يحيى بوافي
الحوار المتمدن-العدد: 4838 - 2015 / 6 / 15 - 08:11
المحور:
الطب , والعلوم
الدماغ الأيسر و الدماغ الأيمن ....... نهايةخرافة.
صابرين كازالونغا
ترجمة يحيى بوافي
يستخدم الفنانون الدماغ الأيمن بدرجة أكبر لكونه يبقى حدسيا و إبداعيا بينما يعتمد المهندسون أكثر على الدماغ الأيسر ، باعتباره أكثر منطقية و اتصافا بالتحليل . تلك فكرة شعبية تشهد تقويضها اليوم من قبل الباحثين .
هل تستعمل دماغك الأيسر أكثر أم تراك تستخدم دماغك الأيمن بدرجة أكبر ؟ و لمزيد بيان؛ هل لك شخصية مبدعة وحدسية أم شخصية منطقية و عقلانية؟ربما سبق للعديد منا أن طرح سؤالا من هذا القبيل . غير أن هذا المفهوم ما هو في واقع الأمر سوى أسطورة عصبية !
صحيح أن دماغنا غير متماثل و أن بعض المهام تستدعي أحد نصفي الدماغ أكثر من الآخر،كما هو الحال بالنسبة للغة (التي يتم التحكم فيها من قبل النصف الدماغي الأيسر لدى أكثر من90% من الأشخاص).كما أن التعرف البصري الفضائي (الذي تتم إدارته أساسا من طرف الدماغ الأيمن) أو الحركية ( الجزء الأيسر من جسمنا يتحكم فيه الشق الدماغي الأيمن والعكس صحيح) .فمنطقة بروكا أو مركز الكلام قد تم إبرازها من قبل بول بروكا حوالي منتصف القرن 19 تبعا لوصفه للمرضى بالحبسة الكلامية ، العاجزين عن الكلام ،و الذين يشهد عجزهم ذاك على وجود إصابة على مستوى الفص الجبهي الأيسر lobe frontal gauche . إن هذا الإدراك للاستعدادات القائم على التمييز بين جانبي الدماغ يظهر مبكرا اثناء النمو.إذ سيقدم أهمية وقيمة تقسيم العمل وبالتالي العمل على الزيادة في الفعالية العصبية.فالتجارب التي تم إجراؤها خلال الستينات من القرن العشرين حول " الدماغ المنقسم cerveau divisé"split brain)قدمت حججا أخرى حول تخصصية كل قسم دماغي وانطلاقا من هذه النتائج شهد مفهوم الدماغ الأيسر ميلاده باعتباره موصوفا بالمنطقية و العقلانية، إلى جانب الدماغ الأيمن الذي يبقى مطبوعا بالطابع الحدسي والإبداعي ثم توسيعا خاطئا بعد ذلك لهذا التقسيم ليشمل التمييز بين نوعين من الشخصية.
لا وجود لنصف دماغي مهيمن.
غير أن دراسة تم نشرها في فصل صيف السنة الأخيرة (2013)تشكك في الفكرة التي تبعا لها يكون لبعض الأشخاص "دماغ أيمن" و للبعض الآخر "دماغ أيسر" .فقد أنجز جيفري أندرسون Jeffrey Anderson الأستاذ بمعهد الدماغ بجامعة L’Utah رفقة زملائه تصوير بواسطة جهاز التصوير بواسطة الرنين المغناطيسي لأدمغة 1000 شخص في حالة راحة ، ليقوموا بعد ذلك بتحليل الترابطات بين أكثر من 7000 منطقة عصبية دون أن يستطيعوا مع ذلك البرهنة على أن بعض المشاركين كان له نصف دماغي مهيمن ، بمعنى أنه أكثر اتصالية و نشاطا من الآخر.بل على العكس من ذلك ،كانت بعض المناطق في المتوسط مطبوعة باتصالية أكثر قوة بالشق الأيسر( مثل المناطق العصبية الخاصة باللغة وبالاستبطان) بينما مناطق أخرى كانت أقوى اتصالا بالجانب الأيمن من الدماغ (مثل تلك الخاصة بالتحكم في الانتباه)، وهو ما يؤكد تخصص جانبي الدماغ.
"يمكن لمنطقة دماغية خاصة أن تكون نشطة بشكل خاص أو متصلة لدى شخص من الأشخاص ، لكن ذلك لا يعمم على الكل شبكة مرتبطة بالجانب الأيسر تكون أكثر هيمنة، يقول جيفري أندرسون مدققا، فلم نجد أبدا أي ميل فردي إلى امتلاك جانب دماغي أيسر أو أيمن أكثر قوة "فبالنسبة لهذا الباحث " إن صح أن بعض الأشخاص لهم شخصيات أكثر اتصاف التفكير المنطقي أو بالإبداعية مقارنة بالآخرين ، فإن ذلك لا يرجع إلى استعمال أكثر دفعا لأحد نصفي الدماغ .بل على العكس من ذلك تبقى هذه الاختلافات في الطبع مرتبطة احتمالا بمتغيرات دقيقة في اتصالية واقترانية الدماغ برمته". ما بقي أن نفهم على نحو متناه الدقة ما هي المناطق الدماغية التي تساهم في ملامح الشخصية ، فإن الأكيد هو أن هذا الميدان من البحث يشهد تطورا سريعا.
الدماغ الأيسر و الإبداعية
و هذه الدراسة ليست هي الدراسة الوحيدة التي شككت في الأسطورة !فتبعا للأعمال التي قام بإنجازها باحثون من جامعة كاليفورنيا الجنوب، نجد النصف الدماغي الأيسر، قد تم النظر إليه كما لو كان متمحورا و متمركزا حول السيرورات المنطقية، التي تلعب بدورها دورا رئيسا في الفكر الإبداعي.وهو ما يسير في عكس اتجاه الاعتقاد الشعبي....كما أن فريق الباحثة Lisa AZIZZADEH عمل على تحليل النشاط العصبي لطلبة الهندسة المعمارية خلال تمرين للإبداعية البصرية الفضائية visuospatial .انطلاقا من ثلاثة صور (دائرة و حرفC والعدد 8)، إذ كان يتعين عليهم التفكير في صور ممكنة ، مثل صورة الوجه -8 للعينين ، الدائرة بالنسبة للأنف و حرف Cللابتسامة -.و هذا النوع من النشاط يستلزم فكرا إبداعيا مختلفا ، يرتبط على نحو خاص بالنصف الدماغي الأيمن. وأثناء اختبار ثان كان يتوجب على الطلبة استخدام الأشكال في الفضاء لكن من دون استدعاء ابداعيتهم.
فماذا كانت نتيجة ذلك؟ إن المهمتين البصريتين الفضائيتين أثارتا النصفين الدماغيين معا لكن اختبار الإبداعية أثار مناطق منتمية إلى النصف الدماغي الأيسر بدرجة أقوى مقارنة بالاختبار الثاني ."لقد أبرزنا أن السيرورة الإبداعية ترتكز على النصفين الدماغيين ، تعلق الباحثة العلمية ، وهو ما يسير في عكس اتجاه الفكرة الشائعة التي تبعا لها يبقى النصف الدماغي الأيمن هو المختص بـ" الابداعية" .فإذا كان النصف الدماغي الأيمن يبقى مهيمنا بالنسبة للنشاط الإبداعي ، فإنه يبقى في حاجة إلى التقوية من نظيره الأيسر. فالمناطق التي يتم تنشيطها في الجزء الأيسر يمكنها أن تلعب دورا في تصميم الحلول الجديدة،لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك فقط. "فالنصف الدماغي الأيمن يعالج الطابع العام لمشهد بصري (الغابة) ، بينما نظيره الأيسر يعالج الخصائص الموضعية(كل شجرة من الغابة) ، كما توضح الباحثة Lisa AZIZZADEH ، و أثناء مهمة بصرية يكون عليك القيام بمعالجة الصورة العامة و الأجزاء التي تكونها".
نصفا الدماغ لأجل الكلام
و في الأخير نجد دراسة ثالثة ، أجراها بيجان بيزارون Bijan Pesaran الأستاذ بجامعة نيويورك ، قد قلبت اعتقادا آخر من خلال كشفها أن الكلام يستدعي نصفي الدماغ معا وليس الدماغ الأيسر فقط.فمنذ اكتشاف بول بروكا قبل 150سنة تم إسناد الكلام و اللغة إلى النصف الدماغي الأيسر.غير أن هذا الاعتقاد شرع في تقويضه من طرف العديد من الدراسات التي برهنت على أن الإدراك السمعي الذي يبقى أساسيا على مستوى انتاج الخطاب، يحفز نصفي الدماغ معا.والدراسة الجديدة المشار إليها ذهبت أبعد من ذلك من خلال إشارتها إلى أن النظام الحسي الحركي الذي يقوم بوظيفة السطح البيني interface بين الإثارة السمعية و التحكم الحركي لأجل انتاج خطاب تبقى بدورها ذات طابع ثنائي [أي متقاسمة بين تدخل نصفي الدماغ معا].
ففي التجربة التي تم إجراؤها طلب من المفحوصين الاستماع إلى أصوات غير دالة ثم القيام بترديدها، مثل "كيغkig" و"pob"، ثم القيام بنفس الشيء بالنسبة لكلمات حقيقية.وهو ما أتاح عزل نشاط الكلام عن اللغة ."عندما يستمع الفرد إلى مقطع لفظي، فإن المنطقة الحسية السمعية كما السطح البيني الحس حركي ينشطان، ثم تتحدد منطقة النشاط حول المنطقة الحركية و من جديد حول منطقة السطح البيني ، وبالنسبة لنطق الكلمة فإن المناطق الثلاثة يتم تنشيطها في نصفي الدماغ معا"، كما يقول بيجان بيزارون Bijan Pesaran و هو ما يعني أن المراحل الثلاث (الإدراك و التحويل الحسي الحركي والانتاج) الضرورية للكلام تبقى ذات خاصية بينية .وفي المقابل تبقى الوظائف العليا للدماغ مثل التركيب والدلالة ،باعتبارها وظائف تتيح فهم معنى كلمة وبناء جملة، مختصة بالنصف الدماغي الأيسر.
شبكات موزعة وتعاون.
"إنها المرة الأولى التي تم فيها تفعيل قياس عصبي مباشر خلال قيام الشخص بعملية الكلام"يؤكد بيجان بيزارون Bijan Pesaran.فهذه النتائج التي تضيء فهمنا لميكانزمات اللغة يمكنها أن تشجع علاجات جديدة للمرضى الذين فقدوا القدرة على استخدام الكلام،كما يحصل مثلا على إثر حادثة تلحق الضرر بالأوعية الدموية في الدماغ.
و إذن بقي لنا أن نقول وداعا لأسطورة الدماغ الأيسر و الدماغ الأيمن ،لأن هذا المفهوم مهما كانت درجة إثارته ،فقد تعرض للتقويض على نحو تزداد وتيرته بواسطة دراسات في مجال التصوير العصبي." إنني أعتقد أن نشاط الدماغ يبقى بينيا بين نصفي الدماغ أكثر مما اعتقدنا في السابق" كما يؤكد بيجان بيزارون Bijan Pesaran.فسواء أكنا فنانين أو مهندسين ، ذوي حس إبداعي أو يغلب علينا التفكير المنطقي ، فإننا جميعا في حاجة إلى نصفي دماغنا .وأمام هذا التشكيك و المساءلة ، تنحو الفرضية الحالية إلى أن تجعل بالأحرى دور الشبكات الموزعة على مجموع الدماغ و التعاون بين نصفي الدماغ يحتل الصدارة ، على غرار ما يكونه الأمر بين شريكين لا يمكن الفصل بينهما.
العنوان الأصلي للمقال:cerveau gauche ,cerveau droit -;-la fin d’un mythe .,SABRINE CASALONGA ,REVUE LE MONDE DE L’INTELLIGENCE,N36 ,Mai/juin2014.
مراجع:
- J.A.Nielsen et coll. PLOS ONE, août 2013.
-L.AZIZ-ZADEH,S-K.Liew et F.Dandekar,social cognitive and affective neuroscience, mars 2012.
-G.B.Cogan et coll ,Nature ,JANVIER 2014.
#يحيى_بوافي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟