|
تلخيص كتاب : من الذي دفع للزمار ؟ الحرب الباردة الثقافية المخابرات المركزية الأمريكية
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 4834 - 2015 / 6 / 11 - 12:34
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تلخيص كتاب : من الذي دفع للزمار ؟ الحرب الباردة الثقافية المخابرات المركزية الأمريكية وعالم الفنون والأدب THE CULTURAL COLD WAR (The CIA and the world of Arts and Letters) صادر عن : The New Press New york, 2000 تأليف: فرانسيس ستونر سوندرز ترجمة : طلعة الشايب تقديم : عاصم الدسوقي إصدار : المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة – ط3 – يناير 2003
هذا الكتاب ... بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت وكالة المخابرات الأمريكية تنظم وتدير جبهة ثقافية عريضة في معركة ضارية بدعوى حرية التعبير، وبتعريفها للحرب الباردة بأنها معركة من أجل "الاستيلاء على عقول البشر ". فبعد أن سكت هدير المدافع وأزيز الطائرات ودوى القصف، إثر إنتهاء الحرب العالمية الثانية (أغسطس 1945) ، أخرجت الترسانة الأمريكية أثقالها الثقافية: الصحف والمجلات والإذاعات والمؤتمرات ومعارض الفن التشكيلي والمهرجانات الفنية والمنح والجوائز ... إلخ، وتكونت شبكة محكمة من البشر الذين يعملون بالتوازي مع الـ "CIA" لتمحو من الأذهان فكرة أن " أمريكا صحراء ثقافية " وتزرع فيها فكرة جديدة مؤداها أن العالم في حاجة إلى سلام أمريكي وإلى عصر تنوير جديد، وأن ذلك كله سيكون اسمه " القرن الأمريكي" . راديكاليون سابقون ومثقفون يساريون من الذين تحطم إيمانهم بالماركسية والشيوعية ، مؤسسات وهمية وتمويل سري ضخم وحملة إقناع هائلة في حرب دعاية ضارية تخطط لها وتديرها "منظمة الحرية الثقافية – Congress for Cultural Freedom" التي كانت بمثابة وزارة غير رسمية للثقافة الأمريكية، أو لتكون " الزمار" الذي تدفع له الـ "CIA" ثمن ما تطلبه منه من "ألحان". وفي قمة ازدهارها، كان لـ "منظمة الحرية الثقافية" مكاتب في 35 دولة (من بينها عدد من الدول العربية، خاصة لبنان والسعودية والأردن والمغرب وليبيا ومصر، حيث تم انشاء مكاتب فرعية لمؤسسات "روكفلر" و "كارنيجي" و "فرانكلين للطباعة والنشر" و "نادي القلم" و "مجلة المختار Readers Digest " ... إلخ ) ، ويعمل بها عشرات الموظفين، وتصدر أكثر من 20 مجلة ذات نفوذ، وتنظم المعارض الفنية وتمتلك مؤسسات إعلامية، وتعقد مؤتمرات دولية تحضرها شخصيات بارزة ، وتكافئ الفنانين والموسيقيين بالجوائز، وترعى معارضهم وحفلاتهم، معتمدة على شبكة واسعة وشديدة التأثير من رجال المخابرات وخبراء الإستراتيجية السياسية ، والمؤسسات الرسمية والروابط الدراسية القديمة في الجامعات. بالاعتماد على ذلك كله بدأت وكالة المخابرات المركزية منذ عام 1947 في بناء كونسورتيوم (اتحاد) Consortium له واجب مزدوج : تحصين العالم ضد وباء الشيوعية ، وتمهيد الطريق أمام مصالح السياسة الخارجية الأمريكية في الخارج. وكان من نتيجة ذلك، أن تكونت شبكة محكمة من البشر الذين يعملون بالتوازي مع الوكالة للترويج لفكرة مؤداها أن العالم في حاجة إلى "سلام أمريكي pax Americana وإلى عصر تنوير جديد، وأن ذلك سوف يسمى بـ "القرن الأمريكي" وكان ذلك " الكونسورتيوم" هو السلاح السري في الصراع الأمريكي أثناء الحرب الباردة ، وهو سلاح له نتائج واسعة في ميدان الثقافة. مؤسسة التجسس الأمريكية هذه ، ظلت تعمل دون أن يُكتَشفَ أمرها ودون منافسة على مدى ما يزيد من عشرين عاماً ، وظلت تدير جبهة ثفافية معقدة، مدعومة على نحو كبير، جبهة في الغرب ومن أجل الغرب باسم حرية التعبير. كانت عضوية ذلك "الكونسورتيوم" تضم مجموعة من الراديكاليين السابقين ومثقفي اليسار الذين تحطم إيمانهم بالماركسية. أولئك اليساريون السابقون كان لابد من تجميعهم ودمجهم معاً في هذه المؤسسة نفسها مع وكالة المخابرات المركزية – CIA ، وهو أمر قد يبدو غير قابل للتصديق، كانت هناك مصلحة مشتركة حقيقية، وكان هناك اقتناع بين الوكالة وأولئك المثقفين الذين استؤجروا لكي يخوضوا الحرب الثقافية .. حتى وإن لم يعرفوا ذلك. وفي عام 1966 نشرت "نيويورك تايمز – New York Times" سلسلة من المقالات التي تكشف العمل السري الذي قام به أفراد تلك الجماعة المرتبطة بالمخابرات المركزية "CIA". هنا تضئ الباحثة البريطانية " ف.س سوندرز " جانباً مظلماً في تاريخ أمريكا الثقافي معتمدة على عدد كبير من المقابلات الشخصية ، وفحص عدد أكبر من الوثائق الرسمية التي أفرج عنها مؤخراً .. وهنا تظهر أسماء عدد كبير من أبرز مفكري وفناني المرحلة : أشعيا برلين وكليمنت جرينبيرج وسيدنى هوك وآرثر كويستلر وإيرفنج كريستول وروبرت لويل وهنرى لوس وأندريه مالرو ومارى مكارثى ورينولد نيبور وجورج أورويل[1] وجاكسون بولوك وبرتراند راسل هيمنجواي و أندريه مالرو وآرثر شليزنجر الابن وستيفن سيندر .. وغيرهم.. وبينما بعضهم تم استخدامه دون أن يدري ، كان البعض الآخر على علم واستعداد للتعاون!... إن كتاب "الحرب الباردة الثقافية " عن دور المخابرات الأمريكية في عالم الفنون والآداب لمؤلفته "فرانسيس ستونر سوندرز" جدير بالقراءة ، لأنه يكشف ستر مواقف وتحولات في عالم الثقافة كان مثقف الستينيات الملتزم في مصر وبلدان العالم العربي، يرقبها فاغرا فاه دون أن يدري أسبابها. إنها القصة كاملة للدور الذي قامت به الـ CIA في الحرب الباردة الثقافية ، الأمر الذي يجعل من هذا الكتاب " عملاً مهماً من أعمال البحث التاريخي " كما وصفه المفكر الراحل "إدوارد سعيد".
الولايات المتحدة الأمريكية وتسييس الثقافة بعد انتهاء الحرب سبتمبر 1945 الولايات المتحدة عملت على استعادة الحالة الطبيعية بينها وبين أوروبا بأسرع ما يمكن فخففت وجودها العسكري هناك، وعقدت معاهدات صلح مع الدول التي تحالفت مع ألمانيا (إيطاليا ورومانيا وبلغاريا والمجر)، وشرعت في احتواء كل أوروبا، وبدأت تخطط لاستعادة شرق أوروبا من دائرة النفوذ السوفيتي . ومن هنا كان مبدأ ترومان في مارس 1947 ومشروع مارشال الذي يتلخص في تقديم مساعدات اقتصادية لأوروبا الغربية وخاصة للدول المهددة بأزمة اقتصادية حتى لا تسقط في يد الأحزاب الشيوعية. ثم خطت الحكومة الأمريكية خطوة أكبر عندما أعلن "ترومان" برنامج النقطة الرابعة (20 يناير 1949) لتأييد السلام العالمي وفق محاور أربعة : التأييد المطلق للأمم المتحدة، وكسب الشعوب بالعمل على الإصلاح الاقتصادي، وتقوية الأمم التي تعادي الكتلة الشيوعية ، وتقديم المعونات لتحسين أحوال مختلف بلاد العالم، وكل هذا في حماية حلف الأطلنطي . ومن يتأمل هذه المحاور الأربعة يجد أن صياغتها جاءت لتضمن للحكومة الأمريكية تنفيذ خططها تحت مبادئ عامة يصعب الاختلاف بشأنها تبدو وكأنها إنسانية لصالح البشرية جمعاء فضلاً عن أن هذه المبادئ ما تزال تحكم التوجهات الأمريكية إزاء كل الأزمات العالمية، فهي تعمل على تحويل اقتصاديات مختلف الدول إلى الاقتصاد الحر تحت شعار الإصلاح الاقتصادي، وتستخدم الأمم المتحدة لتدوير الزوايا الحادة التي تبرز في السياسات الدولية. على أن الحكومة الأمريكية أدركت مبكراً أن مشروع مارشال والنقطة الرابعة لا يكفيان وحدهما لإزالة الشيوعية من طريق الرأسمالية ، ومن هنا اتجهت السياسة الأمريكية إلى تصويب ضرباتها على جبهة الثقافة العريضة بما تشمله من أفكار وفنون وآداب وعلوم وكل ما يتعلق بالكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية في محاولة متواصلة لتغيير أذهان الشعوب وتشجيعها على كراهية الشيوعي بتقديم النموذج الرأسمالي الأمريكي ثقافياً ، وبمعنى آخر: يد تقدم الخبز ويد تقدم ثقافة دولة الخبز فيحدث التحول التدريجي من الثقافة الشيوعية إلى الثقافة الرأسمالية. وفي يولية 1947 أنشأت الحكومة الأمريكية جهاز المخابرات المعروف اصطلاحاً بـC.I.A ليتولى الجانب الثقافي في الحرب الباردة. وكان أول أعمال هذا الجهاز تكوين واجهة ثقافية يعمل من خلالها "لتحصين العالم ضد وباء الشيوعية وتمهيد الطريق أمام مصالح السياسة الأمريكية في الخارج". وأعطيت لجهاز المخابرات صلاحيات هائلة ومطلقة ليفعل ما يشاء من أجل حماية الصورة الأمريكية التي ترسمها وسائل الدعاية والإعلام في خيال الآخرين. ثم تقرر (في 19 ديسمبر 1947 ) أن يستخدم الجهاز الأنشطة النفسية السرية لدعم السياسة الأمريكية بما في ذلك التخريب والتدمير والانقلابات والاغتيالات ومساعدة حركات المقاومة السرية والمعارضة السياسية في الدول المعادية للولايات المتحدة بشكل متقن لا تظهر معه أي مسئولية للحكومة الأمريكية . وفي مايو 1949 شكلت المخابرات "اللجنة القومية من اجل أوربا الحرة" لاستخدام المهارات المتنوعة لليهود الشرقيين في المنفى من أجل تطوير برامج تتصدى بنشاط للسيطرة السوفيتية. ولإحكام الحصار على الشيوعية والشيوعيين في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وفي العالم قامت المخابرات الأمريكية في 1950 بتأسيس منظمة ثقافية جديدة باسم "منظمة الحرية الثقافية " تحولت في عام 1967 إلى "الاتحاد الدولي للحرية الثقافية" . وقامت هذه المنظمة بإنشاء فروع لها في خمس وثلاثين دولة تم اختيارها بعناية أصدرت أكثر من عشرين مجلة ذات تأثير كبير. وفي هذا الإطار صدرت في 1952 مجلات : كومنترى ، ونيوليدر، وبارتيزان ريفيو ، وفي 1953 صدرت مجلة العلم والحرية ومجلة إنكاونتر استكتب فيها أسماء لامعة ومشهورة مثل المؤرخ أرنولد توينبي والفيلسوف برتراند راسل وهربرت سبنسر وكلها مجلات ضد الشيوعية. وخارج أمريكا كانت المخابرات وراء إصدار عدة مجلات ثقافية ترمي جميعها بأسلوب غير مباشر لتشويه الشيوعية وشهد عام 1955 إصدار مجلات : سوفيت سيرفي يرأسها وولتر لاكير ، وتيمبو برزنت بإيطاليا ، وكوادرات في أستراليا وكويست quest في الهند وجييو Jiyu في اليابان وهكذا . وتم الاستعانة بمؤسسة فورد لتنفيذ مشروعات مشتركة بواسطة الجامعيين وكذا مؤسسة روكفلر التي كان هنري كيسنجر أحد خبرائها . وفي منتصف الستينيات من القرن العشرين والحرب الباردة في عنفوانها كان لنادي القلم الدولي (PEN) 76 فرعاً في 55 دولة وبذلت المخابرات الأمريكية كل ما تستطيع من جهد لتحويله إلى منبر لخدمة المصالح الأمريكية . والحق أن التغير في الثقافة هو ما يراهن عليه النظام العالمي الجديد المعروف بالجلوبالية globalism، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي "بوش" الأب أثناء حرب الخليج الثانية 1991 وأداته الرئيسية منظمة التجارة العالمية W.T.O التي أنشئت في يناير 1995 ولا تقتصر مهمتها على مبدأ حرية التجارة كما كانت مهمة اتفاقية الجات من قبل، وإنما أضيف لبرنامجها مبدأ الحرية الثقافية أي حرية الإنسان في أي مكان في تعاطي ما يريده وما يرغبه من ألوان الثقافة دون حظر رقابي من حكومته والهدف تحويل العالم كله إلى النموذج الأمريكي دون إحساس بالدونية . وهذا ما جعل الحكومة الفرنسية تتحفظ على هذا الجانب في منظمة التجارة العالمية حفاظاً على ثقافتها من التحلل والذوبان في النمط الأمريكي. بينما كانت الحرب الباردة في أوجها ، كرست حكومة الولايات المتحدة الأمريكية موارد واسعة من أجل برنامج سري للدعاية الثقافية في أوروبا الغربية. كان أحد الملامح الأساسية لهذا البرنامج هو الحرص الشديد على أن يبدو كأن لا وجود له ، أما الذي يديره فكانت ذراع التجسس السرية لأمريكا، أو وكالة المخابرات المركزية - Congress For Cultural Freedom ، التي كان يديرها رجل المخابرات الأمريكية "مايكل جوسلسون" (يهودي من أستونيا ولد عام 1908) Michael Josselsom " " في الفترة من 1950 إلى 1967. وفي قمة ازدهارها، كان لمنظمة الحرية الثقافية مكاتب في 35 دولة ، ويعمل بها عشرات الموظفين، وتصدر أكثر من 20 مجلة ذات نفوذ، وتنظم المعارض الفنية وتمتلك مؤسسات إعلامية، وتعقد مؤتمرات دولية تحضرها شخصيات بارزة ، وتكافئ الفنانين والموسيقيين بالجوائز، وترعى معارضهم وحفلاتهم، معتمدة على شبكة واسعة وشديدة التأثير من رجال المخابرات وخبراء الإستراتيجية السياسية ، والمؤسسات الرسمية والروابط الدراسية القديمة في الجامعات. بالاعتماد على ذلك كله بدأت وكالة المخابرات المركزية منذ عام 1947 في بناء كونسورتيوم (اتحاد) Consortium له واجب مزدوج : تحصين العالم ضد وباء الشيوعية ، وتمهيد الطريق أمام مصالح السياسة الخارجية الأمريكية في الخارج. وكان من نتيجة ذلك، أن تكونت شبكة محكمة من البشر الذين يعملون بالتوازي مع الوكالة للترويج لفكرة مؤداها أن العالم في حاجة إلى "سلام أمريكي pax Americana وإلى عصر تنوير جديد، وأن ذلك سوف يسمى بـ "القرن الأمريكي" وكان ذلك " الكونسورتيوم" هو السلاح السري في الصراع الأمريكي أثناء الحرب الباردة ، وهو سلاح له نتائج واسعة في ميدان الثقافة. مؤسسة التجسس الأمريكية هذه ، ظلت تعمل دون أن يُكتَشفَ أمرها ودون منافسة على مدى ما يزيد من عشرين عاماً ، وظلت تدير جبهة ثفافية معقدة، مدعومة على نحو كبير، جبهة في الغرب ومن أجل الغرب باسم حرية التعبير. كانت عضوية ذلك "الكونسورتيوم" تضم مجموعة من الراديكاليين السابقين ومثقفي اليسار الذين تحطم إيمانهم بالماركسية. أولئك اليساريون السابقون كان لابد من تجميعهم ودمجهم معاً في هذه المؤسسة نفسها مع وكالة المخابرات المركزية – CIA ، وهو أمر قد يبدو غير قابل للتصديق، كانت هناك مصلحة مشتركة حقيقية، وكان هناك اقتناع بين الوكالة وأولئك المثقفين الذين استؤجروا لكي يخوضوا الحرب الثقافية .. حتى وإن لم يعرفوا ذلك. وفي عام 1966 نشرت "نيويورك تايمز – New York Times" سلسلة من المقالات التي تكشف العمل السري الذي قام به أفراد تلك الجماعة المرتبطة بالمخابرات المركزية "CIA" هيمنجواي و سيمون دو بوفوار و جان بول ساتر و أندريه مالرو . كان إنشاء الوكالة – CIA بمثابة تغيير شامل في النماذج التقليدية للسياسة الأمريكية ؛ فالشروط التي أنشأتها أدخلت إلى المؤسسة مفاهيم " الكذب الضروري" و" الإنكار المقبول"، وجعلت منها استراتيجيات شرعية في وقت السلم، وأنتجت على المدى الطويل طبقة حكم خفية قادرة على الابتزاز وإساءة استخدام السلطة في الداخل والخارج دون أدنى شعور بالمسئولية. هذه الخبرة في النفوذ غير المحدود يعبر عنها بطل رواية "شبح هارلوت" للكاتب "نورمان مايلر – Norman Mailer " يقول " هارلوت" : نحن نتدخل في كل شيء إذا كان المحصول الجيد أداة من أدوات السياسة الخارجية، يكون علينا أن نعرف طقس العام القادم، نفس الاحتياج يأتينا أينما نظرنا : المال والإعلام وعلاقات العمل والإنتاج والاقتصادي وأثر التلفزيون، أين تنتهي اهتماماتنا الشرعية ؟ لا أحد يعرف عدد قنوات اتصالنا للحصول على المعلومات من الأماكن المهمة ، كم عدد رجالنا المهمين في "البنتاجون" و "قيادة البحرية" و "الكونجرس" و "مراكز البحوث" و "خبراء تآكل التربة"، "قيادات الطلبة" ، "الدبلوماسيون" ، "المحامين" ، كلهم يزودننا بالمعلومات. وحيث إن المخابرات المركزية – CIA كانت تمتلك خطوطاً جوية ، ومحطات إذاعة، وصحفاً، وشركات تأمين ، وعقارات ، فإن وجودها قد برز في الشئون العالمية بشكل مذهل على مدى سنوات لدرجة أن الناس بدأوا يشكون في أنها هناك وراء كل شيء ... وأي شيء. في بريطانيا كانت إدارة البحث الاعلامي "IRD [2]" التي أنشأتها حكومة "كليمنت أتلى – Clement At tlee " لمكافحة الشيوعية في فبراير 1948 هي أسرع أقسام وزارة الخارجية نموا واتساعا ، وكما شرح " إرنست بيفن – Ernest Bevin " وزير الخارجية ومهندس الـ"IRD" لا يمكننا أن نأمل في القضاء على الشيوعية بدحضها على أسس مادية فقط، إذ لابد لنا من أن نضيف الميل الإيجابي للمبادئ الديمقراطية والمسيحية، لابد من أن نقدم أيديولوجية منافسة للشيوعية. وبالرغم من أسمها العادي الذي لا يحمل أية شبهة إلا أن إدارة البحث الإعلامي "IRD" كانت بمثابة وزارة سرية للحرب الباردة، كانت ميزانيتها سرية (حتى تتفادى مناقشة أنشطتها التي ربما تكون سرية أو شبه سرية ) وكان هدفها هو "إنتاج وتوزيع ونشر دعاية لا يمكن أن تنسب إليها" حسب وصف "كريستوفر وودهاوس – Christopher Woodhouse" الشهير بـ"مونتي –Monty" ، الجاسوس الذي عين بالإدارة في عام 1953 ، وعملا بنظرية " قطرة قطرة" كانت الـ "IRD" تقوم بإعداد تقارير "حقيقية" عن كافة الموضوعات لتوزيعها على أعضاء أجهزة المخابرات البريطانية الذين سيعيدون استخدامها في عملهم. وكما كتب "رالف موراي – Ralph Mur ray " " أول رئيس لـ IRD " من المهم ألا نثير انطباعاً عاماً في المملكة المتحدة أو في الخارج بأن وزارة الخارجية تنظم حملة معادية للشيوعية، إن ذلك من شأنه أن يغضب أو يحرج عدداً من الأفراد الذين لديهم استعداد لتقديم عون مفيد لنا، إذا نحن عرضناهم للاتهام بأنهم يتلقون معلومات معادية للشيوعية عن طريق كيان شرير في وزارة الخارجية يقوم بفبركة دعاية موجهة ضد الاتحاد السوفيتي. كان الكاتب "آرثر كويستلر – Arthur Koestler" المجرى المولد، واحداً من أهم المستشارين الأوائل لـ "IRD" بتوجيهاته وتحت إشرافه أدركت الإدارة فائدة إيواء أولئك الناس والمؤسسات الذين كانوا يرون أنهم بحكم السياسة اليسارية كانوا في موقع المعارضة بالنسبة لمركز السلطة، كان الهدف من ذلك الإيواء له شقان : الأول هو تحقيق تقارب من الجماعات "التقدمية" للتمكين من مراقبة أنشطتها ، والثاني : إضعاف تأثير تلك الجماعات وذلك عن طريق السيطرة عليها من الداخل أو بجر أعضائها إلى منبر مواز وأقل ثورية. قبل مرور وقت طويل كان "كويستلر – Koestler" نفسه قد بدأ يفيد من حملات الدعاية كتابه "الظلام وقت الظهيرة" والذي كان تصويره للفظائع السوفيتية بمثابة أوراق اعتماده عدواً للشيوعية ، هذا الكتاب كان يوزع في ألمانيا تحت رعاية الـ "IRD" وبصفقه تم عقدها مع "هاميش هاميلتون – Hamish Hamilton" مدير دار النشر التي تحمل نفس الاسم (وكان هو نفسه وثيق الصلة بأجهزة المخابرات). كان " آرثر كويستلر – Arthur Koestler" ابنا لطبقة متوسطة من "بودابست" حيث ولد عام 1905 ، وبعد تحول ديني انضم إلى الحزب الشيوعي في أوائل الثلاثينيات، كتب فيما بعد يقول إن قراءته لـ "ماركس وانجلز" كان لها " الأثر المسكر للتحرر المباشر" . في سنة 1932 ذهب إلى روسيا وألف كتاب دعاية بتمويل من الدولية الشيوعية "Communist International" بعنوان "ليالي بيضاء وأيام حمراء" . وعندما ارتفع الصليب المعقوف في مطار موسكو تحية لوصول "ريبنتروب – Ribbentrop" للتوقيع على معاهدة " هتلر – ستالين" ، وعندما عزفت فرقة موسيقى الجيش الأحمر "نشيد هورست فايسل لايد – Horst Wessel Lied" تخلى عن ذلك تماماً. أثناء اعتقاله في فرنسا وقت الحرب كتب "الظلام وقت الظهيرة" بعد ذلك التحق بوزارة الإعلام ليعمل في الدعاية المضادة للنازية ، وهي الوظيفة التي ساعدته في الحصول على الجنسية البريطانية. كان الهدف من جولة المحاضرات الأمريكية في عام 1948 هو تحرير المتعلقين أو "المفتونين باليسار" من أوهامهم ، وأن يندمجوا في تعاون مع بنية السلطة . كان "كويستلر – Koestler" يدعو إلى مرحلة جديدة للعمل يكون واجب المثقفين فيها هو تبرير الجهد الوطني وتجنب الانعزال أو الابتعاد الذي كان ينطوي على مفارقة تاريخية، بعد ذلك كان "جان بول ساتر- Jean-Paul Sartre" يعلن : "حيث إن الكاتب لا يمكنه أن يهرب، فنحن نريده أن يقبض على زمنه بثبات ، إنها فرصته الوحيدة ، خلقت له وهو لها " وهدفنا هو العمل معاً لإحداث تغيرات معينة في المجتمع الذي يحيط بنا. سافر "كويستلر –Koestler" إلى واشنطن حيث حضر عدد من المؤتمرات الصحفية وحفلات الاستقبال والغداء والعشاء، وعن طريق "جيمس بيرنهام – James Burnham" وهو مثقف أمريكي انتقل من الراديكالية إلى مؤسسات السلطة بسرعة مدهشة – تم تقديم كويستلر – Koestler" إلى العشرات من المسئولين في مؤسسات الدولة ومساعدي الرئاسة والصحفيين والنقابات والاتحادات العمالية كانت وكالة (المخابرات الأمريكية "CIA" على نحو خاص مهتمة بـ "كويستلر – Koestler" كان أمامهم شخص لديه ما يقوله لهم. كانت الوكالة منذ فترة تستهويها فكرة ما : هل هناك من هو أفضل من الشيوعيين السابقين لمكافحة الشيوعية ؟ وبالتشاور مع "كويستلر – Koestler" بدأت تلك الفكرة تتجسد ، كان من رأيه أن تدمير الأساطير والخرافات الشيوعية يمكن أن يتحقق فقط عن طريق تعبئة أولئك اليساريين من غير الشيوعيين في حملة واسعة للإقناع ، وبالفعل سوف تصبح إستراتيجية تقوية "اليسار غير الشيوعي " هي الأساس النظري للعمليات السياسية لوكالة المخابرات المركزية "CIA" ضد الشيوعية على مدى العقدين التاليين" أما الأساس المنطقي لهذه الإستراتيجية التي حققت فيها الوكالة تقاربا – وربما تطابقا – مع المثقفين اليساريين ، هذا الأساس المنطقي يقدمه "شليزنجر – Schlesinger" في كتابه "الوسيط الحيوي" ، وهو أحد ثلاثة كتب كانت تشتمل على بذور التطورات المستقبلية ظهرت في عام 1949 (الكتابان الآخران هما: "الإله الذي فشل " ورواية " 1984" لـ " جورج أورويل – George Orwell" أوضح "شليزنجر – Schlesinger" مسار اضمحلال اليسار وشلله الأخلاقي الخطير في أعقاب ثورة 1917 الفاسدة، وتتبع تطور " اليسار غير الشيوعي " لكي يكون الراية التي تتجمع خلفها الجماعات التي تناضل من أجل الحصول على مساحة للحرية. في إطار هذه الجماعة كان المطلوب أن يتحقق "استعادة العصب الراديكالي" بحيث لا يبقى أي مصباح في نافذة الشيوعيين" وكان "شليزنجر- Schlesinger" يقول : إن حركة المقاومة الجديدة تلك كانت في حاجة إلى "قاعدة مستقلة تعمل منها، وهي تتطلب سرية وتمويلاً ووقتاً ومطبوعات صحفية وجازولين وحرية تعبير وحرية اجتماع، وتحرراً من الخوف". أما الافتراض النظري الذي شجع ودفع كل هذه التعبئة لليسار غير الشيوعي ، فكان مدعوماً بشدة من "شيب بوهلن – Chip Bohlen" وأشعيا برلين – Isaiah Ber lin" و "نيكولاس نابوكوف – Nicolas Nabokov" و " افريل هاريمان – Averell Harriman" و "جورج كينان – George Kennan" كما ذكر "شليزنجر- Schlesinger" فيما بعد : "كنا نشعر جميعاً بأن الاشتراكية الديمقراطية هي الحصن المنيع" ضد الشمولية، وأصبح ذلك تياراً تحتياً – وربما سرياً- في السياسة الخارجية الأمريكية أثناء تلك المرحلة . هكذا أصبح الاسم المختصر Non – Communist Left NCL" (اليسار غير الشيوعي ) مسمى شائعاً في لغة الدواوين الحكومية في "واشنطن" بل إنه – كما ذكر أخد المؤرخين – "كان رمزاً لجماعة تحمل بطاقة تعريف معينة". هذه الجماعة التي تحمل بطاقة التعريف المعينة اجتمعت لأول مرة تحت غطاء "الإله الذي فشل" ، وهي مجموعة مقالات تشهد على سقوط الفكرة الشيوعية ، كان "آرثر كويستلر " هو الروح الباعثة وراء الكتاب بعد أن عاد إلى "لندن" في حالة من النشاط والاستثارة على آثر مناقشاته مع "وليم دونوفان- William Donovan" وغيره من واضعي إستراتيجية المخابرات الأمريكية. كان كتاب " الإله الذي فشل " يوزع بواسطة أجهزة الحكومة الأمريكية في كل أنحاء أوروبا، وكانت الدعاية له مكثفة في ألمانيا بشكل خاص، وقد ساندت كذلك وبقوة إدارة البحث الإعلامي "IRD". وإذا كان كتاب "الإله الذي فشل" قد أثبت أن هناك ترحيباً حاراً بمن يرغب في التحول إلا إنه من الصحيح كذلك أنه كان هناك من هم ليسوا على استعداد لأن يلعبوا دور متناول العشاء الرباني على مذبح الحركة المنظمة لمكافحة الشيوعية . وهرع "الكومينفورم" لاستغلال هذا التحفظ بعد الخروج الكارثي في "والدورف استوريا " أصبح "الكومينفورم" أكثر يقظة في تحضيراته للاجتماع التالي: "مؤتمر السلام العالمي – World Congress for Peace" الذي تحدد له إبريل 1949 لكي يعقد في "باريس" وكما توقعت رسالة مشفرة للـ "IRD" في شهر مارس من نفس العام تحمل خاتم "سري للغاية" فإن "الأسلوب المقرر وتنظيم المؤتمر يدلان على أنه سوف يتم استخدامه بكافة الوسائل ليكون بمثابة "كليشيه" للموافقة على أي شيء يريده الاتحاد السوفيتي ". كان من الواضح أن فكرة "الكومينفورم" ستكون أن "الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية هم مثيرو الحرب، وأن الفاشست والكرملين وعملاءه هم الديمقراطيات المحبة للسلام " كان مطلوباً من جميع المراكز والمواقع الدبلوماسية أن "تستكشف كل ما يمكن عمله بغرض إفساد القيمة الدعائية لهذا المؤتمر". لكن "أبناء العم" في المخابرات المركزية "CIA" كانوا في طريقهم إلى الاجتماع الباريسي، في اليوم التالي لمؤتمر " والدورف" سأل " فرانك ويزنر" وزارة الخارجية عما تنوي عمله بخصوص مؤتمر السلام في باريس. كانت وزارة الخارجية قد توقعت – بتشاؤم – أن "يغرى السذج باتباع خط " الكرملين" فيقبلوا " حركة السلام الزائف تلك". أبرق "ويزنر-Wisner" إلى "أفريل هاريمان – Avril Harriman" في إدارة التعاون الاقتصادي (مجموعة مدراء مشروع مارشال) يطلب خمسة ملايين فرنك (ما يعادل 16000 دولار تقريباً) لتمويل مظاهرة مضادة . كان "هاريمان-Hariman" وهو واحد من الأوائل في النخبة السياسية الأمريكية الذين أدركوا أن روسيا قد أعلنت حرباً أيديولوجية على الغرب، كان يفكر في وسائل التصدي لتيار المفاسد القوى المندفع من روسيا" وكان في غاية السعادة أن يقدم دعماً من "مشروع مارشال" للعمليات السرية، وهو الدعم الذي كان يشير إليه "ويزنر" بأنه مجرد شيء بسيط.. أو "مجرد بونبوني" بنص كلماته" ، وعن طريق "إيرفنج بروان – Irving Brown" أجرى مكتب تنسيق السياسات "OPC" اتصالات بالاشتراكي الفرنسي "ديفيد روسيت – David Rousset" مؤلف عدة كتب عن معسكرات الاعتقال ( أيام موتنا- Les Jours De No ter Mort و "عالم المعتقلات L univers Concetrationnaire). في الجانب السوفيتي كان هناك "إيليا اهرنبرج – Elya Ehrenburg" و "ألكساندر فادييف- Alexander Fadeyev" اللذان ظهرا في الاجتماع الرئيسي – كان عملاً من أعمال مكتب الإعلام الشيوعي من البداية إلى النهاية – إلى جانب "يول روبسون- Paul Robesan" و "هوارد فاست – Howard Fast" و "هيوليت جونسون – Hewlett Johnsan" و " فردريك جوليوت كوري- Frederic Joliot – Curie" مفوض الطاقة الذرية الفرنسي والكاتب الدانمركي "مارتن آندرسون نيكسو – Martin Andersen - Nexo " والاشتراكي الإيطالي "بيترونيني – Piettro Nenni" ، وأرسل "شارلي شابلن – Charlie Chaplain" رسالة تأييد، كما بارك قس روسي أرثوذكسي المؤتمر. كان فشل مؤتمر باريس المضاد مخيباً لآمال "ويزنر " والأسوأ من ذلك أنه كانت هناك روح معادية لكل ما هو أمريكي في أجوائه . كتب "هوك – Hook" يقول : الجمهور الفرنسي بوجه عام جاهل تماماً بالحياة وبالثقافة الأمريكية" ، صورته عن أمريكا خليط من الانطباعات المستمدة من قراءة وروايات الاحتجاج الاجتماعي والتمرد (رواية شتاينبك – Steinbeck "عناقيد العنب" نموذج دال) ورايات الانحلال الأمريكي (فوكنر – Faulkner) والتفاهة (سنكلير لويس – Sinclair Lewis) ومن مشاهد السينما الأمريكية ومن التعرض لسيل الدعاية الشيوعية الذي يتسرب إلى الصحافة غير الشيوعية. كان الفيلسوف وعالم الرياضيات الشهير "برتراند راسل – Bertrand Russell" شخصية ذات نفوذ في عام 1950 وهو العام الذي حصل فيه على وسام الاستحقاق البريطاني وجائزة نوبل، "راسل-Russell" كان قد التقى و "لينين- Lenin" ولم يحبه، "قهقهته عند ذكر الذين ذبحهم جعلت الدم يتجمد في عروقي.. كل ما أذكره عنه هو التعصب الأعمى والقسوة المغولية الفظيعة" ، "راسل-Russell" روع المعجبين به بحديث في عام 1948 في القاعة الرئيسية المدمرة في "مدرسة وستمنستر" عندما اقترح تهديد "ستالين – Stalin" بالقنبلة الذرية. في ذلك الوقت كان "معادياً عنيفاً للشيوعية وأصر على أن القوة العسكرية وإعادة التسليح لابد من أن تكون لهما الأولوية على أي شيء آخر بالنسبة لنا كما كوفئ "راسل- Russell" أيضاً من قبل إدارة البحث الإعلامي "IRD" التي كان يسعده أن يتلقى منها "هدايا بسيطة من وقت لآخر. ولكن "راسل-Russell" الذي كان "صقراً" في ذلك الوقت، كان في منتصف الخمسينيات يدعو إلى نزع السلاح النووي. في أوائل عام 1951 ، أرسل "نابوكوف – Nabok" مذكرة سرية وبها خطة موجزة لمهرجان فني كبير الهدف هو تحقيق : "أول تعاون وثيق بين المؤسسات الفنية الأمريكية الرفيعة في أوروبا والمؤسسات الأوروبية ، وكذلك مؤسسات الإنتاج الأمريكية والمؤسسات الأوروبية، وأن يكون التعاون على نفس المستوى" من هنا سيكون لها أثر مفيد على الحياة الثقافية في العالم الحر، بإبراز التضامن الثقافي والتعاون المتبادل بين الحضارتين الأمريكية والأوروبية ، ولسوف يكون ذلك تحدياً من ثقافة العالم الحر لثقافة العالم الشيوعي، ومصدر دعم "وتقويم معنوي" : للمثقفين الفرنسيين بخاصة لأنه سوف يعطي معنى وهدفاً مرة أخرى للحياة الثقافية المفككة والمشوشة في فرنسا ومعظم أوروبا". وفي 15 مايو1951 أصدرت اللجنة التنفيذية لمنظمة الحرية الثقافية تعليمات لـ"نابوكوف" بصفته رئيساً للسكرتارية الدولية بأن يمضي بالفكرة نحو التنفيذ. وبعد جولة واسعة في أمريكا عاد "نابوكوف Nabokov" إلى أوروبا بعدد من العقود والوعود من كثيرين بحضور المؤتمر الذي تحدد موعده ليكون في شهر ابريل 1952 . ومن بين الذين كان حضورهم أو المشاركة بأعمال لهم ضمن برامج "نابوكوف Nabokov" "إيجور سترافنسكي" و " آرون كويلاند" و " باليه مدينة نيويورك" ، و " أوركسترا بوسطن السيمفوني" و "متحف الفن الحديث" في نيويورك، و " جيمس ت.فاريل" و " فيرجيل طومسون" و " ألن تيت" و "جان كوكتو" و " لورانس أوليفييه" و " أوبرا كوفنت جاردن" و "أندريه مالرو". كما تم اختيار أعمال للتعبير عن "الجهد الإبداعي لهذا القرن الذي نعيش فيه من تأليف : "صمويل باربر" و " وليم والتون" و " جوستاف ماهلر" و " إريك ساتيه" و "بيلا بارتوك" و "جورج أوريك" و "آرون كوبلاند" و الفيلسوف "برجسون" و " برتراند راسل". كان المليونير "جاليوس فليشمان – Julius Fleishmann" هو الذي يقدم الأموال للـ"CIA". أما المناقشات الأدبية فكانت مسألة مختلفة . ظهر على المنصة كل من "ألن تيت" و "روجر كايلوا" و " إيوجينيو مونتالي" و " جيدو بيوفيني" و " جيمس ت.فاريل" و "وليم فوكنر" و "إجنازيو سيلوني" و "أندريه مالرو" و " ريمون آرون" . "سارتر-Sartre" رفض أن يحضر المهرجان معلقاً بطريقة جافة بأنه "ليس معادياً للشيوعية إلى ذلك الحد" ، ولو أنه كان هناك لغادر المكان مثل بطل مسرحيته "الغثيان". وتتذكر "ديانا جوسلسون – Dinan Josselson" باريس " تلك الأيام التي كانت تموج بالعداء للتوجهات الأمريكية ، ففي كل مكان كانت هناك ذهنية " عد إلى بلادك أيها اليانكي!".
الكونسورتيوم لم تتحقق الحرية الثقافية بثمن بسيط على مدى السنوات السبع عشرة التالية ، كان على المخابرات المركزية "CIA" أن تضخ عشرات الملايين من الدولارات لمنظمة الحرية الثقافية والمشروعات المتصلة بها، وبمثل هذا النوع من الالتزام، كانت الـ "CIA" بالفعل بمثابة وزارة ثقافة لأمريكا. أحد الملامح الرئيسية لجهود الوكالة من أجل تعبئة الثقافة كسلاح في الحرب الباردة، كان تنظيمها الدقيق لشبكة من الجماعات "المستقلة" أو من "الأصدقاء" في اتحاد غير رسمي. كان عبارة عن تحالف "مقاولات" بين مؤسسات خيرية ومؤسسات تجارية وغيرها، وبين أفراد يعملون مع المخابرات المركزية "CIA" لتقديم الغطاء وقنوات التوصيل لبرامجها السرية في أوروبا الغربية. كان "آلان دالاس –Allen Dulles" هو الذي أوحى بفكرة ذلك "الكونسورتيوم" الذي بدأ في بناء مؤسساته بعد الحرب عندما كان هو وشقيقه "جون فوستر دالاس-John Foster Dulles" شركاء في شركة "ساليفان وكرومويل للخدمات القانونية" . كان الأفراد والمؤسسات الذين يوافقون على التعاون مع الوكالة على هذا النحو يعرفون بـ "القنوات الهادئة". كان استخدام المؤسسات الخيرية هو أنسب الوسائل لتمرير مبالغ كبيرة من المال لمشروعات الوكالة دون تنبيه المتلقين إلى مصادرها وبمنتصف الخمسينيات كان تغلغل الـ"CIA" في مجال عمل المؤسسات قد أصبح واسعاً. وفي عام 1976 عينت لجنة للتحقيق في أنشطة المخابرات في الولايات المتحدة فكتبت تقريراً عن اختراق بين الـ 700 منحة التي تزيد عن العشرة آلاف دولار، والتي قدمتها 164 مؤسسة، كان هناك ما لا يقل عن 108 منحة تبرعات جزئية أو كلية لصالح الـ"CIA". كانت المؤسسات الحقيقية (وليست الوهمية) مثل "مؤسسة فورد – Ford Foundation" و "مؤسسة كارنيجي- Carnegie Foundation" و "مؤسسة روكلفر – Rockefeller" تعتبر الغطاء الأفضل للدعم ، والمقبول ظاهرياً" وفي 1966 توصلت دراسة للـ"CIA" إلى أن ذلك الأسلوب "كان مفيداً من الناحية العملية بالنسبة للمؤسسات التي تدار ديمقراطياً، والتي كانت في حاجة إلى أن تؤكد لأعضائها والمتعاونين معها من غير المدركين للخلفيات، وكذلك لنقادها، أن لديها مصادرها الحقيقية والمحترمة الخاصة لهذا الدخل" ، والمؤكد أن ذلك قد مكن الـ"CIA" فيما يبدو – من " تمويل وإعانة عدد لا بأس به من برامج العمل السري الذي كان له تأثيره على التجمعات الشبابية والاتحادات العمالية والجامعات ودور النشر وغيرها من المؤسسات الخاصة منذ أوائل الخمسينيات. وكانت إحدى المغامرات الأولى لـ "مؤسسة فورد" بعد الحرب في مجال الدبلوماسية الثقافية العالمية هي بدء "برنامج النشر المتبادل" بإشراف " جمس لوفلن " ناشر سلسلة "توجهات جديدة" (التي أصدرت أعمال "جورج أورويل و هنري ميللر ) وبمنحة قدرها نصف مليون دولار، بدأ "لافلن- Laughlin" إصدار مجلة "بيرسبيكتيفز –Perspectives" الموجهة لليسار غير الشيوعي في فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا (وكانت تصدر بتلك اللغات كلها). كان مجلس إدارة "برنامج النشر المتبادل" يضم عدداً كبيراً من خبراء الحرب الباردة، كما كان يستهدف إلى جانب ذلك أولئك المثقفين الأمريكيين الذين كانوا يشعرون بان أعمالهم لا تقدر حق قدرها. "كان مالكولم كولي " أحد الرعاة والداعمين الأوائل لـ "بيرسبيكتيفز –Perspectives" التي قدمت صورة لأمريكا بعيداً عن الأفلام السينمائية والقصص البوليسية والكتب والمجلات الهزلية التي كانت تحوي إعلانات أكثر من النصوص "وكان بيري ميللر – Perry Miller" أحد الأكاديميين يدافع عن ذلك بقوله : "يجب الا تكون هناك أية مادة دعائية لنمط الحياة الأمريكية، وسوف يكون هذا الحذف في حد ذاته هو أهم عناصر الدعاية بمعناها الجيد". الالتقاء بين بلايين " روكفلر وحكومة الولايات المتحدة فاق حتى نظيره في مؤسسة فورد " وانتقل " جون فوستر دالاس " و " دين راسك " فيما بعد – من رئاسة مؤسسة فورد " ليصجا وزيري خارجية خبراء الحرب الباردة. الآخرين مثل " جون جي ماكلوي " و " روبرت ايه لافيت " ظهروا أيضاً كأمناء في مؤسسة روكفلر. كان "سيدني هوك – Sidney Hook" هو القوة الدافعة وراء اللجنة الأمريكية للحرية الثقافية التي أنشئت في عام 1951 ، كما كان أول رئيس لها وكما يقول "لورانس دو نيفي" فإن "هوك" كان يعمل مع الـ "CIA". كانت الحياة الثقافية في "نيويورك" في الثلاثينيات تقارن بنظيرتها في "موسكو" وكانت "بارتيزان ريفيو" التي أنشأتها جماعة من "التروتسكيين" من "سيتي كولدج" هي المعبر عن قلق تلك المقارنة ، بدأت المجلة كمطبوعة داخلية خاصة بـ "نادي جون ريد – John Reed Club" الذي كان يسيطر عليه الشيوعيون ، وصنعت لنفسها لغة هادئة للتعبير عن الأفكار الماركسية، لكن أحداث 1939 – 1940 دمرت قواعدها . وبتوقيع معاهدة عدم الاعتداء بين الألمان والسوفيت بدأ كثير من المثقفين يغيرون وجهتهم بعيداً عن أفكار الشيوعية اللينينية، ويتوجهون إلى راديكالية "تروتسكي المنشقة تخلى البعض عن اليسار تماماً وتحول إلى الوسط السياسي وربما إلى اليمين، والآن ، وجدت "بارتيزان ريفيو" نفسها تصنع لغة مضادة للتعبير عن معاداة الستالينية وإعادة تعريف الراديكالية بمضمون غير شيوعي . كانت مراكز قيادة معاداة الستالينية "الاحترافية" هذه هي "اللجنة الأمريكية للحرية الثقافية" والمجلات التي كان محرروها أعضاء في مجالس إدارتها وهي بالتحديد "كومنترى – Commentary" و "نيوليدر – New Leader" و " بارتيزان ريفيو – Partisan Review" لكن الآن، وبينما كان المركز قد بدأ يتماسك، كانت "بارتيزان ريفيو" على وشك التوقف. وبدعمها للمجلات الأمريكية. كانت الـ "CIA" تخرق ميثاقها التشريعي الذي كان يحرم دعم المجلات المحلية وفي حالة "بارتيزان ريفيو" و "نيوليدر" كان هناك سببان مقنعان لتجاهل هذه النقطة القانونية : أولاً : المجلتان كانتا تقدمان رأس جسر للمثقفين الأمريكيين و الأوروبيين الذين تجمع بينهم أرضية معادية للشيوعية لكنهم متفرقون بسبب الخلافات الجيويوليتيكية والثقافية . وثانياً : أن الدعم المالي وفر ما كان يصفه " مايكل جوسلسون" بـ"المجن الواقي" ضد " الغضب" المتوقع من "بارتيزان ريفيو" و "نيوليدر" عندما اكتشفتا – كما سيحدث قبل وقت طويل – أن وضعهما في سوق الأفكار كان يواجه خطراً شديداً .
المجلة شغلت مجلة " انكاونتر – Encounter" التي صدرت من 1953 إلى 1990 موضعا مركزيا في التاريخ الثقافي لفترة ما بعد الحرب. ويمكن ان يقال إنها كانت شديدة الحيوية والانفلات مثل حفل كوكتيل أدبي، كان هنا أن نشرت "نانسي ميتفورد " مقالها الشهير : "الأرستقراطية الإنجليزية" وهو تحليل ذكي، شديد السخرية من الاعراف الاجتماعية البريطانية التي خلقت التمييز بين الطبقات . كما نشرت المجلة دراسة "أشعيا برلين – Isaiah Berlin" عقد مدهش "والتي ضمنت أربع مقالات عن الادب الروسي ، ودراسات "فلاديمير نابوكوف- Vladimir Nabokov" عن "بوشكين – Pushkin" ، و " إيرفنج هاو – Lrving Howe" عن "اديث وارتون – Edith Wharton" و "ديفيد ماركاند – David Marqand" عن " الإحياء الليبرالي" وقصص "خورخه لوي بورخيس Jorge Luis Borges" ومقالات نقدية لكل من : ريتشارد إيلمان و " جايايراكاش نارايان" و " أرنولد توينبي – Arnold Toynbee" و "برتراند راسل " وجميعهم من أفضل عقول تلك المرحلة . كانت المجلة تقرأ في انجلترا وأمريكا وآسيا وإفريقيا وفي كل الأحوال كانت مجلة أيديولوجية بوضوح، وتعبر عن فكر الحرب الباردة المعادي للشيوعية. "جوليان هكسلي " و " ميرسيا إيلياد" و "ألن تيت" و " ليونيل تريللنج" أولئك وغيرهم كثيرون من المشاهير كانوا يضيئون صفحات "انكاونتر" و "يريف" وغيرهما من المجلات التي كانت تصدرها المنظمة أو الأفرع التابعة لها. كما كانت هناك مجلة "كوادرنوز – Cuadernos" الموجهة لمثقفي أمريكا اللاتينية والتي صدرت في عام 1953 من "باريس" برئاسة تحرير الروائي والكاتب المسرحي "جوليان جوركن" وفي " فيينا" أصدرت المنظمة مجلة "فوروم – Forum" في بداية عام 1954 وكانت شهرية ويحررها الروائي والناقد "فريدريك توربيرج". ص239 وصدرت مجلة " العلم والحرية – Science and Freedom" في خريف عام 1953. أما مجلة "سوفيت سيرفي – Soviet Survey" فصدرت كنشرة شهرية في عام 1955 برئاسة تحرير المؤرخ "وولتر لاكير – Walter Laqueur" الذي كان الممثل الرسمي للمنظمة في إسرائيل . وفي شهر إبريل 1956 ظهر العدد الأول من مجلة "تيميو برزنت – Tempo Presente" في إيطاليا . كان يقوم بتحريرها " اجنازيو سيلوني" ، وكانت أول تحد خطر يواجه مجلة "توفي أرجومنتي – Nuovi Argomenti" التي أسسها "ألبرتو مورافيا عام 1954 ، وكانت شديدة الشبه بمجلة "ساتر" : الأزمنة الحديثة – Le Temps Modernes"". وفي الهند، أصدرت المنظمة مجلة " كويست – Quest" في أغسطس 1955، هاجمها الشيوعيين الهنود بسبب ما فيها من دعاية أمريكية "خبيثة". ويقول أحد عملاء الـ "CIA" اللغز الحقيقي هو كيف كانت كل تلك المجلات تعمل. " كان من المستحيل أن يذهب كل أولئك المثقفين إلى حفل كوكتيل معا.. لكنهم كانوا كلهم في "بريف- Preuves" ، وتيميو برزنت – Tempo Presente" و " انكاونتر – Encounter" كان من المستحيل أن يحدث ذلك في أمريكا. وكعضو في "لجنة تحرير المجلات الثلاث" التي أنشئت لتنسيق السياسة التحريرية لـ "انكاونتر" و " جير مونات " و "يريف" ، كان " لاسكي(من قيادات CIA)" الآن قد أصبح عضواً في فريق صغير يقرر كيفية صياغة قضايا المنظمة. كانت اللجنة تجمع بانتظام في "باريس" ، وينضم إليها "جوسلسون" و "نابوكوف " و "دو روجمو" ، وتقوم بتحليل أداء المجلات وتتفق على موضوعات لطرحها في الأعداد التالية. ويكشف تقرير بتاريخ إبريل 1956 عنوانه (بعض الملاحظات عن "يرف" و "انكاونتر" و "دير مونات") عن مدى تأثير ونفوذ "لاسكي" على المجلات الثلاث. في سبتمبر 1945 تسلم "كورد مايور – Cord Meyer" قسم المنظمات الدولية "IOD" من توم "برادن" الي تقاعد من الـ "CIA" وانتقل إلى "كاليفورنيا" ليحرر جريدة اشتراها له "نلسون روكفلر –Nelson Rockefeller" ورث "مايور" منظمة تمثل التركيز الأكبر والوحيد للأنشطة السياسية والدعائية السرية للـ "CIA" التي كانت قد أصبحت مثل الأخطوبط. وكمحرر لمجلة "ييل ليت" ، كان " مايور" يسير على خطى "جيمس جيسس أنجلتون – James Jesus Angleton الذي أصبح الرئيس الأسطورى للمخابرات المضادة في الـ"CIA" كان " أنجلتون" شخصية أدبية راديكالية، وهو الذي قدم " إزرا باوند-Ezra Pound" لجامعة " ييل" وأسس مجلة " فيوريوزو-Furioso" للشعر (ظهر اسمه كمحرر للمجلة على الترويسة حتى عندما كان رئيساً للتجس المضاد في روما). كان "أنجلتون" هو وسيلة الاتصال الرئيسية في ما أصبح يعرف بـ "المصدر p" التي تشير إلى البروفيسور وهو يصور علاقة الوكالة برابطة زملاء الدراسة في الجامعات العريقة. كان من بين الأعضاء البارزين في "المصدر P وليم سولان كوفين – Wiliam Solane Coffin" أحد خريجي "ييل" ، وكان "آلان دالاس" هو الذي جنده يقول "كوفين" وهو يتذكر فيما بعد قراره بالالتحاق بالوكالة: "ستالين" جعل "هتلر" يبدو مثل فرد في فريق كشافة وعندما كان شبح الحرب مع الاتحاد السوفيتي يلوح في الأفق، تركت المعهد للانضمام إلى الـ"CIA" آملا أن أكون مفيداً في المجهود الحربي . كانت الـ "CIA" تقوم بتمويل اليسار غير الشيوعي : كانت تنفق عن سعة، في تلك الأيام لم يكن هناك أي خلاف بيني وبين السياسة الأمريكية ، ولكن باستعادة الأحداث ، أجد أنني لم أكن بتلك البراءة أو النقاء. كانت قائمة الذين جندهم "كوفين" لرابطة الجامعيين تضم : "آرشي روزفلت-Archie Roosevelt" ، الذي كان قد درس الإنجليزية في "هارفارد" تحت إشراف "موريس بورا- Maurice Bowra" عميد "وادام كولدج – Wadham College" الذي كان معارا من "أكسفورد" لمدة عام، و "كيرميت (كيم) روزفلت – Kermit (Kim) Roosevelt" ، ابن عم "أرشي" الذي كان قد سبقه إلى "جورتون سكول" و "هارفارد" بسنوات قليلة. وكان البروفيسور "نورمان هولمزبيرسون" مصدر آخر من مصادر الاتصال ومثالاً للمصدر P وهو عالم إنسانيات محترم، اشتهر بسبب تحريره لكتاب "شعراء اللغة الانجليزية" وهو كتاب من خمسة أجزاء صادر عن "فيكنح – Viking" ، قام بتحريره مع "دبليو اتش أودن – W.H Auden" وكان عضوا في جمعية الدراسات الأمريكية وجمعية اللغة الحديثة ومجلس أمناء مؤسسة "براير – Bryher" ومنذ وصية تركة الشاعر. "H.D" كان " بيرسون" أيضاً ممن يعملون مع الـ "CIA-OSS" مكتب الخدمات الاستراتيجية والوكالة – كما قام بتدريب كثير من العقول الواعدة في "ييل" من بينهم "أنجلتون – Angleton" و "ريتشارد إيلمان – Richard Ellmann" الذي قام بتجنيده للـ "OSS". كان "جيمس جيسس أنجلتون" هو أشهر من أخذهم "ييرسون" تحت جناحه حيث عمل في مجلة "ييل ليت" إلى جوار "ماك جورج بندى – McGeorge Bundy" الذي سيصبح مستشاراً للأمن القومي – فيما بعد- و "والتر ساليفان –Walter Sullivan" الذي أصبح –فيما بعد- محرراً علمياً لـ"نيويورك تيمز" والشاعر "إي ريد ويتيمور الابن . وفي عام 1948 التقي "أنجلتون" بالشاعر والناقد "إزرا باوند – Ezra Pound" في "رايا للو" وأصبحا صديقين حميمين وكان "ياوند" يصفه – فيما بعد – بأنه أحد "المعقود عليهم أمال كبار في الصحافة الأدبية في الولايات المتحدة". وكصاحب خبرة كبيرة، ولكونه ضليعاً في التآمر منذ العمل في الـ "OSS" مكتب الخدمات الإستراتيجية – حمل " أنجلتون" تجربته معه إلى الـ "CIA" حيث أبدى قدرة فائقة في تدبير المكائد البيزنطية. كان " أنجلتون" خبيراً في النباتات وصيد الفراشات والتصوير والأحجار الكريمة والجلود، ومحبا للأوبرا الإيطالية ومعجباً بـ " بول نيومان" و "روبرت ردفورد" و "مارلون براندو" و "بيتر سيللرز" و " شيرلي ماكلين" ومباريات الكريكت. جذبته شبكة "كورد مايور" واتصالاته الواسعة، أو " المصدر P" إلى "كينيون كولدج " حيث كان يقوم بالتدريس هناك شاعراه المفضلان "ألن تيت- Allen Tate" و "جون كرو رانسوم – John Crowe Ransom" وهنا، كان أن أسس "رانسوم" في عام 1938 مجلة "كينيون ريفيو- Kenyon Review" وهي المجلة التي شكلت ذائقة جيل كامل. هنا أيضاً كان تجمع عدد من المواهب في "دوجلاس هاوس" وهو مبنى على الطراز القوطي في وسط الحرم الجامعي، كان يعتبر مكاناً نموذجياً لجامعة من الشعراء الذين أخذهم" جون كرو رانسوم" تحت جناحه، هذه المجموعة التي كانت تسمى بـ "صبية رانسوم" كان من بين أعضائها : "روبي ماكولي" و "راندال جاريل" و "جون طومسون" و "وديفيد ماكدويل" و "وبيتر تيلور" والشاعر الأكبر منهم " روبرت لويل – Robert Lowell" الذي كان عضواً في الكلية. ومن فصول الدراسة الأقل مستوى في مدرسة تجريبية للبنين في "سانت لويس – ميسوري" ، أضاف "كورد مايور" الروائي الشاب" جون هنت – John Hunt" إلى قائمة مجنديه الجدد. تزايد تغلغل الـ "CIA" في الحياة الثقافية للمرحلة بدلاً من ان ينكمش ، فكتب "دويفي" من نيويورك إلى "جوسلسون" بأفكار لمناقشتها في "انكاونتر" من بينها موضوع "ضمير الفرد في مواجهة متطلبات السلطة". رجال الوكالة الآخرون لم يستطيعوا مقاومة جاذبية القلم ، فواصل "جاك طومسون" الكتابة للصحف المدرسية مثل هدسون ريفيو، وفي العام 1961 نشر دراسة مهمة عن الشعر الإنجليزي وكان "روبي ماكولي" يكتب لـ"كينيون ريفيو" و "أيريش يونيفرستي ريفير" وأثناء فترة عمله مع الـ "CIA" واصل الكتابة الروائية التي كان من أهمها : "أقنعة الحب" – 1954- و"نهاية الشفقة" وقصص أخرى – 1958. كما نشرت شركة " هودر آند ستوتون – Hodder And Stoughton" في "لندن" كتاباً عن أفغانستان من تأليف " إدوارد اس هنتر – Edward S.Hunter" أحد العاملين في الـ"CIA" . كما نشر "فردريك برايجر – Frederick Prager" أحد خبراء الدعاية في سلطة الاحتلال العسكري الأمريكي في ألمانيا بعد الحرب، نشر ما بين 20 و 50 مجلداً كانت الوكالة مهتمة بها غاية الاهتمام ، سواء من ناحية الكتابة أو النشر أو التوزيع. كتب أحد كبار المسئولين عن العمل السري في الـ "CIA" الكتب تختلف عن كل وسائل الدعاية الأخرى أساساً ، لأن كتاباً واحداً يمكن أن يغير توجهات وسلوك قارئ بشكل لا يتحقق عن طريق أي وسيلة أخرى، الأمر الذي يجعل الكتب أهم سلاح في استراتيجية الدعاية (بعدية المدى) ، كان برنامج الكتب السرية في الـ "CIA" يسير ونصب عينيه السياسة التالية – كما يقول المصدر نفسه- : نشر الكتب أو توزيعها في الخارج دون الكشف عن أي تأثير أو نفوذ للولايات المتحدة، وذلك عن طريق دعم المطبوعات الأجنبية والناشرين بشكل سري . نشر الكتب التي لا يظهر بها أي أثر لعلاقة واضحة بحكومة الولايات المتحدة ، وخاصة إذا كان موقف الكاتب دقيقاً أو حساساً. الحفز على تأليف الكتب السياسية بواسطة مؤلفين أجانب غير معروفين، إما عن طريق دعم الكاتب مباشرة إذا توفرت إمكانيات الاتصال السري ، أو بشكل غير مباشرة عن طريق الوكلاء أو الناشرين. لم تعلن الوكالة أبداً عن قائمة مطبوعاتها ، ولكن المعروف أن الكتب التي كان لها يد فيها كان من بينها كتاب "لاسكي" "الثورة المجرية" وترجمة " الأرض الخراب" و "الرباعيات الأربع" لـ "إليوت" وبالطبع تلك الكتب التي كان تنشرها "منظمة الحرية الثقافية" أو الأفرع التابعة له بما فيها المجموعات الشعرية وكتاب " هربرت لوتي – Herbret Luthy" الماضي والحاضر : صراع الأفكار من "كالفن" إلى " روسو" ، وكتاب " باتريشيا بليك- Patricia Blake" منتصف الطريق إلى القمر : كتابات جديدة من روسيا "صادرة في 1964 عن مطبوعات "إنكاونتر" ، وكتاب "الأدب والثورة في روسيا السوفيتية" من تحرير " ماكس هايوارد – Max Hayward" و " ليبوبولد لايدز – Leopold Lapedzs" صادر في 1963 عن مطبوعات جامعة اكسفورد ، وكتاب " كوت جيلنكسي" التاريخ والأمل: "التقدم في الحرية"، وكتابا " ماك فاركوهار – Mack Farquhar" ، ورواية السيرة الذاتية: " قبل زمني" من تأليف " نيكولو تاكي – Nicolo Tucci" ، ورواية " الإيطاليون" من تأليف " بارزيني- Barzini" ورواية " زيفاجو" من تأليف " باسترناك – Pasteranak" ، وطبعات جديدة من كتاب " الأمير" لـ "ماكيافيللي – Machoavelli" كما تم ترجمة أعمال "تشيخوف – Chekov" عن طريق " شركة تشيخوف للنشر" وتوزيعها على نطاق واسع كانت "شركة تشيخوف" تتلقى دعماً كبيراً من الـ "CIA" منذ فترة قصيرة. وإلى جانب "جون هنت – John Hunt" الذي كانت الكتابة مهنته الأولى ، كانت الـ "CIA" الوكالة تتباهى بوجود عدد كبير من الروائيين النشطين في صفوفها . في "باريس" كان بيتر ماتيسين – peter Matthiessen" خريج " جامعة ييل" والذي سوف يشتهر فيما بعد بسبب كتابه "نمر الثلوج" شارك " ماتسين" في تأسيس " باريس ريفيو والكتابة لها، كما كتب رواية "الانصار" أثناء عمله مع الـ "CIA" ومن بين الآخرين الذي جندهم "كورد مايور" كان هناك " تشارلز ماكاري –Charles McCarry" والذي كان بعد ذلك بمثابة الرد الأمريكي على " جون لوكاريه – John Le Carre" ، كما كان هناك " جورج ميشنر – George Michener" الذي تشمل أعماله عناوين متواضعة مثل " بولندا" و " ألاسكا " و " تكساس" و "الفضاء" كان " ميشنر" قد عمل مع الـ "CIA" لفترات مختلفة في منتصف الخمسينيات. ثم كان هناك " هووارد هنت – Howard Hunt" مؤلف روايات مثل " شرق الوداع " و"الظلام " و"غريب في المدينة" . عندما كان "هنت" يعمل مع "ويزنر" في الـ "OPC" مكتب تنسيق السياسات – كان عليه أن يكتب بعض الأعمال لمؤسسة فاوست –"Fawcett" للنشر . وفي المكسيك كان مسئولاً عن كتاب الكاتب والمفكر الماركسي الـ "كتميسينو- El Campesino" الحياة والموت في الاتحاد السوفيتي " وهو من أوائل كتابات البوح الشخصي عن فظائع "ستالين" ، التي خرجت من أمريكا اللاتينية . وقد ترجم الكتاب وتم توزيعه على نطاق واسع بمساعدة الـ "CIA" . كما عين " وليم باكلي – William Buckley" رجل المخابرات، لمساعدة مثقف آخر هو الماركسي الشيلي "ايودوكيو رافينيز – Eudocio Ravines" للانتهاء من كتابة "طريق يينان" الذي لا يقل أهمية. وكما يقول " هاري هيوبارد – Harry Hubbard" في رواية "مايلر" شبح هارلوت: كنت تحت أي اسم وهمي أقوم بالمساعدة في كتابة روايات موالية للـ "CIA" وهذا غير كتابة موضوع لمجلة عن البغض الجديد للخطر الشيوعي القديم.
"شخبطة" اليانكي أثناء فترة رئاسته كان "هاري ترومان –Harry Truman" يحب أن يستيقظ مبكرا ويتجه إلى "الجاليرى" القومي وبعد أن راح يحدق في الأعمال الفنية لـ "هولبين - Holbein" و "رمبرانت – Rembrandt" سجل الملاحظات التالية : "متعة كبيرة أن تنظر إلى مثل هذا الكمال الفني .. ثم تفكر بعد ذلك في أمر المحدثين الكسالى .. المختلين عقلياًً كأنك تقارن بين "المسيح" و "لينين". وباحتقاره للمحدثين، كان " ترومان" يعبر عن رأي كثير من الأمريكيين الذين كانوا يربطون بين التجريب – وخاصة الفن التجريبي- ودوافع الانحطاط والتخريب... وأي أمريكا! أمريكا حيث تركل الحداثة مرة أخرى. وكان ذلك بالطبع متسقاً مع الأصولية الثقافية لشخصيات مثل " مكارثي" كما كان جزءاً من العملية المرتبكة والمربكة، فأمريكا التي تدافع عن حرية التعبير في الخارج، كانت تضن بمثل تلك الحريات في الداخل في " الكونجرس" قام " جورج دونديرو George Dondero" وهو نائب من "ميسوري"، ليعلن أن الحداثة ليست سوى جزء من مؤامرة عالمية لإضعاف قوة أمريكا وقال " الفن الحديث كله شيوعي". هذا التقويم العصابي الذي قدمه "دونديرو" وجد صداه لدى زمرة من الشخصيات العامة ، الذين دوي استهجانهم الشديد في قاعة "الكونجرس" وفي الصحافة المحافظة ، وتصاعد هجومهم ليبلغ أحيانا حد الادعاء بأن الفنانين المغرقين في الحداثة ، يتم استخدامهم بشكل غير مباشرة كأدوات في يد "الكرملين" ، كما راحوا يؤكدون أحيانا على أن الرسوم التجريدية ليست سوى خرائط سرية تحدد مواقع الدفاعات الإستراتيجية الحصينة للولايات المتحدة . وبينما كان "دونديرو" يرى في "التعبيرية التجريدية" دليل مؤامرة شيوعية، كانت صفوة أمريكا الثقافية ترى فيها فضيلة مناقضة لذلك : كانت في نظرهم تعبيراً عن أيديولوجية مضادة للشيوعية ولأنها كانت صامتة سياسياً ، فإن "التعبيرية التجريدية" كانت نقيض "الواقعية الاشتراكية". وبالرغم من الحماقة الواضحة في احتاجات "دونديرو – Dondero" إلا أنه حقق في أواخر الأربعينيات نجاحاً في إفشال المحاولات المتوالية من قبل وزارة الخارجية لاستخدام الفن كسلاح في الدعاية في عام 1947 ، حقق المحافظون انتصارا باكرا عندما أجبروا الوزارة على سحب معرض بعنوان : "تطور الفن الأمريكي" كان عبارة عن مجموعة اعمال مختارة مكونة من 79 عملاً "تقدميا" ، من بينهما أعمال لـ "جورجيا أوكيفي –O keefe Gorky" وأدورلف جوتليب وأرشيل جوركي. ولجأت وكالة المخابرات المركزية "CIA" مرة أخرى إلى القطاع الخاص لكي تمضي نحو تحقيق أهدافها. معظم المتاحف والمجموعات الفنية في أمريكا – كما هي الآن – ملكية خاصة، وتمول بشكل شخصي ، متحف الفن الحديث "MoMa"[3]. كان متحف الفن الحديث – "MoMa" محافظاً على مسافة تبعد عن الـ "CIA" ، وبالتالي فإنه كان يقدم غطاء معقولاً لمصالحها. والتفحص الدقيق للجان المتحف ومجالسة يكشف عن وجود صلات كثيرة له بالوكالة. وبفضل التعاون مع "منظمة الحرية الثقافية" ، أصبح " متحف الفن الحديث" يستطيع الوصول إلى أرقى المؤسسات الفنية في أوروبا. ولا يوجد شك كبير في أن تكون هذه الأفكار والآراء السائدة قد تم صياغتها طبقاً لأجندة سياسية وليس فنية فقط. كانت أجندة تم التصديق عليها من الرئيس " ايزنهاور" شخصياً والذي كان يدرك قيمة الفن الحديث – بخلاف " ترومان" من قبله- ويعتبره " من ركائز الحرية". وكان " جورج كينان – George Kennan" يدعو إلى أيديولوجية " الفن الحر" هذه ويحث عليها. وها هو ذا يتحدث لجمهور من نشطاء " متحف الفن الحديث" في عام 1955 فيقول لهم إن من واجبهم " تصحيح بعض انطباعات العالم الخارجي عنا، وهي انطباعات بدأت تؤثر على وضعنا الدولي بشكل مهم " ، ويقول: " هذه الانطباعات السلبية متعلقة بالثقافة أكثر منها بالأحوال السياسية". أما النقطة الثانية التي أثارها فجاءت مفاجئة ومذهلة للجميع " إن أصحاب الأنظمة الشمولية قد أدركوا أنهم إذا ظهروا على أنهم يتمتعون بثقة وحماسة الفنانين ، فإن بإمكانهم أن يزعموا أنهم صنعوا حضارة مليئة بالأمل، وجديرة بالتصديق... وأنا أرى أنه من المؤسف أن يكونوا قد توصلوا إلى ذلك الإدراك قبل الكثيرين منا". وفي هذا الإطار ، لابد من أن ننظر إلى دعم " منظمة الحرية الثقافية" للرسم التجريدي والتجريبي وتفضيله على الرسوم التمثيلية الواقعية. ومن تصريحات "توم برادن" و "دونالد جيمسون" يتضح أن الـ "CIA" كانت تشعر بان لها دوراً لابد من أن تقوم به لتشجيع تقبل هذا الفن الجديد. لكن ماذا عن الفنانين أنفسهم ؟ ألم يعترضوا على خطاب الحرب الباردة (الذي كان " بيتر فوللر- Peter Fuller" يسميه: الغسيل الأيديولوجي ) ، والذي كان عادة ما يصاحب عرض أعمالهم؟ أحد الملامح الغريبة للدور الذي لعبه الفن الأمريكي في الحرب الباردة الثقافية، ليس فقط أنه أصبح جزءاً من تلك المؤسسة، بل لأن حركة كانت تعلم عن نفسها أنها ليست سياسية، أصبحت مسيسة هكذا وعلى نطاق واسع كان الفنان " بول بيرلن – Paul Burlin" قد أعلن أن "الفن الحديث هو حصن التعبير الفردي الخلاق بعيداً عن اليسار السياسي .
الوصاية على الأخلاق والقيم في عام 1787 ، وفي أحد الفنادق الصغيرة بالقر من " مولا – Moulins" كان رجل عجوز – أحد أصدقاء "ديدرو[4] – Dide rot" يحتضر، بعد أن كان الفلاسفة قد أفسدوا أفكاره. القساوسة المحليون، الذين كانوا في حيرة من أمرهم.. حاولوا... وجربوا كل شيء... لكن بلا جدوى. رفض الرجل الطيب الطقوس الأخيرة وقال إنه مؤمن بوحدة الوجود. "مسيو" "دور رولبو – de Rollebon" الذي كان مارا بالمصادفة، وكان لا يؤمن بشيء ، تراهن مع كاهن "مولا" مؤكداً أن بإمكانه أن يعيد الرجل المختضر إلى المعتقدات المسيحية في أقل من ساعتين. قبل الكاهن الرهان.. وخسر! تسلمه الرجل في الثالثة صباحاً ، اعترف المريض في الخامسة ، ومات في السابعة، قال الكاهن لـ "مسيو دو رولبو" : لابد من ان تكون قوي الحجة قادراً على الإقناع لكي تهزم رجالنا" قال " مسيو دور رولبو" : لم أناقش.. ولم أجادل.. لقد جعلته يخاف جهنم". (جان يول سارتر) "الغثيان" بينما كان استخدام " التعبيرية التجريدية" يتسع كسلاح من أسلحة الحرب الباردة، أطلقت أمريكا اكتشافاً جديداً أكثر كفاءة – الرب! الإيمان الديني بالقانون الأخلاقي كان قد تم الإبقاء عليه في دستور الولايات المتحدة في 1789، ولكنها اكتشفت – والحرب الباردة في ذروتها- أهمية توسل صيحة التهليل ونداء : المجد لله! كان " الرب" في كل مكان : كان هناك في مائة ألف بالون محملة بالأناجيل التي تم إرسالها عبر الستار الحديدي عن طريق " مشروع بالون الإنجيل" في عام 1954 ، فقد طبع شعاره على مرسوم " الكونجرس" الصادر في 14 يونيو 1954 الذي وسع قسم الولاء لكي يتضمن عبارة " امة واحدة تحت راية الرب" وهي عبارة كان " إيزنهاور – Ei-senhower" يرى أنها أعادات تأكيد " تغلغل الإيمان الديني في تراث ومستقبل أمريكا، وبذلك سوف تقوى باستمرار من تلك الأسلحة الروحية التي ستكون أقوى مصادر وطننا في السلم والحرب. وبدأن صورته تظهر على الدولار بعد ان قرر " الكونجرس" في عام 1956 أن تصبح عبارة " نحن نثق بالرب" هي الشعار الرسمي للدولة. كان لابد من إخضاع القوة السياسية لتراث مسيحي قديم هو " إطاعة قانون الرب". أن " الأديان كلها وعلى مدار التاريخ كانت تمجد من يقومون بتدمير العدو. كان الوازع الديني دافعاً لأقطاب الحرب الباردة مثل " آلان دالاس" والذي كان مغرماً بأن يقتبس من الإنجيل استخدامه للجواسيس. ( بواسطة: "يوشع – Joshua" في : أريحا – Jerucho) " عندما انتقلت الـ "CIA" إلى مقرها الكبيير في غابات فرجينيا في عام 1961 عمل " دالاس" على أن تنقش عليه عبارة كان يحب أن يردهها دائماً، وهي مقتبسة من الإنجيل: "ولسوف تعرف الحقيقة، ولسوف تجعلك الحقيقة حراً" (يوحنا: 22-8). وأن يجعل "الرب أداة من أدوات السياسة القومية. والحقيقة أنه مع الدافع الديني الذي كان يشق طريقه في كل بند من بنود الحرب الباردة الرئيسية، كان يبدو أن صرح القوة الأمريكية برمته في الخمسينيات ، كان يعتمد على افتراض احادي رئيسي وهو أن : المستقبل سوف يحسم بين المعسكرين الكبيرين : أولئك الذين يرفضون الله وأولئك الذين يعبدونه. إن صنع هذا المفهوم الذي اختزل تعقيد العلاقات الدولية ليكون صراعاً بين قوى النور وقوى الظلام – كان يعني أن خطاب السياسة الخارجية الأمريكية أصبح يعتمد على الفوارق التي تقاوم المنطق أو العقلانية. كتب " جورج سانتايانا[5] – George Santayan" في عام 1956 يصف العملية الفلسفية التي أصبحت تلك التشوهات بموجبها مسيطرة على العملية التاريخية: الخيال الذي يبقى يسمى المعرفة ، والوهم المترابط يسمى الحقيقة والإرادة المنظومة تسمى الفضيلة. مثل هذه التفرقة ، تأثر بها الكاهن الشاب " بيلي جراهام – Billy Graham" الذي أفاض في تفسير تحذيرات "ترومان" عن نظرية أن " الشيوعية .. الشيطان هو العقل المدبر وراءها... أعتقد أنه لا يوجد تفسير آخر لمكاسب الشيوعية الضخمة التي يبدو أنهم يتفوقون علينا بها في كل مناسبة ، إن لم يكن لديهم القوة الخارقة والحكمة والذكاء. أما " نورمان مايلر – Norman Mailer" فقد استخلص تشخيصاً آخر مختلفاً: إن مرض أمريكا السياسي الشديد هو انها دولة تعتقد أنها أقوم أخلاقياً من الآخرين. في هذا الجو من الجمود المذهبي، كان أن ظهر السيناتور " جو مكارثي- Joe McCarthy" بقوة في "البوتقة" يشبه آرثر ميللر – Arthur Miller" ساحرات سالم "بفترة "مكارثي" ليصور ذنباً متشابهاً مع فارق زمني يبلغ قرنين، "ذنب أن تكون هناك مشاعر غير مشروعة بالاغتراب وبالعداء للمجتمع العادي كما يعرفه أشد خصومه تقليدية، فبدون الشعور بالذنب ما كان يمكن أن تولد مطاردة الشيوعية في الخمسينيات بمثل تلك القوة. وبفضل الله ، وشيطان الثروة – معاً- إلى جوارهم ، استطاع الأمريكيون المعادون للشيوعية أن يجنو ما أصبح ثمار مهنة فرعية منتعشة في هوليود، كانت حملة تطهير الثقافة الأمريكية من كافة شوائب الكفر والإلحاد ، تعمل تحت سيطرة " هيدا هوبر – Hedda Hopper" و "ولويلا بارسونز – Louella Parsons" اللتين كانتا تكتبان في عدة صحف وكأنها مسئولتان عن الصحة الأخلاقية . كانتا تحصلان على رواتب ضخمة، "وصيتان على دير الأخلاق والقيم، شرطيتان تقفان على الأبواب لمنع الآثمين والعصاة، وغير الوطنيين والمتمردين على الاحتشام وآداب المجتمع وغير الجديرين باستنشاق الهواء النقي، مثل النماذج الرسولية على شاكلة "لويس ب. مايور – Louis B.Mayer" و " هاري كوهين – Harry Cohn" و " جاك وارنر – Jack Warner" و " داريل زانوك – Darryl Zanuck" و "سام جولدوين – Sam Goldwyn " وغيرهم. كان هناك أيضاً " وورد بوند – Ward Bond" رئيس " اتحاد شركات السينما للحفاظ على المثل الأمريكية" ، وهي مؤسسة مكرسة لطرد الشيوعيين. هذه " الحرية المقاتلة" ، ما كان يمكن أن تحدث إلا في أمريكا، واعية تماماً بما تشعر به من عبء إمبريالي ، ولصياغة متطلبات (وتضحيات) "السلام الأمريكي " ، كانت تلك الأفلام تحتفي بالخدمة العسكرية وبالجماعة وبإطاعة أمر القيادة، وبسيادة الأعمال الرجولية الجريئة. في هذا الإطار ، كان " جون وين" (الذي عمل المستحيل لكي يتجنب الخدمة العسكرية أثناء الحرب العالمية الثانية ) قد أصبح هو نموذج الجندي الامريكي ، كما أصبح تجسيداً "للروح الأمريكية". السينما ، مثل الدعاية، تتعامل مع الخيال. ولكن هذا الخيال إذا تم تقديمه ببراعة، سوف يعتبره الناس حقيقة ولكي تؤدي " هوليود" هذه الوظيفة جيداً ، فقد أدركت منذ وقت طويل الحاجة إلى تقديم أعمالها بالشكل الذي يتناسب مع المزاج السياسي والاجتماعي. وبالنسبة لأوروبا التي كانت ما زالت مجروحة بذكريات الفاشية، فإن الحقد الأحمق والعنف اللغوي في أفلام هوليود المعادية للشيوعية لم يكن جذاباً إلى حد بعيد . كان حظ أفلام " الكرتون" – والت ديزني وأفلام المشاعر الطيبة مثل " إجازة رومانية و" حظاً أفضل – لكن هذه الجنة الخيالية لم تفتن الأوروبيين كلهم. كانت هناك بنود في جميع الاتفاقيات التجارية تضمن زيادة في حصة الأفلام الأمريكية التي تعرض في دول مثل فرنسا. في يناير 1945 وضع قائمة بأسماء " الأصدقاء" المتوقع أن يساعدوا الحكومة : "سيسيل ب، دي ميل " و " سبيروس ب، سكوراس" و " داريل زانوك " من شركة " فوكس-FOX" ، "بارني بالابان" رئيس شركة " بارامونت " ، ورئيس شركة " يونيفيرسال" و "هاري كوهين" من "شركة ريبابليك" و " وولت وروي ديزني – Walt and Roy Disney" و " إريك جونستون – Eirc Johnston" من اتحاد صناعة السينما. لكن " سي . دي جاكسون" كان لديه أهم من يستطيع الاعتماد عليهم في هوليود وهو "كارلتون ألسوب – Carleton Alsop" عميل الـ "CIA" كان "ألسوب" يعمل في أستوديوهات" بارامونت" وكان منتجاً.. وعميلاً سرياً، ثم عمل في مجموعة MGM" مترو – جولدين – ماير في منتصف الثلاثينيات. تقارير " ألسوب" السرية مثيرة لمن يقرأها ، فهي تكشف عن المدى الذي كان يمكن أن تصل إليه الـ "CIA" في تدخلها في صناعة السينما. الروس أيضاً لم يضيعوا أية فرصة للتأكيد على تاريخ أمريكا السيئ بالنسبة للعلاقة بين البيض والملونين. واستمرت تقارير "ألسوب" في قياس درجة الحرارة السياسية في هوليود لتفصيل العمل المعقد، لجعل المنتجين والأستوديوهات تقبل ما كانت الـ "CIA" تدعوه، بـ "صيغة هوليود" وتم التخلص من كل الأنماط والنماذج السلبية، وإدخال شخصيات روائية تعبر عن أمريكا سليمة مزدهرة. بعد وفاة "جورج أورويل – Geor Orwell" في 1950 بفترة قصيرة، قام " هووارد هنت – Howard Hunt" بإرسال " ألسوب – Alsop" و "فار- Far" إلى إنجلترا لمقابلة – "سونيا – Sonia" أرملة الكاتب، لم يذهبا لمواساتها، وإنما ليطلبا منها التوقيع لهما على حقوق فيلم "مزرعة الحيوان" ، بعد أن حصلت على وعد منهما بأن يرتبا لها لقاء مع بطلها "كلارك جيبل – Clark Gabel" كتب: "هنت" : " ومن هذه الزيارة ، كان أن خرج فيلم الكرتون "مزرعة الحيوان" عن رواية "أورويل" الفيلم الذي مولته الـ "CIA" وقامت بتوزيعه في أنحاء العالم". وتم حل مشكلة السيناريو بتغيير النهاية ففي النص الأصلي لا يمكن التمييز بين الخنازير الشيوعية والرجل الرأسمالي، كلهم منجذبون في بركة العفن ذاتها. أما في الفيلم فيتم تجاهل ذلك التطابق بعناية. رؤية "أورويل" الكابوسية للمستقبل كما عبر عنها في "1984" كانت تروق لخبراء الاستراتيجية الثقافية على عدة مستويات. وكالة المخابرات المركزية – "CIA" وضباط هيئة الإستراتيجية النفسية "PSB" الذين كان الكتاب بالنسبة لهم قراءة مطلوبة) فهموا تماماً فحصه لمخاطر الشيوعية ، متجاهلين حقيقة أن "أورويل" كان يهاجم ويشجب المساوئ والمفاسد التي تمارسها كافة النظم المتسلطة ، سواء من اليمين أو اليسار على مواطنيها، لكن خبراء الدعاية الأمريكية كانوا حريصين على أن يجعلوها تسير في مسار معاد للشيوعية ، مما أدى بأحد النقاد لأن يقول : "مهما كان تفكير "أورويل" وهو يكتب هذا العمل، فإنه قدم للحرب الباردة أحد أكفأ خرافاتها.. كان التلاعب بأمثولة " أورويل" لكي تناسب تحيزات وافتراضات صانعي الفيلم، متسقاً بالطبع مع تحيزات الحرب الباردة الثقافية. الحرب الباردة كانت تعوق باستمرار فكرة أن تكون الثقافة منفصلة عن السياسة. والواقع أن الصراع الثقافي كان حياً ومتأججاً كما يوضح لنا احتفال المؤتمر بالذكرى الخمسين لوفاة " تولستوي – Tolstoy ، في صيف 1960 . كانت المخابرات الأمريكية شديدة الاهتمام منذ زمن بـ "تولستوي" كرمز لمفهوم الحرية الفردية. وهذا الاهتمام يعود إلى أيام الـ "OSS" مكتب الخدمات الإستراتيجية – عندما كان "إيليا تولستوي – llia Tolstoy، المهاجر، وحفيد الكاتب الشهير، يعمل في صفوف الـ "OSS". كما كان هناك أفراد آخرون من عائلة " تولستوي" على اتصال منظم بالـ "PSB" لجنة الاستراتيجية النفسية – في أوائل الخمسينيات وكانوا يتلقون معونات من الـ "CIA" عن طريق "مؤسسة تولستوي" ومقرها " ميونخ". أصدقاء القلم كان العام 1964 عاماً سيئاً بالنسبة لمقاتلي الحرب الباردة. الأوهام التي اعتمدوا عليها كانت تتهاوى أمامهم باضطراد، أولاً: صدر كتاب "الجاسوس العائد من الجليد" كتبه دبلوماسي صغير في السفارة البريطانية في "بون" في خمسة أشهر، مستخدما الاسم المستعار "جون لوكاريه – John Le Carre" وبيع منه 230000 نسخة في أمريكا، ثم مليوني نسخة من طبعة شعبية في عام 1965 بعد أن قدمته "بارامونت" في شريط سينمائي. بعد ذلك جاء فلم " ستانلي كوبريك – Stanley Kubrick" بعنوان " دكتور سترانجلوف" والذي كان بمثابة هجاء لجنون أيديولوجية الحرب الباردة . وفي رسالة نشرتها "نيويورك تيمز"، قال عنه "لويس ممفورد – Lewis Mumford" إنه أول بادرة تغير في إغماءة الحرب الباردة التي كانت تقبض على بلدنا... المريض هو بلدنا والمفترض أنه أخلاقي وديمقراطي ، والذي سمح بصياغة وتنفيذ هذه السياسة دون أن يتظاهر حتى بعرضها للمناقشة. شهدا عام 1964 أيضاً أول عيد ميلاد لمجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس New York Review Of Books " بتوجيه من " جاسون ابيشتين " و " روبرت سيلفرز " كان النجاح الفوري للمجلة إشارة واضحة على أن المثقفين الأمريكيين لم يكونوا كلهم سعداء بأن يكونوا بمثابة المصدقين على شرعية الحرب الباردة ويدورون في فلك دولة الأمن القومي . ومع بدء تشظى الإجماع الحاكم، أعطت المجلة الإشارة لظهور فكر نقدي جديد، حيث كانت لديها الحرية لمناقشة قضايا تسكت عنها مجلات مثل "انكاونتر" المقيدة بنظام هناك إجماع عليه. وإذا كان الانطباع السائد آنذاك هو أن جميع مثقفي "نيويورك " قد حولوا أنفسهم ، عن طريق السيمياء العكسية ، من راديكاليين لامعين لكي يصبحوا مجرد معدن خسيس للـ"CIA" وبقية مؤسسة الحرب الباردة، فإن ذلك كان دليلاً على العكس تماماً. وفضلاً عن كونهم مدافعين على القوة الأمريكية، فقد كان أولئك مفكرون سارعوا نحو استعداد المجلة لشجب الإمبريالية كما كانت تشجب الشيوعية. ومما سبب رعبا كبيراً للـ "CIA" هو أنها أصبحت المنبر الرئيسي للمعارضة الثقافية لحرب فيتنام . ويتذكر "لي وليمز" ، الذي كان أقل رضا عن الإجراءات التي اتخذت للتصدي للمجلة : " كان لدينا مشكلة كبيرة مع "الين" و "اليانج" في جماعة " نيويورك ريفيو" ، وخاصة عندما أصبحت ضد ما يحدث في فيتنام وأصبحت "يسارية" على ذلك النحو ، ويضيف " لم يكن موقف لكمة ولكمة مضادة". في منتصف الستينيات ، كان "نادي القلم الدولي " قد أصبح له 76 فرعاً في 55 دولة، كما اعترفت "اليونيسكو" رسمياً بانه المنظمة الأكثر تمثيلاً للكتاب في العالم. كان من واجبه كما هو محدد في لائحة الوعد بتجنب التدخل في "سياسة الدولة أو الحزب" تحت أي ظروف. كان ذلك الرفض للخضوع للانحياز أو الموالاة، بالإضافة إلى دفاع صلب عن حرية التعبير، كان ذلك وراء اتساع مجال عمل "PEN" في سنوات الحرب الباردة، لكن الحقيقة هي أن الـ "CIA" بذلت كل ما تستطيع من جهد لتحويل "PEN" إلى منبر لخدمة مصالح الحكومة الأمريكية ، وكان "مؤتمر الحرية الثقافية" هو الأداة المحددة لذلك. كان القسم الفرنسي في "PEN" يشعر بالغيظ الشديد ، كان للفرنسيين أسبابهم الوجيهة للقلق. الشكوك بخصوص طبيعة صلات " بوتسفورد" بمنظمة الحرية الثقافية، وبخصوص علاقات هذه المنظمة، وبالتالي بالحكومة الأمريكية ...كل ذلك جعلهم يخشون أن يكون الأمريكيون يحاولون الاستيلاء على "PEN" وكانوا محقين في ذلك. كان "كيث بوتسفورد" هو الذي اتصل تليفونياً بـ "آرثر ميللر – Arthur Miller" في 1965 . ويتذكر "ميللر[6]" : وكان آنذاك يقول أشياء عن "PEN" لم أتبينها جيداً"، في اليوم التالي وصل "بوتسفورد" إلى "باريس" مع "ديفيد كارفر" ، الذي دعا "ميللر" ليكون الرئيس القادم لـ"PEN" . وبعد ذلك كتب "ميللر" : "والواضح أنهم بذلك كانوا قد وصلوا إلى نهاية الخيط . كانت سياسة التهدئة الحديثة تستدعي محاولات جديدة لإظهار التسامح مع الاختلافات بين الشرق والغرب وتحملها بصدر رحب، وهو الأمر الذي لم يكن "PEN" قد اكتسب خبرة كافية للقيام به كان المطلوب هو بداية جديدة، وكانت تلك البداية هي أنا ولكن – كما يقول " ميللر"- "كانت لدى شكوك بأنه يجري استخدامه ، وبدأت أتساءل بيني وبين نفسي ما إذا كانت وزارة خارجيتنا أو الـ "CIA" أو يد بريطانية مشابهة تقوم بإعداد هذه الطبخة الجديدة. " جاء في ذهني – أن تكون الحكومة ربما كانت تريدني أن أصبح رئيسا لنادي القلم الدولي "PNE" ، لأنهم لم يكن لديهم وسيلة أخرى لاختراق الاتحاد السوفيتي، وربنا تصوروا أن الذين سوف يسيرون ورائي يمكن أن يكونوا من رجالهم، لا أظن انهم كانوا يتوقعون مني أن أفعل ذلك . أما فكرة تورط الـ "CIA" في الحياة الثقافية للغرب، واعتبار ذلك " شرا لابد منه" في الديمقراطية ، هذه الفكرة كان مؤيدوها يتناقصون بشكل مضطرد. كتب " اندرو كويكند – Andrew kopkind" عن " الشعور الأكثر عمقاً بالتحرر من الوهم الأخلاقي " يقول : المسافة بين خطاب المجتمع المفتوح وواقع التحكم كانت أوسع مما قد يظن أحد أي واحد ذهب إلى الخارج ضمن أية منظمة أمريكية ، كان على نحو أو آخر شاهداً على نظرية أن العالم مقسم بين الشيوعية والديمقراطية، وأن أي شيء في المنتصف بينهما يعتبر خيانة كان يتم التأكيد على توهم الاختلاف : الـ "CIA" كانت تدعم اشتراكيي الحرب الباردة وفاشيي الحرب الباردة وسود وبيض الحرب الباردة وكانت مفسدة تماماً. يقدم "بريمو ليفي – Primo levi" في " الغريق والناجي " " رؤية مشابهة وإن كانت أكثر تعقيداً من الناحية النفسية" : " هناك ... أولئك الذين يكذبون بوعي، يزيفون الحقيقة نفسها، لكن أكثر من أولئك الذين يبعدون قليلاً أو تماماً عن الذكريات الحقيقية ويخترعون لأنفسهم حقيقة ملائمة ... الانتقال الصامت من الزيف إلى الخداع الماكر مفيد : أي شخص يكذب بحسن نية أفضل ، يقول ما يقول على نحو أفضل ، ومن السهل تصديقه". فإذا كان أولئك الذين شاركوا في الحرب الباردة كانوا يصدقون ما كانوا يفعلونه، فلا يمكن إذن أن يقال إنهم كانوا يخدعون أحداً عن وعي . أما إذا كان ذلك كله خيالاً حقيقة مصنوعة، فإنه لا يقل صدقاً . العملية الديمقراطية التي اندفع مقاتلو الحرب الباردة لكي يجعلوها مشروعة، قوضها افتقارها للإخلاص والصدق. "الحرية" التي نقلتها كانت عرضة للشبهة لم تكن "حرة"، بمعنى أنها كانت في خدمة الصيغة المناقضة لـ "الكذب الضروري" . إن مضمون الحرب الباردة كما رأى المثقفون الأكثر جسارة في " منظمة الحرية الثقافية" كان مضمونا تعمل فيه تحت عنوان الولاء التام لمثل أعلى . كانت الغايات تبرر الوسائل حتى وإن كانت تتضمن الكذب (مباشرة أو بالحذف) على الزملاء ، كانت الأخلاقيات تحت إمرة السياسة لقد خلطوا دورهم ، تابعوا أهدافهم باللعب على حالة الناس الذهنية ، اختاروا تحريف الأشياء على نحو معين على أمل تحقيق نتيجة معينة. كان ينبغي أن يكون ذلك عمل السياسيين أما واجب المثقفين فكان ينبغي أن يكون هو فضح الاقتصاد الشديد الذي يمارسه السياسي بالنسبة للحقيقة، وتقتيره الشديد في نشرها ودفاعه عن الوضع القائم. في سعيهم نحو فكرة مطلقة عن الحرية، انتهى بهم المطاف إلى تقديم أيديولوجيا أخرى ، "مذهب الحرية – Freedomism" أو نرجسية الحرية التي تعلى من شأن المذهب على التسامح مع الآراء الابتداعية المختلفة. بعد سقوط حائط برلين بفترة قصيرة، اتصل أحد ضباط الـ، "CIA" السابقين بـ"جورج إيربان – George Uraban" كان الضابط يزعم أنه هو الذي كان يدير مدرسة الدعاية التابعة للكرملين. سأله " إيربان : هل وجدتم كتاباتنا في "انكاونتر" مفيدة لكم كمفتاح يدلكم على ما كان يخطط له "العدو"؟ وجاءت إجابة الضابط السابق : "مفيدة، مفيدة طبعاً – لقد كانت رائعة لدرجة أنك وزملاءك حررتموني تدريجياً من عهدي وأيديولوجيتي وحولتموني إلى منشق". وهناك حقيقة أكثر رعباً ودماراً وراء "الحنين إلى ماضي تلك " الأيام الذهبية" للمخابرات الأمريكية، ذلك الحنين الذي لم يختبره أحد أو يفحصه: الناس أنفسهم الذين قرأوا "دانتي – Dante" وذهبوا إلى " ييل" ودرسوا قيم الطهارة الأخلاقية.. هؤلاء الناس أنفسهم، هم الذين كانوا يجندون النازيين، ويتلاعبون بنتائج الانتخابات الديمقراطية، ويعطون عقار الهلوسة "LSD" لأشخاص دون دراية منهم، ويفتحون بريد آلاف المواطنين الأمريكيين، ويقلبون الحكومات ، ويؤيدون الأنظمة الدكتاتورية ، ويدبرون الاغتيالات ، ويخططون لكارثة "خليج الخنازير" ويتساءل أحد النقاد : "باسم ماذا كان ذلك كله يتم ؟ لم يكن باسم الاخلاق أو الفضائل المدنية .. بل كان باسم السيطرة!".
[1] من أهم الروائيين الأمريكيين الذين سجلوا في رواياتهم عدائهم الشديد للإشتراكية والشيوعية ، من أهم رواياته " مزرعة الحيوان " – غازي [2] Information Research Department. [3] Museum Of Modren Art [4] من أهم الفلاسفة الماديين الفرنسيين و أحد أهم مؤسسي الانسكلوبيديا في فرنسا قبل الثورة – غازي [5] أحد أهم فلاسفة الفلسفة البرجماتية – غازي [6] المقصود هو : آرثر ميللر ، أمريكي ، مؤلف روائي ومسرحي ، أعلن موقفاً صريحاً ضد الحرب الأمريكية في فيتنام ، متضامناً مع زميله الروائي الأمريكي "جون شتاينبك" – غازي
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلخيص كتاب: نظرة ثانية إلى القومية العربية
-
عن رثاثة البورجوازية الكبيرة في مجتمعاتنا العربية
-
معطيات وأرقام إحصائية عن السكان ومخيمات اللجوء، والأوضاع الم
...
-
رؤية
-
قضيتنا واوضاعنا الفلسطينية الراهنة هل هي في أزمة أم مأزق ؟
-
في الأول من ايار هذا العام وكل عام ...العمال والفلاحين الفقر
...
-
في مناسبة يوم العمال ...الطبقة العاملة الفلسطينية ومخاطر توط
...
-
لماذا يتكرر فشل احزاب وفصائل اليسار العربي في الإنتخابات الد
...
-
فتح وحماس باعتبارهما جزءاً من الإشكالية أو الأزمة الراهنة لا
...
-
مقالات ودراسات ومحاضرات...في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجت
...
-
قراءة في المكانة والدور لكل من -الطبقة الوسطى- و -البرجوازية
...
-
الحكيم وتحديات اللحظة الفلسطينية والعربية الراهنة - 28-3-201
...
-
الثورة الوطنية الديمقراطية.. مفهوم حضوره رهن أداته وجماهيره
-
الحكيم وتحديات اللحظة الراهنة
-
عن ضرورة التأسيس لكتلة تاريخية للخروج من المأزق الفلسطيني ال
...
-
قبسات سياسية وثقافية فيسبوكية - الجزء الثالث
-
قبسات سياسية وثقافية فيسبوكية - الجزء الثاني
-
قبسات سياسية وثقافية فيسبوكية - الجزء الأول
-
الإعمار ... حقائق وأرقام
-
الامطار خير وبركة ولكنه وبال على المشردين واصحاب البيوت المد
...
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|