أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي المدن - الأنموذج الملهم بفعل الخير














المزيد.....


الأنموذج الملهم بفعل الخير


علي المدن

الحوار المتمدن-العدد: 4829 - 2015 / 6 / 6 - 00:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كلمة في رحيل الشيخ محمد مهدي الآصفي

***

الشيخ محمد مهدي الآصفي الذي رحل إلى مثواه الأخير، هو فقيه ومفسّر ومناضل سياسي، كتب العديد من الكتب والدراسات والأبحاث. وعرف بتواضعه الشديد وحبه للخير وتفانيه في أعمال البر والإحسان. وهو مع ذلك رجل صالح ومتأله، كثير الخشوع والوقار والحلم.
الآصفي (رحمه الله) صاحب معروف عليَّ وعلى مجموعة كبيرة من طلاب أهل البصرة الذي التحقوا بمعاهد الدراسات الدينية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. كنت قد انتقلت للدراسة في قم وأنا بالكاد أبلغ الرابعة عشر من عمري. لم أكن أعرف أحدا في المدينة التي بدت لي وقتها كبيرة ومزدحمة. بدأت الدراسة وأنا لا أملك مكانا يأويني. قضيت ثلاثة أشهر وأنا أنام في الشوارع وتحت الجسور وبين أشجار الحدائق العامة. أفترش الأعشاب، وأغتسل بمياه سواقي الأشجار، وأتناول وجبة واحدة في اليوم في أفضل الأحوال. وقد حدثت معي قصص يضيق الوقت الآن عن سرد تفاصيلها. لم أكن وقتها بمفردي، بل معي أكثر من 45 شخصا موزّعين على مجموعات. آنذاك لم نترك بابا لم نطرقه لحل مشكلتنا، ولكن دون جدوى!! ثم جاء الآصفي (وتلاه شخصيتان لن أذكر اسميهما الآن) ليفتح لنا قلبه ومكتبه. زرناه في مكتبه أولا وتحدثنا إليه، بل إن أحد أصدقائي قرّعه بخطاب غليظ وصوت مرتفع وهو منفعل جدا، فما كان رد الآصفي الإ الإنصات وهو مطرق الرأس. ثم رفع رأسه وابتسم وربت على كتف صديقي، ووعدنا أنه سيزورنا تحت "جسر نيروگاه" حيث کنا نقيم. وهذا ما حدث فعلاً، ثم استأجر لنا بيتا، ومنحنا كل ما نحتاج إليه من فراش وطعام وأواني وغير ذلك، وبقي يرعى الطلاب وهو ينقلهم من بيت لآخر حتى عرف البيت الأخير بـ (بيت شوشتر)، لأن أغلب الذين سكنوا فيه قدموا من مخيم شوشتر للاجئين العراقيين.
ومع أن توفير السكن وجميع ما يحتاجه الطلاب في ذاك الوقت كان أكثر من ضروري وحاسم في التأثير على قرارنا بإمكانية مواصلة الدراسة، إلا أن ما كشفته السنوات اللاحقة كان شيئا أعمق دلالة في معرفة شخصية الرجل. فإذا كان البعض يفترض أن مد يد العون من قبل رجل دين إلى شباب لا ملاذ لهم، يرغبون في طلب العلم، هو أمر "متوقع"، وهو ما لم يحصل وقتذاك حتى بعد قيامنا بجولة مرهقة وطويلة على العديد من الشخصيات البارزة، فإن ما هو ملفت أن يكون هذا العون بلا "شروط" ولا "توجّهات" ولا "مقابل". لم يتحدّث به أحد، ولا أريد به أن يكون دعاية لأحد: لا لحزب، ولا لمرجعية، ولا لشخص، ولا لعقيدة أو فكرة معينة. هذا حدث في وقت كانت سوق التحيّزات رائجة، والابتزازات على أشدها. وهو ما يبرهن في تصوري على أن "الآصفي" لم يكن فقط رجل دين صالح، وإنما هو أيضا نموذج رائع على الإستقامة والحرية والاحترام معا.
لقد قوبل خبر رحيل الآصفي، وخلافا لما هو معتاد مع الشخصيات صاحبة التاريخ السياسي، بسيل واسع من ردود الفعل بالفجيعة، مقالات وتعليقات ذات نبرة شديدة بالحزن، كتبها أشخاص ذوو توجهات فكرية متنوعة، ومن شرائح اجتماعية مختلفة. وبينما كنت أرى تلك المواقف حضر في داخل السؤال الآتي: على ماذا تدل تلك المواقف؟ هل مطلقوها هم مجرد أشخاص عاطفيون، مع أن التعاطف سمة الشخصيات الكبيرة، أم أنها تدل على ما هو أبعد من ذلك؟
في رأيي أنها تدل على أننا نفتقد "النموذج الحسي الملهم"، نفتقد الاستقامة والنزاهة والمسؤولية والتضحية ... إلخ، بكلمة واحدة: نحن نفتقد وجود "أبطال" بيننا. لذا نشعر بالمرارة حين يرحل عنا بعض من يتمتعون بهذه البطولة.
الحضارة الصناعية الحديثة جرّدت المثقف، أو هذا ما حدث على أية حال، من بعض أهم أسلحته في التغيير. حصرت عمله في طرح الأسئلة والكتابة والتحليل. فصلت، تحت ذريعة الخصوصية والموضوعية، حياتَه عن حياة الآخرين، وبالتالي أبعدته عن مسرح التأثير. لقد كان المثقفون في يوما ما يصنعون العالم في حين هم اليوم أنانيون أو باردون لا يتجاوز همهم مكاتبهم. عُمّدت، كجزء من الواقعية العلمية، عوامل أخرى بدلا منه للتغيير: التاريخ، وسائل الانتاج، الطاقة الليبيدوية، السوق .. إلخ، فأُضعفت الحياة من زخم الحيوية البشرية.
هذا مع الحضارة الصناعية الحديثة، أما نموذج "نا" الموروث، فقد تهاوى تحت أنقاض الإيديولوجيا والتعصب والطائفية، وتمزقت فكرة "العالم الرباني" يوم ورث هذا الأخير جميع ألوان واقعنا الاجتماعي والسياسي البائس.
نحن نبحث عن الأمل، ونتشبث به إن وجد ولو كان ضئيلا، ولا شيء يبعث الأمل أكثر من نماذج حسية ملهمة بالخير والصلاح والاستقامة والعطاء .. هذا ما نحتاج إليه كثيرا هذه الأيام ... سواء في الفكر أو السياسة أو الحياة العامة .. ولذا يحزننا رحيل تلك النماذج.
لقد كان الآصفي مثالا طيبا من تلك النماذج في مجال النزاهة والشعور بمعاناة الآخرين وتقديم كل ما يملك من أجل إعانتهم. برحيله نكون قد خسرنا شخصا ملهما في سلوكه قبل فكره وتنظيراته.
رحم الله الشيخ محمد مهدي الآصفي



#علي_المدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب على مفترق طرق اللاهوت
- البصرة والخليج الداعشي
- السلم أولاً
- المغمور من تراث الصدر الفقهي والأصولي .. جذاذات أبحاث منتظرة
- ما يشبه بيانات القمة
- مأزق الإله الرسالي
- المسألة الدينية ومحطات الوعي الثلاث في الثقافة العراقية
- إدارة التوحش
- ما يستفزني
- بؤس الوجود الرمزي للمثقف
- نقد الممارسة الأيديولوجية عند ريمون رويَّه
- عذابات النص بين كاتبه ومترجمه ومتلقيه
- رسالة من الجماهير الغاضبة في البصرة
- التراث .. أداةً لتزييف الوعي
- بذرة التفلسف
- السياسة والأمل
- الرئيس فيلسوفا
- متى يكون السياسي فاشلا؟
- الأساطير المؤسسة للعمل السياسي في العراق: السياسة كحرفة
- هل يؤسس الإلحاد مذهبا إنسانيا في الحب؟ نقاشات تنموية في فضاء ...


المزيد.....




- إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع ...
- بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران ...
- 40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- 40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
- حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق ...
- أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة ...
- لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م ...
- فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي المدن - الأنموذج الملهم بفعل الخير