مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1337 - 2005 / 10 / 4 - 11:03
المحور:
الصحافة والاعلام
لقد استمعت إلى إحدى الإذاعات العربيّة _ التي تبثّ من الغرب الأوربي إلى عالمنا العربي , والشرقي - لأوّل مرّة لساعات طويلة وبشكل مركّز , في باريس مقر إرسالها , وكان ذلك في عام 2001 - ومرّة ثانية وثالثة ورابعة , اّخرها في صيف هذا العام 2005 .
في كلّ مرّة كنت أستمع لها , أجدها هي هي , لم يتغيّر ولم يتبدّل خطابها , وتوجّهها , نفس اللغة ونفس النهج والبرامج .. تقليد واحد .
فلقد لفت انتباهي البرنامج الديني الذي تبثّه ..
بداية .. تعجّبت , وتساءلت بيني وبين نفسي , ثمّ بيني وبين الاّخرين ثانيا مما التقيت بهم السؤال أو الملاحظة الأولى : لماذا برامج هذه المحطّة الدينيّة وحيدة الجانب والطائفة , لم تتغيّر لا في أيام الأعياد ولا في الأيام العاديّة الأخرى , فطوال هذه الفترة الطويلة من السنين بقيت هذه المحطّة تقدّم وتبثّ وتنقل برامجها لطائفة واحدة طوال اليوم من الفجر حتى بعد منصف الليل . مواعيد الصلاة اليوميّة , مع نقل صلاة الجمعة , والأحاديث الدينيّة وغيرها من الشعائر اليوميّة والأسبوعية والمناسبات الأخرى .... ؟
لماذا لا تنقل الصلاة وما يتعلّق بها من طقوس وغيرها , في كلّ يوم أو أسبوع من السودان مثلا .. أو مصر والعراق وتونس , أو سوريّة الجزائر .. أو أو غيرها من الدول , ليصبح التغيير والتنوّع والمشاركة أجمل وأفضل .. , وبالتالي المعرفة تتّوسّع , أي بمعنى لماذا نفس التقليد , ولا تحيد .. ؟
ففي العاصمة ( باريس ) " جامعة الشعوب العربيّة " تتواجد هناك بكلّ مهاجريها وطلاّبها ولاجئيها .. والمعارضات كذلك ؟ !
ولكن .. ولكن جيّد هذا .. ولا مانع ..
السؤال الثاني الذي يطرح نفسه .. , والاّخرون .. ؟
أين هم الاّخرون .. , أين نصيبهم في قاموس الإذاعة , والبرامج .. ؟
ولكن أنتم تبثّون من ( باريس ) .. أي إلى كلّ الأراضي الفرنسيّة ,وبعض الدول الأوربيّة , ومنطقة دول البحر المتوسّط ..
فهنا.. في عاصمة الدولة الفرنسية , يتواجد العرب بكثرة , والعرب طوائف , وأديان , وعقائد وفلسفات متعدّدة ومتنوّعة أليس كذلك .. ؟
لماذا لا ينقل أو يعدّ أيضا برنامجا أو شيئا ما على الأقل يوميّا , أو أسبوعيّا ( الأحد ) مثلا , أو أيام الأعياد والمناسبات عن هذه الطوائف .. , إحتفالاتهم , طقوسهم , أناشيدهم , صلاتهم , أو برامج خاصة عن تلك المناسبة أو هذه ,غير ذلك .. " جبران خاطر " كما تقول الأمثال ؟ أو عدالة ومساواة وتوازن بالحضور والتواجد المتعدّد , ومراعاة لشعور الاّخرين , وحقّهم غي الإعلام المتواجد في الساحة والفضاء الداخلي والخارجي في أوطانهم أو في بلاد الإغتراب , " فالإعلام للجميع " .. والبرامج للجميع هكذا نفهم .. وهكذا تعلّمنا من الحياة وليس من الكتب المدرسيّة ومناهجها .
فالإعلام للجميع دون استثناء .. وليس الإعلام الوحيد الجانب والرؤية والمكان وللطائفة . .!
يتساءل المرء ما هذا التمييز والتطرّف الأحادي النظرة , والتوجّه , والعقليّة النمطيّة التقليديّة .. ؟
فأنا موجود .. , لماذا تحذفني ؟ لماذا تتجاهلني .. تغيّبني .. من هذه الإذاعة , من هذا التلفاز من هذا المشهد والفعل والحركة والمشاركة والحوار .. والبرامج .. من من .. ؟
لقد كبرنا .. تطوّرنا .. تثقّفنا .. , وعينا .. شاهدنا .. تعلّمنا
أصبحنا نعرف الكثير عن المجتمعات البشرية .. عن الأديان , والطوائف , والقوميّات , والأجناس , والأعراق , وكلّ المجموعات الشعبيّة والإثنيّة المتواجدة على هذه الأرض ..
في هذا الشرق .. والغرب .. وكلّ الجهات _ كيف يحترم الإنسان ومعتقداته , وثقافاته , وتلوّنه وو
ألا يجب علينا أن نأخذ بعين الإعتبار هذا التحوّل والوعي والتغيير في المنطقة والعالم . في الذهنيّات والمعارف .. والتلاقي والتواصل والإنفتاح ؟
ألم يحن الوقت بعد لكي نتغيّر .. , ونغيّر أسلوبنا في الكلام , والحوار , والكتابة , والإعلام .. كلّ وسائل الإعلام , بالتالي نغيّر خطابنا ونهجنا .. وبرامجنا ولغتنا .. واحترامنا للاّخر .. ؟
لماذا هذا الإنغلاق على الاّخر .. ؟ فالاّخر موجود , وله حقّ في مساحة من الإعلام , وفي إستلام السلطة والمسؤوليّة أي سلطة وأي مسؤوليّة , وفي التعبير عن رأيه وحقوقه الثقافيّة والروحيّة والسياسية وغيرها من الحقوق , له حقّ في المشاركة في كل شئ , فهو موجود وعريق وقديم وأصيل على هذه الأرض , والمساحة التي هي الشرق .. هي الوطن - الصغير والكبير - كفانا فوقيّة .. وشوفينيّة , وحذف وتغييب الاّخر .
كتابتي هذه ليست من منطلق ديني أو طائفي متعصّب , لأن الإيمان الحقيقي أو المؤمن الحقيقي ينتفي عنده كلّ ما هو متعصّب ومنعزل وشوفيني وأناني .. , ويصبح أكثر إنفتاحا ومتسامحا وحبّا وأخاء للاّخر مهما كان دينه ولونه ومعتقده وجنسه لأن الجوهر والهدف واحد لدى الجميع كلّ يؤمن بطريقته , ما دام الهدف هو تحرير الإنسان من الإستبداد والعبوديّة .
لكن .. أنا من حقي كإنسانة مثقّفة متحرّرة .. ومربيّة , وأؤمن بالحريّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان , وأعيش في الساحة السياسيّة العربيّة والعالمية .. , فقد أصبح لزاما عليّ .. أو , بالأحرى عليّ واجب أخلاقي وإنساني ووطني , أن أنتقد وأقيّم ما أسمع وما أقرأ وما أشاهد .. , جميع المواضيع دون استثناء ,
وعلى هذا الأساس أنا أكتب .. , وأعطي رأيي بما أراه من إجحاف وتقصير أو خلل أو خطأ , وما يجب أن يتغيّر في مجتمعاتنا وأنظمتنا من سلوك وحقوق . ودساتير .. وأنظمة .
كنت في باريس.. في زيارة للأبناء أيام عيد الميلاد , وعيد الكبير ( الفصح ) , لم أسمع من خلال إذاعة الشرق - باريس - أي برنامج حول هذه المناسبات أو أي مقابلات أو حديث أو نقل صلاة من إحدى الكنائس سواء الفرنسيّة أم العربيّة , من فلسطين مثلا .. أو لبنان والأردن أو سورية ومصر والعراق وغيرها من الدول على الأقل أيام المناسبات والأعياد أو نهار الاّحاد
لاشئ ينمّ عن المشاركة سوى توجيه المذيع كلمة معايدة ( حاف ) هكذا .. ! دون أن يرافقها أي فعّاليات أو برنامج خاص يليق بتلك المناسبة أو غيرها
أهذا هو الإنفتاح والوعي والديمقراطيّة والتقدّم وتعليم محبّة الاّخر والتعرّف عليه يا إدارات إذاعات الشرق وإعلامه .. ! ؟
أهذه هي المساواة .. وأنتم تعيشون في باريس , وتبثّون من باريس عاصمة الإنفتاح والنور والديمقراطيّة والعلمانيّة والتعدّدية .. , أو من مدن أوروبية إخرى ؟
لماذا كلّ هذا التجاهل والإقصاء وعدم إحترام المشاعر والأحاسيس ومعتقدات الاّخرين .. ؟
فالشرق منبع الديانات .. وفسيفساء الطوائف .. وموزاييك الثقافات , وروعة التعايش .. والغنى والثراء الروحي
ففي الشرق ... هناك الصابئي , واليهودي , والمسيحي بكلّ طوائفه وألوانه , والمسلم بكلّ طوائفه وطرقه , اليزيدي , والعلوي , الدرزي , والإسماعيلي ووو
والقوميّات كذلك المتنوّعة - الكرديّة - التركمانيّة - الأمازيغيّة - الأرمنيّة ..الشركسيّة الخ
فالشرق ليس دينا واحدا , أو طائفة واحدة , أو قوميّة , ولونا واحدا .. الشرق ملوّن ومشكّل
الشرق كلّ هذا التلوّن والتعدّد والتنوّع
الشرق كلّ هذا الخير والحبّ والعطاء , الوجود والتاريخ والحضارات , هذا التمازج والتاّخي .. والإبداع .
كلّنا أمل من الإعلام جميعه .. , أن يأخذ بعين الإعتبار في برامجه كلّ هذا التواجد الإنساني .. الرائع
فهل من العدل والإنصاف والمنطق أن تبثّ البرامج وتوجّه فقط إلى طائفة أو دين واحد في المجتمع .. لأنه دين الأكثريّة , فينقل للاّخرين .. والاّخرين ما عليهم إلا أن يسمعوا فقط .. ! ؟
لا يحقّ لهم المشاركة ولا إحترام ولا تقدير لكل هذه المجموعات الأخرى , المواطنين الاّخرين
تماما كما تعمل وتسلك وتحكم الأنظمة الشموليّة .. بالحزب الواحد بالفرد الواحد المتسلّط , والخطّ واللون الواحد .. لأنها تملك وبيدها السلطة والمال والقوّة. ولا يحقّ لأحد أن يعترض , أو يشارك , أو يسمح له بالإنتقاد , وتغيير الأداء .. والخطاب .. فهي الكل بالكلّ .. ؟ !
وبملء الأسف إنّ هذه العيّنة التي سردتها هنا , هي غيض من فيض , ونموذج من الإعلام العربي الشمولي وللتخلّف الذي لا نزال نعيش فيه حتى هذه الساعة .
حبّذا لو إدارات الإعلام , وكلّ إذاعة على هذه الطريقة الشمولية الوحيدة الإتجاه والتي تحمل روح الطائفية وتساعد على منع المغتربين العرب والمسلمين الإندماج في المجتمعات الغربية والعزلة - وخاصة هنا في فرنسا , وتقف صامتة أمام جميع إنتهاكات حقوق الإنسان في الوطن العربي وأمام جميع المظالم والإستبداد الجاثم غلى صدر الشعب العربي . وفي بعض برامجها تلغي الاّخر العربي غير المسلم , بينما هي حريصة على مواعيد الاّذان والصلاة اليوميّة والأسبوعيّة - هذا طبعا تابعا لتمويل هذه المحطة أو تلك , من قبل الأنظمة العربية , والتي لها إجندتها الخاصة بنشر فكرها وثقافتها إلى كل الأرجاء والمحيط العربي والدولي -
حبّذا أن تأخذ بنظر الإعتبار في برامجها قليلا من التلوين الثقافي والفكري والروحي . فنحن في عصر ( العولمة ) .. وحقوق الإنسان .. والمرأة .. والطفل .. والعامل .. والإنسان أي إنسان مهما يكن , بصرف النظر عن اللون والطائفة والدين والقومية والجنس .
إنسان هذا العصر أصبح أكثر من أي يوم مضى , أن يعرف الأخر ويتعرّف عليه عن قرب , يدخل عالمه , يتحرّى خلفيّاته ومعتقداته ويشاركه أفراحه وأعياده وأحزانه , وأن يبعد الكره المسبق والحقد الملقّن والجهل المتوارث .. كلّنا أبناء هذه الأرض الطيّبة المعطاء .
وأخيرا .. , أرى بأن أي وسيلة إعلام كانت لكي تكون أكثر مواءمة للعصر , ومعبّرة عن إهتمامات المواطنين ومشاعرهم وحياتهم وتقدّمهم .. , عليها أن تجري إستفتاءات لاّراء الناس حول البرامج المقدّمة وما رأيهم فيها القديمة والجديدة والمقترحات - بين كل فصل واّخر وبين كلّ سنة وسنة وبين كل دورة إذاعية وأخرى , ليكون التفاعل أكثر إيجابية وخدمة للإنسان .
يا إعلامنا المحترم المرئي والمسموع .. والمقرؤ
يا إخوتنا في الإعلام .. التجديد ثمّ التجديد . التجديد في التقديم .. وفي الصورة .. واللغة والخطاب
الثورة في الإعلام ابتدأت .. , مطلوب التغيير المستمرّ نحو الأفضل , والأرقى , والإنساني
كلّ شئ حولنا يتغيّر يتجدّد , والذهن كذلك عليه أن يتجدّد , ونحن كذلك .
تحيّة للإعلام والإعلاميين .. , بكل محبّة وتعاون ونقد موضوعي وأخوي .. نكتب ..
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟