|
العفيف الأخضر بين المنهج المادي التاريخي ومنهج التحليل النفسي!
محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 4819 - 2015 / 5 / 27 - 19:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دفاعا عن محمد ( رد على كتاب العفيف الأخضر ) محمود شاهين (1) لا يا عفيف : أسأت أكثر مما أحسنت !! *احترام الأنبياء والمتصوفة والمفكرين واجب رغم أنهم لم يأتونا بحقائق مطلقة !! * مترجم البيان الشيوعي الذي كان محسوبا على الماركسية ، لا يعرف المادية التاريخية ولا المادية الجدلية ( الديالكتيك )!! *ليس هناك ثقافة تتجاوز ظرفها الزمكاني مهما بدت مجددة !! * ليس كل من ألف حكاية أو خرافة أو أسطورة أو قلق واضطرب وهذى وهلوس وارتجف وغضب وضرب وحارب وقتل وغار وتخيل وانتحر مجنونا أو مريضا نفسيا . * الفكر الإنساني كله محاولات اجتهادية لمعرفة الوجود والغاية منه . * الحقيقة المطلقة لفهم ماهية وجوهر الخالق لم يتوصل إليها العقل البشري بعد . مقدمة: ما أن شرعت في قراءة كتاب العفيف الأخضر ( من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ ) حى تلمست النفس العدواني في المنهج الذي اتبعه العفيف في محاولة منه لإلغاء شخصية عظيمة بحجم النبي محمد من التاريخ ،واعتبار القرآن مجموعة من الهذيانات والهلوسات والخيال المريض ، في الوقت الذي وضع فيه بعض باحثي العصر محمدا في رأس القائمة التي ضمت أهم مائة شخصية مؤثرة في التاريخ . جاء بعده اسحق نيوتن ثم يسوع المسيح ثم بوذا . ( نقصد كتاب مايكل هارت : ترتيب أكثر الشخصيات تأثيرا في التاريخ) من أول صفحة ( المقدمة ) يقول العفيف لنا ( هدف هذا البحث القصير ، كبير : انتزاع نبي الإسلام من التخاريف وإعادته إلى التاريخ ) وأي تاريخ هذا الذي سيعيد العفيف محمدا إليه . إنه تاريخ الأمراض النفسية . يكاد العفيف ألا يترك مرضا إلا ووضعه في شخص النبي ، حتى إن سها ، أو نسي ، أو حتى أخطأ نحويا أو لغويا ، فهويكتب خطابا فصاميا !! فحين يتحدث العفيف عن الخطاب الفصامي يورد أخطاء ( اللغة والنحو والصرف ) وغيرها مما ورد في القرآن ،مستندا في ذلك ، إلى طبيب نفساني يدعى سوسان .( ص 164 ) حسب صورة المخطوط التي لدي . وهكذا اكتشفت أنني وكثير من الادباء والمفكرين ، وليس النبي محمد وحده ، مصابون بالفصام الخطابي ، فنحن كثيرا ما نخطىء .. حتى العفيف نفسه يوجد أخطاء في كتابه ! يتجاهل العفيف مفاهيم الطب النفسي كمفاهيم حديثة لم تتبلور إلى حقائق علمية مطلقة ، وثبت بطلان وعدم صحة الكثير منها ، فما أن يعثر على أي مفهوم أو نظرية لطبيب تخدم ما يريده من منهجه العدواني ، إلا ويورده ثم يطبق عليه أقوال النبي . من يستطيع مثلا ، أن يصدق أن النبي وهو رضيع كان يرى أن أمه مفترسة . تخيلوا مفترسة ، أي متوحشة ( كما هو عائد أيضا إلى علاقته بأمه التي استبطنها رضيعا بما هي أم مفترسة ) ( ص 126) وهو يقصد هنا أمه التي ولدته ، ( آمنة بنت وهب ) والتي أعطته إلى مرضعة ( حليمة السعدية ) وربما لم ترضعه ( أمه ) إلا لفترة وجيزة. لا يعرف مترجم البيان الشيوعي المحسوب على الماركسية ، المادية التاريخية والمادية الجدلية ( الديالكتيك ) في فهم التاريخ ، وكأن ثقافة محمد تنتمي فعلا إلى الله ولا تنتمي إلى ثقافة وزمان العصر الذي عاش فيه ، رغم اعترافه بأن بعض مصادر القرآ ن هي التوراة والإنجيل والزرادشتية .. ويتجاهل تماما ما أضافه الفكر المحمدي إلى الفكر الديني وما حققه من طفرات نوعية في التشريعات الدينية حسب زمنها ، ومتجاهلا أرقى ما قدمه الإسلام في الفكر الفلسفي المثالي حين جرد مفهوم الإله إلى أبعد حدود المطلق بأن جعله موجودا في كل زمان ومكان ، مما قربه من مفهوم الطاقة ، مما حدا بأكبر مفكري الإسلام على الإطلاق محي الدين بن عربي ، إلى اعتبار الحقيقة الإلهية هي ما يسري في الكون من أعلاه إلى أدناه ، حسب ما ذكره نصر حامد أبو زيد في كتابه ( هكذا تكلم ابن عربي ) والحقيقة الإلهية السارية في الكون حسب مفهوم عصرنا هي الطاقة ، ولا شيء غير ذلك . *المنهج العدواني : لم يتحدث العفيف الأخضر ولوعن ايجابية واحدة قدمها النبي محمد للفكر الإنساني كمحاولته توحيد الأمة حول مفهوم توحيدي للخالق ، وجعل البشر جميعا أخوة ، وأن أقربهم إلى الله هو أتقاهم ، ولمواجهة القوى الغازية التي تهيمن على المنطقة كالروم والبيزنطيين والفرس .. وتجاهل حض النبي محمد على العلم كطلب العلم ولو في الصين ومن المهد إلى اللحد ، وحتى لو كان نفوذا من أقطاب السموات والأرض . وتجاهل إشارات محمد إلى أن الأمة أدرى ىبشؤون دنياها وأنها في حاجة كل مائه عام إلى من ينظر لها في شؤون دينها . بدا العفيف عدوانيا وجاهلا تماما في فهم الشخصية المحمدية ،ولم يقدم لنا ولو موقفا أخلاقيا واحدا لها، ولم يكن أمامه غاية إلا تعرية الشخصية المحمدية ونزع جذورها من التاريخ ، فعلى مدار الكتاب لا نلمس إلا النفس العدواني حين لم يذكر اسم النبي على الإطلاق ، وظل يخاطبه بنبي الإسلام . ومن المعلوم طبيا أن العلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض لا تقل أهمية عن العلاج الدوائي والتشخيص ، فإن لم يعامل الطبيب مريضة بمحبة وإنسانية قد يفشل في تشخيص حالته المرضية ويفشل بالتالي في معالجته . ونحن لم نطلب من العفيف أن يحب النبي محمد أو أن يتعامل معه بإنسانية ،كنا نطلب منه الموضوعية والإحترام وعدم تجاهل الحقيقة التاريخية لنبي عظيم ، استطاع أن يحقق رسالته لتسود أجزاء كبيرة من العالم ، ولتصبح الثقافة العربية الإسلامية لقرون عدة هي ثقافة البشرية الأولى . وكنا نتمنى أن ينحوالعفيف نحو مفكرماركسي شيوعي كبير أنصف قدر الإمكان في فهم الإسلام وشخصية النبي محمد، هو الراحل حسين مروة ، في كتابه الضخم ( النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية ) * منهجنا الذي سنقرأ على ضوئه كتاب العفيف الأخضر . قليلون هم الذين يعرفون فكري مقارنة بمن يعرفون العربية وبمن قرأوا حوارات معي مترجمة إلى لغات أخرى كالألمانية والإنكليزية والفرنسية والنرويجية ، وإن كانوا يعدون بالألاف او عشرات الآلاف . منهجي مادي روحي . أي علماني لا يتجاهل العلم ولا يتجاهل الروح ( الحياة ) . وفلسفتي هي مادية روحية . وأطلق عليها أيضا الصوفية الحديثة . وتأخذ من مبدأ وحدة الوجود قاعدة لها . وهذا يعني أنه ليس هناك وجودان : خالق ومخلوق يوجد وجود واحد هو الكون والطاقة السارية فيه بما فيه نحن البشر ، فالطاقة تحيط بنا وتوجد في كل خلية من خلايانا . والخالق عندي هو الطاقة السارية في الخلق . وهو المطلق الأزلي الذي لا يموت . وقد أوجد نفسه بنفسه لنفسه . فهو ومنذ وجد وجد في المادة والطاقة . لا قبل ولا بعد . لم يكن هناك عدم ولم يكن هناك إله قبل الخلق . كان هناك مادة وطاقة لها غاية بدائية لا تدرك ما هي . أسميتها الهيولى البدئية . هذه الهيولى البدئية دامت قرونا غير محددة كامنة ، كانت تجري تفاعلات صدفية وغير مدروسة في داخلها . وربما بعد ملايين السنين بدأت تمسك بطرف خيط قد يوصلها إلى غاية .. المهم أنها في النهاية وصلت إلى غاية الخلق .. فكان الخلق البدائي عبر تفاعلات مدروسة وغير صدفية .. وراحت هذه التفاعلات تطور نفسها بنفسها إلى أن أنتجت الإنسان العاقل بعد قرابة أربعة عشر مليار سنة . وحتى الآن لم تتوصل إلى خلق الإنسان الكامل والخلق الكامل . الإنسان الذي سيولد واعيا يعرف لغات ، ويعرف ما له وما عليه ، والذي لا يحتاج إلى ثمانية عشر عاما ليكتمل نموه ، ولا يحتاج إلى العمر بكامله لكي يكون على مستوى عال من الثقافة . هذه الطاقة كان لها غاية كما اسلفنا ، راحت هذه الغاية تتطور لتجسد نفسها في خلق ، فتجلت في خلق الإنسان كأهم تجلياتها ، وكانت غايتها من خلقه أو التجسد والتمظهر فيه هي أن يكون خالقا بدوره لمساعدتها في عملية الخلق . ولهذا قلنا إن عملية الخلق تكاملية بين الخالق والمخلوق ، بين الطاقة والمادة ، فكما تتمظهر الطاقة الكهربائية في المصباح ، تمظهرت الطاقة الخالقة فينا . وفي خلقها الجميل غير الكامل كله . ونظرا لأن الخلق جميل فغايات الخالق ( الطاقة الخالقة ) لا يمكن إلا أن تكون جميلة . وتسمو فوق العذاب والحقد ، وليس لديها جهنم وجنة ، وعباداتها هي المحبة والتعاون والعمل لخلق أجمل وحياة أجمل وأفضل ، فهي أوجدت الحياة ونحن أوجدنا الحضارة وليس هذا إلا بعض دورنا فيها . لكل هذا قلنا من جملة مئات المقولات والمقالا التي قلناها : الكائنات تخلق نفسها بنفسها بفعل طاقة الخلق الناتجة عن المواد التي توفرت لها ) ومصيرنا إلى الموت لتبقى دورة الحياة متجددة . فإن لم نمت ، لن يكون هناك مكان يكفي لوجودنا ،وستفتقر الأرض إلى غذاء وإنتاج غذاء يكفي للكائنات الحية ، فأجسادنا وأجساد الكائنات هي الغذاء الذي يجدد حياة الأرض ويمنحها الطاقة والمادة لخلق دائم متجدد ، إلى أن تحدث طفرات نوعية في عملية الخلق . فكما يسمد الفلاح تراب حقله بزبل الأغنام وروث المواشي لتنبت ثمرا وحبوبا جيدة تسمد الأرض ترابها بأجسادنا وأجساد الكائنات الراحلة ، لتستمر دورة الحياة في تطورها الدائم . حسب هذا الفهم الإجتهادي سنقرأ وننظر في كتاب العفيف الأخضر . الذي بدا لنا اجتهادا مجحفا بحق شخصية عظيمة هي شخصية النبي محمد . م. ش .30 - 8- 014 (2) مقدمة ثانية ثمة من يريد أن يخرج عن موضوع النص الذي كتبته دفاعا عن النبي محمد ردا على العفيف الأخضر ، بأن يذهب إلى القول أنني لا أعترف بنبوة محمد وما إطلاقي صفة نبي عليه إلا من باب المجاملة ،ويشير إلى أنني في مقال آخر لم أعترف بنبوة سليمان واعتبرت أنه لم يوجد في التاريخ . وهذا صحيح . أود أن أكرر وأشير إلى أن فلسفتي للنبوة تعتبر أن الغاية من وجود البشر هي لا أن يكونوا أنبياء فحسب بل خالقين أيضا ليساعدوا الخالق في عملية الخلق ويبنوا الحضارة ، الخالق لا يبني مدنا ،ولا يشق طرقا ، ولا يقيم جسورا ولا يصنع حافلات وطائرات ، ولا يسن قوانين وتشريعات ولا يخوض حروبا ،وليس لديه جنة ونار ،ولا يحاسب ولا يعاقب ولا يراقب الناس . فالخالق عندي هو طاقة سارية في الخلق ،وأن عملية الخلق هي تكاملية بينه وبين المخلوق الإنسان .( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) . وفيما يتعلق بشخصية النبي محمد حسب ثقافة الزمكان الذي وجد فيه، حيث كانت الثقافة السائدة هي ثقافة الديانات والأساطيروالعادات والتقاليد ، ممثلة بالأنبياء والحكماء وليس الفلسفة التي لم تكن قد وصلت إلى شبه جزيرة العرب بعد ، وربما لم تصلها حتى الآن ، فالفلسفة لا تدرس في بعض الجامعات العربية .. لقد عرف محمد وحسب ثقافة عصره دوره في المجتمع بأن يكون نبيا ، فكان نبيا ، كما عرف أي فيلسوف في اليونان القديمة دوره في المجتمع بأن يكون فيلسوفا ، وكما عرف أي كاتب أو شاعر أو مفكر في عصرنا أن يكون كذلك . الفرق بين النبي والآخرين أنه كان يعتبر ذلك قدرا إلهيا ، كتب له . هكذا أفهم نبوة محمد . وهكذا أفهم شخصيته القوية وإرادته العظيمة الجبارة وتمسكه برسالته رغم كل ما واجهه من أقاربه ومن الآخرين ،والجميع يتذكرون قوله القاطع الصارم الحاسم (والله لو وضعوا الشمس في يمينى والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته) هذا القول الحاسم لا ينجم إلا عن إنسان يؤمن إيمانا عظيما مطلقا برسالته . .ومشكلتي مع محمد ليست كونه نبيا أو غير نبي ، مشكلتي ومشكلة أي مثقف علماني معاصر هي : هل كل ما جاء به محمد ومن سبقوه حقائق مطلقة ؟! النبي فكر واجتهد حسب ثقافة عصره التي كانت تقبل الأساطير كحقائق مطلقة .وإن شئتم قولي أنا : هل كل ما جاء به العقل البشري حتى الآن بما فيه عقلي بالتأكيد ،هو حقائق مطلقة ؟ كررت ذلك في مقولاتي أكثر من مرة . الحقيقة المطلقة التي ليس بعدها حقيقة ، للوجود ،وللوجود الإلهي بشكل خاص . لم يتوصل إليها العقل البشري بعد . وكل ما جاء به العقل البشري ليس أكثر من اجتهادات تقبل الخطأ والصواب . فيما يتعلق بسليمان والأنبياء وأساطير التواراة والإنجيل وحتى بابل وسومر وأكاد وفينيق ومصرالفرعونية والهند والصين واليونان وغيرها .. هي أساطير ، لم يثبت تاريخيا أي وجود حقيقي لشخصيات هذه الأساطير . آباء وملوك وأنبياء التوراة حولهم الإسلام جميعا إلى أنبياء حتى آدم الذي يفترض أنه المخلوق الأول وأب البشرية جعله الفكر المحمدي نبيا .. فهل كان آدم نبيا على نفسه ؟! كل هؤلاء شخصيات متخيلة أوجدها الخيال الشعبي عبر اجتهاده في فهم الوجود . حتى يسوع المسيح الأقرب تاريخيا إلى عصر الإسلام ،لم يثبت أي وجود تاريخي له . ما ثبت أن هناك مسيحين كثر قبل المسيح المفترض وبعده بمئات السنين . يبقى ان نقول إن كل هذه المسائل ليست موضوع المقال والمقالات القادمة عن كتاب العفيف الأخضر . والمطلوب من الجميع أن يكونوا إما مع وجهة نظرنا المعارضة لما ذهب إليه العفيف حول شخصية النبي محمد ، أو مع العفيف في طرحه , أو بين بين كأن يكون مع بعض ما طرحناه نحن الإثنين وضد البعض الآخر . وبودي أن ألفت انتباه الجميع إلى أن غايتنا ليست إلغاء الإسلام بل تطويره ليتماشى مع مفاهيم العصر ،فكما فهم محمد الدين وطور فيه حسب مفاهيم عصره ، علينا أن نفهم الإسلام ونطوره حسب مفاهيم عصرنا ، لنكون مكملين للرسالة المحمدية كما كان محمد مكملا للرسالات التي سبقته، وكما أراد هو في العديد من أقواله حول العلم وشؤون الأمة بعد رحيله ،وتأكيده على تجديد الدين حسب الأزمان . وهذا ما لم يأخذ به المسلمون .. فأعادونا إلى عصور مظلمة لا يتقبلها حتى أحمق البشر . عفوك يا سيدي يا رسول الله إن أسأت أو أخطأت ، فما أنا إلا مثقف بسيط يفكر في مستقبل هذه الأمة !!!!! م. ش . 1-9 - 2014 ******* عقدة اوديب دفاعا عن محمد (3) محمود شاهين حين كتب الشاعر اليوناني سوفوكليس مسرحيته ( اوديب ملكا ) في القرن الخامس قبل الميلاد ، لم يكن يعرف أنها ستكون منشأ لعقدة نفسية بنى عليها طبيب الأعصاب النمساوي سيجموند فرويد بعد قرابة 2500 عام مدرسته في التحليل النفسي ، أطلق عليها ( عقدة أوديب ) لتعود إليها كل مشاكل البشرية ! ولا يمكن تقييم سلوك أي انسان إلاعلى ضوئها ، وهو ما أطلق عليه (علم النفس الفرويدي ) و (علم النفس التحليلي) حسب طبيب النفس السويسري كارل جوستاف يونغ ، وهو أحد تلامذة فرويد الذين اختلفوا معه حول إعادة كل مرض نفسي إلى الطفولة الجنسية للإنسان وبشكل خاص انفصام الشخصية ( الشيزوفرينيا ) . فكان يونغ مع ادخال العوامل الإجتماعية في تكوين الشخصية . سنورد ملخصا لمسرحية اوديب الملك لمن لا يعرفها ، ومن ثم ملخصا قدر الإمكان لعقدة أوديب الفرويدية ، لنرى بذلك كم التعقيدات التي تضعنا فيها النظرية ( العقدة ) بحيث تصبح غاية في الصعوبة لأن يكتشف الطبيب النفساني المختص نوع المرض على ضوئها ، فما بالكم بمحام غير مختص في الطب النفسي هو العفيف الأخضر ، يريد أن يخضع شخصية نبي لها ، ويحلل شخصيته على ضوئها ، متجاهلا إلى حد كبير العوامل الإجتماعية والثقافية والبيئية والإقتصادية والزمكانية التي ساهمت في تكوين الشخصية المحمدية ؟! ********* كان الملك لايوس ملك طيبة لا ينجب فذهب إلى المعبد لاستشارة العرافة التي تستقي نبوآتها من الإله أبوللون . انبأته العرافة بأنه سينجب طفلا سيقتل أباه ويتزوج أمه ! وبناء على النبوءة هجر زوجته ، لكنه نسي وضاجعها وهو مخمورفحبلت وأنجبت طفلا . أصفد الملك الطفل وأعطاه إلى حارسه ليلقيه في البرية ليموت. لكن الحارس لم يلق الطفل وأعطاه إلى راع عثر عليه في جبل. أشفق الراعى على الطفل وأخذه لملك وملكة كورنثة فهما لاينجبان وأعطاهم إياه . تربى الطفل مع الملك والملكة وهو يعتقد أنهما أبواه حتى شب وأصبح يافعا، وظل لجرح قدميه علامة من الأصفاد التي سلسل فيها وليدا. وذات يوم كان مع أصحابه فشكوه أنه ليس ابن ملك كورنتس والملكة فانزعج أوديب وذهب ليستشير الآلهة، فجاءت اليه النبوءة )ستقتل أباك وتتزوج من أمك) فبهت أوديب ورحل عن بلده وترك أبواه الملك وأمه الملكة الذين لايعرف غيرهما أبا وأما حتى ينجو من أن يقتل أباه ويتزوج أمه، ورحل إلى طيبة. وفي طريق إليها يفترق إلى ثلاث شعب ، نازعته عربة يجرها رجل بداخلها رجل مسن. ونشبت مشادة بينه وبين الرجل وحراسه ، ضربه الرجل بسوط فتعارك معه أوديب وأستطاع أن يقتله ويقتل حراسة ، وواصل طريقه إلى طيبة. كانت تسكن الطريق إلى طيبة غولة متوحشة تسأل كل من يمر من الطريق سؤالا غامضا ، وتقتل كل من يعجز عن الجواب وتشيع في الأرض الخراب، وعندما أتى أوديب سألته نفس السؤال: من الذي يمشى في الصباح على أربع وفي الظهر على اثنان وفى المساء على ثلاث؟ وكان جواب أوديب الشهير: الإنسان في البداية طفلا يحبو ثم شابا يافعا يمشي على قدميه ثم يهرم فيمشى على عصا بجانب قدميه. وانهارت الغولة لمعرفته حل اللغز الرهيب، وألقت بنفسها وماتت، وفرح الشعب لرحيلها وتخلصه منها، وجاء الخبر بموت مليكهم في طريق ذي ثلاث شعب، فأخذوا أوديب ونصبوه ملكا عليهم وزوجوه من أرملة الملك السابق ( الملكة ). بعدما تولى أوديب حكم طيبة أنجب من الملكة أربعة أولاد، ولدين وبنتين، وبعد مضي سنوات من اعتلائه العرش حدث طاعون أصاب الحرث والنسل وامتلأت الأرض بالجثث وسادت الفوضى والدمار فبعث أوديب بكريون أخو زوجته لاستطلاع نبوءة العرافة بخصوص هذا الطاعون ، فأي وباء ينتج من خطأ ما تجاه الآلهة، وعاد كريون ليبلغ أوديب أن سبب الطاعون وجود قاتل الملك لايوس بالمدينة، فأخذ أوديب يوعد ويتهدد ويصب لعناته على هذا القاتل حتى لو كان يسكن بيته، ووعد أهل المدينة باستقصاء خبر قاتل الملك ليضع حدا لهذا الطاعون القاتل، واقترح عليه علية القوم أن يأتوا بعراف أعمى اسمه ترسياس ليكشف لهم من هو قاتل الملك، وبالفعل أتى وأخذ يناقشه أوديب (في مقطوعة نادرة بمسرحية أوديب ملكا لكل حرف فيها رمز وإسقاط ومعنى وهدف) ويسأله ليعرف ولكن العراف يتهرب بلباقة وذكاء ولكنه نصحه ألا يصب لعناته على القاتل، فاتهمه أوديب بالجهل وماكان إلا أن قال له أنه أعمى ، فرد العراف أنه أعمى البصر وليس أعمى البصيرة، وتنبأ له أنه عندما يدرك من أباه ومن أمه سيبصر الحقيقة الغائبة، وأخبره أنه قاتل الملك . و نظرا لأن أوديب كان دائما يختال بذكائه وثقته بنفسه راح يتصور أنه يوجد مؤامرة بين العراف وبين كريون أخ زوجته فأمر بحبسهما. جاء لأوديب رسول من كورنثة يحمل له خبرا مفرحا وآخر محزنا. المحزن موت أبيه، والمفرح أنه سيتولى العرش من بعده! وبالطبع أوديب تذكر الأسطورة فخشي أن ينفذ الجزء الآخر منها بعدما اطمئن واهما أنه لم يقتل أباه.وطمأنته زوجته أن النبوءات تكذب وتخدع، فلقد جاءت لها ولزوجها ملك طيبة نفس النبوءة وتركوا ابنهم يموت في الجبال استنادا إلى نبوءة كاذبة. استفسر الرسول لماذا يخشى أوديب العودة لكورنثة، وحين عرف السبب ، أخبره مطمئنا بأن الملك والملكة ليسا أباه وأمه، وأكد له أنه أخذه من راع من مدينة طيبة وأعطاه لهما وليدا لأنهما حرما من الإنجاب، فاستقصى أوديب خبر الراعى رغم تحذيرات زوجته (أمه) ونصائحها ، ولكن حبه للمعرفة وللحقيقة جعله يأتي بالرسول، ولقد حاول الأخير ألا يخبره إلا أنه وبعد ضغط أخبره أنه بالفعل أعطى طفلا وليدا ذا قدم متورمة لرجل من كورنثة ، ولم ينفذ كلام لايوس بأن يقتله . واستفسر عن الطريق الذي مات فيه لايوس فكان الطريق نفسه الذي قتل فيه الرجل وحراسه . وهنا ظهرت الحقيقة ، لقد قتل أوديب جاهلا أباه وتزوج أمه ،بل وأنجب منها، فانهار تماما، وذهب لاستطلاع أمر زوجته أو أمه فوجد أنها انتحرت شنقا، حيث وجد الحبل ما زال يدور بالجثة الهامدة. فذهب مسرعا ليفك الحبل من أعلى لتسقط الجثة. أخذ دبوسا من فستانها على الأرض، وراح يخلع المشابك الذهبية التي تتخذها الملكة زينه لشعرها ويطعن بها عينية وهو يصيح أنه لن يرى شقاءه وجرائمه ، ثم يحدث عينيه قائلا: "ستظلان في الظلمة فلا تريان من كان يجب ألا ترياه، ولاتعرفان من لاأريد أن أعرف بعد اليوم، حتى لاترى الشمس المقدسة إنسانا دنسا فعل أكثر الجرائم بشاعة"، وفي موقف مؤثر سالت الدماء على لحيته البيضاء وبللت وجهه وهو يلعن سوء حظه وجهله القاتل ونفى نفسه من الأرض حتى ينتهي الوباء، وعاش طريدا من الأرض والسماء. الحقيقة التي هي نقطة تحول في حياة الشاب أوديبوس الذي قال: "واحسرتاه.. واحسرتاه.. لقد أستبان كل شي.. أيها الضوء لعلي أراك الآن للمره الأخيرة.. لقد أصبح الناس جميعا يعلمون.. لقد كان محظورا أن أولد لمن ولدت له.. وأن أحيا مع من أحيا معه..وقد قتلت من لم يكن لي أن أقتله". بعد هذا المشهد المفجع يطلب أوديب من صديقه كريون أن يعتني ببنتية بعد أن ينفى، كما طلب منه أن توضع الملكة في قبر مناسب ، وأخيرا يطلب من صديقة أن يقذفة بعيدا حيث لايراه أحد بعد ذلك . ***** * اعتمدنا بتصرف نصا لمسرحية اوديب ملكا عن الموسوعة الحرة ، مع اجراء بعض التعديلات في الصياغة وتصحيح الأخطاء النحوية وغيرها . يتبع عقدة اوديب حسب مدرسة فرويد في التحليل النفسي . م.ش. (4) التعريف: هي واحدة من أكبر اكتشافات فرويد . تعرف بأنها اختبار ينتظر الطفل بعمر الـ 3 إلى خمس أو ست سنوات. و هي العقدة الأساسية ببناء المجموعات الأسرية بالمجتمع الإنساني و منع ارتكاب المحارم، و بهذه المرحلة يتجسد عند الطفل انتقال النشاط الجنسي من النشاط الذاتي إلى العالم الخارجي. تنتقل شهوانيته من نفسه إلى خارجه. و تلعب هذه العقدة دورا مهما بتولد الأنا المثالي عند الطفل. تعريف عقدة أوديب: كلمة عقدة Complexe باللاتيني تعني تجمع عدة أمور غير متجانسة. و اندمجت عقدة أوديب بنظرية فرويد التي تصف مراحل التطور عند الطفل و بالتحليل النفساني بشكل عام. (إن لفظ "عقدة" ترجمة موفقة للغاية لأنها تتضمن معنى التركيب بالإضافة إلى معنى الشد والصراع. فيمكن القول إن "العقـدة" هي مجموعة من الأفكار والتصـورات اللاشعورية والمشحـونـة بشحنة وجـدانية قوية، والمتعارضة في مضمونها بحيث تشمل في آن واحد الحب والكـراهية نحـو موضوع واحد.)*1 سماها فرويد في البداية العقدة النووية، ثم سماها العقدة الأبوية. و أعطاها اسم عقدة اوديب عام 1910. معترفا بقوله أنه كان يحس بمشاعر الحب لأمه و مشاعر الغيرة من والده معتبرا أن هذه المشاعر هي أمر شائع عند جميع الأطفال. في البداية كان الأب يشغل دورالأم الملحقة. و لكن مع الوقت يكتشف الطفل أن للأب دورا خاصا. يبدو له في البداية بأنه مهدد لكيانه، فيزيد تقاربه من أمه. و يكتشف مع الوقت أن أمه تهتم كثيرا بأبيه. و غالبا ما يكون هذا رغم احتجاجه. يقارب الطفل من الوظيفة الأبوية لوالده مع وظيفته كعشيق لأمه. هذا الانقسام بين الأب و الأم يدفع به إلى أولى حالات الوحدة التي تمر بحياة الإنسان. و تكون له أولى علامات الانطواء على النفس. تتطور عقدة أوديب بالمرحلة القضيبية. والتي تمتد عادة بين سن الأربعة إلى السبع سنوات. و هي عبارة عن مجموعة مبنية و منظمة من مشاعر الحب و المشاعر العدوانية التي يبديها الطفل تجاه أهله.*2 يكمن أصلها بعدة عناصر: 1ـ استيهام المسرح الأولي Fantasme de la scène primitive. تتولد الفضولية الجنسية عند الطفل بالمرحلة القضيبية فيستغرب و يتلصص على ما يجري بغرفه نوم الأهل. و يتخيل في البداية أن النشاط الجنسي عند والديه نشاط عدواني سادي بسبب الصرخات و التأوهات التي قد يسمعها، و يحصل هذا الأمر عنده سواء أشاهد والديه أو أن تخيلهم يمارسون الجنس. يتولد عند الطفل الشعور أن أهله وضعوه جانبا واستثنوه من علاقاتهم الغرامية و مشاعر المحبة. يرى أن أمه تظهر المحبة لأبيه وأنه ليس محل اهتمامها الوحيد. يحس أن والديه قد تخلوا عنه مما يسبب له الكوابيس. مما يدفعه لأن يطلب أن ينام بسرير والديه. المسرح الأولي قد يكون أولى البوادر التي تدفع الطفل لأن يطابق نفسه مع أحد الوالدين. 2ـالأساس الأخر لعقدة أوديب هو ظاهرة الخوف من الخصي التي تحدثنا عنها بالمرحلة القضيبية و التي تأتي من ملاحظة الفرق بين الذكور و الإناث و بسبب الممنوعات التي تبدو من الأهل عندما يلاحظون لعب الأطفال بأعضائهم التناسلية. هذا التصرف قد يترافق ببعض الحالات مع التهديد بقطع القضيب.هذا الخوف يخلق عند الطفل حالة من القلق يدافع عنها الأطفال بأشكال مختلفة. انعكاسات عقدة أوديب على الأطفال. تتنوع من طفل لآخر، على سبيل المثال: الصبيان: ـ يزيد اهتمامهم بالقضيب و الافتخار به. فنرى أن الطفل يحب أن يمشي عاريا ليظهر قضيبه. و يظهر عنده الولع بالذات. ـ لا يستطيعون التمييز بين الذكور و الإناث. معتقدين أن القضيب سيظهر، أو أن غيابه عند البنات هو نوع من العقوبة. ـ ينفون حقيقة الجنس المؤنث، على أمل أن ينمو عند أمهاتهم قضيب بشكل سحري. البنات: ـ تعتقد البنات بأن القضيب سيظهر فيما بعد. ويكفي أن ينتظرن. ثم يتصرفن مثل الصبيان فيتسلقن الأشجار ويلعبن ألعاب الصبيان. ـ يكتشفن البظر دون أن يكتشفن المهبل بعد. مما يدفعهن للرغبة بالقضيب. و هو أمر تعرّض للكثير من النقد من قبل الجمعيات النسائية. ـ تتقبل الطفلة هذا النقص، و تعوض عنه بإمكانية الإنجاب في المستقبل. تعتمد عقدة أوديب بشكلها الإيجابي، إلى انجذاب الطفل إلى أحد الوالدين من الجنس المخالف له. والشعور بالكراهية أو المنافسة مع الوالد الآخر من الجنس المماثل. و قد تتمظهر هذه العقدة بشكل معكوس. أي محبة لأحد الأبوين من الجنس المماثل، مع كراهية و غيرة لأحد الأبوين من الجنس المعاكس. كما أن الطفل قد يتردد بين الوضعين. و كل وضع قد يوجد بدرجات مختلفة. و أبسطها أن يلبس الطفل حذاء والده و يرتدي حلي و زينة أمه. عندما يغيب الأب الحقيقي، يأخذ دوره أي شيء أو شخص يفصل الطفل عن أمه. سواء أكان العمل أو أي شخص من أفراد العائلة أو المحيط. الحب بهذه الطريقة ليس حبا مثاليا. و لكنه تعوقه مصاعب كثيرة: ـ من الداخل، انجذاب الطفل لأحد الأبوين و تخليه عن الآخر مما يخلّف شعور الندم وشعور الخوف من فقدان محبة الوالد من الجنس المماثل.. ـ من الخارج، لأنه يزيد الخوف من الخصي. هذا الخوف المضاعف يخلق حالة القلق و الإحباط عند الطفل. كيف تتطور الأمور؟ يعتقد فرويد أن الطفل يرد بطريقة دفاعية و هي تقمص الشخصية. إذ يندمج بشخصية أبيه و يحاول أن يغطي بسلوكه الشخصي على الصورة التي أخذها من أبيه. لماذا؟ لأنه بتقمص شخصية أبيه ينقص من احتمال مهاجمة الأب له. و بنفس الوقت يعتقد أنه اكتسب شيءً من مقدرة الأب و قوته. تلعب عقدة أوديب دورا كبيرا في بناء شخصية الطفل و بتوجه رغباته الجنسية. رأينا أن أحد دعائم الرغبة الجنسية هي الاستيهام (فانتازم) تصور تخيلي شبه واع يعبر عن رغبات خفية. تتطور مع عقدة اوديب الأستيهامات الأربعة الأساسية المسرح الأوليFantasme de la scène primitive. الجاذبية و الإغراءFantasme de séduction. الخصي owowdFantasme de castration. التخليFantasme d’abandon. كيف يعيش الطفل عقدة أوديب الصبيان تبدأ مشاعر اللذة من القضيب بالظهور عند الطفل منذ عمرثلاث سنوات. و بعد ذلك يعي الطفل فجأة أمكانية العلاقات الجنسية التي يمكن أن تثيرها. يقارن هذه العلاقات مع ما يتوقع أنه يجري بين أبويه، حتى و لو لم يراهما. يبقى الطفل متعلقا بأمه، و لكن هذا التعلق ليس كاملا. بل متساوي الحدين. فمن جهة يريد أن يغريها. و لكنه يلاقي والده ينافسه على نفس الجبهة. و من هذه المجابهة يلد عنده التهديد الخيالي و المقلق بالخصي. المشهد مختلف: العدوانية تجاه أمه التي طلبت منه الكثير خلال المراحل السابقة و يعتبر أنها قدمت له القليل. منافسة الأب و الغيرة منه، من مقدرته و حقوقه. غالبا ما يختلط الحب و التعلق بالوالدين مع هذه المواقف العدوانية، مما يدفعه لأن يتصرف بعقدة معاكسة، أي يغري أبوه و يلفظ أمه مما يخلق عنده أول مشاعر التواطؤ و الشراكة و التي يعتبرها البعض جذورا للمثلية الجنسية. مصلحته الضمنية مع الأب تخفف عنده من مشاعر الخوف من الخصي. تقمص شخصية الأب هو ما يساعده على الخروج من عقدة أوديب. رأينا كيف يعيش الطفل الخوف من الخصي و كأنه عقوبة له لردعه من التمسك بأمه. و حتى يخرج من هذا المأزق عن الرضى الجنسي الذي يحصل عليه من التعلق بأمه. بتقمصه لشخصية أمه و أبيه يبني شخصيته. و تقمص شخصية الأب هو ما سيدفعه للبحث عن امرأة أخرى من خارج محيط العائلة دون أن يدري. بإيجاز، توجد رغبة أوديبية، يهدئها الاستيهام بالخصي، و يمكن السيطرة على القلق و الجزع بفضل تقمص شخصية الأب مما ينهي عقدة أوديب. بفضل الجزع يتخلص الصبيان من عقدة اوديب. كيف تعيش البنات عقدة أوديب: لا يوجد خلاف بالمراحل الأولى بين الصبيان و البنات من ناحية التعلق بالأم التي تمثل الهدف الشبقي. و لكن دخول البنات بعقدة أوديب يكون عكس الصبيان. فهنا القلق و الجزع هو ما يدخلها بسياق عقدة أوديب. شعور البنت تجاه أمها هو أكثر تناقضا من شعور الصبي. و هذا يفسر إلى حد ما وجهات النظر التي تقول أنه فيما بعد، علاقة النساء فيما بينهن هي أكثر تعقيدا من علاقة الرجال التي تبدو بسيطة. عدوانية البنت تجاه أمها تبدأ منذ خطوة الفطام، مما يرجح عندها الاتجاه نحو عقدة أوديب المعكوسة.التعلق بالأب والتأثر بشخصيته. وهو ما يعرف بعقدة أليكترا وهي مسرحية أخرى كتبها سوفيلكس. رغبتها بإمتلاك القضيب يترافق و بنفس الوقت مع لفظها أمها التي لا تمتلكه هي الأخرى. في الخطوة التالية تتحول رغبتها بالحصول على قضيب مثل أبيها إلى رغبة بالحصول على ولد من أبيها بدل القضيب الذي لا تملكه. و بهذه الخطوة تصبح الأم خصماً منافساً. فتتقمص نفسيتها. و لكون هذه الأمور أكثر تعقيدا مع مشاعر ملطفة تجاه الأم ومع مشاعر الأحساس بالذنب التي ترافقها، فإن عقدة أوديب قد تدوم طويلا عند البنت. و تتخلص منها عندما تتقمص شخصية الأم حتى تلبس شخصيتها المؤنثة. لا تختفي عقدة أوديب عند الطفلة بالكامل. و تشعر بآثارها طوال فترة حياتها كامرأة. الطفل الأوديبي الذي كانت تتخيله وهي صغيرة يبقى كـ استيهام (فانتازم) في نفسها لفترة طويلة. و يبقى الخروج من عقدة أوديب عند البنات مشكلة عويصة. فأما أن يغرقها بادعاء متواصل بحب مجروح، أو تتخلى عنه بشكل مميت، أو قد يرسلها إلى حبها الأول لأمها. ما ترمز إليه عقدة أوديب: بما يخص الرغبة: رأينا في المرحلة الفموية دور الرضاعة و كيف يرضي الطفل رغبته من أمه من الناحية الشبقية ومن الناحية الغذائية. بينما رغبة الطفل تجاه أمه بعقدة أوديب تبقى غير مروية. و غير مشبعة. فالطفل يحاول أن يكون كل شيء لأمه. و يحاول البحث عن ما ينقصها لكي يعوضه. أي أنه بشكل آخر محاولة اندماج مع الأم. راجع موضوع الرغبة لفهم هذه النقطة. الحالة المرضية تمثل عندما ترد الأم بشكل كامل على هذا الطلب بالاندماج. بهذه الحالة يصبح الطفل غرضا لأمه. و لا يصبح فاعلا. مما يدخله في حالة اختلال نفسي و يصبح عاجزا عن التكيف مع المجتمع. للأب دور كبير في هذه الناحية، إذ أنه سيأخذ دور الوسيط. سيتدخّل أيضا بفصل الأم عن ابنها. و يمنعه من الاندماج بها. يشكل هذا الموقف صرخة في ذهن الطفل للإبتعاد عن المحارم. و يمنع الأم من امتلاك طفلها. هذا المنع يسمى قانون الأب. وحتى يأخذ مجراه يجب أن تقر الأم به، و بعد ذك يقر به الطفل بدوره. يجب أن يتواجد هذا الدور بمخيلة الأم التي يجب أن تقر بدوره كفاصل بينها و بين أبنها. يجب أن يتواجد في مخيلتها منذ البداية، و لكن الطفل لن يكتشفه سوى فيما بعد خلال مرحلة عقدة أوديب. منع الأب يدفع الطفل لكي يذهب للبحث عن مكان آخر، أي ليلتقي بالمجتمع. ومن هنا نفهم أن المنع له دور كبير في بناء شخصية الطفل. يصبح بهذا الشكل عنصر اجتماعي و يسمح له بتقوية بناء العائلة و المحافظة عليها على مدى أجيال. خروج الطفل مع عقدة أوديب هو تحوله من الحالة الشخصية إلى الحالة اجتماعية. بفضل منعه من قتل الأب و منعه من ارتكاب المحارم Inceste يمر الطفل من الطبيعة إلى الثقافة. كما يتفهم الطفل الفرق بين الجنسين بتقمصه لأحد الوالدين فيرى نفسه مثل مثليه ومختلف عن الوالد الآخر. وفي النهاية، فإن الأنا المثالية هي التي سترث عقدة أوديب و هي التي ستحل محل الأبوين. ************* * اعتمدنا المقال الأساسي بتصرف وتحقيق وتصحيح عن صحيفة الحسناء . *1 عدنان محرز مجلة العربي ع 435 عقدة اوديب *2ميّز فرويد خمسة مراحل أو أطوار للتطور النفسي الجنسي عند الطفل وهي: ـ المرحلة الفموية ـ المرحلة الشرجية ـ المرحلة القضيبية ـ مرحلة الكمون ـ المرحلة التناسلية. الجميع فصاميون كما يرى العفيف الأخضر ( دفاعا عن محمد ) (5) لمسنا من عرض ملخص لتراجيديا أوديب ملكا أن القدر المرسوم لاوديب كان قدرا إلهيا مكتوبا من قبل لا مفر منه ، كما في كل الأقدار الإلهية المكتوبة مسبقا للبشر في معظم الأديان القديمة حتى الإسلامي منها ، فقد حاول الملك الأب تجنبه بأن أرسل الطفل الوليد مع أحد حراسه ليلقيه في الجبال ليموت جوعا وعطشا ، فنجاه القدر من ذلك ،وحاول أوديب بدوره تجنب هذا القدربهروبه من بيت الملكين اللذين ربياه دون جدوى ، فهل في هذه الحال يجوز لنا أن نعتبر العقدة عقدة ربانية ، طالما أنه ليس لأوديب يد فيها ! وإذا ما عدنا إلى رؤية العفيف الأخضرلهذه العقدة سنجده يلبسها لجميع الأنبياء والمتصوفة والحركات والأحزاب الإسلامية والدينية بشكل عام ، وحتى العلماء والفلاسفة والشعراء منذ أربعة آلاف عام حتى زمن كتابة الكتاب ، دون أن يعود إلى تحليل طفولة أي من هؤلاء البشر ، وكأنه يقر بأنها قدر إلهي لا مفر منه ،وفي هذه الحال لماذا أتعب العفيف نفسه ،وراح يبحث عن علاقة النبي محمد بأمه ومرضعاته وأزواج مرضعاته ليعتبرهم جميعا عدوانيين حسب تحليله ، وهو ما أدى إلى المرض الفصامي في الشخصية المحمدية . لنبدأ أولا بالأشخاص الذين اعتبرهم العفيف فصاميين ، لا تتفاجأوا إذا ما وجدتم أن المتنبي ، وإدجار ألان بو، وفوكنر ، وبودلير ، وأراجون ، وغيرهم كثيرون ، فصاميون ! : (لماذا لا يختلف أنبياء ساحل العاج وأنبياء أمريكا اللاتينية المعاصرون عن شخصية النبي في آشور، أو النبي في اسرائيل ، أو نبي الإسلام ؟ لأن هذيان التأثير ،أي هذيان النبوة ،كما يشخصه ،الطب النفسي ، هو واحد عند جميع الأنبياء ، الهلاوس كميكانزيمات والهذيان كعرض ) ( ص64) لم يعد الفصام هنا مرتبطا بنشأة الطفل وعلاقته بأبويه بل بالنبوة بحد ذاتها ، فبعد أن يعرض علينا العفيف نماذج لأنبياء من جميع الأزمنة القديمة والمعاصرة ، يختتم بالقول : ( واضح من هذا العرض المقتضب لنماذج من الأنبياء منذ 4 آلاف عام إلى اليوم ، أن الأنبياء جميعا يكابدون هذيان النبوة ، أي هذيان التأثير الصوفي ، الذي يخيل للهاذي الديني أن قوة ،غالبا إلاهية ، قد تسللت إلى دماغه ،لتوجه سلوكه وفكره باستقلال عن إرادته ) ( ص 67) وما الفائدة من التحليل النفسي في هذه الحال إذا كان الهاذي يرى أن الله قادرعلى أن يتسلل إلى أدمغة أبناء الأثرياء المرفهين وأدمغة أبناء الفقراء المضطهدين على السواء .ألم يكن بوذا أميرا مترفا ؟ وكذلك امرؤ القيس ، وغيرهما ، وإن كان هذيانهما مختلفا ، فالأول يبحث عن حقيقة الله والثاني راح يهذي شعرا وتخلى عن حياة الترف . وبما أننا تطرقنا إلى امرؤ القيس ، إليكم قائمة من الشعراء الهاذين وبالتأكيد لو أن العفيف قرأ روايتي ( الملك لقمان ) و(غوايات شيطانية ) لوضعني في رأس قائمة الهذائين : ( وهذا ( يقصد استخدام الرموز الدالة والكلمات الغامضة في الأدب والشعر ) ما جعل الإنتاج الذهاني عند كبار الشعراء والفنانين ، الذين كانوا في الوقت نفسه فصاميين كبارا متشابها ، كما هو عند ادجار ألان بو ، فوكنر ، بودلير ، أراجون ، المسعدي ) ( 179- 180) أما عن المتنبي فيقول : ( حالة نبي الإسلام مع الوحي كحالة المتنبي مثلا مع الإلهام الشعري ، قصائده التي فرضت نفسها عليه ، شعر خالص ، أما القصائد التي فرضها على نفسه تحت ضغط المناسبات فتفتقد الشاعرية ) ( ص 129) وهذا يعني أن قصائد المتنبي في سيف الدولة مثلا ، ليست شعرا بل هذيان ، وكذلك قصائد أكبر شعراء العصر الحديث القدامى ( محمد مهدي الجواهري ) وخاصة التي يمتدح فيها حافظ الأسد . سنأتي الآن على ما يقوله العفيف عن طفولة النبي محمد وعلاقته بأمه وبالمرضعات وزملائه في الطفولة لنرى كم فيه من الإجحاف: يعترف العفيف بداية أنه لا يجد ( في السيرة منذ زواج عبد الله بآمنة إلى عودته من مرضعته الأخيرة حليمة السعدية إلا ميتا تاريخ ) ( 28) أي ما يعلي من شأن محمد ( كما يتطلب ذلك منطق النرجسية الدينية الجمعية ، للإرتفاع به ... ) حسب قوله ( ص 28 ) وحين لا يجد العفيف ما يدعم منهجه يذهب إلى التخيل والبحث في النصوص القرآنية : فيورد آية عن حمل أمه به ( حملته أمه وهنا على وهن ) ( 14 لقمان ) وهي تنتقل من ضعف إلى ضعف ) ( 29 ) وكأن العفيف يريد لأم فقدت عريسها بعد أشهر من الزواج أن لا تكون متعبة وقلقة وكأنها قدت من صخر لا من لحم ودم انسانيين . ويتابع العفيف متخيلا ما ترسب في ذاكرة الطفل محمد من قصص أمه له عن متاعب شهور حمله أو قصص الأسرة بعد موتها ، دون أن يورد ما تخيله . ( راجع ص 29 ) غير أنه يورد نظرية في علم النفس تتحدث عن حالة يكون فيها الأبوان منفصلين ينتج عنها غالبا انهيار عصبي يصيب الأم . ( راجع ص 30 ) هو يأتي بحالة انفصال زوجين وليس حالة رحيل الزوج وهما حالتان مختلفتان تماما ونتائجهما ليس بالضرورة أن تكون متشابهة على نفسية الأم . ويوغل العفيف في التحليل المتخيل ليعتقد ان الطفل محمد لم يكن محبوبا ،( وقد لا يكون ولد فصاميا لكنه صار فصاميا ، وبالتأكيد ولد مكتئبا ) ( ص 30 ) يلاحظ أن العفيف لا يضع احتمالات لتخيله ليتجنب الأحكام الإطلاقية بل يؤكد مستخدما مفردة ( بالتـاكيد ) وكأنه كان يعيش في دماغ الطفل محمد أو في مخيلته !!! ويتكهن العفيف بشأن الطفل مع المرضعات القاسيات . ( يورد العفيف أكثر من مرضعة للنبي ، استنادا إلى إشارات وجدها في نصوص قديمة عن طفولة النبي ) : ( لا شك أن صدمة فراق محمد منذ الأسابيع الأولى لأمه كانت عنيفة ، ليسقط في أحضان مرضعات مأجورات ،من الصعب تصور أنهن انحنين عليه ونظرن إليه وهو يرضع بعينين مبتسمتين ،تبثان في عينيه رسالة حب أمومي لا تعوض ،ليشعر الرضيع بالأمن ) ( ص 31) يتخيل العفيف أن المرضعات مجردات حتى من الشعور الإنساني والعواطف الإنسانية ! ويتابع مكررا معاملة المرضعات قائلا ( على الأرجح معاملة سيئة ) ( 31) ويبلغ الإجحاف والتجني على شخصية الطفل محمد أقصى غايتيهما حين يورد الأخضر قصة شيماء إحدى أسيرات غزوة حنين ، فيخلص إلى نتيجة أن الطفل كان عدوانيا منذ طفولته . فبعدما يذكر الأخضر أن شيماء عوملت معاملة سيئة ، قالت لآسريها ): تعلموا والله إني لأخت صاحبكم في الرضاعة ، فلم يصدقوها ، حتى أتو بها رسول الله ( ص ) ... فقالت : يا رسول الله إني أختك في الرضاعة . قال : ما علامة ذلك ؟ قالت : عضة عضضتها في ظهري وأنا متوركتك ، فعرف العلامة .... وخيرها (النبي ) في أن تعود معه أو أن يمتعها ويعيدها إلى قومها ، ففضلت أن يرجعها إلى قومها ) ( ص31) ورغم أن العفيف الأخضر يشك في القصة بقوله ( رغم صعوبة تصديق تفاصيلها ، بقاء أثر عض طفل دون السنتين لأكثر من خمسين عاما ) إلا أنه يشرع في تقييم شخصية الطفل عليها بقوله ( إنها ( العضة ) كانت مؤلمة وأن الطفل محمد كان عدوانيا ) ( ص 32 ) لا أظن أننا في حاجة إلى اثباتات أكثر لنرى إلى أي مدى أجحف الأخضر في تقييم شخصية عظيمة بحجم النبي محمد ، وسنعرج في المقالة القادمة على رأي الأخضر في اختلاف النصوص القرآنية المدنية عن المكية ، والتي رأى فيها الأخضر الأمر نفسه . يتبع . (6) التحول من الدين فحسب إلى الثورة الدينية لا شك في أن كتاب العفيف الأخضر يحتاج إلى باحث متفرغ لما حواه من شمولية في قراءة وتحليل النص القراني ، أصابت أحيانا ، وأخفقت في أحيان كثيرة لاعتمادها منهج التحليل النفسي وحده في قراءة النصوص ، متجاهلة الواقع الثقافي والإجتماعي والإقتصادي والسياسي إلى حد كبير ، فالعفيف لا يرى التحولات التي طرأت على الرسالة المحمدية من رسالة دينية فحسب كما هي في مكة إلى رسالة ثورة وإقامة دولة كما صارت عليه في المدينة. ثورة شاملة تلغي معظم المفاهيم السائدة بما فيها الفهم الديني ، فالرسالة المحمدية منذ بدايتها كانت رسالة توحيدية لحشد الأمم خلف دين واحد وليس مجموعة أديان ، وما كان سياسة مهادنة في مكه لم يعد صالحا لتطبيقه في المدينة ، وخاصة بعد أن كثرت مؤامرات اليهود ضد الرسالة المحمدية وضد النبي محمد نفسه ، ومحاولتهم زرع الفتنة بين الأنصار من ناحية وبين المهاجرين والأنصار من ناحية أخرى . فكان لا بد من آيات جديدة في النص القرآني المدني تنسخ آيات المهادنة في النص المكي . يتجاهل العفيف الأخضر هذا الواقع تماما وكأنه لم يكن ، ولم ير ما فعله اليهود في زمن محمد وحتى في الزمن الحاضر ، ضد العرب ، سواء في فلسطين أو مصر أو لبنان .وكأن اليهود كانوا طائفة مسالمة عبر التاريخ ، فحتى توراتهم تشهد على عنصريتهم وتشير إلى أنهم لم يكونوا يكتفون بقتل البشر من الفلسطينيين ، بل حتى الحيوانات . هذا الباحث المتفرغ أو الباحثين ينبغي أن يكونوا من العلمانيين المحايدين الموضوعيين ، والتنويريين الإسلاميين ( ولا أعرف إن جاز لي أن أعتبر نفسي تنويريا فأنا أجنح إلى العلم ربما أكثر من التنوير، وإن كنت أغار على الإسلام وإلى ما وصل إليه ) وأن تدعمهم جهة اسلامية ، إذا أراد المسلمون ، أن يرتقوا بالرسالة المحمدية ، لتكون رسالة للبشرية فعلا لا قولا ، وليس للمسلمين وحدهم ، إن ما نراه في العالم الإسلامي اليوم وخاصة في سورية والعراق وغيرهما ، من جز رؤوس بالسكاكين ، ورجم زانيات، وقتل واضطهاد وتهجير للطوائف الأخرى ، استنادا إلى مبادئ اسلامية وآيات قرآنية ، لهو أمر فظيع للغاية لا يتقبله أي ضمير بشري . أنزل سمعة الإسلام إلى الحضيض ! فما كان مقبولا في بداية الثورة المحمدية ، لن يكون مقبولا في عالم اليوم ، وبعد أكثر من 1400 عام على قيامها . وحتى العفيف نفسه يسعى في الفصول الأخيرة من كتابه إلى تقديم منهج عقلاني أسماه ( العقلانية الدينية ) يدعو الدول الإسلامية والعربية إلى اتباعه . غير أن العقلانية الدينية كما هي عند العفيف لا تتطلب إعادة النظر في النصوص المقدسة ، بل بقيام الدولة المدنية التي تحترم حقوق الإنسان وتعزل الدين عن الدولة . وربما يكون هذا مقبولا كخطوة أولى ضرورية . لكن على المدى البعيد لا بد من إعادة النظر . ولا بد من فهم معاصر للدين ككل ،يقرأ على ضوء منهجه ، فهم الدين الإسلامي . يورد العفيف مثالا على تعايش الدين مع الدولة المدنية كما في اسرائيل . حين أثبت المختصون الإسرائيليون ، ( أن الخروج من مصر أسطورة ،وأنه لا توجد وثيقة تاريخية واحدة ،كأوراق البردى مثلا ،تشهد على دخول اليهود أو العبرانيين إلى مصر أو خروجهم منها . ( 205) ويتابع : ( كشفوا هذه الحقيقة التاريخية المروعة للمؤمنين إيمان العجائز في السنوات 1970،في برنامج تلفزيوني بمناسبة الذكرى الألفية الثالثة لخروج العبرانيين من مصر ، شارك فيه المختصون في التنقيب الأثري وتاريخ الأديان المقارن ،ومفسروالتوراة ، وشاهدها أكبر كمية من المشاهدين في تاريخ التلفزيون الإسرائيلي . الأفضل من ذلك أن علماء الآثار أعلموهم أن سليمان ،وهو شخصية مركزية في التاريخ اليهودي ، شخصية اسطورية ،وأباه الملك – النبي داوود ، شخصية شبه اسطورية .) (ص 205) ويشير العفيف إلى ان المتحاورين ذهبوا أيضا إلى أن شخصية موسى مؤسس الديانة اليهودية هو شخصية رمزية " نقلها كتبة التوراة عن اسطورة الملك الأشوري سارجون " ( 205 ) ويشير العفيف إلى أن ( هذه الحقائق التاريخية المدوية لم تثر إلا أحد برلمانيي حزب شاس الديني في الكنيست ، الذي أعلن أمام الصحافة بكل اطمئنان " ما يقوله العلم كذب ،والحقيقة الوحيدة هي التي تقولها التوراة " ! لكن دور العبادة في اسرائيل والعالم العربي ،لم تغلق أبوابها ، والتوراة لم تنقل إلى أرشيفات التاريخ ،في متحف الآثار ،لتنام جنبا إلى جنب مع الفأس البرونزية ) ص205 كما تطرق العفيف لأقوال أخرى عن المسيح تشير إلى أن( مسيح الإيمان ... هو شخصية رمزية وأن مسيح التاريخ شخصية أخرى مختلفة تماما ، حتى أن البابا بنوا 16 الذي نشر كتابه عن المسيح سنة 2007 استعار لأول مرة عناصر كثيرة من مسيح التاريخ دون أن يشير إلى ذلك .) ( الصفحة نفسها ). لم أخض في تفاصيل القرآن المدني وتحليل العفيف لها ، فقد غدا أسلوبه معروفا ، يعيد كل آية إلى تحليل نفسي مرجعه الكبت والعدوانية ألخ ، متجاهلا الواقع التاريخي الإجتماعي .. ومتجاهلا الثورة التي قادها النبي محمد ، لإنشاء دولة الإسلام . في الفصول الأخيرة من الكتاب يعود العفيف إلى قانون التطور ويعزوه إلى تطور الدماغ ،وعلاقة الإنسان بالدين ، وتطور مفهومه ( ص 218 ) ويذهب إلى انسان المستقبل الذي قد لا يكون في حاجة إلى دين ( ستوجد أنواع أخرى من البشر ، ستكون قدراتهم الفكرية مختلفة عن قدراتنا ،وربما لن يبقوا في حاجة إلى نفس المتعاليات ، أي المعتقدات الدينية السائدة اليوم ) ( ص 219 ) أخيرا وفي الصفحات الأخيرة من كتابه يتطرق العفيف إلى الفيزياء ( الكوانطيه ) حسب تعبيره ،والمقصود الكمومية أو فيزياء الكم ،( التي أثبتت بالبرهان على أن الراصد وا لظاهرة المرصود ة متكافلان ، أي في تبعية متبادلة ، إذن لا مفر من بروز كائن واعي في الكون لكي يرصده ويعطيه معنى ، ليس بالضرورة أن يكون الإنسان ، بل كل شكل من الذكاء ، قادر على فهم نظامه وجماله وانسجامه ) ( ص 234) ويخلص العفيف إلى أن الذكاء الذي يريده هو ( مبدأ كلي الحضور في الطبيعة ،مندمج فيها، كما كان يفهمه سبينوزا وأينشتاين ) ( ص 234) لا يعرف العفيف للأسف أن سبينوزا أقام مذهبه الفلسفي (وحدة الوجود ) على مذهب ابن عربي الذي أقام مذهبه على فهم محمدي اسلامي ، أشار إلى أن الله ليس كمثله شيء ، وأنه موجود في كل زمان ومكان ، مما دفع ابن عربي إلى تعريفه بالقول ( لا يسري في الكون من أعلاه إلى أدناه إلا الحقيقة الإلهية ) وهو ما دفعنا بدورنا استنادا إلى هذا الفهم الإسلامي ، إلى تعريف الخالق بأنه الطاقة السارية في الكون والكائنات ،وفي كل خلية في أجسادنا ، وبأن عملية الخلق تكاملية بين الخالق والمخلوق ، فلا يمكن معرفة الخالق دون خلقه ولا يمكن معرفة خلقه دونه ،وهو ما ينسجم تماما مع مبدأ الفيزياء الكمومية . أخيرا لا بد من القول أن العفيف الأخضر بذل جهدا كبيرا في كتابه بتحليله وتطرقه للعديد من آيات النص القرآني. والمؤسف أنه اتبع منهجا أحاديا هو منهج التحليل النفسي غير الناضج بعد ولا يمكن اعتماده لفهم التاريخ أو شخصية فيه . نهاية *******
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شاهينيات فصل(123) موضوع( 1069) ماركوس أوريليوس والفلسفة الرو
...
-
شاهينيات الفصل(121) طوبيا يقبض على الشيطان ويفتض سارة بعد ال
...
-
إلى صديقاتي وأصدقائي الأعزاء والذين يرغبون في صداقتي:
-
شاهينيات الفصل (120) الشيطان يقتل سبعة أزواج في أسطورة سارة
...
-
شاهينيات (119) يهوة يمنع زواج اليهوديات من غير اليهود واليهو
...
-
حين نكح الفيل الحمار!
-
شاهينيات (118) بنو اسرائيل يعيدون بناء اورشليم .
-
شاهينيات (117) الفرس يسعون لنيل رضى العبرانيين ! والعرب أنجا
...
-
ألملك لقمان . رواية . الجزء الثاني.
-
شاهينيات (116) قورش الفارسي يأمر بإعادة بناء بيت يهوة .
-
ألملك لقمان . الجزء الأول. رواية .
-
صديقاتي وأصدقائي وقرائي : أنتم زاد روحي !
-
الملك لقمان ج2 (10) اغواء استيري!
-
الملك لقمان . الجزء الثاني. (9) شهاب من السموات العليا!
-
شاهينيات (115) السبي البابلي وتحرير قورش الفارسي لليهود.
-
ألملك لقمان.الجزء الثاني . (8 ) عقل طوطمي!
-
الملك لقمان . الجزء الثاني. (7) الله ورسوله والعفاريت !!
-
محمود شاهين : مخطوطات تبحث عن ناشر
-
شاهينيات (114) ذكر العرب كغزاة لبني اسرائيل .
-
ألملك لقمان.الجزء الثاني . (6 ) األله. ألكمال. الفضيلة .
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|