|
من نكبة فلسطين إلى نكسة الجيوش العربية ونكشة إسرائيل!
نزار بدران
الحوار المتمدن-العدد: 4829 - 2015 / 6 / 6 - 02:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحل في الخامس من حزيران كل عام، ذكرى هزيمة الجيوش العربية في حرب العام 1967، قبلها هيمن على الأمة الفكر القومي الناصري، والذي كان أبعد ما يكون عن الممارسة الديمقراطية، وغيب تماماً الشعب عن السلطة، وارتهن للشرعية الثورية والعسكر. تسمية الإعلام الرسمي لهزيمة الجيش الساحقة خلال ستة أيام بالنكسة، إنما هي وسيلة لإعطاء الانطباع بأنها وعكة عابرة، سيعود بعدها الجيش سريعاً لعافيته لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر. دخلنا بعد ذلك زمناً جديداً هو زمن الانطواء على الذات؛ (الجمهورية العربية المتحدة) أصبحت (جمهورية مصر العربية)، وأسس هذا الانطواء لديكتاتوريات عسكرية لا هدف لها إلا البقاء بالسلطة، وابتعدنا شيئاً فشيئا عن "لاءات الخرطوم" الثلاثة. وقام حافظ الأسد وزير دفاع هزيمة 67، بتتويج هزيمته بالانتقال إلى سدة الرئاسة، والسيطرة على كل مؤسسات الدولة بدل الاستقالة. حرب 73 لم تكن إلا "نكشة" للجيش الإسرائيلي، والتي حققت أهدافها بالثأر والانتقام من حرب 67، فشكلت العذر للحكومات العربية لقبول شروط الهزيمة التاريخية، أي الاعتراف والسلام مع العدو من دون مقابل، إلا إذا اعتبرنا عودة سيناء من دون استعادة مصر لسيادتها، وشراء نفطها وغازها بسعر بخس، أو عودة القنيطرة مُدمرة لسوريا؛ مقابل التزام الجيش السوري بحماية حدود إسرائيل الشمالية، وإخراج الثورة الفلسطينية من لبنان، إلا إذا اعتبرنا كل ذلك انتصاراً. هذه الحرب (أكتوبر 73) التي تفرغت بعدها الأنظمة بشكل كامل، لقمع شعوبها ونهب ثروات أوطانها وعرق أبنائها، باتت في حل من الشعب والقضية الفلسطينية، التي أُوكلت تماماً لمنظمة التحرير الفلسطينية (مؤتمر القمة بالرباط 1974). بعد حرب 73 دخلنا حروب الجيوش العربية ضد شعوبها وجيرانها: سوريا بلبنان، تدمير حماة 1982 وطرد الفلسطينيين من لبنان، إدخال العراق حرب العشر سنوات ضد إيران، والتي أدت لمقتل مئات الآلاف، واجتياح النظام العراقي للكويت في آب/أغسطس من عام 1990، وقمع كل حراك وطني عربي أو كردي، وفتح الطريق للغزو الأمريكي. كذلك قمع السادات للحراك الإصلاحي المصري، وانتقال القذافي من كونه ملازماً إلى "مفكر عالمي" يُكدس المليارات بالبنوك الأجنبية. الواقع يُظهر لنا أن نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948 بقيام دولة إسرائيل، وبعدها هزيمة العام 1967، لم يحرك كما كان متوقعاً، همة الأمة للدفاع عن أقدس أراضيها وأكثرها قرباً لقلوب شعوبها، وإنما لفك الارتباط التدريجي مع هذه الأرض، والعمل الدؤوب لترسيخ مفهوم التجزئة كواقع دائم، ومفهوم الاستبداد كوسيلة مُثلى للحكم. السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو أين هو الطرف الآخر، أي الحراك الوطني الغيور على وحدة الأمة والدفاع عن مقدساتها، الداعي إلى احترام حقوق المواطن في حياة كريمة، وأحقية الشعب باختيار من يحكمه. القبول بدون رد فعل يُذكر بهذه الأنظمة الاستبدادية وبالتجزئة، لم يحم البلدان العربية من التفتت وظهور الطائفية والتقاتل الداخلي؛ عشرون عاماً من الحرب الأهلية اللبنانية، وسنوات طويلة من الخلاف الجزائري المغربي على الصحراء الغربية وانقسام السودان إلى دولتين. وحده الربيع العربي المُنطلق من تونس بنهاية 2010، كان الشعلة الأولى لعودة الشعوب كي تقرر مصائرها بنفسها، لهذا تُحارب بعنف مُفرط وبكل الوسائل ومع مئات آلاف القتلى في سوريا واليمن ومصر وليبيا. الشعب المُطالب بحريته ليس هو سبب العنف، بل السلطات الاستبدادية التي تُمسك برقابه، وتدفع نحو التطرف والحروب الداخلية، لتبرير وجودها كحامية للأوطان والأقليات. نحن نرى تكالب وتحالف دول عربية عدة ضد قوى الربيع العربي الهشة، رغم أننا عشنا معها قبل بدء هذا الربيع عشرات السنوات من الخلافات. نكبة فلسطين في العام 1948، سمحت ببدء إيجاد الحكومات القومية غير الديمقراطية، وأنهت إرهاصات تجارب ديمقراطية خلال سنوات الأربعينات (مصر والسودان). هزيمة العام 1967 أنهت هذا الفكر القومي لصالح التجزئة المُستدامة، والإنكفاء على الذات، ونكشة العام 1973 إلى دخول دولنا عالم القمع المُمنهج، واستغلال السلطة لهيمنة مافيات فئوية قليلة على خيرات الأمة، واستبدال العداء لإسرائيل بالعداء للقضية الفلسطينية (تدخل سوريا في لبنان لطرد الثورة الفلسطينية، حصار تل الزعتر في العام 1976....الخ). على شباب الأمة الواعي المُتحمس للتغيير، العمل على توحيد صفوفه، والانطلاق من قيم إنسانية، بأحقية الإنسان العربي الطبيعية بالحرية والكرامة، وتحقيق وسائل عيشه، والاستحواذ على نتائج عمله وعرق جبينه، واستغلال موارده الطبيعية لصالح تطوره وبناء أوطانه. إن النضال في إطار هذه القيم الإنسانية المُتفق عليها بين كافة شعوب الأرض، هو الذي يجب أن يساهم في تغيير الاتجاه الحالي السائر بنا من نكبة إلى نكبة، ومن تجزئة إلى فتفتة، ومن مرض إلى موت، ومن فقر إلى الغرق طلباً للهجرة في مياه البحر المتوسط. طبيب عربي مُقيم في فرنسا
#نزار_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الربيع العربي وزمن الردة
-
دولة المواطنة /حلم اليقظة وكابوس الطائفية
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|