|
قبل وبعد 1990
أسد محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1338 - 2005 / 10 / 5 - 10:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بداية ، ليس من الصعب معرفة أسباب ونتائج الحروب العالمية في القرن العشرين - الحرب أزمة سلطة - ومن السهولة بمكان استعراض الكثير من الأحداث المتعلقة بتلك الحروب ، وما أن يفتح أحدنا كتاب التاريخ باحثا في شأن تلك الحروب حتى يجد نفسه يطالع بأن القرن العشرين ، هو أكثر القرون دموية ، وحدث فيه أربع حروب عالمية كبرى، الأولى منها جرت ما بين الساعة الحادية عشرة من مساء يوم الرابع من أغسطس عام 1914 وسكتت المدافع عند فجر يوم 11 نوفمبر 1918، والثانية كانت أطول وأكثر تكلفة وانتشارا في أنحاء المعمورة واستمرت ما بين عامي 1939 و 1945، وذهب ضحيتها 2% من سكان المعمورة آنذاك، والثالثة استمرت ما بين أزمة برلين الأولى عام 1949 وحتى تم تحطيم سور برلين في عام 1989، وكانت «باردة» على السطح بين القطبين الأعظم ـ الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ـ ولكنها كانت "ساخنة" في الأطراف بين دول العالم الثالث ، وبينها وبين الدول الكبرى. وأخيرا الحرب العالمية الرابعة التي نعيشها اليوم، ولا تزال في مراحلها الأولى ، لكنها محسومة النتائج ، وسنشهد قريبا هزيمة الطرفين المتصارعين ، ونعيش أحداثها يوميا منذ بدايتها الرسمية مع انهيار برجا مركز التجارة العالمي يوم 11 أيلول عام 2001، لا يوجد جديد فيما ذكرته أعلاه ، لكن الجديد الذي أريد قوله ، بأن قراءتي لما حدث ويحدث يرتكز على إشارات مختلفة أود عرضها في هذا المقال السريع ، وهي : • بعد كل حرب تخسر السلطة ( في الحرب العالمية الأولى هزمت السلطة العثمانية ومعها سلطة برلين ، وانقلب الحلفاء الذين ساندهم العرب في الثورة العربية الكبرى ضد السلطة العثمانية ، فانتهى بنا الأمر إلى دويلات قطرية بعد اتفاقية سايكس- بيكو ) لكن المجتمع الذي تعرض للأزمة استوعبها وخرج منها ، ثم تابع مسيرته . • بعد الحرب العالمية الثانية ( سقط المشروع القومي النازي ، لكن بقي المجتمع الألماني الذي تابع مسيرته وخرج من أزمة الحرب ) وخرجنا نحن خاسرين فلسطين ،وبقي المجتمع الذي لا يزال يحافظ على وظائفه المختلفة، ويقاوم ، وهو في جوهره يقاوم عبر ثباته واستيعابه لما حدث ويحدث . • بعد الحرب الباردة سقطت سلطة موسكو الشيوعية ، ومعها السلطة الليبرالية في واشنطن ، وبدأت تتهاوى الأنظمة العربية التابعة لكلا المعسكرين ( سقوط نظام صدام حسين ، سلطة عدن الاشتراكية ، سلطة نواكشوط ..) في كل مرة تسقط السلطة ويبقى المجتمع ، المجتمع الذي يتجاوز أزمته ويضمد الجراح ، بينما تتهاوى السلطة ( السلطة هي قوى طفيلية غير اجتماعية تقوم على نهب مُنتج المجتمع ، بوسائل عسكرية ، ومالية احتكارية ، ولا يمكنها أن تكون من دون ذلك ، لا مجتمع - لا سلطة ، لكن المجتمع يكون دون سلطة ) المشكلة الكونية بعد كل حرب للمنتصر( ولادة سلطة جديدة ) وللمهزوم ( أيضا محاولة خلق سلطة جديدة ، تنتهيان إلى مواجهة تالية ، وهكذا دواليك.. ) إذن السلام هو فترة هدنة استعدادا لحرب تالية ، وهذه كارثة اجتماعية مستمرة . لم يتوقف المجتمع عن المواجهة ، وبرزت قواه التي تجسدها وظائفه ، كحقيقة مؤثرة ومتبلورة ، تعمل ضد تلك الأزمات المختلفة من حروب وصراع وتناحر ، وإثر سقوط جدار برلين ، بدأ المجتمع مرحلة جديدة بعد عام 1990 جوهرها التخلص من مركزية السلطة ، والتحكم بقواه المادية والروحية ونشرها بين القطعان الاجتماعية - المعرفية التي يستحيل على أحد الاستحواذ عليها ، إذن مرحلة مختلفة ، لن تتمكن السلطة من توظيف قواها لإخضاع المجتمع ، بسبب جملة من العوامل حققها ( انتقال قواه المُنتجة المادية والروحية من التمركز وسهولة انقضاض السلطة عليها ، إلى التشعب والتوزع والانتشار بأيدي الجميع ، وهذا من طبيعة السلعة المعرفية ، من الكل وبأيدي الكل ، وبالتالي يستحيل على السلطة الاستحواذ عليها ، وتم تحرير السلعة من صفتها القومية إلى السمة الاجتماعية - شركات متعددة الجنسيات لعبت دورا في هذا المجال ) كما يستعد المجتمع لحسم الكثير من الأزمات الكبرى ، لأنه وصل إلى مرحلة جديدة من تطوره لا يمكنها أن تتواجد فيه ( نرى الهدوء والسلام ، والسلام الاجتماعي يعم قارات أسيا وأمريكا اللاتينية وأوربا ، والحرب موجودة في مناطق لا تزال تسعى وتؤمن بإمكانية تحقيق التمايز القومي أو الديني ) ، مع الملاحظة بأن المجتمع بدأ يمارس فعل كوني واضح وصريح يتعلق بالحفاظ على وظائفه الاجتماعية ( التواصل ، الخلق ، الاستمرار ، الاستيعاب ، التحول والتطور ) بقوة لا مثيل لها من قبل ، وكأنه بدأ يعلن انتصاره سلفا في معركة الإرهاب ، لأنه استمر رغم كل الحروب السابقة ، فبعد هذه الحرب لن يستمر وحسب ، لكنه سيحسم الصراع لصالحه ، وسيؤسس لمرحلة قادمة عمرها حسب ظني لمئات السنين القادمة ، ستخبو فيها أصوات العنف والعنف المضاد ، وسبب استنتاجي هذا : 1. هزيمة المشروع الإمبراطوري الليبرالي الأمريكي ( تجليات هزيمته بدأت مع عجزه عن تشكيل المركزية القومية ، انفلات الاقتصاد من يده عبر السلعة المعرفية ، اللاقومية ، اللاعنفية ، المتاحة للجميع ، الفكرية ، والحركة الاجتماعية العالمية التي يستحيل عليه ضبطها ) . 2. هزيمة المشاريع التمايزية المرتكزة على النقاء والحق المطلق و والقوة لمطلقة في العالم ( نرى كل قوة في العالم سعت وتسعى لتحقيق التمايز قد سقطت في موسكو الشيوعية ، والمشاريع الدينية بكل أشكالها ، الإسلامية والمسيحية ، فالإسلام شيع وطوائف لها طابع سياسي- اقتصادي أكثر منها روحي ، والمسيحية كذلك ) . لأتكلم قليلا عن البديل الذي صفى حساباته ويصفيها مع الكتل التمايزية ، طبعا البديل الاجتماعي ، هذا البديل الزاحف بقوة ، ويتميز بأنه لا عنفي ، لا يسعى إلى تشكيل سلطة ذاتية - تمايزية ، لا قومي ولا عرقي ولا ديني ، أهدافه إنسانية شاملة ، هذا هو القادم الكوني : حركة اجتماعية - كونية - سلمية - لا تمايزية ، يحقق فيها الفرد ما يصبو إليه في إطار اجتماعي ، ويستعيد من سلب منه . يدعمه المجتمع المنتصر سلفا لأنه حافظ وقادر على الحفاظ على وظائفه وتنوعه ( المجتمع يستوعب الدين بكل أشكاله ، ويستوعب الأغنياء والفقراء ، ويستوعب حتى الأزمات الكبرى ، لكن الدين الواحد لا يستوعب الأديان الأخرى، أو لا يستوعب المجتمع ، ولا يحتمل التناقضات الكبرى كما يحتملها المجتمع ، فالمجتمع يقبل التحول ، بينما الذي يحمل سمة التمايز النهائي لا يمكنه أن يستوعب الآخر) لا أغمز من قناة الدين ، بل للدين وظيفة في سياق المجتمع ، فإذا لم يكن المجتمع موجودا فلا وجود للدين ، ولا يمكن للجزء - الديني أن يسيطر على الكل الاجتماعي ، لكنه يُستغل في إطاره الروحي ليخدم السلطة التي عملت وتعمل على تخريبه وتحوله من دين له وظيفة اجتماعية إلى دين له وظيفة خادمة للسلطة، وبالتالي تجعله السلطة متعارضا مع المجتمع ، والسلطة تفتعل أكثر من ذلك بكثير كي تستمر . ومن هذا المنطلق ، لابد من الدخول في المواجهة السلمية المطروحة عالميا ضد كل مشاريع التمايز التي تقوم في جوهرها على العنف ، لتحل محلها مشاريع اجتماعية ( هيئات ، مؤسسات ، نقابات ، منظمات ، تجمعات ، أفراد ، تعاونيات ..) فاقدة لأدوات العنف : الجيش والاحتكار الاقتصادي . وبعد هذا العرض ، أخشى أن نبدأ قوميا كما فعلنا بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث المشروع القومي كان قد انتهى عالميا وتبين فشله ، وأخشى أن نبدأ ليبراليا كما أرى الآن من صيحات خطرة تدعو إلى الليبرالية كمنظومة سلطوية تجسدها العولمة المتوحشة والتي تتهاوى ، أو نبدأ دينيا ، على أنقاض دين تم إفساده من قبل السلطة عبر مئات السنين على الأقل بجعله ركيزة من ركائز الحكم ، فالدين لا يقود المجتمع ، بل المجتمع هو الذي يقود الدين ( لا مجتمع ،لا دين ) ، فمن الصحيح أن نبدأ اجتماعيا ، من المؤسسة الاجتماعية المفتوحة التي لم تُخرب ، وبقيت عصية على كل محاولات السلطة تدميرها وإفسادها ، فالمجتمع يستوعب الكل بمن فيهم أعدائه ، فمثل هذه أقوى الحية الموجودة علينا أن نندفع إليها بقوة وشجاعة ، ونحن بحاجتها ونعيش فيها ومعها ومنها وإليها ، تستو عبنا رغم كل تناقضاتنا ، وتشعباتنا ، فما الذي دفع مثلا الأوربي في استكهولم للتظاهر من أجل إسقاط ديون العالم الثالث ، ومن طالب ، ولماذا طالب ، وكيف طالب ؟.. هذه أسئلة غير معقدة ، ومجرد قراءة سريعة يمكن الإجابة على أن ذلك الحراك يخص كل شخص في العالم الثالث وبشكل مباشر، مثلا ، اجتمعت الدول الثماني الكبرى في جنوى بإيطاليا عام 2001 ـ وهي تعقد دوراتها منذ عام 1973 - ولاقى اجتماعها مظاهرات عنيفة , وهنا ولد مصطلح شعب سياتل " هذا الشعب الذي لعب دوراً كبيراً في مظاهرات سياتل عام 1999 ، حيث تظاهر 200 ألف شخص يمثلون 1170 جماعة ونقابة وتنظيم غير حكومي , ومن الوجوه البارزة في هذه المظاهرات جوزيه بوفيه الفرنسي وفيتوريو انجوليتو من إيطاليا , وقدمت هذه الحركة أول شهيد لها وهو الإيطالي كار لو جو لياني / 23 سنة / وكان الهدف الأساسي للمتظاهرين هو شعارهم : " ضد تسليع الحياة " وكشفت هذه الحركة عن قوتها وتناميها وتواجدها في كل مكان وأسماها الشاعر الإيطالي داريو فو الحاصل على جائزة نوبل بـ " معركة جنوى " معركة جنوى السلمية ، أليس هذا مشرع أمل لنا جميعا ، أليس من الأهمية أن نمنح أنفسنا فرصة البدء من جديد إلى مشروعنا الاجتماعي وإنقاذ ما تم ويتم تخريبه سلطويا وهذا متاح لنا ، وأمامنا فرصة عظيمة لتجاوز مراحل لم نتمكن من تحقيقها ، مثال : • السماح لمجتمعنا بإنقاذنا ، لأن العالم لن ولم يعد يقبل وجود قوى متمايزة ، في عالم يقوم على السلام والأمن والتواصل لا وجود للإرهاب الليبرالي والإسلامي - السياسي فيه. • إمكانية بناء اقتصاد معرفي ، فمن السهل أن نبني مصانع لأجهزة الاتصال والالكترونيات ، لكن من المستحيل أن نبني مصنعا للطائرات ، أمامنا فرص متاحة للتواصل الاجتماعي الكوني ، هذا هو الأمل الذي أرى فيه مخرجا لأزمتنا ، وهذا متاح ، وصراع الإرهاب الليبرالي - المتمايز مع الإسلام السياسي المتمايز - سيسقطان معا في حرب العراق الرابعة وسينتصر المجتمع العالمي ، سيكون للمجتمع العربي فيه دورا عظيما ، وفي إطاره سيتحقق مشروعنا الاجتماعي وبالتالي إذا شئنا القومي - الإنساني ، أو الحضاري الإنساني ، مع الإشارة إلى أن بعد كل صراع كوني كانت مصائرنا تحددها أفراد ، لكن الآن يجب أن ننتبه جيدا ونعمل على نقل تلك المصائر من أفراد يتمثلون قسرا إرادة المجتمع ، إلى مجتمع يتمثل قواه ، وهنا أتكلم عن الممكن الكوني في إطاره المجتمعي .
#أسد_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-رحلة البحث عن الذات- رواية للكاتب العماني حسن اللواتي
المزيد.....
-
مصر.. كيف تأثرت القيمة السوقية لشركة حديد عز بعطل في مصنع؟..
...
-
تونس.. البرلمان يصادق على فصل يهم التونسيين المقيمين بالخارج
...
-
جميل ولكنه مؤذ.. مقتل 5 أشخاص إثر تساقط الثلوج في كوريا الجن
...
-
اعتذار متأخر: بوتين يعبّر عن أسفه لميركل بسبب حادثة الكلب
-
أردوغان: مبادرة بايدن الجديدة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة م
...
-
السودان.. وفاة 4 أشخاص جوعا في غرب أم درمان
-
سحب ملحق إلكتروني لـ-ساعة آبل- من الأسواق بعد اكتشاف عيب خطي
...
-
المغرب - إسبانيا: تفكيك شبكة لتهريب المخدرات من المغرب بطائر
...
-
قاذفات بي-52 الأمريكية الضخمة تحاكي قصف أهداف معادية في المغ
...
-
تونس: قيس سعيّد يشدد على أهمية إيجاد نظام قانوني جديد لتحفيز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|