|
أفكار حول المنظمات المهنية للمشغلين بالمغرب
الأستاذ كريم ابوطلب
الحوار المتمدن-العدد: 4816 - 2015 / 5 / 24 - 21:58
المحور:
المجتمع المدني
تشكل " المنظمات المهنية للمشغلين" أو " الباطرونا " أو كما تعرف كذلك "بأرباب العمل " ، قوة اقتصادية وسياسية فاعلة، وهي إذ صلح أمرها و كبر نشاطاها أمكن الاعتماد عليها في النهوض بالاقتصاد الوطني و تحقيق السلم الاجتماعي. فانتظام المشغلين في اطارات مهنية على غرار الأجراء،يعزز موقعهم كقوة اقتراحية و كشريك للسلطة في التفكير و التدبير، ويضمن لها التوازن تجاه نقابات الأجراء في إطار العلاقات المهنية. فالحركة الجماعية و المنظمة للمشغلين، تكرس قناعة هذه الفئة بأن الحركة الفردية / الشخصية المؤسسة على قدراتهم الخاصة و معارفهم و قوتهم الاقتصادية، لا تكفي لوحدها لضمان استمرارية مشروعاتهم الاقتصادية. من هنا تـأتي أهمية هذه التنظيمات، فهي من جهة تنتصب كطرف اساسي في التعاقد السياسي، كما أن الدولة تراهن على هذه المنظمات لتحمل مسؤوليات متمثلة اساسا في توزيع الثروات و التكوين و محاربة البطالة ، و بالتالي المساهمة في تحقيق السلم الاجتماعي. وعلى صعيد آخر فمنظمات المشغلين ، لها تأثير مباشر في وضع القوانين والأنظمة ونهج صانعي القرار وفي السياسات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. و نظرا للأهمية التي تحضى بها هذه التنظيمات وفي وقت تنامت فيه أدوارهم و تعززت مواقعهم، ارتأيت أن أخصص هذا المقال للحديث عن التنظيم التشريعي لمنظمات المشغلين بالمغرب، و كذا الادوار المنوطة بها . -;- في التنظيم القانوني للمنظمات المهنية للمشغلين بالمغرب أناط الفصل الثامن من دستور المملكة للهيئات المهنية للمشغلين مهمة الدفاع عن الحقوق و المصالح الاجتماعية و الاقتصادية للفئات التي تمثلها و النهوض بها، مما يوحي على إشراك هذه الفئة في عملية التفكير و في بلورة ومتابعة السياسات الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد، بل إن هذه التنظيمات لها تمثيلية داخل مجلس المستشارين مما يمكنها من المشاركة في عملية التشريع ، حيث أوجبت الفقرة الثانية من الفصل الثالث و الستون من الدستور على أنه " يخصص خـمسـان من الأعضاء تنتخبهم في كل جـهة، هيئات ناخبة تتألف من المنتخبين في الغرف المهـنية ، وفي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية ...". و باستقراء التجربة المغربية بخصوص هذه التنظيمات يلاحظ أن المشغلين قد استقروا في أغلب القطاعات على الانتظام في إطار جمعيات وفق ظهير 15 نونبر المتعلق بالحريات العامة، هذا مع العلم أن ظهير 16 يوليوز 1957 المتعلق بالنقابات المهنية لم يكن يمنع على المشغلين تأسيس نقابات مهنية على غرار الأجراء. و هو الحكم الذي ستؤكده مدونة الشغل صراحة عندما نصت المادة 398 على أنه " يمكن للمشغلين و الأجراء أن ينخرطوا بحرية في النقابة المهنية التي وقع عليهم اختيارها ". و هو الأمر الذي سيمدد حتى على المستوى الدولي حيث سمحت المادة 400 للنقابات المهنية أن تنخرط في منظمات نقابية دولية للأجراء أو المشغلين. و أمام شحوب المعطيات حول عدد جمعيات المشغلين و عدد القطاعات المهنية و المقاولات المنخرطة بها، فيلاحظ أن تمثيلية المشغلين المغاربة تكاد تقترن بالاتحاد العام لمقاولات المغرب و المعروفة باختصار CGEM ويعود تاريخ تأسيس هذا الاتحاد الى سنة 1941 ابان الحماية الفرنسية على المغرب،وهو ما فتئ يزعم أنه يمثل مجموع النشاط الاقتصادي الخاص المغربي. حيث يشكل أهم جمعية للمشغلين المغاربة سواء من حييت تأسيسها أو من حيث حجم أنشطتها و موقعها على الساحة الاقتصادية و الاجتماعية. و بالإضافة اليه نجد الاتحاد العام للمقاولات و المهن الذي تأسس في محاولات لنزع الاحتكار من الأول ، كما تجدر الاشارة الى الحركة الاقتصادية بالمغرب و كذا مركز الشباب المسرين. -;- في الأدوار المنوطة بالمنظمات المهنية للمشغلين بالمغرب تقوم المنظمات المهنية للمشغلين بعدة أدوار مهمة و لها تأثير مباشر على محيطيها و نلخص ذلك في ما يلي :
-;- الدور التأطيري لرجال الأعمال : فالمنظمات المهنية للمشغلين تلعب دورا محوريا في تأطير المقاولين و المستثمرين، سواء المغاربة أو الأجانب، و ذلك من خلال تقديم المشورة و مختلف المساعدات و تسهيل تداول المعلومات لفائدتهم . هذا بالإضافة إلى تمثيل المقاولات و الدفاع عن مصالحها لدى السلطات العمومية و مختلف الهيئات و طنيا و دوليا ،لذلك نجدها ممثلة في المجالس الثلاثية التكوين أي الى جانب الدولة و ممثلي الأجراء ومن ذلك مثلا : - طرف في مجلس المفاوضة الجماعية المادة 101 و 102 من مدونة الشغل . - طرف في مجلس طب الشغل و الوقاية من المخاطر المهنية المادة 332 و 333 من مدونة الشغل . - طرف في المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل و المجالس الجهوية و الاقليمية لإنعاش التشغيل ، المواد 522- 523 – 534 – 525 من مدونة الشغل. -;- الدور التنموي الاقتصادي و الاجتماعي : فمن الناحية الاقتصادية تعمل هذه التنظيمات على تنسيق جهود المقاولات المغربية من أجل إنعاش الصادرات الوطنية نحو الأسواق المختلفة. إضافة الى العمل على انعاش الاستثمارات و توسيع القطاع الخاص و ضمان استمرارية المقاولات و دعم قدرتها التنافسية. أما من الناحية الاجتماعية فهذه المنظمات ، تكرس جهودها لتكريس ثقافة التشاور و التفاوض لأجل إبرام اتفاقيات و اتفاقات الشغل الجماعية مع نقابات الأجراء (المادة 95 مدونة الشغل). كما تحرص على ضمان الممارسة الكاملة للحقوق و الاحترام الواعي للالتزامات المسطرة لفائدة الأجراء و أجهزتهم التمثيلية. هذا ناهيك عن تحملها مسؤولية جسيمة الى جانب الدولة في تذويب الخلافات الاجتماعية و تحقيق السلم الاجتماعي. -;- الدور التطويري لمحيطها القانوني و التنظيمي و القضائي و الاداري : تساهم هذه التنظيمات في تحديث القوانين ذات العلاقة بالمال و الأعمال و هي اكتسبت تدريجيا صفة مجموعة ضعط و شريك للحكومة خلال و ضع القوانين التجارية و الاجتماعية و المالية و الجبائية و الجمركية و البنكية ..الخ وذلك من خلال مشاركة ممثليها في اللجان البرلمانية من أجل مناقشة مشاريع و مقترحات القوانين، مما يسمح لها بإبداء ملاحظاتها و اقتراحاتها . وهنا نستحضر الدور الذي لعبته هذه التنظيمات في اخراج عديد من القوانين حيز الوجود ، خاصة مدونة الشغل التي عرفت نقاش حاد و توافق في الأخير بين الفرقاء الاجتماعين ، و نفس الدور تجسد في مدونة التجارة و قوانين الشركات...إلخ. دون أن ننسى دور هذه التنظيمات في تحديث محيطيها القضائي، فهي تدعوا إلى تسهيل الولوج للعدالة في وجه المقاولات، و تكريس الأمن القضائي لدى المستثمر حتى تكون لديه ثقة كاملة في نزاهة و استقلالية القضاء المغربي.هذا ناهيك عن دورها في تأسيس مراكز التحكيم و الوساطة لحل نزاعات التجارية. و نظر لدور الإدارة في تشجيع الاستثمارات و القطاع الخاص، فممثلي المشغلين يدعون من خلال مقترحاتهم ومطالباتهم الى تبسيط الاجراءات الإدارية في وجه المقاولات ، و تكريس الحق في المعلومات و خاصة تلك التي تهم الصفقات العمومية.
و ختاما نقول أن المنظمات المهنية للمشغلين لم تكن من اهتمامات واضعي مدونة الشغل ، وهي لم تنل حضا وفرا في مجال البحث العملي بالمغرب ، وذلك راجع أساسا لشيوع الكتابات عن النقابات العمالية من جهة أولى ، و لمحدودية التعددية في صفوف ممثلي المشغلين من جهة ثانية. وهو ما فتح المجال لظهور مجموعة من الاشكالات التي تنتظر تدخلا تشريعيا عاجلا ، اذ الاطار القانوني الحالي المتمثل في مدونة الشغل و قانون الجمعيات لا يوفر حلولا حينما نكون امام تعددية في صفوف ممثلي المشغلين، فكلما سكت المشرع عن تحديد مفهوم هذه التنظيمات المهنية و أهدافها و ضبط المنظمة الاكثر تمثيلا اسوة بنقابات الأجراء ، كلما استمر الاعتقاد أن جميع تلك المنظمات المتواجدة في ساحة " الباطرونا " المغربية لها حق تمثيل المشغلين في المواقع التي تستدعي ذلك. و هو ما يفتح الباب أمام المنظمات الأقرب لصانع القرار ، لسيادة ساحة البطرونا بقوة الأمر الواقع و ليس تطبيقا للقانون. وهذا ما ينعكس سلبا على شرعية تلك التمثيلية و مدى القبول بها في ظل التعددية المتزايدة في صفوف ممثلي المشغلين
#الأستاذ_كريم_ابوطلب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-قيصر الحدود- الأمريكي يتحدث عما سيفعله ترامب مع عائلات المه
...
-
عاجل | أسوشيتد برس: منظمة عالمية سحبت تقريرا يحذر من المجاعة
...
-
وزيرالخارجية اليمني:ندعو الأمم المتحدة وكل المنظمات لتجريم م
...
-
قطف مطار صنعاء استخفاف إسرائيلي بالأمم المتحدة
-
الاحتلال يُمعن في ارتكاب جريمة إبادة جماعية بزيادة وتيرة تدم
...
-
مراسل RT: ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والمنسق المقيم توا
...
-
في جريمة هي الأكبر ضد الصحفيين في قطاع غزة خلال حرب الإبادة
...
-
من لبنان وتركيا والأردن.. ضوابط لعودة اللاجئين السوريين إلى
...
-
اعتقال قاضي المحاكم الميدانية في سجن صيدنايا بسوريا
-
اعتقال -سفاح صيدنايا- في طرطوس وحراك دبلوماسي سوري مع دول ال
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|