|
الخطاب الديني السلفي والثقافة السمعية
عبدالله عبداللطيف
الحوار المتمدن-العدد: 1338 - 2005 / 10 / 5 - 12:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مرة سمعت من فتاة جامعية قولها بأن الغناء والموسيقي حرام .. وزاد علي ذلك ما ردده شابا جامعيا – أيضا – أن كل مظاهر الحضارة الحديثة من تقنيات علمية مثل الكمبيوتر والإنترنت وما إلي ذلك من وسائط إتصال حرام حرام حرام.. في الحقيقة لم أستغرب هذا القول من أي منهما، فإستقراء الواقع يجلب هذه النتيجة، لكني حزنت كثيرا أن يكون هذا تفكير شبابنا، وأصبحت كلمة حرام سهلة تجري علي الألسنة وبشكل متكرر، فقد إستند كل منهما إلي ما سمعه من أحد " المشايخ " الدعاه عبر شريط كاسيت، وهكذا فإن الثقافة السمعية تسيطر علي عقول ووجدان أبناءنا، وطالما كان هذا القول صادرا ممن يسمون أنفسهم بالدعاه فلا تعقيب ولا تعليق سوي السمع والطاعة والإيمان بما يقول، علي الرغم من أن الدين أمرنا بالدرس والإجتهاد وإعمال العقل وطلب العلم، وكثيرا ما قلنا أن هناك فارقا كبيرا بين ما هو مقدس وأعني به النص القرآني، وبين ما هو بشري والمقصود تأويل النص والإجتهاد في تفسيره ، فالأول مقدس بذاته أما الثاني فهو نتاج بشري يحتمل الصواب والخطأ ، وغير ملزم بالمرة إلا بالقدر الذي يقنعنا به في ضوء أحكام النص القرآني . ومن واقع هذه الشرائط التي إنتشرت أصبحت هناك مفاهيما وسلوكيات مفروضة علي المجتمع، ومن يفكر مرة في مجرد أن يناقشها يكون كافرا وخارجا عن الملة والدين إلي آخر الأوصاف المعروفة، أصبح مستقرا في ذهن الكثيرين أن النساء ناقصات عقل ودين .. كيف ؟ ، المرأة ذلك الإنسان التي وصلت أعلي مراحل التعليم وتقلدت أعلي المراكز الوظيفية والمهنية، وأصبحت رئيسة للوزراء بل ورئيسة للجمهورية ونائبة برلمانية، لازالوا في السعودية يناقشون هل يسمح لها أن تقود السيارة أم لا ؟ ولازلنا في مصر نبحث هل تتولي القضاء من عدمه ؟ ولا تستغرب إذا سمعت دعوه من بعض الفصائل بضرورة أن تعود إلي منزلها وتلزم بواجباتها في رعاية الزوج والأولاد ويحرمون نزولها إلي ميدان العمل بمبررات ( شرعية ) !!!!! ودوما المرأة هدفا للخطاب السلفي، ولعلها أصبحت ظاهرة تستحق النظر زيادة أعداد المنقبات في المجتمع، ونؤكد علي أن الملبس حرية شخصية للمرء، ولكن أنا أتكلم عن ظاهرة ذات مدلول أيدلوجي ولي عودة إلي مسألة النقاب في مقال مستقل. المهم .. إلي أين يقودنا الخطاب الديني السلفي ؟ الذي لا يجعل للعقل مساحة يتحرك فيها ، ويعتمد علي نقل روايات وحكايات من كتب صفراء عفي عليها الزمن وتجاوزها الواقع يعطيها صفة القداسة والإلزام وإلا كنت خارجا عن الدين مارقا عن أحكام الشريعة محكوم عليك بإهدار دمك .. إذن هو خطاب أحادي لا يعترف ولا يتقبل الآخر مزدوج المعايير ينكر علينا أن نناقشه مجرد أن نناقشه ، رغم أن الله سبحانه وتعالي كفل حرية الإختلاف ليس في الرأي وحسب وإنما في الدين والعقيدة ، وحاور إبليس في موقفه وأعطاه فرصة في عرض وجهة نظره . أما أصحاب الخطاب السلفي قدر أن خطابهم ليس عاقلا وليس معقولا ، قدر إضفاءه صفة القداسة علي تأويل وتفسير وإجتهاد من صنع البشر ، قدر عدم صحة ما يذهبون إليه من أحكام وخلافه ، يصادرون عليك أن تختلف معهم ، وينزلون كلامهم منزلة النص المقدس والعياذ بالله ، وينصبون من أنفسهم متحدثون رسميون بإسم الله يرضون عن هذا ويصبون جام غضبهم علي ذاك ، رغم أنهم بخطابهم هذا يعطون صورة غير صحيحة عن الدين الحنيف ، حتي باتت صورة الدين في عيون غير المسلمين أنه دين يحث علي العنف والإرهاب ويسلب المرأة حقوقها ولا يعترف بالتواصل الإنساني ومخاطبة الآخر .. من المستفيد من ذلك ؟ سؤال نوجهه إلي أصحاب هذا الخطاب .. ولمصلحة من تيئسون الناس وتزرعوا في قلوبهم الخوف والرعب والإحباط .. وتجروننا إلي مناقشة قضايا لا فائدة من ورائها .. ومن أعطاكم الحق إحتكار الحديث بإسم الدين ؟ وهل من مصلحة الدين أن نقحمه في كل قضايانا التي هي محل إختلاف وتمثل أمور دنيوية ، فتصورون إختلافنا حول القضايا الدنيوية أنه إختلاف حول قضايا الدين ، فتجد رموزهم المرشحين في أية إنتخابات نقابية أو برلمانية يرفعون شعارات ذات صبغة دينية مثل أصحاب الأيدي المتوضئة .. والإسلام هو الحل ....الخ بدلا من طرح برامج موضوعية يتفق أو يختلف حولها الناخبون .. وإذا كان هؤلاء أصحاب الأيدي المتوضئة فماذا يعني الأمر بالنسبة للمنافسين ؟ حقا نحن في حاجة إلي خطاب ديني جديد يقدم ديننا إلي الآخر باللغة وبالإسلوب الذي يفهمه ، ويستوعب معطيات العصر ، ويعتمد العقل والمنطق منهاجا له ، ويتعامل مع الإجتهادات برحابة صدر ، ولا يحتكر الحقيقة ، ويدرك أن كل إجتهاد أو تأويل قديمه وحديثه هو مجرد عمل بشري يحتمل الجدل حوله وطرحه علي بساط البحث وقبوله أو رفضه يعد من الأمور العادية ...
______ • عضو المكتب التنفيذي ومجلس أمناء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان • [email protected]
#عبدالله_عبداللطيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|