خليل كلفت
الحوار المتمدن-العدد: 4825 - 2015 / 6 / 2 - 19:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خليل كلفت و على كلفت
1
السكان:
قنبلة زمنية؟(1)
يعتبر السكان، كالحرب، وفقا للإستراتيجي الصيني سون تسو Sun Tzue(2)، "عالم الحياة والموت، الطريق الذي يؤدي إلى البقاء أو إلى الدمار". فهل يحق لنا إذن أن نخشى أن تهدد قنبلة ديموغرافية، مستقبل النوع البشرى والمحيط (الغلاف) الحيوي؟ ولا شك في أن زيادة السكان خلال النصف الثاني من القرن العشرين أفضت إلى أحد الانقلابات الكبرى في التاريخ البشرى. وقد استغرق الأمر 40000 سنة منذ إنسان كرومانيون للوصول في 1950 إلى رقم 2.5 مليار نسمة، فيما كانت فترة سبع وثلاثين سنة كافية لمضاعفة هذا الرق(3). ووفقا للتقديرات، كان من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 6 مليارات نسمة في 12 تشرين الأول/أكتوبر 1999(4). ويخشى العديد من الخبراء أن تفضي هذه الزيادة الديموغرافية، التي تتركز بجانبها الأكبر في البلدان النامية وبصورة خاصة في أكثرها فقرا، إلى "انفجار" للفقر وأن تُعجل بهجرات من الجنوب إلى الشمال. ولحسن الحظ فقد تحسنت التوقعات قليلا خلال السنوات الأخيرة، بفضل التقدم في التعليم على وجه الخصوص.
قنبلة زمنية
أم انتقال ديموغرافي؟
والواقع - وفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان - أن زيادة سكان العالم "تباطأت، وتستمر الآن في التباطؤ، ويمكن أن تستمر أيضا في التباطؤ خلال العقود القادمة"(5). وفي الوقت الحالي، يتزايد سكان العالم بحوالي 80 مليون شخص في السنة: أيْ ما يساوي تقريبا ألمانيا جديدة كل سنة، أو أمريكا جنوبية جديدة كل أربع سنوات(6). وهذا الرقم أقل قليلا بالمقارنة بذروة 92 مليون شخص التي وصلت إليها الزيادة السنوية في 1992. والحقيقة أن هذا الانخفاض في زيادة السكان من حيث الأرقام المطلقة يرجع إلى حد كبير إلى التقدم الكبير في تعليم البنات، الذي ارتفع من 59% إلى 76% بين 1960 و1995، وإلى تنظيم الأسرة.
ووفقا للتقديرات "المتوسطة" للأمم المتحدة، من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم من 6.1 مليارات نسمة في سنة 2000، ليصل إلى 8 مليارات نسمة في 2025، و9.4 مليارات نسمة في 2050، وليستقر عند أقل قليلا من 11 مليار نسمة حوالي سنة 2100(7). وهذه الأرقام مبنية على أساس سيناريو لاستقرار الخصوبة عند معدل للخصوبة يصل إلى حوالي طفلين للمرأة. وفي الوقت الحالي، يصل متوسط هذا المعدل إلى 2.96 طفل للمرأة. وهناك تقديرات أخرى بديلة تنتهي إلى 7.7 مليارات نسمة (البديل "المنخفض") وإلى 11.1 مليار نسمة (البديل "المرتفع") في 2050، وتقدم لسنة 2150 رقميْ 3.6 مليارات نسمة (البديل "المنخفض") و 27 مليار نسمة (البديل "المرتفع")(8). وترجع هذه الاختلافات الكبيرة بين التقديرات البديلة بصورة أساسية إلى التوقعات المتباينة التي تستند إلى سرعة انخفاض الخصوبة؛ لأنه، في حالة عدم تغير الخصوبة، سينتهي الأمر إلى عدد لسكان العالم يصل إلى 14.9 مليار نسمة من الكائنات البشرية في 2050 وإلى 296 مليار فرد في 2150 - ومن الجلي أن هذا تقدير نظري تماما!
وتتناسب سرعة انخفاض الخصوبة تناسبا طرديا مع التعليم، ومع مستوى التدريب، للبنات بصورة خاصة، ومع التنمية. وهذا هو السبب في أن الزيادة الديموغرافية التي تتراوح بين 90 و100 مليون فرد في السنة والتي كانت في أذهاننا في 1991 في المؤتمر العالمي للتعليم للجميع (جومتيين، تايلندا) لم يتم الوصول إليها: من هذه الزاوية، تُعَدّ الاتجاهات الراهنة أفضل خبر لنهاية هذا القرن.
والحقيقة أن الديموغرافيين فاجأهم الواقع في كثير من الأحيان خلال العقود الأخيرة. وما يزال بعض الخبراء المعروفين يرون أن "البديل المتوسط" للأمم المتحدة مُبالغ فيه، ويعتقدون أن زيادة السكان سرعان ما سوف تتباطأ وبحدة أكثر. ووفقا ل- هيرڤ-;---;-----;---يه لو برا Hervé Le Bras، على سبيل المثال، ينبغي "أن نستعد لتغير جذري جديد" بعد ذلك الذي حدث بالفعل(9). ووفقا ل- جاك ڤ-;---;-----;---الان Jacques Vallin، "ليس من المستحيل أن يتضح أن الفرضية المنخفضة هي الصحيحة"(10).
وكما يشدد صندوق الأمم المتحدة للسكان، وصلت زيادة سكان العالم إلى أقصى معدل لها (2% وحتى 2.5% في المناطق الأقل نموا) خلال السنوات 1965-1970، نتيجة للتفاوت بين معدل للمواليد ظل مرتفعا (بل حتى ازداد ارتفاعا نتيجة لاختفاء بعض الأسباب المرضية لعدم الخصوبة) ومعدل للوفيات انخفض بفضل التقنيات التي سمحت بمكافحة الأوبئة الكبرى والأمراض المعدية، وبالتأثير الفعّال في البيئة.
ومنذ بداية تسعينيات القرن العشرين، تراجعت الزيادة الديموغرافية، لمجموع الكوكب، إلى 1.48% في السنة (1990-1995)، وهذا هو أدنى معدل مسجل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية(11). وبالنسبة للبلدان النامية(12)، تصل هذه الزيادة في الوقت الحالي إلى 1.77% ويمكن أن تهبط أيضا إلى حوالي 1.1% نحو 2020-2025، وإلى 0.58% نحو 2040-2050. وفى آسيا وفى أمريكا اللاتينية، تبدأ الزيادة السنوية للسكان في الانخفاض حتى بالأرقام المطلقة. ومع ذلك فإن غالبية البلدان النامية سترى سكانها يتزايدون نتيجة "الانفجار الديموغرافي" للعقود السابقة: من ال- 2.8 مليار نسمة من السكان الإضافيين الذين كان على الكرة الأرضية أن تستقبلهم بين 1950 و1990، ينتمي 2.4 مليار نسمة إلى البلدان النامية، وأفضى هذا الانفجار الديموغرافي إلى انقلاب الهياكل العمرية فيها رأسا على عقب. وبهذا وصلت "موجة عملاقة" إلى عمر الخصوبة في ثمانينيات القرن العشرين. ومن الجلي أن هذا الجمود الديموغرافي سيكون له تأثير بالغ، على الأقل خلال العقود الأولى للقرن الحادي والعشرين.
وحسب البلدان، ارتفع العمر المتوقع عند الولادة إلى الضعف أو إلى ثلاثة أضعاف. وفى سرى لانكا، مثلا، حققت حملة مكافحة الملاريا في سنتين (1946-1948) زيادة بلغت اثنتي عشرة سنة من العمر المتوقع. وبلغت الزيادات المتحققة منذ خمسينيات القرن العشرين 23 سنة في آسيا، و20 سنة في شمال أفريقيا، و17 سنة في أمريكا اللاتينية، و15 سنة في أفريقيا جنوب الصحراء. وفى كثير من البلدان، نجد أعمار ثلث السكان، بل حتى نصف السكان في حالة أفريقيا، أقل من العشرين في الوقت الحالي. ولم يصل جيل من الشباب مطلقا من قبل إلى مثل هذا العدد الضخم: 31.4 من سكان العالم تتراوح أعمارهم بين صفر و14 سنة، و18% من سكان العالم تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة(13). ولم يسبق لهذا التحدي نظير. وكما يقول أحد الديموغرافيين، فإن "القرن العشرين كان سيغدو بالنسبة للإنسان قرن التدرب على السيطرة على مصيره". وبعد أن تم تأجيل الموت صارت المهمة تتمثل في "السيطرة على الحياة عن طريق اختيار العدد المرغوب فيه من الأطفال"(14).
وقد انتشر هذا الاتجاه إلى الانخفاض في الخصوبة في كل أنحاء الكرة الأرضية تقريبا منذ منتصف ستينيات القرن العشرين. وهو يرتبط بتقدم التعليم، وبواقع أن عددا متزايدا من البلدان في العالم، تطبق سياسات تنظيم الأسرة. وتحظى هذه الجهود بالدعم والإرشاد من شبكة كاملة من المساعدة الدولية، المالية والتقنية (1.3 مليار دولار في السنة في أوائل تسعينيات القرن العشرين)، التي تقدمها منظمات الأمم المتحدة مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ومنظمات غير حكومية كبرى. والواقع أن البلدان التي ظلت بمنأى عن اتجاه الانخفاض في الخصوبة صارت تشكل الاستثناء: لا يمثل سكانها أكثر من 8% من سكان العالم في 1995، بعد أن كانوا يمثلون 71% في 1995. وبين سنتيْ 1960 و1990، ارتفعت نسبة الأسر التي تستفيد من منع الحمل، في البلدان النامية، من 9% إلى 51%. ويتسع انتشار "الانتقال الديموغرافي " (الانتقال من معدلين مرتفعين للوفيات والمواليد إلى معدلين منخفضين للوفيات والخصوبة). غير أن هذه العوامل سيكون تأثيرها بطريقة غير متساوية باختلاف البلدان، حتى حيثما كان سياق البداية متشابها؛ ولهذا فإن التطور الديموغرافي للعالم يمكن حقا أن يغدو متباينا بصورة متزايدة، بل حتى متشظيا ومتناقضا. وكما يشدد أحد الديموغرافيين فإنه "لا شئ يدل على أن عدم المساواة إزاء الموت على مستوى القارات والدول في طريقه إلى التراجع؛ ومن جهة أخرى فإنه ليس هناك أدنى مبرر للاعتقاد بأن هبوط الخصوبة، حالما يبدأ، يمكن أن يتوقف عند مستوى الإحلال"؛ وبالتالي فإننا "لا يمكن أن نفكر وكأن الاتجاهات الملحوظة في نهاية هذا القرن سوف تتواصل بصورة آلية، وكأن التطور الديموغرافي يمكن أن يبقى مستقلا عن البيئة البشرية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، الماثلة عشية الألفية الثالثة"(15).
ومن هذا المنظور يمكننا حقا أن نشهد، على المدى الطويل جدا، ليس تفاقم الانفجار السكاني الذي رأى فيه عدد من الخبراء خلال فترة طويلة من الزمن بدايات كارثة نهاية للعالم تتجمع نُذُرها، بل نقيضه: في غضون عقود قليلة من الآن، يمكن أن "ينكمش" سكان العالم ببطء، هذه الظاهرة التي بدأت بالفعل في عدد من البلدان المصابة بنقص السكان.
وإذا كان معدل الزيادة السكانية قد تباطأ في عدد من البلدان، فإنه يبقى، بنسبة 2.9% في السنة، مرتفعا جدا في أفريقيا، حيث يمكننا أن نحصى 5.7 أطفال في المتوسط للمرأة، مقابل 3.3 أطفال بالنسبة لمجموع المناطق النامية (و2.96 طفل على المستوى العالمي)(16). وفى 2050، يمكن أن تؤوى أفريقيا 22% من سكان العالم، أيْ حوالي 2 مليار فرد؛ ومنذ 2025 فإنها سوف تضم 18% من سكان الكرة الأرضية (1.5 مليار فرد) إذا لم تكذّب الوقائع التقديرات الديموغرافية، مرة أخرى، مما يعنى أن سكانها سيزيدون إلى أكثر من الضعف في غضون خمس وثلاثين سنة(17). كما يمكن أن يرتفع العمر المتوقع عند الولادة في أفريقيا إلى حوالي 71.9 سنة في 2050، وهو مستوى يظل دون المستوى الذي حققته البلدان الصناعية في 1995 (74.2 سنة).
الإيدز ومستقبل سكان العالم:
ضرورة استجابة على نطاق عالمي
وباء الإيدز أكثر خطورة مما ظل يُعتقد إلى الآن: وكما كشف تقرير صادر في تشرين الثاني/نوفمبر 1997 عن البرنامج المشترك للأمم المتحدة الخاص بفيروس نقص المناعة البشرية (فيروس الإيدز)/متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) ومنظمة الصحة العالمية فإن حالات العدوى الجديدة صارت ضعف المعدل المعتاد في حين أن عدد الضحايا صار أكثر بنسبة 50% عما كان مقدرا من قبل: يموت 2.3 مليون شخص بسبب الإيدز كل سنة، وتحدث 16000 حالة عدوى جديدة كل يوم. وكان ثلاثون مليون شخص مصابين بفيروس الإيدز في 1997؛ وسوف يرتفع هذا الرقم إلى 40 مليونا في سنة 2000؛ وفى بعض البلدان، أصاب الإيدز أكثر من ربع السكان البالغين. ويُصاب بالعدوى ألف وستمائة طفل كل يوم، ومات 350 ألف منهم في 1996، ويموت 1200 منهم كل يوم. وتصيب مضاعفات الإيدز بصورة خاصة البلدان النامية، التي تضم الآن 90% من حالات حاملي الفيروس، بصورة رئيسية في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا. والواقع أن 92% من المبالغ التي يتم إنفاقها على الوقاية والعلاج من الإيدز (أكثر من 14 مليار دولار) يتم الآن إنفاقها في البلدان الصناعية.
ووفقا لدائرة السكان بالأمم المتحدة فإن التفشي الواسع الحالي لفيروس نقص المناعة البشرية في أفريقيا جنوب الصحراء صار يعبر عن نفسه من الآن فصاعدا في ركود معدل توقع الحياة عند الولادة، بل حتى في انخفاض هذا المعدل في البلدان الأكثر إصابة بالفيروس. وبعد أفريقيا، التي يعيش فيها 14 مليونا من حاملي الفيروس، تأتى آسيا المصابة بهذا الفيروس بصورة بالغة الخطورة: حوالي نصف الأشخاص المصابين حاليا بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية آسيويون، وإلى جانب هذه المأساة الإنسانية الهائلة، ستكون النتائج السلبية على التنمية كبيرة: قَدّرت دراسة أجراها برنامج الأمم المتحدة للتنمية مؤخرا تكلفة الإيدز على اقتصادات آسيا، في سنة 2000، برقم شامل يتراوح بين 38 و52 مليار دولار.
ولأن وباء الإيدز وباء عام عالمي فإنه يحتاج إلى استجابة عالمية: لن تستطيع بلدان العالم أن تواجه بصورة منفردة مبعثرة فيروسا خاضعا لتحولات سريعة وقادرا على تطوير مقاومة لطرق العلاج الجديدة. إن الإيدز سيتم التغلب عليه في كل البلدان معا، وإلا فلن يتم التغلب عليه أبدا. ويجب أن تجرى مكافحة الإيدز على أربع جبهات:
أ) تعميم حملات المعلومات، والتعليم، والوقاية. والحقيقة أن التكلفة المانعة للعلاج في كثير من الأحيان توضح بجلاء الضرورة المطلقة لمضاعفة جهود التعليم والمعلومات للسكان المعرضين للخطر، خاصة النساء، اللائى ينبغي تحسين أوضاعهن إذا كان لنا أن نأمل في التغلب على هذه الآفة. والحقيقة أن واحدا فقط من كل عشرة يعرف حالته: ينبغي بالتالي مضاعفة حملات الوقاية والشرح بشأن هذا المرض وطرق انتقاله وتعزيز قدرات الأبحاث في البلدان النامية عن طريق التعاون العلمي الدولي. وبعبارة أخرى فإن أي انتصار على الإيدز لن يكون ممكنا بدون أن تقوم سياسات عامة بين القطاعات بربط الأبحاث والسياسات الصحية، وسياسات التعليم والاتصال، والسياسات الاجتماعية، والعمل الثقافي.
ب) حصول الجميع على العلاج. من المؤسف أن استخدام العلاج الثلاثي، الذي يقلل تطور المرض ألف مرة، باهظ التكلفة (من 5000 دولار إلى 10000 دولار في السنة).
وينبغي أن تتيح الأبحاث الوصول، في الأجل القصير إلى علاج أقل تكلفة ولكن بالفعالية نفسها تماما. وفى الوقت نفسه ينبغي الاستثمار في مجال تعميم الحصول على العلاج الثلاثي - ليس فقط بدافع التضامن، بل أيضا من أجل أمننا الجماعي - ورفض كل تمييز: كل البشر يستحقون نفس العلاج. وإلا فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سيظل مجرد حبر على ورق.
ج) تعميم الوقاية العلاجية. ينبغي تركيز الجهود على الوقاية من انتقال العدوى من الأم إلى الطفل باستخدام مضادات الريتروفيروسات antirétroviraux مثل عقار AZT (1500 دولار لكل ثلاثة أشهر من العلاج)، وعلى علاج الأمراض الانتهازية opportunistes مثل الدرن (15 دولار للمريض في السنة)، وعلى الفحص المنتظم لتبرعات الدم.
د) البحث عن مصل فعّال. كما شدد لوك مونتانييه Luc Montagnier، المكتشف المشارك لفيروس الإيدز، في أحاديث القرن الحادي والعشرين، "يكلف المصل أرخص كثيرا من الدواء. وقد تم توزيع المصل المضاد لشلل الأطفال في العالم بأسره بفضل المؤسسات الدولية على وجه الخصوص ... ولهذا، ينبغي أن يتم استخدام مصل ضد الإيدز في كل بلدان العالم. وتتمثل المشكلة فيما إذا كان سيغدو من الضروري تخصيص مئات الملايين من الدولارات للأبحاث. والواقع أن هذا ليس هو الحال في الوقت الراهن". وفى وقت يستثمر فيه العالم من 700 إلى 800 مليار دولار في التسليح فإن استثمار عدة أجزاء من ألف جزء من هذا المبلغ لتطوير مصل ضد الإيدز لا يمثل مجرد إمكانية، بل يمثل التزاما أخلاقيا.
وللنجاح على هذه الجبهات الأربع، ينبغي مواصلة وتعزيز النضال ضد الإيدز على المستوى الدولي، خاصة من خلال البرنامج المشترك للأمم المتحدة الخاص بفيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسبة، هذا البرنامج الذي تم تدشينه في كانون الثاني/يناير 1996 بالمشاركة مع منظمة الصحة العالمية, واليونسكو، واليونيسيف، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، والبنك الدولي، ومنظمات غير حكومية مختلفة، وعن طريق المؤسسة العالمية لأبحاث الإيدز والوقاية منه التابعة لليونسكو والتي أنشأتُها أنا في 1993 مع لوك مونتانييه.
والحقيقة أن تفاقم وإلحاح وباء الإيدز في البلدان الفقيرة تجعل من الضروري القيام بتعبئة لم يسبق لها مثيل للتضامن الدولي، يمكن أن تستلهم الاقتراح الذي قدمته فرنسا، وأيدته بلدان مجموعة الثمانية منذ قمتها في 1998 ببرمنجهام، لإنشاء صندوق دولي للتضامن العلاجي، يكون هدفه أن يجعل من الممكن حصول البلدان النامية على العلاجات الجديدة للمرض، وأن يعزز أيضا التدريب، والمعلومات، والأبحاث الخاصة بمصل فعال، وسوف يتم تمويل هذا الصندوق بالمساهمات الطوعية للدول، والصناديق الدولية الكبرى، وشركات الأدوية عبر القومية، وكذلك بالأموال الخاصة.
المصادر:
ONUSIDA, novembre 1997 ---;--- interventions de Federico Mayor, Peter Piot et Luc Montagnier à la 154e session du Conseil exécutif de l UNESCO, 28 avril 1998 ---;--- Robert Pear, « Aids Numbers Make a Giant Leap », International Herald Tribune, 27 novembre 1997 ---;--- Eric Ram, « Children and the Plague of Aids », International Herald Tribune, 29-30 novembre 1997 ---;--- Afrique Médecine Santé, mai-juin 1997, interview de M. Peter Piot ---;--- Patrick Festy et Eric Chevallier, Futuribles, n° 194, janvier 1995 ---;--- IFRI, Ramsès, 1996 ---;--- communiqué du sommet de Birmingham du G8, 17 mai 1998 ---;--- discours de M. Jacques Chirac, président de la République française, et de M. Bernard Kouchner, secrétaire d É-;---;-----;---tat de la République française à la Santé, à la Xe conférence sur les MST/Sida en Afrique (Abidjan, Côte-d Ivoire), 7 et 8 décembre 1997, et declaration d Abidjan, 9 décembre 1997 ---;--- Jean-Yves Nau, « Sida : la France propose de créer un Fonds international de solidarité thérapeutique », Le Monde, 9 décembre 1997. Laurent Aventin et Pierre Huard, « VIH/SIDA et entreprise en Afrique », document MOST n° 19, UNESCO, 1998 ---;--- Luc Montagnier, Entretiens du XXIe siècle, « De quoi souffrirons-nous au XXIe siècle ? La science face aux maladies émergentes et réémergentes », UNESCO, 16 décembre 1998.
وعلى كل حال فإنه يبدو أن انخفاض الخصوبة الذي ينطلق من أرقام مرتفعة جدا، قد بدأ في عدد متزايد من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء: تؤكد النتائج الأخيرة للأبحاث الديموغرافية والصحية انخفاض الخصوبة في كينيا، وبوتسوانا، وزيمبابوى، وتُظهر انخفاضا أيضا (من طفل إلى طفلين للمرأة في عشر سنوات) في غانا، وغينيا، والسنغال، وكوت ديڤ-;---;-----;---وار، وجمهورية أفريقيا الوسطى، ورواندا(18). فهل نمضي نحو "نهاية الاستثناء الأفريقي"(19)؟ وإذا تأكدت الاتجاهات الحالية فإنه لن يكاد يكون هناك وجود، منذ العقود الأولى للقرن الحادي والعشرين، لأيّ "بلد ذي خصوبة تقليدية".
وإذا كان يبدو أن شبح انفجار ديموغرافي لا سبيل إلى السيطرة عليه يتلاشى فإن هذا ليس مبررا لأن نفرح كثيرا. ولا شك في أنه لا يجب أن نستبعد تماما سيناريو وصول سقف سكان العالم إلى 8 مليارات نسمة نحو 2050. وعلى كل حال فإنه وفقا لحسابات الأمم المتحدة، يجب أن يقوم المجتمع الدولي بتعبئة مبلغ 17 مليار دولار في السنة ابتداء من سنة 2000 إذا كان المطلوب هو ألا يتجاوز سكان العالم 7.8 مليارات نسمة في منتصف القرن الحادي والعشرين.
وعلى وجه الخصوص، يمكن القول، انطلاقا من واقع "الجمود الديموغرافي " وقوة دفع الزيادة السابقة، التي رفعت عدد النساء اللائى في سن الإنجاب، إن العالم يوشك أن يشهد زيادة سكانية فريدة من نوعها في تاريخه من حيث الأرقام المطلقة، وفى جيل واحد فقط. وفى الفترة ما بين الوقت الحالي وسنة 2015، يمكن أن يزيد سكان العالم 1.4 مليار نسمة، حيث يأتي الجانب الأكبر من هذه الزيادة من البلدان النامية. وعلاوة على هذا فإن النسبة المرتفعة للشبان الصغار جدا في غالبية بلدان الجنوب - حوالي 53.5% من سكان البلدان الأقل نموا هم دون الخامسة والعشرين من أعمارهم(20) - سوف تضع، من خلال إسهامها بقوة في زيادة ديموغرافية سريعة جدا، تحديات ضخمة في طريق التنمية، عن طريق مضاعفة احتياجات التعليم، والصحة، والإسكان، والتوظيف، والبنية الأساسية، وعن طريق طرح مشكلات لم يسبق لها مثيل في مجال الموارد الغذائية وإدارة الموارد الطبيعية. أما الشبان الذين يبلغون ما بين 15 و24 سنة من أعمارهم، والذين يرتفع عددهم إلى 1.05 مليار في العالم، فإنهم لم يصلوا من قبل مطلقا إلى هذا العدد الضخم(21). فهل نحن مستعدون لتخصيص الموارد التي لا غنى عنها لبناء مستقبلهم، الذي هو أيضا مستقبلنا؟ وربما لم يحدث مطلقا، في تاريخ البشرية، أن كانت ضرورة الاستثمار في تعليم الشباب بمثل هذا الإلحاح، ولم يحدث مطلقا أن كانت هذه المهمة بمثل هذه الضخامة: وعلى إصرار الحكومات على مواجهة هذا التحدي الهائل يتوقف، إلى حدٍ كبير، مستقبل التنمية والسلام على المستوى العالمي.
ولا شك في أن عدد السكان مهم جدا، غير أن التوزيع الديموغرافي مهم بالقدر نفسه، والواقع أن السكان موزعون بصورة غير متكافئة مطلقا: 10% من اليابسة تؤوى أكثر من 60% من سكان الكوكب. وعدم تكافؤ هذا التوزيع ملحوظ جدا على خريطة سكان العالم التي أعدها مؤخرا لليونسكو الجغرافيان دانييل نوان Daniel Noin وجنڤ-;---;-----;---ييڤ-;---;-----;--- ديكروا Geneviève Decroix(22)، والتي أظهرت أن "العالم لم يعد فسيفساء من الأرياف المحظوظة تقريبا، بل هو قبل كل شيء شبكة حضرية ضخمة، متدرجة هيراركيا إلى حد كبير، وتسيطر عليه العواصم الكبرى"، التي نجد نموها "غير مرتبط بالموارد الطبيعية للمناطق المحيطة بها"(23). حقا إن مفهوم الكثافة ليس له سوى أهمية محدودة، إذ أن "الكثافة المرتفعة لا تعنى بحال من الأحوال فيض السكان"(24). ومع ذلك فإن اختلافات الكثافة السكانية صارخة. فآسيا، بسكانها الذين يصلون إلى 3.45 مليارات نسمة، تؤوى وحدها 60% من إجمالي السكان. وفى داخل القارات ذاتها، تتاخم المناطق الخالية من السكان مناطق أخرى مكتظة بالسكان. والواقع أن أربعة تجمعات كبرى للسكان تضم الغالبية الساحقة من سكان الكرة الأرضية: شرق آسيا، الذي يضم رُبْع سكان الكوكب على أقل من 3% من اليابسة؛ وجنوب آسيا، بخُمْس سكان الكرة الأرضية على أقل من 2% من الأراضي؛ وأوروبا، بنسبة 12% من سكان الكرة الأرضية مقابل 4% من الأراضي؛ وشمال شرق أمريكا، بنسبة 3.7 من البشر على 1.1 من الأراضي(25).
غير أن توزيع السكان لا يتوافق مع توزيع الثروة. وكما يلاحظ هيرڤ-;---;-----;---يه لوبرا: "توجد بلدان غنية وكثيفة السكان، وبلدان فقيرة وقليلة السكان، غير أنه توجد أيضا على النقيض بلدان غنية وقليلة السكان، تقابلها بلدان فقيرة وكثيفة السكان ترد أسماؤها على كل الشفاه، من بنغلاديش إلى رواندا وبوروندى"(26). كما أن الثروة موزعة بصورة غير متساوية مطلقا بين غالبية السكان وبصورة غير متساوية أكثر من ذلك أيضا بين أخماس السكان. وتتجه هذه الفوارق إلى التفاقم (أنظر الفصل الخاص بالفقر والحرمان).
وأخيرا فإن عدم المساواة يؤثر في صيرورة السكان ذاتها وفقا لمستوى التنمية. وفى حين يبدو أن الفجوة تضيق قليلا قليلا بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب فيما يتعلق بالعمر المتوقع عند الولادة، يتباين هذا الأخير أكثر ليصل في البلدان الأكثر غنى إلى قرابة ضعف نظيره في بعض البلدان الأكثر فقرا، خاصة في أفريقيا الاستوائية، حيث لا يتجاوز في حالة على الأقل 40 سنة (سيراليون). ورغم الإنجازات المسجلة حتى الآن، يظل البشر غير متساوين مطلقا أمام الموت: يتراوح العمر المتوقع عند الولادة بين 43 سنة في أفغانستان وحوالي 80 سنة في اليابان(27). وحتى داخل البلد الواحد يمكن أن تبقى الفوارق كبيرة فيما يتعلق بالعمر المتوقع عند الولادة، في الجنوب كما في الشمال: إذ أن العمر المتوقع عند الولادة عند السود في الولايات المتحدة أقل ست سنوات عنه عند البيض(28). غير أن بعض المتخصصين، مثل فرانس ميليه France Meslé وجاك ڤ-;---;-----;---الان، يقلقهم أيضا تغير في التطور العام للوفيات ويطرحون للجدال تقديرات الأمم المتحدة، التي تتوقع كسبا في العمر المتوقع عند الولادة يتراوح بين اثنتي عشرة سنة وخمس عشرة سنة من الآن إلى 2025(29). وسوف يضيف الإيدز سببا جديدا للوفيات في البلدان النامية. وفى 2050، سوف يضاعف الإيدز تقريبا معدل الوفيات في زيمبابوي، ويزيده بنسبة النصف تقريبا في بوركينا فاسو، وكوت ديڤ-;---;-----;---وار، والكونغو، ويخفض بنسبة 6 إلى 7% عدد السكان المتوقع في أوغندا وزامبيا. وفى البلدان الخمسة الأكثر إصابة بالإيدز، سوف يعود العمر المتوقع عند الولادة حوالي سنة 2000 إلى النقطة التي كان قد وصل إليها منذ ثلاثين سنة مضت(30).
وفيما يتعلق بخفض وفيات الأطفال، تم تحقيق إنجازات كبيرة خلال السنوات الأربعين الأخيرة، وعلى كل حال، كان الانخفاض أكثر بطئا بكثير في بعض بلدان آسيا وبالأخص في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث لا تزال نادرة اليوم تلك الدول التي تسجل معدلات وفيات أطفال أقل من 100 في الألف، أيْ خطر أعلى عشر مرات من ذلك الذي يتعرض له الأطفال المولودون في أمريكا الشمالية أو في أوروبا(31). وفى أفريقيا وبعض بلدان آسيا، لم تُكسب إلى الآن المعركة ضد الأمراض المعدية. وقد دعا مؤتمر الأمم المتحدة للسكان والتنمية، المنعقد في القاهرة في 1994، كل البلدان إلى خفض وفيات أطفالها بنسبة الثلث منذ سنة 2000، وحيثما كان هذا ممكنا - إلى خفضها في هذا التاريخ إلى ما دون 50 في الألف (معدل وفيات الأطفال في فرنسا في 1950) وإلى 35 في الألف في 2015. وهذه المعركة حاسمة ليس فقط بسبب بُعدها الأخلاقي ونتائجها الإيجابية على رفاهية السكان، بل أيضا لآثارها على المواليد: من المرجح تماما أن تميل الأمهات إلى خفض عدد الولادات أو توسيع المسافات بينها عندما يدركن أنه ليس من الضروري أن "ينجبن عشرة أطفال ليبقى لهن منهم خمسة". وفى كل الأحوال، ليس عدم المساواة أمام الديموغرافيا أكثر من نتيجة منطقية لعدم المساواة الهيكلية الاجتماعية - الاقتصادية، ولعدم المساواة في فرص التنمية البشرية.
وهناك أخيرا عدم مساواة لا شك في أنه سيكون ثقيل الوطأة على مستقبل سكان العالم وعلى مستقبل تنميتهم: إننا نقصد شيخوخة السكان، التي لن تقتصر على الشمال، وتناقص السكان، في بعض البلدان الصناعية وفى العديد من الاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقال. وتتمثل الشيخوخة، كما يلاحظ ديموغرافي كندى(32)، في "اتجاه حتمي وعام سوف يصيب، ذات يوم، كل المجتمعات". وبين 1950 و2025، يمكن أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 60 سنة إلى ستة أضعاف، ليرتفع من 200 مليون إلى 1.2 مليار. وسوف ترتفع نسبتهم إلى إجمالي السكان من 8% إلى 14% خلال الفترة نفسها، ثم إلى 20% في 2050(33). والحقيقة أن الزيادة الديموغرافية وشيخوخة السكان لحظتان مختلفتان في الزمان، لظاهرة واحدة، حيث تفضي الزيادة، منذ أن تنقص بصورة ملحوظة، إلى الشيخوخة. وتوضح حالة الصين هذا القانون بجلاء: نسبة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة، شئ تزيد قليلا على 10%، سترتفع إلى حوالي 22% خلال خمسين سنة - مما يمثل قفزة من 50 إلى 280 مليون فرد بين 1980 و2050. وعلى مستوى العالم، في حين أنه كان هناك 1.9 شخص في سن العمل مقابل كل شخص مُعال في 1950، هبطت هذه النسبة في 1965 إلى 1.7، ولن تعود إلى مستوى 1.9 إلا في 2010(34).
وعلى كل حال، تختلف مشكلات الشيخوخة تماما في الجنوب وفى الشمال. في الجنوب تطرح الشيخوخة مشكلات تتعلق بالإستراتيجية الشاملة للتنمية البشرية وبمدى سرعة انخفاض الخصوبة، وتطرح بصورة خاصة مسألة حاسمة: كيف ينبغي الاستجابة للشيخوخة في وقت تنعدم فيه غالبا نُظم الحماية الاجتماعية المعتمدة على دولة الرفاهية وفى وقت تتفسخ فيه أواصر الروابط الأسرية، نتيجة للحضرنة والتحديث؟ وفى الشمال يلاحق المجتمعات التي تزداد شيخوخة شبح نقص السكان، الذي يمكن أن يصيب بصورة خطيرة من الآن إلى 2025، في غياب تعويض الهجرات، عددا كبيرا من البلدان، كاليابان، وإسبانيا، وإيطاليا، واليونان، وألمانيا، وبلغاريا، والمجر، ورومانيا، وروسيا. وفى الأجل الطويل، سوف يعنى هذا نقص سكان كل البلدان - المتقدمة والنامية، و"الناشئة" - التي يقل فيها متوسط عدد الأطفال لكل امرأة عن 2.1: وهذا هو الحال الآن في كل أوروبا تقريبا، وفى عدد من بلدان آسيا وأمريكا الشمالية. وفى البلدان الصناعية تطرح الآن الشيخوخة واحتمال تناقص السكان مشكلات رئيسية: العلاقات بين الأجيال؛ وتمويل نظم الضمان الاجتماعي؛ وخطر فقدان الدينامية الكلية؛ والملاءمات الاجتماعية والأخلاقية الشائكة - بين الأجيال، وبين البحث عن أقصى إطالة للعمر المتوقع عند الولادة وإمكانية ضمان شيخوخة كريمة للجميع.
وتتجه الشيخوخة إلى التفشي أيضا في البلدان النامية، حيث ستكون أسرع حتى مما في أوروبا. وفى البداية، ستؤدى الشيخوخة إلى نوع من الانفراج: انخفاض نسبة السكان الشباب الذين ينبغي توفير التعليم والتوظيف لهم في وقت لاحق، و"تضخم" في فئات السكان الذين في سن العمل. وقد تم الوصول بالفعل إلى هذا في البلدان التي طبقت سياسات فعالة في تنظيم الأسرة(35). غير أن عددا كبيرا من الخبراء يرون أن المشكلة الرئيسية للقرن إلحادي والعشرين، في مجال السكان، لن تتمثل في العدد الزائد للأطفال بقدر ما سوف تتمثل في العدد الكبير جدا لكبار السن، نتيجة لتقدم الطب، وعلم الوراثة، والتنمية بوجه عام. ومن هنا قلق عدد من الخبراء، بل وصل أحدهم حتى إلى حد أن يتساءل: "هل سينتهي بنا الأمر إلى تنظيم الوفيات كما ننظم المواليد(36)"؟ فهل سينتهي بنا الأمر إلى موقف كارثي تُبتلى فيه مجتمعاتنا، بدلا من تشجيع منع الحمل، بتشجيع القتل الرحيم(37)؟ والحقيقة أن بعض المؤشرات الراهنة تصيبنا بهذه المخاوف. وعلى كل حال، إذا كان على البلدان الغنية أن تتكيف منذ الآن مع الشيخوخة (التدريب الدائم للعاملين بأجر، إعادة تنظيم مدة العمل، التوفيق بين نُظم وسياسات الصحة العامة والأمن الاجتماعي)، فإن على البلدان النامية أيضا أن تستعد لهذا التكيف مع الشيخوخة وأن تستفيد من هذه المزايا لهذه "الفترة السريعة لانخفاض الخصوبة"(38).
وهناك، على كل حال، عامل يمكن أن يعدّل توزيع أوراق اللعبة بصورة كبيرة: إنه عامل الهجرات الدولية، التي تستعصي إلى حدٍ كبير على التنبؤ، ولا تؤخذ كقاعدة عامة في الاعتبار في التقديرات الديموغرافية العالمية، وتثير عددا من الأسئلة والمجادلات، لدى الخبراء والجمهور على السواء. ويُقدر عدد المهاجرين بصورة قانونية عبر العالم ب- 100 مليون، ويُضاف إلى هذا الرقم ما بين 10 ملايين و30 مليون من المهاجرين بصورة غير قانونية(39). وإذا كان قد حدث، خلال قرن، أن الهجرات الدولية قد تباطأت بصورة كبيرة، وإذا كانت السياسات الديموغرافية لأغلب بلدان الشمال والجنوب قد اتجهت، خلال الفترة الأخيرة، إلى المزيد من خفض تدفقات الهجرة - حيث ركزتها على احتياجات محددة ضرورية لسوق العمل وعلى هجرة قوة العمل المتزايدة المهارة - فهل يمكن تأكيد أن الحال سيبقى دائما على ما هو عليه أمام الاختلالات الديموغرافية التي تتجه إلى التفاقم على مدى جيل من الآن؟
وقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين نهاية الحركة التي دامت قرونا شئ كانت قد حملت الأوروبيين إلى ما وراء البحار، كما كانت قد أدت إلى انطلاق الهجرات من الجنوب إلى الشمال ومن الجنوب إلى الجنوب. وعلى وجه الإجمال، يصل أكثر من 2 مليون شخص كل سنة إلى بلدان الشمال، باستثناء المهاجرين بصورة غير قانونية. وفى حالة بعض البلدان، يمكن أن يكون عدد هؤلاء الأخيرين مرتفعا: على سبيل المثال، يتساوى عدد المهاجرين الذين يدخلون الولايات المتحدة بصورة غير قانونية، وفقا للتقديرات، مع عدد المهاجرين الرسميين. غير أن الهجرة من الجنوب إلى الشمال تُنسينا التنقلات السكانية من الجنوب إلى الجنوب، التي تظل أكبر حجما: وإذا كان قد حدث، خلال الثلاثين سنة الأخيرة، أن 35 مليون شخص غادروا بلدان الجنوب إلى بلدان الشمال، فإن عدد الأشخاص الذين يعيشون في بلد غير البلد الذي ولدوا فيه يُقدر ب- 85 مليونا على مستوى الكوكب (وفقا لمنظمة العمل الدولية)، بل حتى ب- 100 مليون (وفقا لصندوق الأمم المتحدة للسكان). وبين هذه الهجرات، ينبغي أن نذكر أولا التحركات السكانية نحو الشرق الأوسط وبلدان الخليج، شئ حفزها الريع البترولي. ويشكل العمال المهاجرون 80% من سكان الإمارات العربية المتحدة، و34% من سكان السعودية(40). وينبغي أن نضيف إلى هذا انتقالات سكانية أحدث في آسيا. وتقدم تايلندا، والفليبين، وإندونيسيا، حصصا متزايدة الأهمية من العمال ليس فقط لأستراليا أو اليابان، بل أيضا لعدد كبير من البلدان الأخرى. وعلى سبيل المثال، كان عدد الأجانب المقيمين في ماليزيا، قبل أزمة 1997-1998، مليون شخص على الأقل، أي ثُمْن قوة العمل، وفقا لتقدير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأكثر من مليونين أو ثلاثة ملايين، وفقا لتقديرات منظمات خاصة. وعلى هذا فإن رهان اندماج الأجانب لا يقتصر إذن على البلدان الصناعية.
أما التحركات السكانية التي لا يُعرف عنها سوى القليل، فهي تلك التي تجوب أفريقيا، وذلك نتيجة لنقص البيانات حول كثير من البلدان وعدم دقة التعدادات. وما يزال خبراء البنك الدولي يعتبرون رقم 35 مليون مهاجر، الذي قدمته دراسة لمنظمة العمل الدولية أجريت منذ عشر سنوات(41)، قريبا من الحقيقة(42). ويشمل هذا الرقم الحجاج، واللاجئين، والعمال وأسرهم. وتتباين النسبة المئوية للأجانب من بلد إلى آخر. وفى غرب أفريقيا، يصل عدد السكان الأجانب إلى 5% من مجموع السكان، وهى نسبة تضارع تلك التي نلقاها في فرنسا أو ألمانيا(43).
وفى كل أنحاء الكرة الأرضية، أجبرت الصراعات كُتَلاً سكانية بأكملها على النزوح: أكثر من ستة ملايين من الأفغان، أيْ ثلث السكان، فروا إلى الخارج في الفترة من 1979 إلى 1994(44)؛ وأكثر من مليون من البوسنيين كان قد تم إجبارهم على النزوح داخل جمهورية البوسنة حتى كانون الأول/ديسمبر 1995(45)؛ وفى 1997، سجلت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين 2.7 مليون أفغاني أيضا يعيشون خارج بلادهم(46)، و446000 لاجئ صومالي خارج حدودهم(47). ووفقا للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، كان واحد من كل 115 من سكان الكوكب قد تم إجباره على الفرار من وطنه(48).
كيف ستتطور الهجرات في السنوات المقبلة؟ والفكرة الأكثر انتشارا هي أن "ضغط الهجرات" سيتزايد على بلدان الشمال، وبصورة خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، لأن الزيادة الديموغرافية تظل شديدة في الجنوب، وبصورة خاصة في أفريقيا وأمريكا الوسطى، ولأن عدم المساواة يتفاقم بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة. ونظرا لأن البلدان الصناعية تتجه إلى إغلاق حدودها بسبب البطالة وتزايد التعصب تجاه المهاجرين، فإنه لا مناص من أن تتفاقم التوترات ويتضاعف المهاجرون بصورة غير قانونية.
ويبدو مثل هذا التحليل بالغ التبسيط إلى حد ما. أولا، لأن مستويات المعيشة والتنمية تتجه إلى أن تتنوع داخل الجنوب نفسه، مما يخلق بداخله احتياجات جديدة إلى قوة العمل: وقد شهدت على هذا حالة ماليزيا حتى أزمة 1997-1998، بعد حالة بلدان الخليج، أو حالة أفريقيا. إذ أن جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية جنوب أفريقيا جذبتا عمالا كثيرين إلى القطاع المنجمي، والغابون إلى قطاع صناعة الأخشاب، وكوت ديڤ-;---;-----;---وار إلى قطاع الكاكاو أو قطاع البن. وتتوجه هذه الهجرات في البداية نحو البلدان المجاورة أو تتابع طرق سيرها المطروقة أصلا شئ تشكل شبكات عديدة. فالمصريون الذين كان عليهم أن يغادروا العراق في 1991 لم ينتقلوا إلى أوروبا، بل إلى ليبيا. ونحو ليبيا أيضا توجه العمال التونسيون بالجملة، أكثر مما توجهوا إلى إيطاليا.
يمكن إذن أن نتوقع تنوعا متزايدا للهجرات، التي سوف تعنى في آن معا عمالا يدويين، وتقنيين، ومهندسين، ومدرسين، كما هو الحال الآن في الخليج، وكذلك تعزيزا للهجرات من الجنوب إلى الجنوب. واليوم، نشهد بالأحرى في مجموع بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ركودا، بل حتى في بعض الحالات انخفاضا، في الهجرة(49). ومن الجليّ أن هذا يرجع إلى إغلاق الحدود وإلى القيود التي تم إدخالها على حق اللجوء، غير أنه يرجع أيضا إلى تردد المهاجرين المحتملين إزاء الأخطار المتزايدة لعدم الاستقرار والبطالة. وكيف لا نشير مع ذلك إلى الإنجازات الاقتصادية للبلدان التي تستفيد من أرصدة الهجرات الإيجابية للغاية منذ عدة عقود، كما هو حال الولايات المتحدة(50)؟ وفى الأجل الطويل، يمكن أن يلعب تباطؤ الزيادة الديموغرافية دورا في نفس الاتجاه: على سبيل المثال، يتناقص المواليد الآن في المغرب، وخلال حوالي عشر سنوات ستكف أعداد الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل هناك عن الزيادة. غير أن من الجلي أنه ينبغي أولا - إذا أريد المزيد من خفض تدفقات الهجرة - تحسين نوعية حياة الإنسان في بلد المنشأ: يمكن للبلدان المضيفة الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تحقق هذا عن طريق الوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بالمساعدة الرسمية للتنمية(51).
التحديات الكبرى
هناك ثلاثة تحديات مترابطة بصورة وثيقة تشغل الخبراء والمجتمع الدولي على مدخل القرن إلحادي والعشرين: تأثير الزيادة الديموغرافية على الأمن الغذائي، والبيئة والموارد الطبيعية؛ والفقر والتنمية بوجه عام(52).
الأمن الغذائي
كيف يمكن أن نأمل ليس فقط في القضاء على سوء التغذية، الذي يصيب اليوم حوالي 800 مليون شخص، بل أيضا في تغذية حوالي 3.4 مليارات فرد إضافيين تتوقعهم الأمم المتحدة من الآن إلى 2050 في البديل المتوسط لتقديراتها؟ وبكلمات أخرى: هل سيكون هناك ما يكفى لإطعام الجميع، في عالم يتناقص فيه نصيب الفرد من مساحة الأرض الزراعية، ومن المتوقع، وفقا لپول كينيدى Paul Kennedy، أن يتناقص من 2800 متر مربع في بداية تسعينيات القرن العشرين إلى 1700 متر مربع في 2025(53)؟ وهل سيبدأ السكان في تجاوز "طاقة حمولة" الكوكب - التي قامت اللجنة المستقلة الخاصة بالسكان ونوعية الحياة بتعريفها على أنها "الحمولة القصوى التي يمكن أن تفرضها البشرية بصورة متواصلة على البيئة قبل أن تصير هذه الأخيرة عاجزة عن إعالة وتغذية النشاط البشرى"(54)؟
ورغم مخاوف بعض الخبراء، مثل ليستر براون Lester Brown وپول إيرليش Paul Ehrlich، يبدو أن كل شيء يدل على أنه في هذا المجال "لا وجود لقنبلة ديموغرافية"(55). وقد تحسنت بصورة عامة العلاقة بين الاحتياجات والإمدادات المتاحة منذ الستينيات(56). وكما يشدد أمارتيا سين، الحائز على جائزة نوبل، "ليس فقط منذ القرنين اللذين يفصلان بيننا وبين مالثوس Malthus، بل أيضا خلال هذه العقود الأخيرة، تجاوزت زيادة الإنتاج الغذائي بصورة متواصلة ومعبرة نمو سكان العالم"(57). ووفقا للتقرير العالمي عن التنمية البشرية 1998 الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة للتنمية، تتوقف مواصلة هذه الجهود مع ذلك على "ثورة خضراء" جديدة(58)، تطبق سياسات متكاملة للتنمية الريفية (إصلاحات زراعية، تطوير البنية الأساسية، التعليم)، وإصلاح طرق الزراعة، والأسعار الزراعية، وتسويق الحاصلات الزراعية، وتدابير فعالة لصالح الفلاحين(59). وهى تتوقف أيضا على السلام: يبدو الأمن الغذائي أقل ارتباطا بالزيادة الديموغرافية منه بالتقلبات الجغرافية، أو الاقتصادية، أو السياسية. والواقع أن أغلب البلدان الأفريقية التي عانت من مجاعات خلال العشرين سنة الأخيرة مزقتها حروب أهلية أو اضطرابات سياسية واجتماعية خطيرة.
وبالإضافة إلى هذا فإنما في الجنوب - إذا استثنينا حالة أفريقيا - تم تسجيل أعلى ارتفاعات إنتاج الغذاء. وإذا قارنا متوسط السنوات الثلاث 1979-1981 ومتوسط السنوات الثلاث 1991-1993، فإننا نجد أن الإنتاج الغذائي للفرد ارتفع بنسبة 3% على المستوى العالمي و2% في أوروبا، في حين انخفض بنسبة 5% في أمريكا الشمالية. وقد ارتفع نصيب الفرد من الإنتاج الغذائي بنسبة 22% في آسيا (بنسبة 23% في الهند، و39% في الصين). وبالمقابل، انخفض خلال الفترة نفسها بنسبة 6% في أفريقيا(60). وبين 1980 و1990 انخفض نصيب الفرد من الإنتاج الغذائي فيما لا يقل عن 72 بلدا من أصل 113 من البلدان النامية، في حين أن الاستهلاك الفردي للسعرات الحرارية انخفض في سبعة وثلاثين بلدا منها(61).
غير أن المسألة الأساسية تبقى مسألة اقتسام الموارد الغذائية المتاحة. ويطرح التناقض الصارخ الذي يتفاقم في بعض مناطق العالم بين زيادة السكان وانخفاض نصيب الفرد من الإنتاج الغذائي مشكلة رئيسية: الحصول الاجتماعي على الموارد الغذائية بالنسبة لسكان غير قادرين على دفع أسعارها بسبب فقرهم(62).
البيئة والموارد الطبيعية(63)
وفقا ل- أمارتيا سين، "يمكن أن يتضح أن آثار زيادة السكان على البيئة أكثر خطورة بكثير من مشكلة الغذاء التي أعيرت كثيرا من الاهتمام في الكتابات التي تستلهم مالثوس"(64). وينبغي أن نميز، فيما يتعلق بهذه النقطة، بين الأجل القصير والأجل الطويل. وفى الأجل القصير، تقع مسئولية تدمير البيئة بصورة خاصة على الشمال. إذ أن خُمْس سكان العالم يستهلكون 58% من الطاقة، و65% من الكهرباء على مستوى الكوكب؛ ويمثل استهلاك البنزين في المتوسط 500 كيلو جرام من معادل البترول للفرد في السنة للبلدان الصناعية، أيْ عشرة أضعاف متوسط استهلاك الفرد في البلدان النامية الذي يصل إلى 43 كيلوجراما؛ وفى 1994، كان استهلاك الطاقة التجارية للفرد في العالم الصناعي يمثل عشرة أضعاف استهلاك البلدان النامية (4452 كيلو جرام من معادل البترول مقابل 568)(65).
وفى الأجل الطويل، يُخشى أن يكون تأثير الزيادة الديموغرافية وتغير أنماط الإنتاج والاستهلاك في الجنوب بالغ الضرر بصورة خاصة على البيئة. والواقع أنه بقدر ما ستقوم اقتصادات الجنوب الناشئة بتنمية نفسها فإنها سوف تستهلك أكثر فأكثر: وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، ستكون البلدان النامية مسئولة في غضون 15 سنة من الآن عن 60% من الانبعاثات السنوية لثاني أكسيد الكربون(66). وفى رأى أمارتيا سين، ستكون البلدان النامية، بالتالي، في المستقبل، "خطرا على البيئة بنفس ضخامة خطر سكان البلدان الغنية اليوم". وفى عدد من مناطق العالم، وخاصة في المناطق القاحلة، كان لزيادة السكان بالفعل نتائج خطيرة على الوسط الطبيعي، حيث أنها تفضي في كثير من الأحيان إلى إفراط في استغلال الموارد الطبيعية، وإلى تدهور التربة، وإلى تلوث مجارى المياه، وفى كثير من الأحيان إلى التصحر.
ومنذ 1795، كان لدى الفيلسوف والاقتصادي كوندورسيه Condorcet الحدس العبقري بأن خطر فيض السكان، الذي كان يرى فيه خطر "تضاؤل متواصل للسعادة"، يمكن السيطرة عليه بفضل ارتفاع الإنتاجية، وإدارة أفضل والقضاء على التبديد، وتقدم في التعليم - وبصورة خاصة تعليم النساء. وفيما يتعلق بالأخطار التي يعرض السكان البيئة لها، كان يتطلع في ذلك الزمن إلى حلول ما تزال إلى اليوم في قلب الجدال الدولي، وقد كتب يقول: "المنتَج الصناعي نفسه إما أن يتفق مع أقل تدمير للمواد الخام، وإما أن يستمر استعماله لفترة أطول"(67).
وينبغي أن نضع نصب أعيننا أن الكثافة البشرية لا تستدعى بالضرورة تدمير البيئة؛ إن هذا التدمير يرتبط في أغلب الأحيان بأنماط الإنتاج والاستهلاك. والحقيقة أن سكانا قليلي العدد يمكن أن يضروا البيئة بنفس القدر تماما؛ وبصورة عامة، صار من الثابت أن الزراعات المتنقلة والتربية المتنقلة للماشية أكثر ضررا بكثير من الزراعة "في موقع ثابت". وبصورة مماثلة، يمكن أن تتكيف الحياة الحيوانية والنباتية البرية مع تجمعات بشرية كبيرة، في ظل شروط صارمة للإشراف والمراقبة كما هو الحال في المتنزهات القومية أو المناطق المخصصة للمحيط الحيوي. كما أن الاستيطان الكثيف على ضفاف الأنهار يمكن، إذا تم تنظيمه جيدا، أن يحافظ على الحياة المائية: لقد شوهدت أسماك السلمون تعود إلى التيمز أو الراين.
وبالتالي فإن الحلول الملائمة للتحديات البيئية التي تطرحها الزيادة الديموغرافية تقوم على:
• "ثورة في الكفاءة" في استخدام الطاقة والموارد الطبيعية (الأراضي، المياه، المحيطات ...)، تقوم على مبدأ الاقتصاد، وإعادة التدوير، ومعالجة المخلفات، والإحلال المتزايد للطاقات المتجددة محل الطاقات الأحفورية؛
• انتشار طرق للإنتاج الغذائي أكثر رعاية للنظم البيئية؛
• تقاسم المعارف، والتكنولوجيات، والمهارات، بين الشمال والجنوب؛
• تغيير أساليب الحياة وأنماط الإنتاج والاستهلاك، من خلال التعليم، وإدخال نماذج جديدة للتنمية، وتعزيز "الزراعة المستديمة".
الحضرنة(68)
هناك ظاهرة رئيسية ستؤثر على مصير السكان: الحضرنة في الجنوب. وبعد سنة 2000 بقليل، سيعيش غالبية سكان الكوكب في المدن(69). وبهذا تنتهي سيادة نمط قديم العهد من الحياة، دون أن يكون بوسعنا أن نحدد التاريخ الدقيق لهذه القطيعة مع الماضي: الواقع أن هذه القطيعة حدثت منذ عهد طويل في أوروبا، والولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، وعبرت أمريكا اللاتينية عتبتها قبل 1970. وسيكون على أفريقيا وآسيا فقط أن تنتظرا احتمال تحقيق هذا حوالي 2020. وستكون هذه الحضرنة بصورة رئيسية لصالح المدن العملاقة (الميجابولات) التي يزيد سكان الواحدة منها على ثمانية ملايين نسمة: يصل عددها الآن بالفعل إلى اثنتين وعشرين مدينة، ويمكن أن يصل عددها إلى خمس وثلاثين مدينة في 2015. وسوف تقع أغلب المدن العملاقة في الجنوب: في آسيا في المحل الأول، وأفريقيا بعدها. والواقع أن البلدان الأكثر فقرا هي التي تغدو فيها سرعة نمو المدن الأكثر ارتفاعا.
ويؤدي نقص الموارد وسرعة النمو الحضري، اللذان لا يكادان يفسحان مجالا للتخطيط، إلى تفاقم مشكلات الحضرنة: عدم كفاية الوظائف الحقيقية، في تناقض صارخ مع التنمية الصناعية والإدارية في زمن أسبق؛ مشكلات الإمداد بالمياه الصالحة للشرب، والصرف الصحي، والنقل على مسافات متزايدة الاتساع؛ الزيادة الكبيرة للتلوث. فهل سيكون بمستطاع مدن الجنوب أن تكسب سباق السرعة بين زيادة السكان وبناء المساكن والتجهيزات الضرورية؟
على أن الحالة ربما لا يكون ميئوسا منها. إذ أن زيادة المدن العملاقة تتباطأ الآن في كثير من البلدان، وبصورة خاصة في الهند أو في مصر، حيث لم تعد زيادة سكانهما أكثر من "النمو الصناعي". وبدأ سكان مدينة مكسيكو سيتي يتناقصون حقا(70). ومن جهة أخرى ففي حين أنه كان من المقدر منذ اثنتي عشرة سنة فقط أن وفورات الحجم المرتبطة بالكثافة البشرية توقفت عن العمل عند نقطة بعينها (حوالي 150000 نسمة)، صار من المعتقد الآن بالأحرى أن "ما يهم ليس حجم مدينة، بل أسلوب إدارتها"(71). والحقيقة أن ابتكار أسلوب الإدارة المتوازن، اللامركزي، القائم على المشاركة، الذي يشرك السكان في التنمية الحضرية وفى القرارات التي تصوغ إطار حياتهم، سيمثل التحدي الحقيقي للعشرين سنة المقبلة.
التنمية، والتوظيف، والفقر
بصورة عامة، تتجه العلاقات بين الثروة الاقتصادية، والزيادة الديموغرافية إلى التغير: منذ وقت طويل يُنظر إلى خلق الثروة ليس فقط على أنه عامل خفض للخصوبة (حيث تفوق تكلفة الطفل منفعته الاقتصادية)، بل أيضا على أنه أحد شروطه المسبقة. والواقع أن هذه العلاقة تبدو اليوم أكثر تعقيدا: في البلدان البترولية القليلة السكان، قام "الذهب الأسود" على العكس، منذ وقت طويل، بخفض تكلفة الطفل والإسهام في الاحتفاظ بخصوبة مرتفعة. وبالمقابل، نجحت مناطق فقيرة جدا - ولاية كيرالا في الهند على سبيل المثال - في خفض الخصوبة عن طريق سياسات ملائمة للتنمية البشرية، تتمحور حول التعليم، والصحة، والنساء.
غير أنه، خلال العشرين سنة المقبلة، سيكون على بلدان الجنوب أن تستوعب كحد أدنى مليار فرد إضافيين في سوق العمل. ولمجرد دمج القادمين الجدد في الاقتصاد ولمجرد المحافظة على مستوى معيشة السكان عند المستوى الحالي، سيكون على هذه البلدان أن تحافظ على نمو اقتصادي بنسبة 70%، أيْ أكثر من 2% في السنة(72). ولا غنى عن نمو اقتصادي أعلى من هذا بكثير من أجل إقلال الفقر بصورة كبيرة، ومن أجل تلبية الاحتياجات الهائلة للسكان الجدد في مجالات التعليم، والبنية الأساسية، والإسكان، والصحة، ومن أجل تحقيق زيادة ملموسة في فرص الازدهار لكل شخص. ولهذا فإنه سوف ينبغي تغيير حجم وسرعة التنمية، مع تعديل كامل لطبيعتها، التي يجب أن تغدو متمحورة من الآن على نوعية الحياة وليس على نزعة التركيز المفرط على الإنتاج وفرط الاستهلاك بصورة عمياء وغير قابلة للاستمرار.
والحقيقة أن مدى التحدي أضخم كثيرا، كما يشدد التقرير العالمي عن التنمية البشرية(73)، لا سيما وأن النمو الاقتصادي صار اليوم قائما على عدم المساواة بصورة عميقة، وأن الفجوة تتسع بهذا الصدد بين الدول الغنية والفقيرة وحتى داخل كل بلد، وأن ظاهرة "النمو دون فرص عمل" jobless growth تؤثر على البلدان الصناعية بقدر ما تؤثر على العالم النامي. وكما شددت قمة ليون لمجموعة السبعة، علينا من الآن "إنجاح العولمة لصالح الجميع"، وبالتالي "اقتسام مكاسب النمو الاقتصادي على أوسع نطاق ممكن".
بعض أولويات العمل
ليس خلق الثروة شرطا جوهريا للنجاح في خفض الخصوبة. وبصورة مماثلة فإن خفض الزيادة الديموغرافية ليس كافيا لضمان مستوى معيشة أعلى للسكان. وبالأحرى فإن التقاء هاتين الظاهرتين انعكاس لنمو منصف حريص على توفير الوصول الشامل إلى التعليم، والصحة، وفرص التنمية الاقتصادية.
وينبغي أن نتأمل جيدا مثال اقتصادات عديدة عالية الأداء في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا (جمهورية كوريا، تايوان، هونغ كونغ، سنغافورة، إندونيسيا، ماليزيا)، رغم الأزمة الخطيرة التي أصابت تلك المنطقة منذ 1997. وقد عرفت هذه الاقتصادات بالفعل على مدى ثلاثين سنة نموا اقتصاديا سنويا يتجاوز 5.5%، مصحوبا ليس فقط بانخفاض في نسبة الفقراء إلى النصف، بل أيضا بهبوط كبير في عددهم، وفى أغلب الأحوال بانخفاض ملحوظ جدا للخصوبة. وترجع هذه النجاحات بصورة رئيسية إلى "النمو مع الإنصاف" الذي تمثل بصورة خاصة في زيادة الموارد اللازمة للتعليم مع منح الأولوية لتعميم التعليم الابتدائي، وبصورة خاصة لتدارك تأخر البنات. وكما يشدد صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقريره عن 1998، فإن "المجتمعات التي سوف تستثمر في مجالات الصحة، والتعليم، وخلق فرص العمل، سوف تجد نفسها أفضل على المستوى الاقتصادي، الأمر الذي سيعبر عن نفسه في تحسن عام لنوعية الحياة ويخفف العبء الذي يشكله التزام إعالة سكان من كبار السن"(74). وكما تثبت حالة بلدان عديدة، خاصة في آسيا، فإن الجهود المبذولة في مجال التعليم تسمح بإبطاء الزيادة الديموغرافية في الوقت الذي تقوم فيه بتحسين نوعية حياة الأفراد. ونأمل ألا تؤدى المشكلات الاقتصادية التي تعانى منها بلدان ناشئة عديدة إلى إضعاف التزامها إزاء التنمية البشرية: في مواجهة الأزمة يظل التعليم أيضا الاستثمار الأفضل في سبيل تأمين التنمية المستديمة من الداخل.
وفى مواجهة التحديات التي تطرحها زيادة السكان، هناك إذن خمس أولويات ينبغي أن ترشّد السياسات على مدخل القرن الحادي والعشرين:
تعليم النساء
إذا كان هناك عامل أساسي لتحقيق انخفاض في الخصوبة فإنه يتمثل حقا في التعليم، وتعليم النساء في المقام الأول. وفى بلدان عديدة، تتجه إطالة مدة التعليم المدرسي للبنات إلى رفع متوسط سن الزواج (الذي يتجاوز الآن 25 سنة في شمال أفريقيا)، وإلى الانخفاض البالغ للزيجات المبكرة (في بنغلاديش، 48% من النساء تزوجن قبل التاسعة عشرة من أعمارهن في حين أن نسبتهن كانت تصل إلى 89% قبل ذلك بثلاثين سنة) وكنتيجة منطقية لهذا: إلى خفض عدد الأطفال "بصورة آلية". كما أن إطالة مدة التعليم المدرسي وتأجيل الزواج يؤديان أيضا، ولا سيما في البلدان العربية، إلى إنقاص فارق العمر مع الزوج وتغيير العلاقات بين الزوجين. ووفقا لدراسة للبنك الدولي، تنجب المرأة، في بعض المناطق التي تُحرم فيها البنات من التعليم الثانوي، سبعة أطفال في المتوسط. وفى المناطق التي ارتفعت فيها نسبة التحاق البنات بهذا التعليم إلى 40%، ينخفض هذا المتوسط إلى ثلاثة أطفال. كما أن تناقص الخصوبة يغدو بطيئا في المناطق التي لا تصل فيها النساء إلا إلى التعليم الابتدائي، غير أن تناقص الخصوبة يتسارع أكثر فأكثر مع وصولهن إلى مرحلتين تاليتين للتعليم.
ومن الجلي أنه ينبغي بصورة ملحة أن يتم الوصول إلى المحرومات من التعليم - إلى النساء اللائى لم يلتحقن بالمدارس الابتدائية ويمثلن حوالي 29% من بنات الكوكب، إلى النساء اللائى يمثلن 65% من 880 مليون هم مجموع الأميين والأميات. وسوف يتحقق هذا بالطرق الابتكارية التي تجمع بين تعميم التعليم الابتدائي والإلزام المدرسي الفعال، والتعليم عن بعد، والتربية التفاعلية، والتعليم الدائم للكبار. غير أن علينا أن نعمم التعليم الثانوي، وخاصة للنساء، وأن نطور التعليم العالي.
وقد جعلت اليونسكو من النساء إحدى المجموعات المستهدفة ذات الأولوية لنشاطها. وتطمح مبادرة التعليم للجميع التي طرحتها اليونسكو، بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، واليونيسيف، والبنك الدولي، في مؤتمر جومتيين في 1990، إلى تحسين حصول النساء على التعليم وعلى نوعية التعليم الذي يتم إعداده لهن. غير أنه ينبغي أن نذهب إلى أبعد من هذا: وعلى سبيل المثال، تبنت البلدان النامية التسعة التي عقدت اجتماعا نظمته اليونسكو في نيودلهي في 1993 خطة للتعليم تركز بصورة خاصة على الفتيات والنساء؛ والتزمت الهند بهذه المناسبة بزيادة النسبة المخصصة للتعليم من ناتجها المحلى الإجمالي، لترتفع من 3.4% إلى 6% حوالي 2005، فقدمت بهذا مثلا يحتذى. ونقترح بالتالي على كل البلدان التي لم تدرك بعد هذا الهدف أن تضعه على عاتقها دون إبطاء، وأن تحدد بصورة ملحة الوسائل الكفيلة بالوصول إليه، مثلا عن طريق خفض نفقاتها العسكرية ونفقاتها غير المنتجة، كما سبق أن أوصى، من ناحيته، مايكل كامديسوس Michel Camedessus المدير العام لصندوق النقد الدولي، منذ 1992، في قمة الأرض في ريو دي جانيرو.
تمكين النساء من تقرير مصيرهن
كما سبق لي أن أكدت في مؤتمر القاهرة، لا ينبغي أن يقوم خفض الزيادة الديموغرافية على الإكراه أو إملاء الأوامر. ولم يعد من المقبول أن ينطوي على فرض نماذج خارجية أو أن يتمثل في تدخلات تقوم على أسس عقائدية. ولا يمكن أن يكون له أساس دائم سوى الاختيار المستنير للرجال والنساء الذين يتولون أمور مصيرهم بأنفسهم والواعين تماما بحقوقهم وكرامتهم.
وفيما وراء التوسيع الضروري، على كل المستويات التعليمية وكذلك على مستوى التعليم خارج المدرسة، لبرامج توعية فيما يتعلق بمسألة السكان، يفرض نفسه عمل نوعى لصالح النساء. وقد حددت نفيس صادق، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، ثلاث أولويات بهذا الصدد:
"أن توضع في متناول النساء المعلومات والخدمات التي يحتجن إليها لإنجاب وتربية أطفالهن بصحة جيدة وأمن كامل؛
دعمهن في اختياراتهن في مجالات أخرى غير الإنجاب تتعلق مثلا بصحتهن، وتعليمهن، وبصحة وتعليم أطفالهن؛
وأخيرا، ومهما تكن اختياراتهن، تأمين إيلاء الأولوية لمصالحهن، ليس بوصفهن أمهات أو زوجات، ولا بوصفهن وحدات إنتاج أو إنجاب، بل بوصفهن نساء".
والحقيقة أن الحرية والمسئولية التي ينبغي منحهما للنساء أساسيتان ليس فقط لإبطاء الزيادة الديموغرافية، بل أيضا لحل مشكلات انخفاض الخصوبة التي تعانى منها غالبية البلدان الصناعية. وبالفعل كان أحد بلدان قليلة، في الشمال، شهد ارتفاع معدلات الخصوبة فيه بصورة ملحوظة، بصورة مؤقتة على الأقل، هو السويد، أيْ هذا البلد الذي قطع شوطا بعيدا في بناء دولة الرفاهية وفى تحقيق المساواة الفعالة بين الجنسين، بما في ذلك الحياة المهنية.
تعزيز التنمية العلمية والتكنولوجية
نظرا للزيادة الديموغرافية المتوقعة، لن يكون بمستطاعنا أن نغير حجم التنمية، وأن نحقق في الوقت نفسه أهداف التنمية المستديمة والأمن الغذائي للجميع، إلا بازدهار لم يسبق له مثيل للعلوم والتكنولوجيات، سيكون بمستطاعه وحده تأمين "ثورة الكفاءة" التي صارت ضرورة والتي أشرت إليها من قبل(75). وينبغي أن تحدد بلدان الجنوب لنفسها في هذا المجال أولويات جديدة على مستوى الرهانات، وأن تخصص نسبة أكبر من ناتجها المحلى الإجمالي ومن ميزانياتها القومية والمحلية للأبحاث. ولا شك في أن الأخطار التي يشكلها النمو الديموغرافي والصناعي على المحيط الحيوي ينبغي أن تغدو موضوعا لمزيد من الاهتمام من جانب المجتمع العلمي العالمي. وتسهم اليونسكو في هذا العمل عن طريق العديد من برامجها العلمية الدولية بين الحكومات(76).
تغيير أساليب حياتنا وأنماط إنتاجنا واستهلاكنا
صار من الضروري في هذا المجال تحقيق الأفضل بالأقل. وينبغي أن تقدم البلدان الصناعية مثلا يحتذى، نظرا للتوسع غير المحدود الجاري حاليا في الشمال في أنماط الاستهلاك غير القابلة للاستمرار والذي تجعله الزيادة السكانية المتوقعة غير وارد مطلقا. غير أن على الاقتصادات الناشئة أيضا أن تبذل جهدا للحيلولة دون الاستيراد دون تمييز لأنماط إنتاج واستهلاك من شأنها أن تعرض للخطر في نهاية المطاف، الطابع المستديم لتنميتها.
تعزيز النمو مع الإنصاف ومشاركات جديدة في سبيل التنمية
لن يوجد حل قابل للاستمرار لمشكلات السكان والتنمية إذا استمر النمو الاقتصادي، كما هو الحال الآن، في تعميق عدم المساواة بين البلدان وداخل كل بلد. والحقيقة أن نموا غير منسجم إلى هذا الحد يظل منطويا على نزاعات في المستقبل، وينذر بالعنف كما تنذر السحب الكثيفة بالعاصفة الرعدية، وسيكون علينا أن نحدد طرق اقتسام جديدة وتنمية جديدة تجمع بين النمو، والعدل، والإنصاف. واليوم ينبغي أن نمارس التضامن ليس فقط في المكان - بين الشمال والجنوب وداخل كل بلد - بل أيضا في الزمان، إزاء الأجيال المقبلة، التي لا نملك الحق في تبديد فرصها وميراثها.
وفى وقت تنخفض فيه المساعدة الرسمية للتنمية، التي لا تستطيع أن تحل محلها تدفقات الاستثمارات الخاصة، الموجهة بصورة أساسية نحو حوالي عشرة بلدان ظلت تتمتع بالازدهار الاقتصادي الكامل حتى حدوث الأزمة الآسيوية في 1997-1998، ينبغي أن نبتكر مشاركات جديدة من أجل التنمية، وبصورة خاصة في اتجاه أفريقيا والبلدان الأقل نموا. ويفترض هذا تغييرا عميقا في هيكل وأشكال مساعدة البلدان الغنية، هذه المساعدة التي ينبغي أن تتجه من الآن نحو الأولويات الرئيسية للتنمية البشرية. ويسعدنا أن نرى أن هذه المشاركات الجديدة من أجل التنمية كانت في قلب مناقشات قمة التنمية الاجتماعية في كوبنهاغن (1995) وقمة إسطنبول "الموئل 2" (1996)، كما يسعدنا أن نرى مجموعة السبعة توصى بها الآن(77). غير أنه اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ينبغي أن تتحول الأقوال إلى أفعال، وأن تتجسد في حقائق. وغدا، سيفوت أوان هذا دوما.
والتحدي مزدوج: وهو كمي ونوعى بصورة لا تنفصم. ولن يكون بمستطاعنا أن نحل مشكلة سكان العالم إذا نحن تعاملنا معها على أنها فقط مشكلة مواليد ووفيات أو مشكلة إدارة تدفقات إحصائية وكميات من الأفراد والاستثمارات والموارد. لن يكون بمستطاعنا أن نحلها إلا إذا قمنا بتغليب النوعية على الكمية، وإلا إذا قمنا بإعادة وضع الكائن البشرى وتحسين نوعية الحياة في مركز التنمية(78). والحقيقة أن "طاقة الرعاية" (caring capacity) تغدو، من وجهة النظر هذه، أكثر جوهرية من المفهوم الذي كان بدوره موضوعا للجدال بين الخبراء، أيْ مفهوم "طاقة حمولة" (carrying capacity) الكوكب أو "الحد الأقصى للسكان" (population-limit-). وكما علق شكسبير "ماذا تكون مدينة إلا بسكانها؟"، ماذا تكون الأرض، أولا وقبل كل شيء، إلا بضيوفها، أي المحيط الحيوي بمجموعه، المحيط الحيوي الذي يتمتع فيه النوع البشرى من الآن بكل هذه الأهمية؟ ولا شك في أنه ينبغي القيام بكل شيء من شأنه أن يخفض زيادة السكان. غير أن هذه الثورة الديموغرافية ينبغي أن تكون ثورة الكرامة التي تمثل الحق الأكثر أساسية للإنسان. وكما سبق لي القول في مؤتمر القاهرة فإنه سيكون علينا أن نكون مستعدين لأن نستقبل على سطح هذا الكوكب كل أولئك الذين سيأتون لينضموا إلينا. وينبغي أن نكون مستعدين لأن نقدم لهم ليس فقط نوعية الحياة التي يحق لهم أن يتوقعوها، بل أيضا ابتسامتنا.
منطلقات وتوصيات
تعليم النساء والبنات ومنحهن سبل السيطرة على مصيرهن: (1) بأن يوفَّر لهن الحصول الشامل الفعلي على التعليم الابتدائي وتعميم التعليم الثانوي، خاصة للبنات؛ (2) بأن توضع تحت تصرفهن المعلومات والخدمات التي يحتجن إليها من أجل إنجاب وتربية أطفالهن بصحة جيدة وبأمان كامل.
تعزيز التنمية العلمية والتكنولوجية الضروريتين لنمو ديموغرافي يصادق البيئة وللأمن الغذائي للسكان.
تغيير أساليب الحياة والاستهلاك الضارة بالتنمية المتواصلة.
تعزيز زيادة الإنصاف ومشاركات جديدة من أجل التنمية.
تعزيز سياسات جديدة للمدينة (أنظر الفصل المعنون "تغيير المدينة يعنى تغيير الحياة").
تشجيع البلدان الصناعية، وخاصة أكثرها غنى، على الوفاء بالتعهدات التي قطعتها على نفسها بالمساهمة، بما يصل إلى 0.7% من ناتجها القومي الإجمالي، في المساعدة الرسمية للتنمية، وتشجيع التنمية من الداخل للبلدان الأقل نموا.
إشارات الفصل 1
(1) تم تقديم بيانات تكميلية حول منظورات ورهانات التحولات الديموغرافية في فصول أخرى من هذا التقرير، وبصورة خاصة الفصول التي تتناول المدن، والأمن الغذائي، والبيئة، والفقر، والنساء.
(2)Sun Tzu, L Art de la guerre, Collection UNESCO d oeuvres représentatives, 1963, traduction française Flammarion, 1972.
(3)Source: É-;---;-----;---tat de la population mondiale, 1997, Fonds des Nations Unies pour la population (FNUAP), mai 1997.
(4) موقع الإنترنت: FNUAP.
(5) FNUAP, É-;---;-----;---tat de la population mondiale, 1998.
(6) Source: Nations Unies, 1998, op. cit. (chiffres pour 1990-1995. et FNUAP), É-;---;-----;---tat de la population mondiale 1997 : كان عدد سكان ألمانيا 82.2 مليونا في 1997؛ وكان عدد سكان بلدان أمريكا الجنوبية 327.1 مليون.
(7) هذا الرقم الأخير أقل 0.7 مليار في التقدير السابق لعام 1992، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى السرعة غير المتوقعة لانخفاض الخصوبة في بلدان عديدة: Source: United Nations, Department for Economic and Social Information and Policy Analysis, Population Division, Worîd Population Prospects: the 1996 Revision (24 octobre 1996)---;--- idem, “World Projections to 2150”, 1er février 1998 : ويتنبأ البديل "المتوسط" أن يصل عدد سكان العالم إلى 8 مليارات نسمة في عام 2025، وإلى 10.4 مليارات نسمة في عام 2100، وإلى 10.8 مليارات نسمة في عام 2150.
(8) لا يختلف السيناريو "المرتفع" والسيناريو "المنخفض" إلا بطفل واحد لزوج وزوجة (نصف طفل فوق ونصف طفل تحت معدل الإحلال).
(9) Hervé Le Bras, Les-limit-es de la planète, Paris, Flammarion, 1994.
(10) Jacques Vallin, Dossiers du CEPED, n° 26, Paris, 1994.
(11) Chiffres pour 1990-1995. Source: Nations Unies, Division de la population, estimations de 1996. : على حين أنه بين 1965 و1970 تجاوزت الزيادة 2% في السنة، فقد بلغت 1.72% في السنة بين 1975 و1990، قبل أن تهبط إلى المعدل الحالي. وهذا المعطى الأخير اقل من التقدير الخاص بعام 1994: Voir: Arkady Ostrovsky, “Birthrate down, hardship up”, Financial Times, 29 mai 1997.
(12) أيْ، وفقا لتصنيف شعبة السكان بالأمم المتحدة، أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة الكاريبي، وآسيا ـ باستثناء اليابان ـ، وميلينزيا، وميكرونيزيا، وپولينيزيا.
(13) Chiffres pour 1996 (Nations Unies). : هؤلاء السكان موزعون توزيعا متنوعا جدا وفقا للمناطق: في البلدان المتقدمة، يمثل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة 19.6% من السكان، مقابل 43.9% في البلدان الأقل تقدما؛ وفي البلدان النامية، تمثل هذه الشريحة العمرية 7 أضعاف عدد الكبار الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة: chiffres FNUAP, 1998 et Nations Unies 1996.
(14) Jean-Claude Chesnais, “La transition démographique, trente ans de bouleversements (1965-1995)”, Paris, CEPED, 1995 (Les Dossiers du CEPED, n° 34).
(15) Jacques Dupâquier, “Où va la population mondiale ?”, Le Monde, 27 mai 1999
(16) Jean-Claude Chasteland, Le Monde, 30 août 1994.
(17) Projection moyenne des Nations Unies, 1996.
(18) Chronique du CEPED, juillet-septembre 1995 et Le Monde du 15 septembre 1995.
(19) Thérèse Locoh, “Familles africaines, population et qualité de la vie”, Paris, CEPED, Mars 1995 (Les Dossiers du CEPED, n° 31).
(20) Source: Nations Unies, Division de la population, estimation 1995 : بالنسبة للبلدان الأقل نموا. ووصل هذا الرقم إلى 63.4% بالنسبة للبلدان الأقل تقدما.
(21) Rapport FNUAP 1998.
(22) Cette carte mondiale est fournie en annexe du livre de Daniel Noin, L Humanité sur la planète, éditions UNESCO, Paris, 1997.
(23) Daniel Noin, op. cit., p. 14.
(24) Daniel Noin, op. cit., p. 20. : انظر أدناه (في هذا الكتاب) الفصل "تغيير المدينة يعني تغيير الحياة".
(25) D. Noin, Géographie de la population, Paris, 1995 ---;--- cité par J. C. Grimal et G. Herzlich, La Population du monde, Paris, Le Monde éditions et Marabout, 1995. : يميز D. Noin ثلاثة تجمعات للكثافة السكانية: L Humanité sur la planète op. cit. : التجمع الصيني (1.2 مليار نسمة في 1990)، والتجمع الهندي (1.1 مليار نسمة قرب 1990)، والتجمع الأوروبي (حوالي 650 مليون نسمة).
(26) H. Le Bras, op. cit.
(27) توجد اختلافات ضخمة بين بلدان متجاورة: في جنوب شرق آسيا، يوجد فارق يصل إلى عشرين عاما تقريبا بين كمبوديا أو لاوس وماليزيا؛ وفي أفريقيا، عشرة أعوام بين كينيا وأوغندا المتاخمة. وعلى النقيض فإن العمر المتوقع عند الولادة في روسيا، خاصة فيما يتعلق بالرجال، يوجد في مستوى مماثل لبلدان نامية مثل الصين.
(28) Source: PNUD, Rapport mondial sur le développement humain 1994, chapitre 5.
(29) Dossiers du CEPED, n° 30, 15 février 1995. : الواقع أنه إلى الآن بدأ "الانتقال الصحي" بطيئا، غير أنه سوف يتسارع في الحال، بمجرد أن يتم توفير الوسائل ـ البسيطة جدا في كثير من الأحيان ـ اللازمة لمكافحة الأمراض المعدية أو للوقاية من الأوبئة؛ وقد تقلص فقط عندما كان ينبغي النضال ضد الأسباب الحديثة للوفاة (من السرطانات إلى حوادث الطرق). ويشير فرانس ميسليه France Meslé وجاك ڤ-;---;-----;---الان إلى ركود، بل حتى تراجع خلال الأعوام الأخيرة في بعض بلدان أفريقيا الاستوائية (زامبيا، أوغندا)، في حين أن بلدانا أخرى (مدغشقر، الكاميرون، توغو) منطلقة من نفس النقطة أضافت عشرة أعوام أخرى إلى العمر المتوقع عند الولادة. ومن جهة أخرى فإن بعض البلدان النامية "المتقدمة" بالفعل في مجال النضال ضد الموت، مثل المكسيك، تجد صعوبة في خفض معدل وفيات الكبار. وبعض مناطق أوروبا الشرقية، وبصورة خاصة بلدان الاتحاد السوڤ-;---;-----;---ييتي السابق، تجد نفسها في وضع مماثل: يتضح أن نظامها الصحي لا يتلاءم بصورة جيدة مع النضال ضد أمراض القلب والأوعية والسرطانات، وتتسع الفجوة مع البلدان الغربية التي تكسب كل خمسة أعوام عاما جديدا في العمر المتوقع عند الولادة.
(30) هذه الإسقاطات ذاتها تلقى اعتراضات شديدة، إذ أننا لا نملك مزيدا من البيانات الموثوقة بشأن مدى انتشار ها الوباء ولا النماذج الأكيدة لتفشيه. ويؤكد مالكولم پوتس Malcolm Potts، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، أن "الإيدز سوف يقتل أشخاصا أكثر من أولئك الذين تم قتلهم خلال الحرب العالمية الثانية"، ووفقا لحسابات جاك ڤ-;---;-----;---الان فإنه "في بلد ظل يرتفع فيه إلى الآن العمر المتوقع عند الولادة نصف عام كل عام فإن انتشارا للإيدز بنسبة 1% سوف يلغي عامين من الإنجازات، و10% عشرين عاما، و15% ثلاثين عاما". وسوف تشتد وطأته الثقيلة على النظم الصحية المرهقة بالفعل".
(31) Populations: l état des connaissances, Paris, INED, 1996.
(32) Louise Lassonde, Les Défis de la démographie, Paris, La Découverte, 1996.
(33) Caring for the Future, Report of the Independent Commission Population and Quality of Life, Oxford/New York, Oxford University Press, 1996. : على المستوى العالمي، كان الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما يمثلون 1% من السكان، و6.2% في 1992؛ وسوف يصلون إلى 20% في 2050.
(34) FNUAP, Rapport sur la population mondiale 1998.
(35) في تونس، على سبيل المثال، يمثل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن خمسة عشر عاما أكثر من 36% من السكان، مقابل 42% قبل عقدين. وفي الصين كان الانخفاض هائلا: بين 1975 و1990، هبطت النسبة من 40% إلى 26%، ولا مناص من أن تنخفض من جديد لتصل إلى 12% في 2020. وفي هذا التاريخ ستصل هذه النسبة إلى 25% في المتوسط في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.
(36) William Mc Gum, Far Eastern Economic Review, Hong Kong, cité dans Louise Lassonde, op. cit.
(37) Norman Macrae, “Not too many babies, just too many oldies”, in “The World in 1995”, numéro spécial de The Economist, Londres, 1994, p. 137-138.
(38) Jacques Vallin, Dossiers du CEPED, n° 26, 1994.
(39) Michael Renner, “Transforming security”, State of the World 1997, World- Watch Institute, W. W. Norton & Company, Londres, 1997, p. 124-125 (chiffres du Bureau international du travail).
(40) Source: “Conjoncture 97”, cité dans Courrier international du 4 décembre 1996.
(41) Sergio Ricca, International Migration in Africa, 1989.
(42) Sharon Stanton Russell, Karen Jacobsen et William Dean Stanley, International Migration and Development in Subsaharan Africa, World Bank, Washington, 1990.
(43) Voir Le Monde du 25 septembre 1996.
(44) Source: UNHCR.
(45) Ibid.
(46) Ibid.
(47) Ibid.
(48) 26 مليون شخص مهجرون من بلادهم، و30 مليون شخص نازحون داخل بلادهم نفسها: source: UNHCR, octobre 1998.
(49) Source: OCDE, Trends in International Migration. 1999.
(50) 5,7 millions dans les années 1980, 3,3 millions dans les années 1970, Source: 1992 Statistical Yearbook of the INS.
(51) انظر حول هذه القضية الجزء الثالث: "نحو عقد أخلاقي جديد".
(52) كل قضية من هذه القضايا موضوع لفصل مستقل، ولهذا لن يشار إليها هنا إلا بإيجاز.
(53) Preparing for the 21st Century, Oxford University Press, 1993.
(54) Caring for the Future, Oxford University Press, 1996, chapitre 6, p. 97 (traduction française: Saisir l avenir, Paris, Economica, 1998, p. 114).
(55) Amartya Sen, “II n y pas de bombe démographique”, Esprit, n° 216, Paris, novembre 1995.
(56) Philippe Collomb, “L alimentation de la population mondiale en 2050”, Populations et sociétés, n° 312, avril 1996, Paris, INED. : تعوّل منظمة الفاو على ارتفاع عام في نصيب الفرد من المواد الغذائية المتاحة في البلدان النامية من الآن وحتى 2010: وسوف يرتفع نصيب الفرد من هذه المواد من 2500 سعر حراري في اليوم إلى 2700. وسوف تحقق بلدان الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية أو تتجاوز الـ 3000 سعر حراري. ومن المحتمل أن تظل أفريقيا جنوب الصحراء وحدها عند مستويات منخفضة جدا: FAO, Dimension planétaire de l alimentation, de l agriculture et de la sécurité alimentaire: وتنتهي دراسة للمعهد الدولي لأبحاث الدراسات الغذائية IFPRI إلى نتائج مماثلة: من المتوقع ان تتجاوز الإمدادات الغذائية في كل مكان مستوى عام 1970 ومستوى عام 1990: A 2020 Vision for Food, Agriculture and Environnement, 1995.
(57) A. Sen, loc. cit. : أتاحت التقنيات الزراعية والتنمية التجارية التغلب على حاجز المردودات المتناقضة. وخلال العقود الأخيرة، سمح استخدام التقنيات الزراعية العالية الأداء (الري الذي يتيح تحقيق محصول مضاعف، والزراعة الأكثر عناية، واستخدام أصناف من التقاوي العالية المردود) للهند أو لجزيرة جاوة بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي، رغم زيادة السكان وانخفاض حجم الحيازات. والحقيقة أن الانخفاض المسجل في نصيب الفرد من الإنتاج العالمي للحبوب الغذائية منذ 1984 لا يرجع إلى اختناق في التقدم التقني أو إلى إرهاق للتربة بقدر ما يرجع إلى تدابير التكيف التقني مثل تجميد الأراضي في بعض البلدان المصدرة الكبرى (الولايات المتحدة، كندا، الاتحاد الأوروبي). وعلى المستوى المحلي، يمكن أن تحجب انخفاضات للإنتاج ليس تشبعا في إمكانات المحاصيل، بل التحولات التي يجريها المستثمرون الزراعيون بحثا عن الأرباح، مثل الانتقال من محصول غذائي إلى العلف لتربية الماشية في ولاية توباسكو في المكسيك: Hervé Le Bras, Les-limit-es de la planète. 1994.
(58) Paris, Economica, 1998, p. 10-11 et chapitre 4.
(59) Agricultures, n° 4, juillet-août 1996: “Sécurité alimentaire, enjeux et débats”.
(60) A. Sen, loc. cit.
(61) FAO, State of Food and Agriculture 1992, Rome, 1992, cité dans Caring for the Future, op. cit.
(62) انظر حول هذا الموضوع فصل "هل سيكون الطعام كافيا للجميع؟".
(63) انظر حول هذا الموضوع فصل "أن ننمو مع الأرض".
(64) A. Sen, loc. cit.
(65) PNUD, Rapport mondial sur le développement humain 1998, Chapitre 3 (“La consommation dans un village mondial — inégalités et déséquilibres“), passim.
(66) Ibid.
(67) Condorcet, Esquisse d un tableau historique des progrès de l esprit humain (1795), Paris, Vrin, 1970.
(68) انظر حول هذا الموضوع فصل "تغيير المدينة يعني تغيير الحياة".
(69) Source: United Nations Centre for Human Settlements (Habitat), An Urbanizing World: Global Report on Human Settlements 1996, Oxford University Press, 1996.
(70) Source: ibid.
(71) Rémy Prud homme, Le Courrier du CNRS. n° 82, juin 1996.
(72) Voir Hamish McRae, The World in 2020, Londres, Harpers Collins Publishers, 1994.
(73) Rapport mondial sur le développement humain 1996, PNUD, New York, 1996.
(74) FNUAP, op. cit.
(75) Cf. E. U. von Weizsä-;---;-----;---cker, A.B. Lovins et L.H. Lovins, Faktor Vier, Rapport au Club de Rome, Munich, 1995.
(76) Programme “L homme et la biosphère” (MAB), Commission océanographique intergouvernementale (COI), Programme hydrologique international (PHI), Programme “Gestion des transformations sociales” (MOST).
(77) "Communiqué économique”, G7, Sommet de Lyon (28 juin 1996) (section IV).
(78) Tel est le message du rapport Caring for the Future, élaboré par la Commission indépendante sur la population et la qualité de la vie, présidée par Mme Maria Lourdes Pintasilgo.
#خليل_كلفت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟