أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - توفيق عبدالمجيد - إلى الغريب في بلدته … ووطنه … وبين أهله ... إلى الفارس الذي لن يترجل … أبداً ... إلى … إبراهيم اليوسف















المزيد.....


إلى الغريب في بلدته … ووطنه … وبين أهله ... إلى الفارس الذي لن يترجل … أبداً ... إلى … إبراهيم اليوسف


توفيق عبدالمجيد

الحوار المتمدن-العدد: 1335 - 2005 / 10 / 2 - 09:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لقد ضاقت بك الأرض على رحبها … وتنكر لك الأهل على كثرتهم … تستصرخهم … تستنجد بهم … ولكن … هيهات … صرخة في واد … ولا حياة لمن تنادي .
تمد أصابعك العشرة إليهم فلا يعلق بها شيء … يهربون منك … تناديهم بأعلى صوتك … فلا يسمعون النداء المسموع … لقد تنكروا لك يا إبراهيم … تنكروا لصوتك اليتيم … تنكروا لصوتك الجريء الصادق في انعدام الأصوات وليس في زحمتها …
إنهم هكذا يا أخي إبراهيم … لأن ذاكرتهم معطوبة ومثقوبة … لأنهم لم يتعودوا على أن يسمعوا غير أصواتهم … لأنهم يكرهون من يمد لهم يد التضامن والتآخي … فهو يزاود عليهم … وهو يتدخل في شيء يعنيهم … احتكروه لأنفسهم المريضة … لا يرحمون ولا يدعون رحمة الله تنزل على غيرهم .

لقد نسى هؤلاء بل تناسوا أبرز قوانين الهوية وعلم الاجتماع البشري التي تقول " إنه حين تتراجع المخاطر الأمنية الوجودية المحيقة بمجتمع ما ، يتفرغ أفراد هذا المجتمع لمقاتلة بعضهم بعضاً ، وتنفلت التناقضات الداخلية من عقالها " ، فهل تراجعت المخاطر الأمنية التي كشرت عن أنيابها لتبتلعنا جميعاً ؟ أم أننا مكلفون باستدعائها وبتمهيد الطريق للموت ؟ أم أننا لم نتعظ بقول هوشي منه عندما سئل :
( إذا اشتدت عليك الأمور ، فماذا تفعل ؟ )
أجاب ذلك القائد ( أرى ما يفعل عدوي وأعمل العكس .)

بكل تأكيد !! لقد تغول هؤلاء ، وتعملقوا ، ولكن على أبناء الوطن الذين يحاولون تشخيص الداء الخبيث قبل أن يتسرطن ، نسي هؤلاء أنه (عندما تعصف بوطننا الأعاصير نبقى دائماً في الخيمة الوطنية ) وأن الكرد ( ينتمون إلى مركز الدائرة في سوريا ، ولا ينتمون إلى أطرافها ) وقد سبق لهم وقدموا أمثولة رائعة في التضحية ونكران الذات عندما جعلوا لحمهم يمتزج بجنازير الدبابات الفرنسية وهي تحاول دخول دمشق والانتقام والتشفي من صلاح الدين الأيوبي في شخص حفيده يوسف العظمة .

نعم وألف نعم !! نسي تماماً هؤلاء ، أصحاب الذاكرات المثقوبة ، ما قاله أحد العسكريين الفلسطينيين للمرحوم ياسر عرفات ، الذي مات مسموماً على ذمة الفضائيات العربية ، والكلام لهاني الحسن : في معركة الكرامة قال أحد العسكريين إذا هجم العدو ، علينا أن ننسحب ، فرد عرفات : "علينا أن نجعل لحمنا يمتزج بجنازير الدبابات الإسرائيلية لنفهم الحكام العرب أن لا هروب بعد اليوم " ، نسي هؤلاء أن إبراهيم اليوسف لن ينسحب من معركة الوطن .

أيها الغريب بين أهله … أيها الجريء بين الصامتين والمترددين … أيها الصوت الجهوري الذي عجز الطغاة عن إسكاته … أيها النداء المستقبلي الذي لم يبلغ الآذان بعد … أيها الجودي الذي مال ولكنه لن يتهاوى أبداً … أيها القلم الجريء الذي صمد أمام هذه العواصف الهوجائية … الذي صمد ولم يتزعزع … يا صوت الحق … يا نصير المقموعين طويلاً … أجزم أنك تعلم أن الحياة مواقف … وأن الرجولة مواقف … وأن المواقف يخلدها التاريخ … وأن التاريخ يكتبه رجال حملوا الأمانة … وأن قدر المفكرين القتل إذا ألقوا أحجارهم في مستنقعات التفكير الآسنة … وأن مصيرهم هو المجهول إذا حاولوا أن يزيلوا هذا الصدأ الذي غلف القلوب … وأن ينظفوا هذا التكلس الذي غطى العقول … كما أجزم مرة أخرى أنك تعلم أن الرجولة تقتضي منا أن نجعل من أجسامنا جسوراً يعبر عليها من لا يستطيعون السباحة والوصول إلى حيث الحرية …

إبراهيم اليوسف … لقد قامت دنيا العروبة ، ولم تقعد حتى الآن ، استنكاراً لحبس الصحفي السوري العامل في قناة الجزيرة ، والمتهم بالتعامل مع القاعدة ، تيسير علوني ، واعتبرت النقابات الصحفية في البلاد العربية الحكم سياسياً وإرهابياً وجائراً ، وموجهاً ضد حرية الصحافة ، وما أكثر النقابات والمنظمات التي وقفت مع تيسير علوني من مثل : نقابة الصحفيين الأردنيين – اللجنة العربية للدفاع عن الصحفيين – اتحاد الصحفيين السودانيين – الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين – اتحاد الصحفيين الفلسطينيين – جبهة العمل الإسلامي الأردني – حزب الشعب الفلسطيني – المرشد العام للإخوان – رابطة الصحفيين الموريتانيين نقابة الصحفيين التونسيين – لجنة الحريات في اتحاد الصحفيين العرب ، ولكننا لا نعتب على هؤلاء ، ولا على رئيس اتحاد الكتاب والصحفيين العرب ، لأن هذا الاتحاد منظمة سياسية وحكومية بامتياز ولأنه " يضع أولويات الأسئلة السياسية وطبائع المواقف الحكومية أمام أي استحقاق مهني أو أبداعي " ، بل نحن عاتبون على الأهل وذوي القرى بالدرجة الأولى .

إبراهيم اليوسف !! اسمح لي ودون مقدمات أن أتجاوز على هذا الاسم … أن أسميك إبراهيم الحلاج ، مع كل احترامي لنسبتك الموقرة ، لأن الفكر والتاريخ والماضي والحاضر كلهم يعيشون أزمة الاستبداد بالرأي ، فقد شهد التاريخ وعلى مر العصور مقصلة الإلغاء حيث ترتب على ذلك ( إقصاء الآخر وإلغاؤه والسؤال المطروح هنا : من أسهم في ذلك ؟ هل نظام الحكم هو الذي فرض الاستبداد ؟ هل طبيعة الجهل والتخلف والتزمت هي التي أفرزت مفهومي الاستبداد وبالتالي الإلغاء ؟!) هل كانت دعوة الحلاج إلى التأمل بعين العقل مقتله ؟
هل رأى فيه علماء بغداد خطراً على الله وعلى الإسلام لأنه دعا إلى لغة العقل ؟
يقول الحلاج : خذ من كلامي ما يبلغ علمك ، وما أنكره علمك فاضرب بوجهي ، ولا تتعلق به ، فتضل عن الطريق .

رحم الله ( الحلاج ) حين سأله الجنيد عن التصوف وهو مصلوب على خشبة) وكانت أطرافه تقطر دماً من جراء تقطيعها فأجابه : أقله ما تراه !! وبعد لحظات مسح جبينه بساعده المبتور الكف ، فسالت الدماء على وجهه ، نظر إلى الجنيد وقال : ركعتان في العشق لا يصح وضوءهما إلا بالدم … أرادوا من الحلاج الارتداد عن فلسفته وتصوفه وعشقه الإلهي … بعد أن كفره الجلاد والغوغاء … صلب ، وقطعت أطرافه عضواً عضواً بتأن وتوحش وسادية … ولم يتراجع الحلاج !! ولم يتراجع ابن المقفع كذلك بعد أن تقفعت يداه من الشي على النار (1) .
وفي حكاية تروى عن الشيخ الجنيد ، أنه كان يسير يوماً مع مريديه في أطراف بغداد ، فرأى رجلاً مصلوباً ، مقطع اليدين والرجلين ، فاستغرب ، ثم تساءل عن سبب قتله ، فقيل له إنه كان يسرق ) فبعد سرقته الأولى قطعت يده اليسرى ، لكنه استمر فقطعوا الثانية ، ثم استمر يسرق برجليه فقطعوا الأولى ثم الثانية ، حينذاك اقترب الجنيد من الجثة وقبلها ، فهاج المريدون صائحين: ( أيها الشيخ!! كيف تقبل لصاً مصلوباً ؟ فأجابهم ( إني أقبله لثباته ) .

إلى متى نرتجف ونشعر بالخوف ، كلما حاول أحد أن يخدش الحقيقة المطلقة ، أو يلامسها برفق ، أو يخالف الرأي الرباني المنزل ، الذي يجب علينا أن نتقبله بالسمع والطاعة ، ودون نقاش ، فلا بد من ( قبول الآخر ، والأخذ بالاختلاف ، والإيمان بالتعايش المشترك ، والتفكير القائم على المشاركة ، وهجر الإيمان المتخيل بالهويات المغلقة التي لن تفضي إلا إلى الدمار ) .

نسي هؤلاء – أخي إبراهيم – أن الأمة التي يلغي بعضها كلها ، ويلغي نصفها ، نصفها الآخر ويلغي عشرها ، تسعة أعشارها ، وفيها يصادر الرأي الآخر ويصلب صاحبه ، من المستحيل أن تتقدم ، نسي هؤلاء ما قاله المفكر مصطفى إبراهيم يوماً : ( هزمنا أنفسنا يوم هزمنا الحرية .
نسي هؤلاء أن الله يغضب علينا عندما نقطع الألسنة ونكم الأفواه ، فتتقاطر علينا البلايا من كل حدب وصوب على حد قول الشاعر الفلسطيني أحمد مطر : غضب الله علينا ، ودهتنا ألف آفه ، منذ أبدلنا المراحيض لدينا ، بوزارات الثقافه .
نسي هؤلاء – أخي إبراهيم – أن عدم رؤية الأعمى للشمس لا يعني أنها غير موجودة ، وأن لا مهرب من التعود والتآلف مع الآخر ومن ثم قبوله ، والأخذ بموجودية الشعوب والقبائل الأخرى والتروض على العيش المشترك معها .

فمازال هؤلاء يصرون على النسيان ، ومازال هؤلاء يتجاهلون ما قاله فيصل القاسم ( إن كل يوم يمر من دون إصلاح حقيقي ، يزيد في تفاقم الأوضاع ، ويعجل في تصدع الأنظمة والأوطان معاً ) وإن من أكثر ما يثير التهكم والسخرية في الآونة الأخيرة كما قال فيصل القاسم مرة أخرى ( إن بعض الأنظمة العربية رفضت مثلاً تحديث نظام الحكم ، وإدخال تعديلات ديمقراطية عليه ، وجعله عصرياً يتماشى مع الثورة الديمقراطية في العام بحجة أن ذلك مطلب أميركي ) وإذا أراد هؤلاء أن يقارعوا أميركا ويصدوا إعصارها الطوفاني فعليهم أن يعلموا ( أن الديمقراطية أفضل وسيلة لمقارعة أميركا ، وأن الاستبداد أفضل هدية نقدمها لأعدائنا ) .

نسي أهلنا مقولة جورج طرابيشي في الديمقراطية ، بل تنكروا لها ، عندما جعلوها ثمرة جاهزة للقطف دون أن يتعبوا في رعايتها والاهتمام بها : ( لقد فهمت الديمقراطية – عندنا – على أنها ثمرة برسم ( القطف ) لا بذرة برسم ( الزرع ) وذلك أصل الخطأ ، نسي هؤلاء مغزى الديمقراطية الحقيقية الذي أوردته جريدة الاتحاد الإماراتية : ( الديمقراطية الحقيقية تنشئة اجتماعية ، وتعليم منفتح ، وإعلام حر ، وثقافة صحية ناضجة ، وممارسات واعية تمتد من ( البيت الصغير ) صعوداً إلى ( البيت الكبير ) . الديمقراطية – في كلمة واحدة – تصنع في ( عقول البشر ) – أولاً – وتمارس كـ ( تربية ) ثانياً ، كما نسي هؤلاء أن الأعداء يصفقون لنا عندما يجدوننا نعاند ، ونكابر ، ونقف في وجه التيار الذي سيجرفنا بكل تأكيد ، إذا ركبنا رؤوسنا .

يقول فيصل القاسم : ( إن أعداءنا لفرحون جداً عندما يرون أن هذا النظام العربي أو ذاك يركب رأسه ويرفض الإصلاح ويقوم بمجرد عمليات ترقيع سخيفة لأحواله السياسية والاقتصادية ) و إن ( إن أكثر ما يزعج المتربصين ببلداننا هو أن نقوم بنهضة سياسية واقتصادية واجتماعية صادقة وشاملة ) نسي هؤلاء أن الأوطان لا تتحصن بالجلاوزة وجحافل الأمن والجلادين ، ولكن تتحصن الأوطان وتتقوى وتصمد عندما تسود قيم ( المواطنة والحرية والعمل وتكافؤ الفرص والمساواة والكرامة الإنسانية ) ، نسي هؤلاء تماماً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الذي اعتمد ونشر على الملأ ، بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1948
(المادة ( 1 ) :
يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق ، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء .
المادة ( 2 ) :
لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تميز من أي نوع ، ولا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الدين ، أو الرأي سياسياً وغير سياسي ، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة ، أو المولد ، أو أي وضع آخر .
وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص سواء أكان مستقلاً أو موضوعاً تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أم خاضعاً لأي قيد آخر على سيادته . )
المادة ( 18 ) :
لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين ، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده ، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم ، بمفرده أو مع جماعة ، وأمام الملأ أو على حدة .
المادة ( 19 ) :
لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق جريته في اعتناق الآراء دون مضايقة ، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود .

نسي هؤلاء أن المجتمعات التي تتعرض للتحطيم الممنهج والتخريب المبرمج تتهاوى عند أول عاصفة تهب عليها .
لقد قالت رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير يوماً : ( إنني سأخشى على إسرائيل من العرب عندما أراهم يصعدون إلى الباصات كل حسب دوره ) ، نسي هؤلاء أن رئيسة وزراء إسرائيل كانت تقصد أنه ( إذا كان هناك من نظام في بلادنا العربية فإنه نظام اللانظام باستثناء الجهاز الأمني فهو المؤسسة الوحيدة التي تعمل بنظام وانتظام رائعين ، أما بقية المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية والمالية والاجتماعية فهي تسير بنفس الطريقة التي يتدافع فيها العرب للركوب في الحافلات ) ، فهذه المقولة لا تقتصر وببساطة على انتقاد الفوضوية التي هي من متممات شخصية الإنسان العربي ، فقط بل تتعرض بشكل مسهب لمحنة الشعوب والأنظمة العربية ، وقال المؤرخ قسطنطين زريق : انتصرت إسرائيل على العرب بالديمقراطية والتكنولوجيا ) .

ولقد نسيت – أنت الآخر – يا أخي إبراهيم أن تاريخنا لا يرحم ولا ينصف إلا من يسير بركبه ويقول : ( نعم ) لكل علمائه وقادته وساسته ، نسيت ما قاله الشاعر جميل صدقي الزهاوي ذات يوم : يا قوم لا تتكلموا إن الكلام محرم - ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوم ويبدو أنك نسيت تماماً مقدار الاحترام الذي نكنه لشعرائنا ، نسيت أنك موجود يا إبراهيم لأنك تفكر ، ولأنك الطرف الثاني في معادلة الوطن ، ولأنك أحسست بالخطر وهو يقترب منا جميعاً نسيت أنك فعلت ما فعله ( كبير الجراد ) – وعفوا للمقارنة - الذي كان ينتفض كلما يسمع صوتاً استعداداً لدرء الخطر ، وفي يوم من الأيام كان موجوداً على سكة قطار ، فعندما سمع صوت القطار القادم بحاسته القوية ، لم يطر مبتعداً عن الخطر ، بل انتفض لمقاتلة هذا العدو وهو لا يعلم أنه القطار .

كما كان عليك ألا تنسى " أن ذهنية العنف في السيكولوجية العربية –والعروبية خاصة وميزة– تاريخية بامتياز , ولا يمكن تصور التحرر منها في سنوات قليلة "...!
كان عليك أن تتعظ بالدكتور ستوكمان بطل مسرحية ( عدو الشعب ) للمسرحي النرويجي الكبير هنريك إبسن عبرة لمن يعتبر :
تروي المسرحية قصة طبيب يعيش في إحدى القرى التي يقصدها السياح للاستحمام في حماماتها العامة ، وسرعان ما يكتشف الطبيب أن الماء الذي يستحمون به ملوث ويصيبهم بأمراض خطرة ، فيثير القضية في القرية رأفة بالناس دون أن يدري أنه سيدخل في صراع مرير مع أصحاب المصالح من تجار وصحفيين ومنتفعين والمتحكمين بالأمور الذين يجنون أرباحاً طائلة من تجارة المياه الملوثة ، فيشنون حملة مضادة ضد الدكتور ستوكمان متهمين إياه بأنه ( عدو الشعب ) وبفضل مكرهم ودهائهم وسطوتهم في القرية يستطيعون تأليب السكان ضد الطبيب المسكين ويدفعونه للرحيل بالرغم من أنه صديق الشعب وهم أعداؤه .

وأخيراً : نسي الجميع مقولة جوناثان ستيفن سن الخبير في مكافحة الإرهاب في المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن ( التطرف قد يقود إلى تطرف مضاد ، ومخطئون من يظنون أنهم يستطيعون إيقاف عجلة التاريخ لأننا لن نستطيع حتى ولو حاولنا إيقافها وأقصى ما نستطيع فعله هو ضبط إيقاعها لتتوافق مع مجتمعاتنا وقيمها ) .
ولقد نسيت أيضاً يا أخي إبراهيم أننا نسفه كل الآراء الأخرى ونخطئها ونحن نعلم أن بعضها ليس كذلك ، أذكر هنا مثلاً إنكليزياً يقول : لا شيء مخطئ على الدوام ، حتى الساعة الواقفة تكون على صواب مرتين يومياً ، نسيت أنه يتحتم علينا جميعاً أن نعيد النظر في كثير من الآراء التي حكمنا عليها بقساوة ، ونسيت أن الآخرين مجتمعين ونحن ، جزء من نسيج هذه الحياة ، ولون من فسيفسائها الجميل ، فإن أهمل أحد الألوان تشوهت اللوحة بأكملها .

إبراهيم اليوسف !! يبدو أنك نسيت أنت الآخر ما قلت ، سأذكرك ببعضه ، وأخولك بأن تكون الحكم فتحكم على أقوالك ، نسيت وأنت في حضرة الذين يحملون أفكاراً من الماضي ، ممن امتهنوا كتابة التقارير ، واحترفوا الإساءة إلى الغير – معاون مدير معد الباسل في القامشلي نموذجاً ، ذاك الذي من حقه أن يتسيس وينتسب إلى أحزاب ، وليس من حق غيره أن يمارس السياسة وينتسب إلى أحزاب أخرى – نسيت أنك القائل : مسائل حقوق الإنسان ، الحريات العامة ، الديمقراطية..الخ ، لم يعد في مكنة أحد إخفاؤها البتة ، مهما جوبهت بشراسة من قبل هؤلاء المعنيين ، ومهما تم التعتيم عليها، وتخوين من يتناولها . وقلت كذلك :
إن سياسة التعامي عن قراءة أسئلة الداخل – سمة سورية بامتياز- وهي لم تعد تنطلي على مواطننا . وقلت في المؤتمر القطري العاشر :
هذا المؤتمر الذي شكل أكبر تراجع في الخطّ البياني على صعيد الاستجابة لأسئلة المواطن وقلت أيضاً : إن عدم اعتراف المؤتمر العاشر – لحزب البعث العربي الاشتراكي – كما أوضحت ذلك د . بثينة شعبان – بحقوق المواطنين على أساس عرقي" هو عمل عرقي" ، مادام هذا المؤتمر لم ينطلق من هوية سورية ، بل هوية "عربية" سورية .
فماذا تنتظر جزاء لتصريحاتك هذه ، بعد أن تجاوزت الخطوط الحمراء ، ودخلت في دائرة المحظور ؟ ألم يكن ذلك الإجراء المتواضع الذي اتخذته مديرية التربية في مدينة الحسكة قليلاً بحقك ؟ هل قامت القيامة ؟ أم طبقت السماء على الأرض ، بنقلك من بلدة إلى أخرى ، أو حتى من محافظة إلى أخرى ؟ وما يضيرك لو مارست نشاطك ( الخطر على أمن الدولة ) في مكان آخر ؟

دعنا أخي إبراهيم من تطويلات القول والتهويمات السياسة وأحابيلها ، فلنتركها للسياسيين ولنعش معاً حلماً جميلاً بعيداً عن السياسة وممتهنيها ، لكي ننظر إلى الرفيق بمنظار الآخر الذي يتقاسم معنا الأرض والسماء ، ليس بالضرورة أن يكون ( كردياً ولا عربياً ولا آشورياً ولا سريانياً ولا بعثياً ولا شيوعياً ، لا إسلامياً ولا علمانياً ، ليس علوياً ولا درزياً ولا سنياً ولا شيعياً ) هو أخ ومجرد أخ في الإنسانية والمواطنة ، قد تتفق آراؤنا وتتقارب مشاعرنا أحياناً ، وقد تختلف وتتنافر وتتباعد أحياناً أخرى ، وعندما يتنفس الصباح عن شمسه الخجولة التي تنظر إلى الناس بعين مرتعشة ، وعندما يبحث الخير عن طريق يريه للناس فلا يجد ، وعندما يبحث الشر عن طريق فيجد عشرات الطرق ، ننطلق معاً إلى الحياة ، نمشي في مناكبها باحثين عن طريق الخير الذي يجب أن نريه للناس ، فما أجمل بداية النهار( إن صاحبتها أصوات العصافير تشدو بعيداً عن السياسة وعن الأيديولوجية ) وما أجمل الحياة بعيداً عن أحابيل السياسة وأجوائها العكرة !!
كم يمكنك حقاً أن تعيش بعيداً عن السياسة
وأن تكون راهباً بوذياً
معتزلاً في كهف في أعلى جبل
تأكل أوراق الأشجار
وتشرب ماء الينبوع
وتحب الله
تحب الناس
والحيوانات
والحشرات
وتكره سور الصين لأنه يحجبك عن العالم (2) .

تعال يا أخي إبراهيم وضع يدك في يدي ، وضم صوتك إلى صوتي ، وإلى أصوات الخيرين في هذا البلد ، لنطلق صيحة مدوية ، ندعو فيها جميعاً إلى الحوار ، مع تقيدنا التام بحضارية هذا الحوار وأخلاقياته ومبادئه ، فلا نتحاور بلغة عقيمة ، وهتافات متخلفة ، ونبتعد عن الكذب والنفاق " لأننا مرهونون إلى وعي نكوصي لم يتحرر بعد من عقدة الثأر، والعصبية القبلية والانحياز إلى سايكولوجية ( وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد ، ولا نطعن ، ولا نسفه ، ولا نجرِّح أي رأي دون دليل ، فقد تعودنا وتربينا على إنكار لغة الحوار ومحو الآخر وإقصائه ، بل تحاورنا ( بالساطور والخنجر تاريخياً ، وأعد شعراؤنا للشعراء سماً ناقعاً ، وتربعت على منابر عكاظ لغة داحس والغبراء كثقافة حوار ) .

يقول معن بشور الأمين العام للمؤتمر القومي العربي : لقد جرب حكامنا أكثر من مرة التنازل أمام الخارج فليجربوا ولو لمرة واحدة التنازل أمام شعوبهم ، ولا ننس أن الله حاور رئيس الملائكة الشيطان ، فلماذا نهرب إذن من الحوار ؟
" فلابد أن نشهد عصر أفول الأيديولوجيات ، لأن الاختلاف أصبح شرطاً لازماً للحياة ، وأن الانغلاق وتأطير العقول ، وثقافة الأنموذج الأحادي ، لا يمكن أن تتكيف مع عالم تعددي منفتح " .

أنا معك يا أخي إبراهيم ! قلبي معك ، وقلمي معك ، وقد كنت معك عندما أضربت وحيداً عن الطعام ، وسأبقى معك ، مردداً كلمة قيمة للكاتب التركي عزيز نيسن ، مختتماً بها مقالتي هذه : ( أيها الموت !! تعال باحترام فأنا في انتظارك ) .
القامشلي
في 30/9/2005
هوامش :
1- من العدد : 229 – ص 16- الاتجاه الآخر ،
2- ثائر زكي الزعزوع – الاتجاه الآخر – العدد 226 – التاريخ 2/7/2005 بعيداً عن السياسة



#توفيق_عبدالمجيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تضامناً مع المعتصم الوحيد … إبراهيم اليوسف


المزيد.....




- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
- فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
- لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط ...
- عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم ...
- مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ ...
- اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا ...
- العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال ...
- سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص ...
- شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك ...
- خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - توفيق عبدالمجيد - إلى الغريب في بلدته … ووطنه … وبين أهله ... إلى الفارس الذي لن يترجل … أبداً ... إلى … إبراهيم اليوسف