوال ، فإن المقاومة المسلحة تظل شكلاً رئيسياً من أشكال مقاومتنا لهذا العدو، لا يجوز اسقاطه أو عدم الاستعداد له وتوفير مقوماته وتقديمه على ما عداه من أشكال وفقاً للمكان والزمان وفي الظروف المواتية.
وفي هذه الفترة بالذات فإننا ندعو إلى :
1.      النضال لحماية كل شبر من أرض فلسطين من غول الاستيطان.
2.      النضال ضد جدار الفصل والضم العنصري، نضال في الميدان ، ونضال يستعيد ويُفًعل القرارات الأممية الصادرة حول الجدار وبخاصة قرار محكمة لاهاي الدولية.
3.      تفعيل النضال الديمقراطي المطلبي المرتبط بالقضايا الحياتية ، والمعبر عن معانات وتطلعات الجماهير الشعبية الفقيرة من العمال والفلاحين، للخلاص من كل أشكال الاستبداد والاستغلال والاضطهاد ، وذلك عبر برنامج يتناول كافة القضايا الاقتصادية (الصناعة والزراعة وكافة القطاعات الانتاجية والخدمية، إلى جانب المياه والصيد .. إلخ) و القضايا الاجتماعية ، وقضايا البطالة والفقر ، ومتابعة تنفيذ اعمار البيوت المدمرة، وقضايا المشردين وذوي الشهداء والجرحى إلى جانب قضايا الشباب والمرأة والطفولة وقضايا الصحة والتعليم والثقافة الوطنية والقومية.
4.      مقاطعة البضائع والمؤسسات والمنابر الاكاديمية والثقافية والاعلامية الاسرائيلية، وندعو لمقاطعتها عربياً وعالمياً وعلى مختلف الصعد، وهناك أنويه وتباشير نجاحات على هذا الصعيد لا بد من التفاعل الايجابي معها.
5.      الانضمام لكل اللجان والمؤسسات الدولية التي تمكننا من ملاحقة العدو وقياداته كمجرمي حرب، وتؤمِّن لشعبنا الحماية والحق في مقاومة الاحتلال.
6.      نتمسك بقرارات الشرعية الدولية التي تستجيب لحقوقنا الوطنية وندعو لتنفيذها والتوقف عن التفاوض والمساومة عليها.
خامساً: إن من بين أهم مقومات هذه الكتلة التاريخية المقترحة، أن تعمل على إحياء البعد القومي التقدمي الديمقراطي في رؤيتها وبرامجها ونضالاتها ، انطلاقاً من الضرورة الموضوعية التي تؤكد على أن الصراع مع العدو الصهيوني هو صراع عربي صهيوني بالدرجة الأولى، على أن يكون النضال الفلسطيني في طليعته، وعلى هذا الأساس فإن أي حركة تغيير ثوري وديمقراطي في مجتمعنا أو أي مجتمع عربي لا يمكن أن تضمن النجاح أو التحقق لأهدافها، إلا إذا انطلقت من الرؤية القومية النهضوية العربية بما يضمن تحقيق وحدة الأهداف السياسية الديمقراطية والتنموية والتكامل الاقتصادي في إطار المجتمع العربي الموحد.
 
وفي هذا السياق ، اشير بوضوح إلى أن هذه المهام، لا يمكن لأي فصيل وطني في ظل المأزق الراهن أن يقوم بها منفرداً، وهنا بالضبط تتجلى المعاني الجوهرية والمضامين الوطنية للكتلة التاريخية وضرورتها الملحة الراهنة.
بناءً على ما تقدم يمكن تحديد أو حصر القوى المرشحة لهذه الكتلة من واقع وجود شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات كما يلي:
أولاً: كافة القوى السياسية والفعاليات الوطنية الملتزمة بوضوح بمواقفها الواضحة غير الملتبسة بالنسبة للثوابت الوطنية بما في ذلك الموقف الواضح ضد اتفاق أسلو وما نتج عنه من اتفاقات أو ممارسات حتى اللحظة الراهنة .
ثانياً: النقابات العمالية والحرفية والفلاحية والشبابية والنسوية والجمعيات الأهلية والنوادي الثقافية والرياضية وغير ذلك من المؤسسات شرط التزامها بالثوابت الوطنية كما ورد في البند السابق.
ثالثاً: القوى الاقتصادية والمجتمعية التي تشارك في نشاطها الصناعي والتجاري والزراعي والسياحي والمالي في خدمة الأهداف الوطنية التنموية بعيداً عن كل أشكال التطبيع أو العلاقة مع الاقتصاد الاسرائيلي .
رابعاً: جميع العناصر الأخرى من أبناء شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع والمنافي، اللذين يتميزون –كأفراد أو جماعات- بفاعليتهم في المجتمع ارتباطاً بمواقفهم الوطنية ضد العدو الصهيوني وضد الانقسام وكافة الممارسات السلبية الناجمة عن الصراع بين ثنائي فتح وحماس، وفي هذا السياق أؤكد على أن هناك أكثر من 60% من أبناء شعبنا الفلسطيني يعيشون على هامش النضال الوطني والديمقراطي ويمثلون بالتالي إطار الكتلة التاريخية المقترح.
إن وضوح هذه الرؤية، ومن ثم البناء عليها بالنسبة لعلاقة اليسارالعربي والفلسطيني مع القوى الإسلامية (حماس والجهاد) يتطلب من هذه الأخيرة أن تتخذ موقفاً واضحاً من التوجهات التالية:
أولا: النضال من أجل تحرير الوطن من الاحتلال.
ثانيا: رفض التبعية بأشكالها المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية.
ثالثا: رفض التطبيع بكافة أشكاله ورفض الصهيونية كعقيدة معادية لشعبنا وللشعوب العربية وحضارتها وتراثها وقيمها.
رابعا: تغليب التناقضات الرئيسية على الثانوية في هذه المرحلة.
خامسا: النضال من اجل الديمقراطية وترسيخها كنهج حياة مجتمعي يضمن الحرية بكافة أنواعها وفي مقدمتها حرية المعتقد.
وبناء عليه، فإننا ندعو إلى الحوار والتواصل الجاد مع كافة القوى والنقابات والجمعيات والفعاليات والشخصيات الوطنية للتوافق على عقد مؤتمر وطني فلسطيني متزامن (في الضفة وقطاع غزة والشتات) يشترك فيه كل من يوافق من أبناء شعبنا على الخطوط العامة للرؤية المقترحة كناظم رئيسي للكتلة التاريخية الفلسطينية من جهة وباعتبار هذه الرؤية أساساً صالحاً لمشروع البرنامج الوطني الديمقراطي المطروح على جدول اعمال المؤتمر لمناقشته والاتفاق على صياغة بنوده بما يؤسس الاعلام عن البدل الديمقراطي المنشودة (كنواة صلبة للكتلة التاريخية) عبر دور ملموس للجبهة الشعبية سواء على الصعيد الجماهيري الشعبي أو على صعيد المشاركة الفعالة في قيادته وفق المحددات الوطنية والديمقراطية التي سيجري مناقشتها واقرارها في المؤتمر، وفي هذا الجانب من المهم أن تقدم للمؤتمر ورقة تتضمن تفاصيل البرنامج المقترح من شقين: الشق الأول: وطني تحرري ، والشق الثاني: ديمقراطي ملطبي ، لمناقشتها بجانب أوراق أخرى في المؤتمر.
 
أهم المحددات المتعلقة البديل الوطني الديمقراطي:
1-   ان البديل الوطني الديمقراطي هو تعبير أصيل عن ضرورة موضوعية قائمة في مجتمعنا، وليس مسألة مفتعلة او رغبة ذاتية لدى مجموعة من الأفراد، لذلك علينا واجب تشكيل صيغة تنظيمية للمعارضة الديمقراطية على المستوى الوطني ، خاصة وان الظروف الموضوعية – على المستوى الشعبي- ناضجة وجاهزة للاستجابة إلى العامل الذاتي الذي يبادر إلى التفاعل معها والارتقاء بها.
2-  البديل أو التيار الوطني الديمقراطي هو أوسع بكثير من القوى السياسية المصنفة كقوى ديمقراطية حيث أنه يمتد خارجها بما هو أوسع وأرحب ليطال تجمعات وأفراد ابناء شعبنا في الوطن والشتات.
3-  لقد أوضحت التجربة الملموسة لسنوات من العمل من أجل بلورة هذا التيار، ان هناك ضرورة لوجود قوة طليعية تكون الأكثر تأثيراً وقدرة على تحريك ودفع الأمور الى الأمام، وفي هذا السياق يأتي دور القوى اليسارية الماركسية العربية .
4-  ان عملية بناء البديل أو التيار الثالث ليست عملية سهلة، وتعترضها بعض العقبات منها ما هو موضوعي وما هو ذاتي، كما يلعب التباين السياسي بين القوى المصنفة كـ "قوى ديمقراطية" دوراً ً في إعاقة بلورة هذا التيار، خاصة فيما يتعلق بالموقف من أوسلو أو المشاركة في المفاوضات العبثية أو حكومة السلطة.
5-   ارتباطاً بما سبق، علينا ان نأخذ بعين الاعتبار اهمية مسألة التفاعل والحوار وتحديد الاهداف والقواعد والاطر المشتركة والموحدة بين الهيئات والمراكز القيادية اولا ، وكذلك التفاعل والنضال المشترك بين قواعد تلك القوى باتجاه التجسيد الحقيقي لخيار التيار الثالث على اوسع قاعدة اتفاق وبنى تنظيمية ومؤسساتيه موحدة ممكنة.
وبولادة البديل الديمقراطي من المؤتمرات الشعبية، سيتولى عندئذ مهمة الانتشار والتوسع –عبر شعاراته الوطنية الديمقراطية التقدمية التوحيدية- في إطار الكتلة التاريخية الشعبية وقيادتها وبهدف تحقيق فكرة "الهيمنة" بالمعنيين السياسي والثقافي في أوساط جماهير الكتلة بصورة اختيارية قائمة على اقتناعهم بالأفكار والشعارات الرئيسية المطروحة من برنامج البديل الديمقراطي، فإذا حققنا هذه الهيمنة أو الاستجابة الشعبية، سنتملك مقومات العديد من القوة لفصائل واحزاب اليسار الفلسطيني والعربي، باتجاه الارتقاء بالنضال السياسي والكفاحي التحرري، إلى جانب التقدم على صعيد نضالنا الديمقراطي سواء في الانتخابات التشريعية أو القدرة على مجابهة مظاهر الاستبداد والاستغلال وأية ممارسات سياسية هابطة أو متناقضة مع الأهداف والمصالح العليا الوطنية والديمقراطية لشعبنا.
 
 


[1]  كتاب "قراءة في فكر غرامشي السياسي" – تأليف:  مازن الحسيني- إصدار دار التنوير للنشر والترجمة والتوزيع– رام الله - 2001.
[2]  كريم حنش – مقال بعنوان : أنطونيو غـرامشي والفهم الواقعي لحركة التاريخ- الانترنت سلسلة الثقافة الثورية - منشورات الطليعة العربية في تونس- 28/نوفمبر/2010.
[3]  سعد محمد رحيم – ما بعد ماركس / جرامشي .. لوكاش – الحوار المتمدن – 16/2/2011.
[4]  المصدر السابق – سعد محمد رحيم.
[5]  المصدر السابق – سعد محمد رحيم.
[6]  المصدر السابق – سعد محمد رحيم.
[7] كتاب " الإنسان موقف " – محمود أمين العالم  – دار قضايا فكرية للنشر والتوزيع – القاهرة  – 1994 .
[8]  محمد عبد الجابري – الكتلة التاريخية بأي معنى؟ -  الانترنت: موقع الجابري http://www.aljabriabed.net.
[9] المصدر السابق – محمد عبد الجابري
[10]  جورج لابيكا – معجم الماركسية النقدي – دار الفارابي – ط1 – بيروت 2003 – ص1096
[11]  المصدر السابق - جورج لابيكا –– ص1096
[12]  المصدر السابق – جورج لابيكا -  ص1098-1099.
[13] د. محمد المصباحي (استاذ الفلسفة في جامعة محمد الخامس) – من ماركس إلى جرامشي إلى الجابري في الربيع العربي – موقع المستقبل – الانترنت – 24/12/2012.
[14]  د. إدريس جنداري - مفهوم الكتلة التاريخية .. النقد الابستمولوجي لكشف الوهم الإيديولوجي في الثقافة العربي- الحوار المتمدن – 29/12/2011.
[15]  المصدر السابق – د. إدريس جنداري.
[16]  المصدر السابق – د.إدريس جنداري.
[17]  المصدر السابق – د.إدريس جنداري.
[18] مصدر سبق ذكره – د. محمد المصباحي.
[19]  مصدر سبق ذكره – د. محمد المصباحي.
[20]  د. حسن مدن – بناء الكتلة الديمقراطية "4" – 13/1/2010 – الانترنت : موقع المنبر الديمقراطي التقدمي "البحرين" http://www.altaqadomi.com.
[21] مصدر سبق ذكره – محمد عبد الجابري.



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلخيص كتاب : من الذي دفع للزمار ؟ الحرب الباردة الثقافية الم ...
- تلخيص كتاب: نظرة ثانية إلى القومية العربية
- عن رثاثة البورجوازية الكبيرة في مجتمعاتنا العربية
- معطيات وأرقام إحصائية عن السكان ومخيمات اللجوء، والأوضاع الم ...
- رؤية
- قضيتنا واوضاعنا الفلسطينية الراهنة هل هي في أزمة أم مأزق ؟
- في الأول من ايار هذا العام وكل عام ...العمال والفلاحين الفقر ...
- في مناسبة يوم العمال ...الطبقة العاملة الفلسطينية ومخاطر توط ...
- لماذا يتكرر فشل احزاب وفصائل اليسار العربي في الإنتخابات الد ...
- فتح وحماس باعتبارهما جزءاً من الإشكالية أو الأزمة الراهنة لا ...
- مقالات ودراسات ومحاضرات...في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجت ...
- قراءة في المكانة والدور لكل من -الطبقة الوسطى- و -البرجوازية ...
- الحكيم وتحديات اللحظة الفلسطينية والعربية الراهنة - 28-3-201 ...
- الثورة الوطنية الديمقراطية.. مفهوم حضوره رهن أداته وجماهيره
- الحكيم وتحديات اللحظة الراهنة
- عن ضرورة التأسيس لكتلة تاريخية للخروج من المأزق الفلسطيني ال ...
- قبسات سياسية وثقافية فيسبوكية - الجزء الثالث
- قبسات سياسية وثقافية فيسبوكية - الجزء الثاني
- قبسات سياسية وثقافية فيسبوكية - الجزء الأول
- الإعمار ... حقائق وأرقام


المزيد.....




- أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع ...
- شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
- الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل ...
- العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
- الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها ...
- روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن ...
- بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال ...
- لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين ...
- الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - حول جرامشي وتعريف الكتلة التاريخية ومضمونها ارتباطاً بالخروج من المأزق الفلسطيني الراهن