|
في ذكرى 10 حزيران: الأولوية لمحاربة ودحر داعش ولكن
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4832 - 2015 / 6 / 9 - 21:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تمر علينا الذكرى الأولى للكارثة السوداء التي حلت على العراق باحتلال شر البشر لموصلنا الحبيبة. كارثة سوداء كانت كسواد أعلامهم وسواد قلوبهم وسواد عقيدتهم التكفيرية، التي تقوم على أساس تصعيد العداوة والبغضاء مع كل مغاير دينيا ومذهبيا وفقهيا وسلوكا إلى أقصى درجاتها. أفستمر علينا الذكرى السنوية الثانية لهذه اكارثة، وتكون الموصل وسائر المناطق المحتلة من داعش قد تحررت، أم كم سنة سنحتاج؟ أترك السؤال بعيدا عن التفاؤل والتشاؤم، بل مع التمني. أبشع الجرائم ارتكبتها داعش، من إبادة جماعية، وتطهير ديني ومذهبي، واغتصاب حتى للصغيرات البريئات اللاتي انتهكت طفولتهن بلا أدنى رحمة، ومن استرقاق، لاسيما تلك الجرائم التي ارتكبت بحق أهلينا المسيحيين، والإيزيديين، والشيعة من الشبك والتركمان، والسنة الذين رفضوا البيعة، فكانوا حسينيين في مواقفهم. لا أحد يختلف في أن داعش أو ما يسمى بـ «الدولة الإسلامية» يمثل الخطر الذي لا يقارن به أي خطر آخر، وبالتالي لا بد من أن تكون الأولوية لحشد كل الطاقات، لمحاربة داعش ودحره، واتخاذ كل التدابير للحيلولة دون توفر أي فرصة مجددا لانبعاث ظاهرة تنتمي إلى هذا اللون من الفكر والسلوك الإرهابيين. لكن لماذا يا ترى جعلت عنوان المقالة: «الأولوية لمحاربة ودحر داعش ولكن»؟ بالذات لماذا هذه الـ «ولكن» في العنوان؟ منذ العاشر من حزيران عام 2014 يكاد الكل يكتبون، والبعض يكاد يكتب يوميا في داعش، وكل ما يتعلق بداعش، والتطورات والأحداث ذات العلاقة، مُحلّلا، ومُؤيّدا، وناقدا، ومُعارضا، ومُدينا، ومُطالِبا، ومُقترِحا، و... و... أقول يكاد الكل يكتبون، وكنت ربما واحدا من آخرين، ولعلهم الأقلية، الذين آثروا الصمت، إلا ما ندر بين حين وآخر. ولا أقول إن صمتي وصمت من صمت مثلي هو الموقف الأصح، بل أقول إنه ربما كان الأنسب بالنسبة لي، لا لأني متميز، حاشا لي أن أدعي ذلك، بل لأني، ومثلي على ما أظن كثيرون، لم أعد أفهم ما يحصل، ولذا على الذي لا يفهم أن يلزم الصمت. إذن تميزي هو بالمعنى السلبي، أي هو من نوع الصمت الذي قد لا يكون ممدوحا؛ كوني لا أفهم في وسط من الذين هم أكثر فهما لما يحصل، ولذا يتحتم على الذي يفهم أن يفصح، ويكتب مشكورا، ويسجل المواقف التي تخدم القضية. مع ما بينت من مبرر لصمتي، أراني من جهة أخرى مخطئا في اتخاذ موقف الصمت. من هنا قررت قبل مدة أن أكتب، حتى لو كانت كتابتي في المفاهيم المجردة، والعموميات والافتراضات. وكنت قد بدأت بمشروع مقالة، أبقيتها من غير أن أتمها، فرجعت إليها في ذكرى الكارثة، التي من غير المعقول ولا المقبول أن تمر، دون وقفة لي عندها، لأكمل ما ابتدأته، وأضيف ما يناسب للذكرى، وأضع المقدمة المناسبة لها. أرجع وأقول، الأولوية يجب أن تكون لمحاربة ودحر داعش، ولا يجوز أن تتقدم في الظرف الراهن أولوية أخرى، إلا ما له علاقة مباشرة أو غير مباشرة، من قبيل معالجة ما أدى إلى هذه الظاهرة، وتصحيح المسارات، على الأقل بما يسمح به ظرف الحرب ضد داعش. نعم، كل شيء يجب أن يكون مسخرا للمعركة ضد داعش. وثبت ميدانيا، وليس على سبيل التنظير والافتراض، إن الحشد الشعبي هو الأقدر على مواجهة داعش. الحشد الشعبي قوات تكاد تكون مئة بالمئة شيعية. هذا الواقع يمثل مشكلة مركزية. لكن ما الضرر، ما زال الهدف هو دحر داعش، الذي يمثل الهدف المركزي؟ لكن هنا يفرض علينا نفسه سؤال محق ومشروع، ألا هو ألا يكون تحرير المناطق السنية على أيدي الشيعة حصرا، أو يكاد يكون حصرا، هو نوع من الإذلال للسنة، ويختزن تهمة أن السنة داعشيون بالضرورة؟ وأليس ذلك ما سيكرس ويعمق الشرخ بين الطائفتين؟ ثم أليس من مستلزمات الحيلولة دون تجدد الظاهرة هو إنهاء الحس الطائفي، بدلا من تكريسه وترسيخه وتعميقه وإدامته؟ ثم هل من المعقول أن ليس هناك من السنة من يريد محاربة داعش، كثر هؤلاء أو قلوا؟ ثم هل القضية تكمن في ضعف استعداد مواجهة داعش في الوسط السني، أم هو إنه لم تتح وما زالت لا تتاح لهم الفرص لذلك؟ الواقع يقول إن هناك من السنة من يريد المشاركة الفاعلة في مقاتلة داعش. والكل يعلم إن مشاركتهم ضرورية. وبعضهم التحق بالحشد الشعبي، ولا أعرف حجم هذه الظاهرة، وآخرون قاتلوا ويقاتلون بمسميات أخرى، كـ «أبناء العشائر»، وما زال مشروع الحرس الوطني ينتظر. لكن، ومن أجل ألا ندور حول الحقيقة ونخشى الولوج إليها وكشفها، بالرغم إنها لم تعد خفية على أحد، وهي إن هناك مخاوف من الجانبين. التخوف الشيعي من إشراك السنة في مقاتلة داعش، وتأهيلهم من أجل مقاتلة داعش، عبر التسليح المناسب مع حجم وخطورة المعركة، أن يذهب السلاح، أو الكثير منه، أو بعضه، إلى داعش. بعض هذه المخاوف تملك مبرراتها، والسبب إن حاضنة داعش الاجتماعية كانت دائما سنية، ومن المستحيل أن يمثل الشيعة بأي مقدار حاضنة لداعش، كون داعش تعتبر الشيعة هم العدو رقم واحد، والكفار الأشد كفرا من كل كفار مشارق ومغارب الأرض. وعندما أقول، وهذا سبق وأن ذكرته في مقالة سابقة، إن حاضنة داعش سنية، فهذا يختلف تماما عن القول إن السنة هم حاضنة داعش، لأن في القول الأول تبعيض، وفي الثاني تعميم وإطلاق. فكم هو هذا البعض، ممن يمثل الحاضنة لداعش وفكر داعش، وما كان شبيها بها؟ شخصيا لا أستطيع البت في ذلك، بل أتركه للعارفين عن قرب معرفة ومعايشة ميدانية، والذين يتحلون إلى جانب معرفتهم الميدانية بالموضوعية والتجرد. لكن كما للشيعة مخاوفهم، فللسنة مخاوفهم المفهومة أيضا، في أنه إذا ما كان الشيعة هم الذين سيحررون مناطقهم من الاحتلال الداعشي، فإن في ذلك إذلالا للسنة، وتكريسا للنفوذ الإيراني، وتعضيدا لمفهوم حاكمية الشيعة للعراق. وهم في مخاوفهم وتحفظاتهم هذه مُحِقّون، كما إن الشيعة محقون في مخاوفهم. أرجع وأكرر ما قلته وكتبته سابقا، إن مشكلتنا: أننا سنة وأننا شيعة. لكن هل نستطيع أن نغير هذا الواقع على المدى المنظور؟ بكل تأكيد لا. بل وسيبقى تشيع الشيعي، وتسنن السني، يؤثران للأسف في الشأن العام، وحتى تحقيق حلم أن تكون كل من شيعية الشيعي وسنية السني شأنا شخصيا محضا، وخاصا به وحده، ولا يقحم في الشأن العام، وبالتالي في السياسة وشؤون الدولة والمجتمع. متطرفوا الشيعة يريدون إذلال السنة، ويبيحون التجاوز عليهم، وحتى ارتكاب الجرائم ضدهم، انتقاما منهم لما ارتكبته داعش، وارتكبه معهم الطائفيون السنة من جرائم ضد الشيعة. ومتطرفوا السنة يفضلون داعش على حكم الشيعة، فكل شيء يهون عندهم دون الخضوع لحاكمية الشيعة. لكن، والحمد لله، ليس كل الشيعة طائفيين، ولا كل السنة طائفيين. قد يقول البعض إن طائفية هذا أو ذاك الفريق أشد وأوسع وأعنف من طائفية الفريق الثاني. لا أريد أن أعطي تخمينات لنسبة هنا أو هناك. لكن على نحو الإجمال أصبح معروفا لدى الجميع إن الطائفية أمر سيئ، وإن كل طائفية مقيتة، وكلما اشتدت ارتفعت ممقوتيتها. والدليل على إن هذه القيمة فرضت نفسها، نجد حتى الطائفيين، يخفون طائفيتهم، ويتكلمون عن الوحدة، وعن المواطنة، وإلى غير ذلك، باستثناء الذين نزعوا كل ثياب الحياء، وأسفروا عن عورات طائفيتهم من هذا أو ذاك الفريق. بكل تأكيد حصلت تجاوزات ذات نفس طائفي من قبل الحشد الشعبي على بعض أهالي المناطق المحررة. هل كانت حالات مفردة، أم ظاهرة واسعة؟ هل بتصرف ذاتي للبعض، أم بتحريك خفي من بعض قيادات الميليشيات من وراء ستار؟ نأمل أن تكون ليست إلا حالات مفردة، وأن تكون من غير تحريك خفي أو قبول بإغماض العين من بعض القيادات، مما لا نستطيع تعميم نفيه، إن نفيناه. وسبق وبينت إن الذين يبالغون في التجاوزات، ويضخمونها، هم بكل تأكيد من السنة الطائفيين، أو من الذين تكونت لديهم صورة لا تمثل الواقع، هذا طبعا إذا كانت هناك ثمة مبالغة. وإذا كان هناك إنكار، أو تقليل من حجم التجاوزات، فهذا الإنكار أو التقليل إنما يصدر من طائفيين شيعة، أو من الذين تكونت لديهم صورة لا تمثل الواقع. وفي كلا الحالتين من عدم امتلاك صورة تطابق الواقع، متأتية من استمداد الشيعي للمعلومة من وسطه الشيعي، والسني من وسطه السني. المرجعية الشيعية في النجف التفتت إلى خطورة تصعيد الحس الطائفي، ونبّهت مشكورة على ذلك، وحذّرت منه، ونهت عنه. لكن هل التزم الجميع بتعليماتها؟ لا أدري، وإن كنت أشك، إلا أني أتمنى أن يكون عدم الالتزام لا يمثل هو الآخر إلا حالات مفردة. طبعا الحالة المثالية أننا لا نحتاج إلى فتوى دينية من المرجعية لنلتزم بالثوابت الإنسانية والأخلاقية والوطنية. لكن ماذا نفعل عندما تكون لدينا ملايين لا يحركهم الدافع الوطني، ولا الوازع الأخلاقي، بقدر ما تحركهم وتضبط حركتهم الفتوى، وحتى الفتوى يجري في كثير من الأحيان تجاوزها، إذا غلب الحس الطائفي، ولم تشبع الفتوى هذا الحسّ. مع هذا لا يخلو المشهد، مع كل عتمته، من ثمة إضاءات هنا وهناك. فالكثيرون أصبحوا اليوم يدركون، ممن لم يكونوا يدركون بالأمس، إن نار الطائفية لا تحرق المضرَمةَ عليه، بل تحرق مضرِمَها معه. إنها نارٌ عمياء تحرق كل ما تجده أمامها وحولها وفوقها وتحتها، تحرق الوطن، تحرق الأمل، تحرق الأحلام، تحرق الأمن، تحرق الطفولة، تحرق المستقبل، فلا يعبثن أحدنا بنارها. اليوم يجب أكثر من أي وقت مضى، أن نزجّ كل الطاقات، ونحشّد كل الإمكانات، ونوحّد الصفوف، لتحقيق هدف دحر داعش دحرا لا عودة بعده. ثم لنفكر كيف نعيد صياغة الوطن، بعيدا عن تشييعه وتسنينه، بعيدا عن تديينه وأدلجته، ليكون الوطن أُمّاً يشعر الجميع بدفء حضنها. وكما الأم تمنح الحب لكل أطفالها بلا تمييز، يحتضننا الوطن بلا تمييز. لكن علينا نحن أن نوجد في أنفسنا قابلية أن تحتضننا أمنا (الوطن). هل يمكن أن نحلم بأن نحمل يوما ما بطاقة شخصية تشير إلى هوية صغرى وهوية كبرى لكل منا، دون غيرهما، فيُسجَّل واحدنا فيها في حقل الهوية الكبرى «إنسان»، وفي حقل الهوية الصغرى «عراقي»؟ 09/06/2015
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدعوة إلى تغيير أسماء المدن والشوارع ما لها وما عليها
-
اعتماد دولة المكونات جريمة القرن بحق العراق
-
من «عصفورة حريتي» - حضور اسمه
-
نصان أخيران سقطا من «عصفورة حريتي»
-
نصان أخيران من «عصفورة حريتي»
-
ما بعد «عصفورة حريتي» - مناجاة الماقتين للظلم الحائرين في فه
...
-
من «عصفورة حريتي» - معنى الحب عند فيلسوف الحب
-
من «عصفورة حريتي» - هذيانات نوڤ-;-مبرية
-
النزعات الطائفية وانعكاساتها في عراق اليوم
-
ما سقط من «عصفورة حريتي» في نهاية السفر كان سراب
-
من «عصفورة حريتي» - معنى الحياة
-
ما سقط من «عصفورة حريتي» - أريد أن أطير
-
ما بعد «عصفورة حريتي» - المتكلمون باسم الله
-
ما بعد «عصفورة حريتي» - سكرة الكفر
-
ما بعد «عصفورة حريتي» - سأعود يا عراق
-
نصان ما بعد «عصفورة حريتي»
-
الشيخ اليعقوبي يصب الزيت على نار الفتنة الطائفية
-
ما بعد «عصفورة حريتي» - لو قتلت شيطاني*
-
أربعة نصوص من «عصفورة حريتي»
-
من «عصفورة حريتي» - نشيد تهشيم الأوثان
المزيد.....
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|