|
تأسيس الإبادة
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 4831 - 2015 / 6 / 8 - 23:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الدرزي الجيد هو... السني، حسب أبو محمد الجولاني، والعلوي الجيد هو السني أيضا. وليس العلوي السيء من ارتكب جرائم بحق مواطنيه الأخيرين، بل هو غير السني، أي الذي لا يعتنق العقيدة التي يؤمن بها أبو ممدر الجولاني شخصيا. ما هو مصير هذا العلوي السيء، والدرزي السيء أيضا؟ لا يشعر محاور الجولاني في قناة "الجزيرة" بالحاجة إلى طرح السؤال، والجولاني لم يجب على سؤال لم يطرحه عليه محاوره الطروب. لكن ما لم يقله الرجل تقول مرجعيات تياره: إن هؤلاء مرتدون، مباحو الدم بالتالي. وبصرف النظر عن أن الردة المفترضة لغير السنين من المسلمين ليست واقعا تاريخيا محققا بحال، وبصرف النظر عن الشرعية الأخلاقية والعقلية لحكم الردة الآن وفي كل وقت، ليس هؤلاء المرتدون المزعومون مباحي الدم لشيء فعلوه، بل لشيء يكونونه. نتكلم على إبادة وعلى تأسيس للإبادة لأن جريمة العلوي هي علويته، وليست أشياء يحتمل أنه فعلها أو لم يفعلها، وجريمة الدرزي هي درزيته، أي كيانه، وليست شيئا من نصاب الفعل أيضا. هل هناك سنيون سيئون؟ وفقا لمنطق زعيم جبهة النصرة، السني جيد ماهويا، لكنه يكون سنيا سيئا حين لا يكون سنيا كفاية، وفق المسطرة التي يرتضيها له الجولاني (سلفي متجهم، يطمس كيان امرأته، ويكره من لا يشبهه، ويجاهد" لتسنين العالم). في كل حال، سوء السني مسألة فعل وليس مسألة ماهية. وهو ما يضع السنيين خارج دائرة الإبادة. ولأن سوء السنيين مسألة فعل محتمل، فإن السني الذي يقاتل إلى جانب النظام، ويقتل الثائرين على النظام، أقل سوءا بكثير من السني الذي قد يكون علمانيا أو عضوا في حزب يساري أو ليبرالي، أو ناشطا في جال حقوق الإنسان. مشكلة السني العلماني أو اليساري... تطاول كيانه مثل العلوي والدرزي، أما السني المجرم فمشكلته في فعل قد يتوب عنه. لكن ماذا يكون العلوي السني أو الدرزي السني؟ إنه علوي دون علويته ودرزي دون درزيته، أي كائن مقطوع الرأس على المستوى الرمزي، يصون رأسه الفيزيائي بأن يسلم رأسه الرمزي لنطع إداريي السنية السياسيين. خيارات الدروز والعلويين، حسب الجولاني، تتراوح تاليا بين إبادة رمزية تلغيهم كجماعة، أو إبادة فعلية تلغيهم جماعة وأفرادا. إشراط جدارة الناس بالحياة والكرامة بما يكونون لا بما يفعلون هو بالضبط تأسيس الإبادة. المصير الذي سبق أن طال مسلمين ويهودا في أسبانيا أيام "حروب الاسترداد"، ويهودا وغجرا ومثليين على يد النازيين، وسكان أميركا الأصليين (الهنود الحمر)، وبصورة أقل نسقية أصاب أعراقا وجماعات ثقافية كثيرة. كل نفي للمساواة الجوهرية للناس، وتساوي حيواتهم ودمائهم وكرامتهم، هو تأسيس لأشكال مخففة أو مشددة من الإبادة. وما يؤسس، بالمقابل، لنقض الإبادة هو تساوي الناس في الماهية والكيان، وتجريم التمييز على أساس العرق أو المعتقد أو الجنس. إذا كانت مشكلة العلوي هي أنه علوي، فإن حلها يترواح بين إبادة علويته أو إبادة حياته، كما سبق القول. وبينما يعرض أبو محمد الجولاني تسامحا حين يكتفي بإبادة علوية العلويين ودرزية الدروز، فليس في سجل تياره ما يحول دون اعتبار إبادة علوية العلويين والدروز، أو قطع رأسهم الرمزي، غير كاف، وينبغي قطع رؤوسهم فعليا. هذا لأنهم منافقون، قد يقال، يضمرون غير ما يجهرون، وأنهم إنما أعلنوا إسلامهم السني القويم خوفا من السيف. وهذا ليس ممكنا مجردا، قد يقع أو لا يقع، بل إنه مكتوب في العملية الدينية السياسية ذاتها التي أسهم في إطلاقها وصعد بفضلها الجولاني، وقد يظن أنه يتحكم بها، لكنها ستجرفه هو ذاته إن حاول وقفها عند حد ليس هو حدها الذاتي: بناء الجماعة الدينية السياسية المتجانسة التي تتشكل من ملايين النسخ البشرية المتماثلة، مظهرا ومخبرا. وليس هناك ما يمكن تسويغه سياسيا في مشروع بناء أمة الأطهار هذه، وما يتأسس عليها من إبادة للأغيار. فالجولاني كان واضحا في أن مشكلة العلوي ليست في جرائمه المحتمله (تسقط عنه إن صار سنيا)، بل في عقيدته. بعبارة أخرى، المشكلة ليست سياسية، ليست طغيان النظام الأسدي ووجوب محاسبة أركانه على جرائمهم، بل مشكلة عقيدة وماهية. وفي هذا يتضاءل الفارق بين علوي مجرم مثل بشار الأسد أو جميل حسن، وبين علوي معارض للنظام مثل أسامة محمد أو سمر يزبك أمام الفارق بين علوي مجرم مثل بشار وبين "علوي سني" مثل بشار نفسه، لو اهتدى إلى عقيدة الجولاني الصحيحة. الفارق الأعلى هو فارق العقيدة، وليس بحال فارق الفعل. لكن هذا تفكير إجرامي، ينتمي بجدارة إلى دوائر تنتسب إليها ظواهر التمييز العنصري والصهيونية والنازية. وما يزيده إجرامية أنه يأتي من رجل لا نعرف له صورة أو تاريخا أو أصلا أو فعلا. كان في الظلام، تعرفه، إن عرفته، دوائر المخابرات السورية والعراقية، وتعرفه دوائر المنظمات الجهادية السرية التي تشبه في سريتها وفي قسوتها الوحشية أجهزة المخابرات أكثر مما تشبه أي شيء آخر. لعلنا لا نخطئ بالقول إن إبادة السياسية طول عقود على يد الدولة الأسدية فتحت الباب لسياسة الإبادة، ممثلة بداعش والنصرة ومن اهتدى بهديهما. لكن حيال مثل كلام الجولاني يتعين أن ننبذ المزاج التحليلي، ونأخذ قرارا قطعيا واضحا بالإدانة. كلام الجولاني يؤسس لجريمة لا تنتهي. والتذرع بجريمة قائمة لا يغير من حقيقة أن كلام الرجل المجهول تأسيس لجريمة بلا نهاية.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من السيادة إلى ... السياسة أم الإبادة؟
-
رزان زيتونة: قوة الرمز
-
تحديق في وجه الفظيع: مساهمة في النقاش السوري حول الصور
-
الثورة السورية ومصير التدين المقاتل
-
ثلثا قرن على النكبة
-
عن منفى السوريين، عن سورية كمنفى
-
الأمل، تأملات عن هشاشته وقوته
-
الثقافة كميدان كفاح تحرري/ مقابلة
-
من -القاعدة- إلى -داعش-: الإرهاب والمخابرات
-
تعاقد سوري جديد: تخلص مترابط من الأسديين والسلفيين
-
صادق جلال العظم: مراحل وأدوار في عمل مثقف من دمشق
-
السجن والكتاب: تجربة من سورية
-
سير لسورية المنسية: تحرير الذاكرة من السجون
-
قبر للمرء جميعه: تبدلات موت السوريين وتغيرات حياتهم
-
مقدمات التحول السلطاني في سورية
-
في نقد عبدالله العروي ”المثقف العربي“ برنامجاً لتحقيق الحداث
...
-
في الأصول البنيوية لانقسامات المعارضة السورية
-
في مواجهة ثلاث عقائد تمييز، أين ثقافة التحرر؟
-
أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/6- سميرة، رزان، وائل،
...
-
السلطان الحديث: المنابع السياسية والاجتماعية للطائفية في سور
...
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|