|
بحث عن أساب فشل العرب ومجتمعاتهم
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4839 - 2015 / 6 / 16 - 08:34
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
فشلنا لم يكن صدفة ، ولا هو عملية عشوائية . انه فشل مبرمج بدقة عالية ، فاستهدافنا كأمة عربية أو اسلامية او من منظومة العالم الثالث والمتخلف هو استهداف حضاري ، تعمل عليه جميع الدول الامبريالية لاستنزافه دون قتله ومحوه . لايمكن لدولة كالمغرب الذي لا يبعد عن شواطئ أوروبا الا ببضعة كيلمترات يمكن للسباح الماهر أن يقطعها سباحة ، أن يحتج بأي مبرر اقتصادي أو ثقافي أو انساني-اجتماعي - لتبرير المأزق الحضاري الذي بلغناه . ودعونا في البداية نحدد مركزنا وموقعنا قبل الاسترسال في استحضار عوامل استرارية تخلفنا ، أنا ككاتب أنتمي لما يمكن تسميته بجيل الضياع ، جيل وجد نفسه على صعيد الممارسة الثقافية وسط محيط كبير من الفراغ ، جيل تربى على أدبيات كتاب كبار بصموا أفكارهم على طول العالم العربي ، وكان يملأهم حلم كبير للنهوض بالمجتمع المغربي ، بل وبالأمة العربية . لكننا حين نضجنا وجدنا أنفسنا محاربين ، وبشراسة مخجلة ليس من الدولة التي يمكن استصاغة حروبها ضد المعرفة والثقافة والوعي ، لكن وهذا هو المخجل الذي لا يمكن تصوره من الطبقة المثقفة . ورغم الانفتاح الذي ورثناه من بيئتنا قبل ثقافتنا ، ورغم فسحة التسامح التي انغرست فينا كطبيعة متعددة المصادر باعتبار انتمائنا لحوض المتوسط ، وانتمائنا الديني ، والاجتماعي ، واختيارات الثقافة العامة التي لم تستكن لانغلاق فكري أو عقدي ما . فان الحرب أصبحت الآن أكثر انفتاحا على المثقفين الخارجين عن القطيع . ورغم ذلك فان ارادة الوجود ورابطة الانتماء تدفعنا أن نسبح ضد التيار. اذن فجميع عنصار الافشال ما زالت متوفرة وفاعلة . غير أن نتائج ارادة الافشال قد تنجح في جانب أو جوانب لكنها قد تفشل هي نفسها ، اي أن عملية الفشل قد تطال ارادة الافشال نفسها .....بحث عن أسباب فشل العرب ومجتمعاتهم . لم يعد التخلف يحمل نفس المعنى الذي كان يحمله منذ أربعة عقود ، ولو آمنا بعكس هذه الحقيقة فاننا سنؤمن بأن العالم لم يتغير ، ونحن أيضا لم يطرأ علينا أي تحول . فكما يقول الابستمولوجيون ؛ للمفاهيم تاريخها وسياقها والمساحات التي تتحرك فيها حسب الاتساع والضيق . واذا كان الأمر كذلك فان مفهوم التخلف طرأت عليه تحولات واضافات وحذوف كثيرة ، فالاقتصاد العالمي اليوم لم يبق اقتصاد الصناعات الثقيلة والتحويلية ، واكتشاف المحروقات ، كما أنه لم يعد مرتبط بنفس المفهوم التقليدي للفلاحة ، البرازيل واليابان مثالا ، والعلاقات الدولية اخترقت معايير وحدود الحرب الباردة . كل شيئ تغير اذن ، وعلى هذا الأساس فان مفهوم التخلف أيضا وقع عليه التغيير . ان مفهوم التخلف الكمي ، أي تعريف التخلف بصفة عامة ككتلة متراصة تنحل الى مجموعة حقول ، أصبح متجاوزا ، اذ تفكك التخلف كمفهوم الى سلسلة من التخلفات ، صار التخلف عوض اعتباره والنظر اليه كبنية واحدة ، نسقا يطال مجموعة من مناحي الحياة الفردية والجماعية ، فهناك التخلف العقلي ، وهناك التخلف الاجتماعي ، وهناك التخلف الاقتصادي والتخلف الثقافي ....الخ ، ويبقى اليوم التخلف التكنولوجي أهم تخلف قد تعاني منه الأمم وهو ما يزيد من ثقل الدول مثل الدولة المغربية .ويستحيل مقاربة أي حقل من هذه الحقول دون التماس بالحقول الأخرى . انه مثال واضح لبنيان الجسد البشري ، اذا بترنا عضوا يصاب الجسد بتشوه واضح . نستطيع اذن الجزم الآن ونحن في عصر جديد ، أن التخلف كما عرفه وبحث فيه شكيب ارسلان ، وهو بحث قديم لم نخرج منه الى اليوم ، ليس هو التخلف الذي تحدث عنه محمد عبده ، او محمد عابد الجابري . كما أن تحول اللعبة الدولية في علاقاتها الجيوستراتيجية جعلت عصرنا هذا عصرا أكثر تعقيدا ، ليس من حيث التحليل والمقاربة ، بل من حيث الفكاك والخلاص . خاصة ونحن شعوب تنتمي الى ثقافة الذل والمهانة بامتياز . ولو استعرضنا الكتب والمقالات والأشعار التي تناولت هذه الوضعية المحرجة والحرجة ، لكفانا التدليل أن عددا كبيرا من كتابنا الغيورين قد رصدوا هذه الحالة التي أصبحت بالحالة الميؤوس منها منذ زمن بعيد . فقد تعاقب على حكم الدول العربية قادة تابعين لأجندات خارجية ، بل زعماء يكرهون شعوبهم كرها عدوانيا لا قبيل له في التاريخ الانساني المعاصر . وهم يلفظون كرههم على شفاههم امام العالم ؛ سواء في لحظة غضب أو في لحظة دعة . مما يجعل العاقل يفكر في حيرة ما هي سبل الخروج من هذه المتاهات المظلمة ؟ . فالامبريالية العالمية التي تتحكم فيها منذ الحرب العالمية الثانية ثنائية الصهيونية وقوى الاستكبار لا تستطيع أن تجبرنا على شيئ الا اذا ارتضاه ولاتنا ومسؤولونا . وتقريب الرؤى والحقائق لا يمكن أن يتم الا بتجرد مثقفينا عن نزعات الفردية الاستعراضية والشهوانية الدنيوية . أما الشعوب فلا يمكن الرهان عليها بتاتا الا بتحريكها غوغائيا واللعب على مشاعرها اليومية الاجتماعية أو الدينية ، دون انتظار نتائج ذات أهمية كبرى . ان غياب ارادة الانعتاق من دائرة التخلف هو السمة الأكثر بروزا وطفحا ، انه القشرة التي تحيط بمجموع منظومة التخلف ، والصدأ الذي يرنو على النسق العام للتخلف العربي . فما لم تستقل الدول العربية بقرارها السياسي ، وهذا تعبير آخر عن غياب الارادة ، فالارادة لا يمكن أن تنبني بالتبني ، كما يستحيل أن تتجلى في شخصية مستلبة وتابعة . وهي أيضا تتأبى على الاستعارة أو الاستدانة ، فهي اما أن تولد وتنصهر داخل الشخصية الفردية والجماعية أو تنعدم بالمرة . هكذا ينتقل التفكير الى بناء الشخصية ، فما دامت الشخصية العربية غائبة ومستعمرة ولديها قابلية التبعية والاستعمار ، وانسياقا غير طبيعي لكل سمات ودلائل الذل والهوان ، فان الانتقال من التخلف الى النهضة ثم الى التقدم والازدهار أو الرفاه ضربا من انتظار المعجزات .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -رواية-20-
-
نحن الحالمون .......
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -رواية-19
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا -رواية-18-
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا-رواية-17-
-
مجتمع آخر أو مجتمع الجناكا-رواية -16-
-
الرموز تلك السجون اللامرئية :قراءة في عنف رموز السلطة في الم
...
-
الصحافة العربية المريضة
-
محمد صالح المسفر والسقوط المدوي لعرب الخليج
-
الانتخابات في المغرب بين المشاركة والمقاطعة :نحو عقلية جديدة
...
-
هل تسطيع الشعوب العربية الاستفادة من منجزات ايران ؟
-
فخ ايران اليمني
-
العرب بين المعنى والتسعير
-
جنت براقش على نفسها
-
قصيدة الغد بين محمود درويش وشارل بودلير
-
الأمة العربية في رحلة الى الجحيم
-
الشعر نبض الحياة
-
لي أخ لا أعرفه
-
نحو بناء مثقف جديد-2-
-
من تداعيات جائزة الشعر لاتحاد كتاب المغرب
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
-
غضب صارخ عند النواب اليساريين بعد تصريحات بايرو عن -إغراق- ف
...
-
النهج الديمقراطي العمالي يحيي انتصار المقاومة أمام مشروع الإ
...
-
أدلة جديدة على قصد شرطة ميلان قتل المواطن المصري رامي الجمل
...
-
احتفالات بتونس بذكرى فك حصار لينينغراد
-
فرنسا: رئيس الوزراء يغازل اليمين المتطرف بعد تصريحات عن -إغر
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|