أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كريم كطافة - التحكم في سوق الأديان.. والاستهلاك الديني















المزيد.....

التحكم في سوق الأديان.. والاستهلاك الديني


كريم كطافة

الحوار المتمدن-العدد: 4834 - 2015 / 6 / 11 - 15:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هناك حقائق تقدمها لنا الأرقام عن رحلة الإنسان في سلم التطور، ميزتها الواضحة أنه كلما توغل الإنسان عميقاً في معرفة المزيد عن نفسه وعن الكون، كلما قصرت المسافة الفاصلة بين درجة وأخرى من درجات هذا السلّم. : "لقد احتاج لأكثر من أربعة آلاف سنة ليحول اكتشافه للعجلة إلى ما هي عليه الآن، لكنه احتاج إلى 112 سنة في درب التصوير الضوئي ليصل إلى مرحلة الصورة التي نراها اليوم في اجهزة التصوير واحتاج إلى 56 سنة ليجعل الهاتف كما هو عليه الآن، وتطلب الأمر 35 سنة فقط من البحث العلمي لتطوير الراديو إلى مرحلة الاستقبال الكامل وإلى 15 سنة لاستكمال ما يتطلبه الرادار وإلى 12 سنة من الأبحاث ليكون التلفزيون قيد الاستخدام والقنبلة الذرية لم تستغرق سوى 6 أعوام من البحث.." وهذه بعض أرقام اعتمدها إريش فون دانيكن صاحب كتاب (عربات الآلهة) ليصل من خلال كتابه إلى دعوة صريحة للاستثمار في الكواكب، منطلقاً من اعتقاد أن حضارة الإنسان ومنذ بداياتها البعيدة السومرية على الأخص ما هي إلا نتاج لتدخل كواكبي من الأعلى. اعتقاد خالفه فيه كثير من علماء الآثار وغير علماء الآثار. لست هنا بوارد الدخول في المعمعة الآثارية كما لست بوارد مخالفته أو الاتفاق معه، خصوصاً وأن أرقامه تعود إلى ستينيات القرن المنصرم. كانت وقتئذ الفواصل الزمنية بين اختراع وآخر بين اكتشاف وآخر تقاس بالسنين، أما اليوم فهناك إعلان لرحلة استيطان كوكب المريخ، ذهاب بلا عودة، سجل عليها لحد الآن أكثر من 1500 شاب وشابة، كذلك بين أجيال الهواتف النقالة والحواسيب تكاد تضيع الفواصل الزمنية وهي تقفز هذه القفزة المذهلة في القدرة على اختزال العالم إلى مجرد شاشة بحجم نصف الكف.
أحاول القول أن مقابل هذا السلم التطوري، سلّم آخر يعاكسه في الاتجاه، يصف مقدار المسافة التي تبتعد بها الشعوب التي تباطأت أو تعطلت لديها التنمية عن تلك التي انطلقت في درب التطور. إلى حد قبل عقدين من الزمن كانت المسافة الفاصلة بين العالمين النامي و(النائم) تقدر ببضعة قرون، أما الآن فلا يوجد توصيف أفضل من العودة إلى مفهوم (ما قبل وما بعد التاريخ). يكفي للتدليل عليها اقتطاع مشهدين من مكانين على الأرض الأول من قرية من قرى (العالم النائم) وقرية في أي بلد من بلدان العالم النامي، ليصل المشاهد إلى حالة التشكيك الكامل بأن الاثنان يعيشان على نفس الكوكب.
أننا بإزاء وضع في غاية الشذوذ. ملمحه الأرأس؛ أن هناك تطوراً هائلاً في وسائل التنمية قد حصل لشعوب ومجتمعات غربية وشرقية يقابله بطئ بل وتوقف لهذه التنمية حصل لبقية الشعوب. الأمر الذي يجعل بالضرورة هذه الشعوب التي تعطلت لديها التنمية أو تباطئت ومنها كل العالم الإسلامي تقريباً، أن تنظر إلى التطور الزاحف والمخترق لحدودها بوصفه تهديداً بالهيمنة وسيطرة القوي على الضعيف وما عليها سوى أن تواجهه. معلوم أن التنمية التي حصلت في المجتمعات المتطورة اعتمدت على ميكانيزم النظام الرأسمالي. النظام ذو الحاجة الدائمة لاختراق الحدود بحثاً عن أسواق جديدة ينقل لها بضائعه ويجلب منها المواد الخام. والبضاعة حين تحل في مكان تجلب معها ليس فقط قيمتها الاستعمالية بل ومجمل القيم الخاصة بمنتج هذه البضاعة. تجلب عادات ووسائل وعقائد وأفكار، بالمجمل (ثقافة) المنتج. الأمر الذي يجعل احتمال تعرض الهويات والثقافات الأخرى للذوبان التدريجي في الثقافة الغالبة احتمالاً معقولاً ومنطقياً. وهنا يُدق ناقوس الخطر. لأن التنوع الثقافي، بوصفه مصدرا للتبادل والتجديد والإبداع، هو ضروري للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية. إذ ليس من الصدفة أو البطر أن تعلن منظمة اليونسكو في 2001 عقب حادثة 11 سبتمبر (إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي)
لكن الكارثة الآن، أن هذه الشعوب المهددة بالغزو الثقافي محكومة بأنظمة دكتاتورية شمولية ديدنها البقاء في الحكم على حساب كل شيء. ولعدم توفر هذه الشعوب على الوسائل الناجعة القادرة على مواجهة الأنظمة الدكتاتورية والشمولية في عقر دارها، بسبب دهر طويل من اشتغال ماكنة القمع والإذلال والسيطرة، نجدها لجأت إلى أقدم وسيلة كان يتخذها إنسان الغاب والكائنات البدائية للدفاع عن النفس، وسيلة الانعزال والانكماش والانطواء على الذات ليقي نفسه من الأخطار المحدقة به. الأمر الذي أوجد سواء بوعي حكومات هذه الدول أو بلا وعيها، بيئة ملائمة لظهور جماعات ومنظمات وأحزاب ديدنها الماضي والتراث الديني بوصفه الملجأ الآمن. جماعات وأحزاب تحاول قيادة الشعوب بإعلان الحرب على المجتمعات والدول المتطورة من منطلقات دينية وكأنها تريد إيقاف تطورها والعودة بها إلى ماضيها البعيد.
من النتائج الملموسة لهذا الهوس الماضوي، سلسلة حروب وكوارث ما زالت فصولها تمارس على أرضنا، خراب ودمار وتعطيل كامل للتنمية. وكما هو واضح أن أصحاب هذا النهج قد تعاملوا مع ظاهرة العولمة والتطور العلمي بوصفهما ظاهرة إرادوية نريدها أو لا نريدها. بينما ما هي إلا تحصيل حاصل لسلسلة طويلة من عمليات الاكتشاف والتطور في الوسائل والأفكار، واقع حال فرض نفسه وسيفرض نفسه بحكم النفوذ السياسي والاقتصادي والتغلغل المعلوماتي والإعلامي الذي يمارسه هذا النظام المعولم. واقع لا يستطيع أحد أن يقف بوجه انتشاره بجانبيه المادي والثقافي. لكن يمكن التقليل من أضراره على الشعوب المستهدفة، فيما لو بدأت هذه الشعوب بتنمية صحيحة وأبدت قدرة ورغبة على المساهمة في هذا التطور العالمي. على العموم إلى جانب الفوائد الكثيرة التي جلبها هذا التطور للإنسان، لجهة تسهيل حياته وجعل عالمه باحة صغيرة تتبادل فيها المعلومة والفائدة، لا يمكن إغفال التهديد المباشر للتنوع في الهويات والثقافات بوصفها ضرورة للجنس البشري كالتنوع البايولوجي.
في زحمة هذه الحرب غير المتكافئة، كانت الأديان هدفاً وموضوعاً للحروب. الأديان بوصفها أحد مكونات الهوية لشعب من الشعوب إن لم يكن المكون الأراس لدى بعضها. إذ بات معلناً أن العالم الجديد، يبحث عن أديانٍ منفتحة (أديان لايت) قادرة على نسيان أصولها وجذورها البعيدة، لكي تتوافق مع مقتضيات التكيف للسوق ورغبات المستهلك.. دين له سمات البضاعة؛ منفتح على العالم، يحتضن كل البشر ولا يفرض على أحد منهم منهجاً معيناً، يحترم حريتهم وتنوع خياراتهم في داخل الدين الواحد مهما كان هذا الاختيار مصطدما مع الأصول ومتناقضاً مع القواعد.. يعامل الجميع بالمثل ويساوي ويعدل في المعاملة ويمنح الجميع نفس الحقوق.. والأهم لا يحتكر الحقيقة والخلاص.
أمام هذا الواقع السوريالي في لوحة العالم، تسارعت حركة فكرية ذات طابع ديني أو لنقل موضوعها الدين. إذ لو ألقينا نظرة على الدراسات الدينية المعاصرة وكيف هي تتناول الأديان لوجدنا قائمة من المصطلحات القادمة من اقتصاد السوق ومن العولمة، منها على سبيل المثال لا الحصر، خصخصة الدين، تصدير الدين، إنتاج الدين، تسويق الدين، استهلاك الدين، التحكم في سوق الأديان، تغيير المنتج الديني...إلخ الأمر لم يعد مزحة.. ثمة تيار جارف سيلون كل شيء بلونه ويدمر من يقف بوجهه.
ولو اعتمدنا على هذه المصطلحات المعاصرة، لوجدنا أن أكثر البلدان والشعوب استهلاكاً للدين هي الشعوب التي تباطأت أو تعطلت لديها سبل التنمية. شعوب لم تعد قادرة على المساهمة في الاقتصاد العالمي إلا بوصفها شعوباً مستهلكة غير منتجة، وفي البعض منها شعوباً تستجدي الهبات العالمية لعدم قدرتها حتى على انتاج غذائها اليومي.. تنتظر هبات العالم، لكن الخطير هنا، أن من الهبات ما يصلها على شكل حروب عليها أن تخوضها مع نفسها وضد نفسها.. حروب داخلية وأخرى خارجية.
لم تجد بعض الأديان مثل البوذية والهندوسية ومجمل أديان جنوب شرق آسيا وأفريقيا مشكلةً مع العلمنة ومن ثم مع العولمة، لأنها أدياناً في الأصل مبنية على منظومات أخلاقية بالدرجة الأولى وليس لديها رسائل من السماء ملزمة كما هو حال الأديان التوحيدية الثلاث. وبالنسبة للأديان التوحيدية، بدت المسيحية من بينها هي الأقدر على التكيف مع هذا العالم ونبذ الكثير من الأصول والجذور القديمة التي كانت تحد من اندماجها، ليس أقل من اعتراف البابا أخيرا وهو رأس الكنيسة الأكبر للمسيحية، بانتفاء الحاجة إلى الجحيم..!! لم تعد من حاجة للجحيم في عالم ما بعد الموت.. وهذا قول مثير ينسف منظومة الأديان التوحيدية من الأساس. لعل السبب في هذا التكييف هو انتشار المسيحية في العالم الغربي الذي منه خرج مارد العلمنة والعولمة.
لكن العقدة تظل في الإسلام الإصولي واليهودية الإصولية. إذ الدين بالنسبة لهاتين الديانتين لم يعد جزءاً من الهوية فحسب، بل هو الهوية كلها. اليهودية بوصفها كما يؤمن بها أتباعها أنها رسالة الإله لشعبه المختار لقيادة عالم الأغيار العبيد والتسلط عليهم والإسلام بوصفه الدين الخاتم والوحيد الذي يرضاه الله من عباده كما يؤمن به أتباعه. لكن، إن كانت اليهودية من خلال سياسيها وحاخاماتها تبدو كمن تنبه وتجهّز ليركب على الدرجة العليا من سلم هذا التطور ولذات الهدف الديني؛ قيادة التطور إلى حيث تتحقق بشارة الإله (يهوه) لشعبه المختار بتمكينه من قيادة العالم.. نراهم لم يعلنوا اندماجهم في العالم فحسب، بل والمساهمة المباشرة في حركته التطويرية عبر النظم والأدوات العلمية.. يبقى الإسلام هو المعضلة الكبرى بوجه هذا الزحف، إذ ما زال المسلمون وفق شيوخ دينهم ومن جميع المذاهب تقريباً، يجاهرون بالسعي الحثيث لمسك العالم من ذيله والسحب به باتجاه الماضي.. وهو مسعى تبنته أولى وأقوى حركات الإسلام السياسي (الأخوان المسلمون).. لنجده يتجسد في بدايات القرن الواحد والعشرين على شكل دولة خلافة تعلن حربها على العالم كله بنية العودة خمسة عشر قرناً إلى الوراء وإن كان الثمن إبادات ودمار لشعوبهم وبلدانهم قبل غيرهم.



#كريم_كطافة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها المثقفون ما هي حلولكم..!!؟
- قصة قرية كوجو.. وقصة الجد البعيد
- شعواط يتصاعد من مطبخ الإقليم
- فؤاد يلدا... الجرح الناتئ في روحي
- ماذا يريد الأنصار..؟
- ما يخفيه النص
- بيت اللعنات...!!!
- بين كلابنا وكلابهم دماء تنزف..!!
- الحزب الشيوعي العراقي وسؤال الهوية الوطنية
- من يرسم خرائط حديدان..؟
- التاريخ المنسي في فلم (سنوات الجمر والرماد)
- النقاط الثلاث الساحرات في الانتخابات الهولندية
- التجمع العربي ومشروع صديقي الكوردي
- طائفة الغراب الأبيض..!!
- دعاء البدل.. صلاة البدل
- اليسار.. فقدان الحاضنة الاجتماعية..!!
- إحصاء المنصور...!!
- شؤون وشجون شباك الدائرة..!!
- كراديس جيش المهدي..!!!
- أطفال البعث.. يا لهم من أطفال..!!


المزيد.....




- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...
- مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كريم كطافة - التحكم في سوق الأديان.. والاستهلاك الديني