|
جيش العراق 00 بيت الأخوة والمحبة
زيد كامل الكوار
الحوار المتمدن-العدد: 4822 - 2015 / 5 / 30 - 10:50
المحور:
المجتمع المدني
يتذكر العراقيون جميعا وعلى اختلاف مشاربهم وألوانهم ، وقبل سنين قليلة في عمر تأريخ العراق ، عندما كان الجيش العراقي يجمع تحت خيمته الكبيرة ، كل العراقيين من دون النظر إلى دين أو مكون ، أو قومية ، فالكل تحت سقف الوطن سواسية في الحقوق والواجبات ، فالخدمة العسكرية الإلزامية لم تستثن أحدا من خدمة العلم ، كانت الخدمة الإلزامية جامعة إنسانية واجتماعية وأكاديمية ، فالمؤسسة العسكرية كانت تحوي ضمن تشكيلاتها الواسعة المتعددة ، مراكز ومعاهد لتدريب المقاتلين ، ليس التدريب العسكري فحسب ، بل كانت هنا مراكز ودورات محو الأمية ، وصنف الهندسة الآلية الكهربائية ، التي كان يحوي في أقسامه معاهد حرفية وفنية ، فدورات تعليم النجارة والحدادة ، والخياطة وسياقة السيارات ، وأنواع أخرى من الحرف المتعددة المفيدة النافعة ، كالميكانيك ، وبالنتيجة فالمؤسسة العسكرية لم تكن لتعليم فنون القتال والأسلحة فحسب بل كانت مؤسسة تربوية وتعليمية ، وتثقيفية وإرشادية ، وكانت بالدرجة الأولى من أهم مرافق الصهر الاجتماعي إن لم تكن الأوسع والأم على الإطلاق . ففي تلك المؤسسة العريقة التقت كل مكونات الشعب العراقي ، فأكلوا من قدر واحدة ، وشربوا من الكأس ذاتها، وتشاركوا المنام والمأكل والمشرب ، فتناقشوا وتحاوروا وتسامروا ، وقضوا مع بعضهم من الوقت أكثر مما قضوا مع أهلهم وذويهم ، فضحكوا ولعبوا وتشاركوا همومهم وشكواهم ، ونشأت بينهم من العلاقات الإنسانية ما امتدت لعشرات السنين ، علاقات أخوية انصهرت في بوتقة المؤسسة العسكرية التي كانت تمثل بحق مصهرا ومسبكا لإنتاج أصلب وأمتن أنواع الرجال الذين كانوا وبحق جسدا واحدا ، في تلاحمهم وتوادهم وتراصهم ، فكانوا البنيان المرصوص الذي وصفه الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، مع فارق بسيط ، وهو إن هذا البنيان المتين لم يكن يقتصر على المسلمين وحسب ، بل كان الجيش جامعا لكل مكونات وأطياف الشعب العراقي الجميلة، فالمسيحي والمسلم والصابئ والأيزيدي ، وغيرهم سواسية في الحقوق والواجبات ، تجمعهم الهوية الوطنية الواحدة الجامعة ، يحمل المسيحي أخاه العراقي المسلم أو الصابئ إذا تعرض لإصابة في ساحة المعركة ، ويحرس العراقي الآيزيدي ، إخوانه العراقيين أثناء واجبه وهم نيام ، من كل خطر داهم ، ومن دون إسهاب في ذكر التفاصيل ، فكل عراقي عاصر تلك المرحلة يحتوي على كم كبير من قصص البطولة والإيثار والتضحية التي تكشف جليا معدن العراقي الأصيل ، وتظهر بصورة واضحة مدى بشاعة الأخلاق الدخيلة التي نجح الاحتلال الأمريكي البغيض في زرع بذرتها وتنميتها وتوفير الظروف الخبيثة الملائمة لنموها في المجتمع العراقي المتماسك ، فالتصفيات الجسدية لأعيان المجتمع العراقي بأيد مجهولة وصبغ محيط الحادثة بصبغة طائفية من حيث مكان الحادث وتوقيته والدلائل المقصودة المتروكة في مكان الحادثة كرسائل توحي بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، إلى أسباب طائفية من وراء تلك الحادثة ، كل هذه أسهمت في خلق جو طائفي مشحون . ولم يكن الجيش المصهر الاجتماعي الوحيد في المجتمع العراقي ، فهناك مصهر لا يقل أهمية وتأثيرا عنه ، ألا وهو التعليم الجامعي ، حيث الجامعات العراقية التي تحتضن في قاعاتها مئات الآلاف من الشباب العراقي ذكورا وإناثا ومن كل المكونات الجميلة كذلك ، وقد كان إسهام الجامعات في تمتين اللحمة الوطنية العراقية كبيرا إلى حد بعيد ، فنسبة كبيرة من الأسر العراقية السعيدة المتماسكة ، كانت وليدة الوسط الجامعي الذي نمت فيه علاقات إنسانية جميلة ، أفضت إلى الزواج وتكوين أسرة جمعت بين القوميات والمذاهب بل حتى الأديان في أحايين كثيرة ، ومازال المصهر الأخير منتجا بحمد الله إلا أننا نفتقر المصهر الأول والأهم لأنه يصهر في ما يصهر مستويات متباينة من الثقافات فالمدرس والمعلم والمهندس والاقتصادي وكل أصحاب الاختصاص الآخرين ، سوية مع الأميين من العمال والفلاحين ، بدوا ، وحضرا ، وأبناء ريف ، يتبادلون ثقافاتهم ومعارفهم في ما بينهم بما يثري الحافظة الاجتماعية ويزيد ويرفع الوعي الجمعي في المجتمع . ألم يئن للذين يتولون أمور هذا الشعب الصابر أن يعيدوا إليه لحمته وألفته في جيش متجانس متنوع متكامل .
#زيد_كامل_الكوار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة الانتماء وقبول الآخر
-
العفو العام أهم لوازم المصالحة الوطنية
-
المحاصصة مرض لا يرجى شفاءه
-
الهوية الجامعة العامة وأبهى ألوان الهويات الخاصة
-
شمائل لا ينبغي لها أن تضيع
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: الدعم السريع احتجزت شاحنات إغاثة في دارفور
-
RT ترصد خروج الأسرى من معتقلات إسرائيل
-
جماعة حقوقية في بنغلاديش تتهم الحكومة بالفشل في حماية الأقلي
...
-
وسط تواجد مكثف للجيش الإسرائيلي.. لحظة وصول الدفعة الثالثة م
...
-
-القسام- تبث مشاهد تسليم الدفعة الثالثة من الأسرى الإسرائيلي
...
-
الأمم المتحدة: الدعم السريع احتجزت شاحنات إغاثة في دارفور
-
مبعوث ترامب: صفقة الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة يتقدمان بشك
...
-
وصول 9 معتقلين أفرج عنهم الاحتلال إلى قطاع غزة
-
نتنياهو يطالب الوسطاء بضمان سلامة الأسرى
-
أحد أقدم الأسرى الفلسطينيين.. ماذا تغيّر في غياب محمد فلنة؟
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|