|
خالد منتصر... أهلا بك في وكر الأشرار
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4821 - 2015 / 5 / 29 - 15:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وأخيرًا، انضمَّ إلينا الدكتور خالد منتصر في وكر الأشرار: "أعداء الله وأعداء الإسلام"، كما يزعم خصومُنا، الذين نراهم بدورنا أعداءَ الحق والعلم والجمال والفكر والعدل، وبالتالي هم أعداء الله، لأن الله هو العلم والحق والعدل والجمال. يشوّهون صورة الله في أذهان الناس حين ينسبون إليه ما يناقض صفاته العلوية وأسماءه الحسنى. وكرُ الأشرار اليوم يضمُّني إلى جوار إبراهيم عيسى وإسلام بحيري وسيد القمنى وغيرنا من رجال الدين الذين حباهم اللُه بعقول مستنيرة تنفرُ من شعوذات وعنصريات وشهوات مريضة أقحمها المرتزقةُ تجّارُ الدين على النصوص المقدسة ليغنموا مآربَ رخيصة من سلطان وشهوات واغتصاب طفلات واستنزاف أموال بسطاء العقل. كما ضمَّ هذا الوكرُ بالأمس القريب رجالَ فكر وازنين أشرقوا في القرن الماضي مثل طه حسين ومحمد عبده ونصر حامد أبو زيد وفرج فودة وغيرهم ممن دفعوا فاتورة عقولهم النيّرة، باهظةً فادحة. كما ضمَّ الوكرُ ذاته بالأمس البعيد رموزًا إسلامية فارقة ومتصوفة هيهات أن نعوضّها مثل ابن رشد وأبي بكر الرازي وابن الهيثم والخوارزمي والفارابي وابن سينا والسهروردي والحلاج وابن عربي وابن المقفع والكندي والجعد بن الدرهم وغيرهم، وجميعهم كُفِّروا وأُهينوا وفيهم مَن قُتل ومَن أُحرِق حيًّا ومَن قُطّعت يداه وقدماه مَن خلاف ومَن سُجن ومَن ضُرب بالسياط ومَن ضُرب على رأسه بكتبه حتى فقد البصر. وقبل هؤلاء وأولئك، في قديم الزمان، ضمَّ وكرُ الأشرار فلاسفةً وعلماء مثل سقراط، وجاليليو وديكارت وغيرهم؛ تناولوا السُّم بأيديهم ووقفوا على المقاصل وأخفوا اكتشافاتهم الذكية وكتبهم خوفًا من هجمة رعاع يمسكون سيوفًا ويحتمون بضجيجهم. سيُحاكم الطبيب خالد منتصر بتهمة ازدراء الإسلام! وما مسوّغات اتهامه؟ أنه قال إن الدين "غير مُعوَّق ولا يحتاج إلى عكاز يتوكأ عليه شأن الكسيح". وأما خصومه فيرون أن الدين الإسلامي ربما غير مُقنع بذاته وغير مُشبع بذاته وغير سويّ بذاته فيحتاج، من ثمّ، إلى مُكسبات طعم لكي يستسيغه الناس، ويحتاج إلى عصا يتوكأ عليها ليمشي؛ لأنه كسيح! قال منتصر إننا كمسلمين، نصوم شهر رمضان لأننا مأمورون بالصيام، وفقط، وليس لفوائد طبية. وهذا حق. ونعلم منذ طفولتنا أن فلسفة الصيام هي الشَّقّ على النفس بترويضها وإخضاعها حتى لا يتسلّط علينا الجسدُ بنوازعه وشهواته؛ بهذا نجعل أرواحَنا أقوى من أجسادِنا، فنسوسها ونقمعها، بدلا من أن تقودنا إلى منازعها العمياء. وكذلك لكي نشعر بوجع فقير يتضوّر جوعًا، فترقُّ مشاعرُنا ونتعلم الرحمة والإشفاق على المِعوزين والفقراء. لكن هناك من يودُّ إيهام الناس بأن أمر الله ليس كافيًا لنا لنصوم، فيعتسف زاعمًا أن الصوم لصحة الجسد. وماذا عن مريض الكُّلى الذي يحتاج لشرب كميات كبيرة ومنتظمة من الماء يوميًا؟ّ هنا يتجلى فسادُ منطقهم. فالطب بخاصة، والعلم بعامة، متغيران، يخضعان للتبدل والتحول مع كل اكتشاف جديد، بينما الدين ثابتٌ. فكيف نرهن الثابتَ بالمتحول؟ هذا تقزيمٌ للدين وتحقير لشأنه وإنزاله من مرتبة القداسة إلى مرتبة التجربة المعملية، والصواب والخطأ. وما جريرة إسلام بحيري التي يُحاكم جراءها اليوم بتهمة ازدراء الإسلام؟ لأنه يرى أن كلام الله ورسالته لنا كامنةٌ كاملةٌ في كتابه: القرآن الكريم، وفقط. وما عدا هذا من أقوال البشر مما يخالف كتاب الله، لا يُعوّل عليه. فيما خصومُه يرون أن القرآن ناقصٌ غيرُ كافٍ لهداية البشر، فيحتاجُ، من ثمّ، إلى أقوال بشر قد يتقولون على الله ورسوله ما لم يقولاه إما لفقرٍ في إدراكهم أو لمآرب في نفوسهم. وما جريرتي أنا التي أُحاكَم جرّاءها اليومَ بتهمة ازدراء الدين، أيضًا؟ أنني قلتُ إن الله يحبُّ أن نكون رحماءَ بالبشر والطير والحيوان، لأنها جميعًا صِنعتُه، فإن أحببناه أحببنا ما صنع. ولأنني قلتُ إن من ملأ حبُّ الله قلبَه، كاملَ قلبِه، مستحيلٌ أن يحمل ضغينةً لمخلوق، مهما كان مذهبُه الفكري والعَقَدي. وأن نترفق بالذبيحة لحظة نحرها ولا نتلذذ بتعذيبها كما نشهد في مواسم الأضاحي. بينما يرى خصومي أن الله يأمرنا بإذلال الأقليات لأننا نحتمي بأكثريتنا ونصبو لمرحلة "التمكين" التي بعدها يحقُّ لنا جزّ الرقاب وتفجير الرؤوس، كما يأمرنا بتعذيب الحيوان أثناء نحره، بينما الأولى أن نخجل من ذاك الحيوان وهو يجود بروحه لكي نأكل ونشبع ونهنأ! اللهُ تعالى منحنا منحة هائلة اسمها "العقل"، وهو "جوهرة الترقّي" التي جعلتنا أرقى من سائر خلقه من طير وعواجم. لهذا يرى خصومنا، على مدار التاريخ، أننا من الأشرار، لأنهم يكرهون العقل والفكر، وكأن الله لم يقل لنا: تفكّروا، تدبّروا، تعقّلوا. وكأنه لم يقل لنبيّه في صدر كتابه: "اقرأ”.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تمرّد... وكتابُ التاريخ
-
بذورٌ فاسدة
-
انتحارُ الأديب على بوابة قطر
-
حزب النور وحلم التمكين الداعشي
-
سلّة رمان ..
-
حكاية حنّا وعبد السلام
-
هل تحب الغُراب؟
-
“بَسّ- اللي فيها كل العِبر
-
هل قرأ وزيرُ العدل -أفلاطون-؟
-
ميكي يجيدُ العربية
-
والله وبكّيت فاطنة يا عبدُ الرُحمن
-
سَحَرةُ الكُرة … وفرسانُها
-
النسخةُ الأجمل منك... في المرآة
-
المايسترو صالح سليم
-
لستُ يهوديًّا ولا مسيحيًّا ولا مسلمًا
-
هل جئتَ في الزمن الخطأ؟
-
أصول داعش في جذور مصر
-
هاني شاكر، الطائر الحزين
-
غدًا تتحرر سيناء
-
الراقدةُ في غفوتِه
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|