|
السلاح في حدود مجرّد التواصل..
نورالدين هميسي
الحوار المتمدن-العدد: 4834 - 2015 / 6 / 11 - 17:57
المحور:
الصحافة والاعلام
"سلاح مكســـور في اليـــد خيـر من يــد خاوية" وليام شكسبيـــر.
لماذا ابتكر الإنسان السلاح؟. ما هو المغزى من استخدام أداة معينة بادئ ذي بدء في الحماية والصيد قبل أن يتحول المنحى إلى الهجوم، الغزو والإبادة؟. لا أنسب من اللحظة الحالية في طرح هكذا سؤال ونحن مهددون أن نلعب دورا محتملا من بين الثلاثة: جاني، ضحية وشاهد. قد نلعب أي دور من هذه الأدوار في أي لحظة حالما يتوفر السلاح، سنكون شهودا إذا كتبت لنا النجاة. أنثروبولوجيًّــا، يمثل السلاح وسيلة إنتاج بالدرجة الأولى، فلم تكن غائية ابتداع أول رمح أو سهم سوى توفير المأكل في اللحظة التي بدأ فيها نمط الطعام يتحول إلى الاعتماد على الصيد. قد تبقى غائية أول سلاح عملية براغماتية بالدرجة الأولى، ولكن تغيّر شكل التجمعات البشرية ونشأة الحرب الأولى على خلفية بروز الجماعة حوّل غائية السلاح باتجاه مأزق أخلاقي لا زال بارزا بوضوح في أيامنا. السلاح إذن مسألة أخلاقية قبل كل شيء، هي سؤال حول مبرراته الأنطولوجية في ظل هامش بدائله الممكنة. يتمثل البديل الأول والأبرز الممكن للسلاح في التواصل. يطرح جورغن هابرماس فكرته حول الفعل التواصلي وأخلاقيات النقاش ضمن منظور معاكس لفكرة القتل العشوائي عن طريق السلاح. إن النقاش يمثل بالنسبة لهابرماس المسلك الأكثر أمنا للسلم الاجتماعي، فالصراع وإن كان له من المبررات الحقيقية والواهية الكثير إلا أنه يبقى حالة شاذة من الناحية النظرية، لكن من الناحية العملية، يبقى الصراع والاقتتال واقعا مثبتا بالأدلة. هذا ما يبرر لماذا بقيت تصورات هابرماس شذرات لمشروع مجتمع وافتقدت لأسس متينة في التفسير. في سياق مقترن بالتواصل، يمثل فعل الاقتراع الجماعي كتجل للديمقراطية إحدى الآليات المرتبطة بالنقاش والبحث عن حلول اجتماعية تقي من الوقوع في القتل العشوائي. يبدو انتصار الديمقراطية في بعض الدول الكبيرة برهانا آخر على ضرورة منح الشرعية للعنف والسلاح من خلال التفويض الجماعي. ولكن هل بإمكان الدولة كإطار سياسي اجتماعي أن تضمن هذه الشرعية، خصوصا وأن المسألة الأخلاقية تتعارض في كثير من الأحيان مع المسألة السياسية. يطرح ماكس فيبر هذه المسألة الأخلاقية ضمن هذا المنظور. إن العنف يبدو ضرورة بالنسبة للإنسان الاجتماعي، ولكن لا بد أن يتم تأطير هذا العنف ضد الانحرافات التي تطرأ على النماذج المثالية من قبل الدولة التي تكون طرفا وحيدا يتوكل الجماعة في مسألة امتلاك السلاح وتوظيفه. قد يبدو هذا نموذجا مثاليا أخلاقيا وعمليا ممكنا لتبرير وجود السلاح، وهذا أمر واضح في الكثير من الدول التي لا تجيز امتلاك الأسلحة من قبل مواطنيها. لكن ثمة ما يجعل هذا النموذج المثالي يتصدع سواء أخلاقيا أو عمليا. من الناحية الأخلاقية، يبرز تعسف الدولة في استخدام السلاح في بعض الدول البوليسية والدكتاتورية والشمولية، أين لا ينجو المواطنون من طيش آلات القمع القاتلة، ويضاف إلى ذلك من الناحية العملية بروز أطراف داخل الدولة تتجرأ على تملك السلاح وتوظيفه في ابتداع تفويضات موازية للسلطة داخل الجماعة، وأبرز مثال على ذلك العصابات، الجماعات الإرهابية والميليشيات السرية. وإذا ما وسعنا نطاق الملاحظة الاستطلاعية إلى ما يحدث بين الدول، فإن موجات الاستعمار المباشر السابقة، وموجات الحروب بالوكالة التي نشهدها حاليا تطرح أسئلة أكثر إلحاحا حول الغايات الأخلاقية للسلاح. يشيع الجو المكهرب حاليا بخصوص ظاهرة الإرهاب حالة من الغموض، لأننا عاجزون عن إيجاد تصنيف دقيق لفعل المقاومة وفعل التعسف لحظة استخدام السلاح. رغم العدد الهائل للضحايا في دول عديدة مثل سوريا، العراق، اليمن.. ثمة من ينادي بالتسليح. إن هذا النداء يفتقد لأي مسوغات أخلاقية لأن الغموض الذي يكتنف المشهد نابع من إضفاء حدود وهمية على إمكانيات التواصل، ويتضح هذا من فشل الأمم المتحدة على النطاق الدولي والدولة على المستوى المحلي كإطارين للتواصل والتفاوض يعكفان على إيجاد حلول سلمية تحظى بالشرعية. إننا نشارف على انهيار الأمم المتحدة مثلما انهارت عصبة الأمم، وهذا الانهيار هو رصاصة رحمة على فعل التواصل، وما هو آت في المستقبل ينبئ بالمزيد من التسلح، ومزيد من الغموض حول المبررات الأخلاقية للقتل والتعسف. الزمن الذي نعيش تجاوز الأسئلة الأنطولوجية للسلاح، ولكن الأسئلة الأخلاقية لا زالت معلقة. إننا نعيش انحطاطا أخلاقيا يوحي بإمكانية العودة بقوة إلى زمن البربرية والتوحش، ومثلما تأسست الجماعة على مشروع طموح للتواصل، فإنها تتجه في كثير من البقاع إلى التشتت بفعل تعميم السلاح وتتفيه مبررات القتل كفعل أو كــــرد فعل.
#نورالدين_هميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل المبررات لكي لا تكون صحفيا
-
بين النظرية والموضة.. عن الموضوعية، الذاتية والنرجسية
-
حول التنظير في حقل الإعلام ومجازفاته
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|