خالد حسن يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4815 - 2015 / 5 / 23 - 16:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الصوماليين شعب قديم في عراقته التاريخية وفي حدود التاريخ الإنساني المكتوب جاءت دلالات الإشارة المؤكدة أنه يقطن منطقة القرن الإفريقي منذ الآف السنيين, وقد عرف هذا الشعب نظام الحكم السياسي بغض النظر عن نوعية هيكليته ومدى قدرته سياسيا, فكانت هناك أشكال الملكية وبمسميات عديدة كانت قد تجاوزت طور صبغة المشيخة القبلية التقليدية والمحدودة السلطات, وهو ما لا يتطلب الإشارة أو الاستشهاد به في سياق المقال.
وبتالي فإن تلك الهياكل السياسية التي عرفتها فقد تراوحت ما بين مسار الهيكلية السياسية التعددية والحكم المركزي الهش(المتواضع) والقائم على الرابطة الاجتماعية وضعف الأدوات والهياكل في مراحل تاريخية وتأتي دلائل ذلك في تجارب ما عرف بسلطنات الطراز الإسلامي, فسيادة ومدى ارتباط عموم المجتمع الصومالي مع تلك السلطنات كان نسبي ومرن في صيغته, وكان يضعف تارة ويقوى أخرى إذ أن الأمر كان أقرب إلى القالب الاجتماعي المعنوي في اطار علاقته مع بعض مناطق الصومال الطبيعية.
وما هو جدير بالإشارة أن تلك الوضعية التي تراوحت ما بين مد وانحسار الدول(الإمارات), لم تكن حصرا على الصوماليين فقط, بل أن شواهد التاريخ تؤكد أن ذلك كان قائما في مجتمعات أخرى منها الحبشة,النوبة في السودان وفي مصر وغيرها من المجتمعات, وأن الدولة المركزية أكانت ملكية أو جمهورية, لم تظهر في حدود جغرافيتها السياسية المتعارف عليها حاليا إلى خلال القرن التاسع عشر الميلادي.
ومع استغلال بعض الأراضي الصومالية من بريطانيا وايطاليا تأسست أول دولة صومالية مركزية حديثة في عام 19960 فكانت هناك الجمهورية الصومالية وجمهورية الصومال الديمقراطية, وصولا إلى أنهيار الدولة في عام 1991, وبذلك أنتهت قبضة الدولة المركزية على صومال الدولة وإندلاع الحرب الأهلية والتي لا زالت مستمرة في ظل جمهورية الصومال الاتحادية والغير قادرة على بسط سيادتها على الجغرافيا السياسية لصومال المنهار.
ومن رحم هذه المعاناة القائمة جاء خيار الدولة الاتحادية هزيلا, وهو ما كان بدوره سينطبق على خيار الدولة المركزية في حال إذا ما كان أعتمد في الصومال, وذلك يؤكد أن اشكالية الدولة سياسيا في الصومال ليست محصورة في شكل النظام السياسي أكان اتحاديا أو مركزيا بقدر ما أن الأمر مرتبط عضويا بطبيعة الأوضاع السياسية في الصومال, فخيار نوعية النظام السياسي قد أعتمد منذ عام 2004 وبصورة ارتجالية وشابها الكثير من التشنج السياسي والاجتماعي وتذبذب الرؤية, وما يؤكد هذا المنحى أنه بعد عقد من الزمن فإن تطبيقات النظام الاتحادي لا زالت تشهد الترنح السياسي وهشاشة مقاييس التنظير والصياغة والممارسة السياسية, وجدل إنزالها على الواقع السياسي في البلاد, وفي مثل هذا المناخ فإن هذا السياق الأخير يمثل بالحتمية نظرا لتمزق الجغرافيا السياسية لصومال الدولة ووجود كيانات سياسية جهوية سبقت إعلان النظام الاتحادي, ومثل الرئيس الصومالي السابق عبدالله يوسف أحمد والذي أعلن الخيار الاتحادي خلال رئاسته, كاواحد من مؤسسي هذه الجهويات الجغرافية والمعروفة بإدارة أرض البونت(الدارودية) والتي تأسست في عام 1998.
وفي حين كانت حماسة المذكور لنظام الاتحادي خلال رئاسته ووجوده في العاصمة الصومالية مقديشو كبيرة, فإن الأمر قد تغير مع من جاءوا كقائمين على إدارة أرض البونت(الدارودية) بعد مغادرة الرئيس عبدالله يوسف إدارة أرض البونت, وهو ما يستشف منه أن ضمانة النظام الاتحادي لهؤلاء كانت مرتبطة ولا زالت مرهونة بمسألة قعود شخصية سياسية منحدرة من هذه الجغرافيا الجهوية وليس أكثر, فصعوبة وتسهيل تطبيقات النظام الاتحادي مرتبطة أولا وأخيرا في المحاصصة السياسية الجهوية وذات الطابع القبلي, ليس فحسب لدى النخبة السياسية لهذه الجهوية, بل لدى نخب سياسية أخرى, ومن شواهد ذلك أن النظام الاتحادي تم رفضه في فترة تولي الرئيس عبدالله يوسف أحمد لدولة, إذ تم رفضه من قبل جهوية قبائل الهويي, في حين أن حدة الرفض قد تراجعت بدرجة كبيرة عند حضور الرئيس الشيخ شريف أحمد في عام 2008.
وبعد رحيله سياسيا عن الرئاسة, ومجيئ الرئيس حسن الشيخ محمود عولسو, في عام 2012, جاءت حدة جدل جدوى النظامين الاتحادي والمركزي مجددا, وذلك نظرا لتخندق إدارة أرض البونت وراء الخيار الاتحادي لتحقيق مكاسب سياسية في المقام الأول وسعي النخبة السياسية للجهوية قبائل الهويي إلى نزع هذه الورقة من قبل إدارة أرض البونت, وتخوفا من تكريسها في مناطق أخرى من الصومال, رغبتا في الحفاظ على التوازنات السياسية والجهوية(القبلية) الجغرافية, إلى أن هشاشة الأوضاع السياسية في الصومال وتحديات حركة إبادة الشعب الصومالي(الشباب), كانت قد أضعفت موقف الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود, والغير متحمس لنظام الاتحادي, ومعه نخبته السياسية القبلية, وهو ما أفضى إلى بعض المرونة بفعل الضغوط السياسية عليه من قبل العديد من الجهويات الجغرافية في البلاد لاسيما في ظل وقوع أحداث عنف ومواجهات مسلحة تمت في مناطق أقصى جنوب الصومال, وهو ما أفرز لإدارتي جوبا وجنوب غربي الصومال وعلى السياق ذاته تجري مبادرة لتأسيس إدارات مماثلة في وسط البلاد, خاصة وأن موعد الإنتخابات الرئاسية 2016 قادم, وبتالي فإن أولوية تحضير الهم الإنتخابي لعودة الرئيس حسن الشيخ محمود تسبق التدقيق في مقاومة النظام الاتحادي والذي أصبح لا مفرا منه بالنسبة إليه ولأنصاره سياسيا وقبليا.
وفي اتجاه آخر هناك ما يؤكد أن الخيار الاتحادي قد أتخد في ظل ظروف سياسية متشنجة, حيث أن هناك إدارة أرض الصومال(الجهوية الاسحاقية) والتي ترى ذاتها كدولة بمعزل عن جمهورية الصومال الاتحادية, وهي في محل نزاع سياسي مع الحكومة الصومالية ومع جهويات أرض البونت وإدارة خاتمو في شمال الصومال, إلى أن النظام الاتحادي الذي تم الإعلان عليه يشملها نظريا, وفي ظل بعض المعازلات من إدارة هرجيسا والتي تتم من قبل بعض سياسييها بين فترة وأخرى والتي تشير إلى أنه في حال عودتهم سياسيا لصومال الدولة, سيكون عبر مدخل النظام الاتحادي الكونفيدرالي وبهيئة دولتين في ظل نظام إتحادي مشترك(هرجيسا ومقديشو), وبعيدا عن نظام الأقاليم الجاري الأن والذي من الإمكان أن يجعل الجهوية الاسحاقية على غرار الجهويات الصومالية الأخرى, وبمعنى آخر سيضع نهاية لجبروت التوسع الاسحاقي سياسيا على حساب الصوماليين الآخرين.
وفي ظل هذه المشاهد التي تم الاسترسال فيها وصعوبات تشابكها جاء الخيار الاتحادي في ظل غياب مصالحة وطنية كان بامكانها دفعه سياسيا أو في تجاوزه في اتجاه الخيار المركزي.كما أن الخيار الاتحادي قد جاء في ظل واقع التدخلات الخارجية في الصومال بغض النظر عن سلبياتها أو إيجابيتها, ولاسيما من قبل دولتي الجوار إثيوبيا وكينيا, واللتان تلعبان دورا بارز في صياغة وتمرير الخيار الاتحادي ليسير بصورة مضرة بالصومال, وفي اتجاه تكريس دول صومالية إنعزالية وتنتهي في نهاية المسار كدول فعلية منفصلة عن النظام الاتحادي وجعل التقسيم السياسي الجغرافي للكيان الصومالي كحتمية سياسية.
مبررات أنصار النظام الاتحادي
حجة أنصار هذا المسار تتمثل في أن الصومال قد عانت من الحكم المركزي ذو القبضة الشديدة على مقاليد الأمور في البلاد خلال الفترة 1960-1991, وأن النظام الاستبدادي لجمهورية الصومال الديمقراطية قد بدد الثقة المشتركة ما بين مكونات المجتمع الصومالي في الفترة 1969-1991, مما أسفر عن حروب أهلية,وتراجع اقتصادي وخدماتي,وضعف أداء مؤسسات الدولة,وغياب المواطنة والحريات العامة, مما أدى إلى ضعف اللحمة الوطنية الصومالية, وانطلاقا لوجود هذه المبررات فإن الأمر يتطلب العمل بعقد سياسي بديل لنظام المركزي وفي اتجاه التعاقد على النظام الاتحادي, والذي سيضمن لكل الجهويات والمكونات الصومالية حقها في المواطنة.
مبررات أنصار النظام المركزي
يرى أنصار الخيار المركزي أن الصومال قد وقع في حرب أهلية لطيلة عقود مضت أكانت في ظل جمهورية الصومال الديمقراطية أو ما بعد انهيارها, وأن الطموحات الجهوية القبلية كانت عاملا رئيسيا وراء تلك الصراعات السياسية والمسلحة, وأنها تظل قائمة في ظل غياب وعي جمعي بمدى أهمية المواطنة وقوة حضور الجهويات والعصبيات القبلية الطاغية على الحياة العامة في البلاد, خاصة وأن الأدبيات السياسية الصومالية قد أكدت أن مبررات الخروج عن الدولة المركزية لجمهورية الصومال, كانت قد سبقت حضور الاستبداد السياسي والذي عادتا ما يختزل في نظام الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري, ومنه يستشف أن الاشكالية لم تكن نتيجة لوجود النظام المركزي بقدر ما أن محركه تمثل بالطموحات السياسية لنخب الجهوية القبلية, والتي كانت تسير في اتجاه مسارين متباينين هما, أما تقسيم البلاد أو في سبيل إحلال نخبة جهوية محل أخرى مثيلة لها والاستيلاء على السلطة.
ضياع الحقيقة ما بين الأنصار
إلى أن محركات الهواجس لأنصار الخيارين الاتحادي والمركزي واقعيا هي أبعد مما يطرحه الكثيريين من كلاى الاتجاهين, وليس عموم القائلين بالخيارين, كما أن بين هاتين الرؤايتين تأتي الرؤية النقدية الموضوعية والتي تؤكد في وجود مطالب مشروعة لكلاهما وأن النظامين الاتحادي والمركزي لا يمثلان بحد ذاتهما كأنظمة باشكالية سياسية, وأن المعضلة في ظل كلاى النظامين تتمثل في هشاشة المؤسسات,ضعف الوعي الجمعي,عدم تكريس مفهوم المواطنة, وهو ما سينتهي بالمسار الاتحادي إلى موبقات مرحلة المركزية الاستبدادية وليس المركزية كنظام بحد ذاته.ومن الغرابة أن هناك الكثير ممن يؤيدون الخيارين استنادا إلى حسابات جهوية أو قبلية, بغض النظر عن جدوى كلاى النظامين, وبعيدا عن حسابات الفائدة والخسارة وفقا لمصلحة الصومال.
فتجربة المركزية السابقة لم تسعف المجتمع الصومالي عموما نظرا لطبيعتها الاستبدادية وتهور السياسات وهشاشتها, في حين أن يصعب قول أن تلك المركزية كانت جهوية جغرافية ومسخرة لمقدرات المجتمع لصالح منطقة ما تحديدا, وكانت أقرب إلى مجاميع نخب جهويات صومالية تحالفت وتنازعت فيما بينها انطلاقا من دافع المصالح الخاصة, وأن المقدرات الصومالية التي تم إنشائها في مناطق عديدة سخرت لمجموع المجتمع الصومالي والاستيلاء عليها قد تم من قبل عموم النخب الصومالية, وأن الصراع الذي دار في عمر الدولة الصومالية قد أستند إلى تلك المحاصصة على السلطة والمقدرات, وبتالي فإن الأزمة الصومالية ظلت ولا تزال تمثل أزمة مجتمع يترنح ما بين عدم مصداقية الكثير من نخبه وضعف الوعي الجمعي, وتلك هي المعضلة والتي لا زالت حاضرة منذ نيل الاستقلال.
وعند مقارنة كلاى النظامين الاتحادي والمركزي فإن لكلاهما محاسنه ويتلائم مع طبيعة المجتمعات سياسيا, وإذا أنزلنا تطبيق كلاهما على تجارب إنسانية, فنرى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل النظام الاتحادي في مشهد إمارتها السبعة,بينما تمثل المملكة العربية السعودية بالنظام المركزي من خلال مشهد إماراتها ومحافظتها العديدة, إلى أن الملحوظ أن كلاى النظامين ليست هناك فروق جوهرية من حيث طبيعة نظمهم السياسية الملكية وواقع التنمية في البلدين, مع فارق الطبيعة العقائدية الأيديولوجية بينهما والتي هي حاضرة في المملكة العربية السعودية.
بينما ترى دول عديدة في العالم قد أتخدت النظام السياسي الاتحادي نظرا لإيجاد حالة إنسجام مجتمعي في دولها ومراعاة لخصوصيات ماثلة بقدر كبير, في حين نرى أن فرنسا ذات التعدد العرقي والسياسي(اشتراكيين,ليراليين ويمين), تمثل كنموذج للمركزية السياسية, والتي ترسخت سياسيا بفعل الوعي الجمعي,ومدى قوة المؤسسات ونضج النخب السياسية لصالح تكريس مشروع الجمهورية, والذي راعى النسيج الاجتماعي الفرنسي سياسيا واجتماعيا بالمعنى الواسع, وبذلك فإن تجارب الحكم المحلي منحت الجهويات الفرنسية حق الحفاظ على خصوصيتها ومصالحها الداخلية في ظل النظام المركزي.
لدى فإن القضية أكبر من مجرد اتخاذ أحد النموذجين السياسيين أكان في الصومال أو في غيره, بينما هناك متطلبات سياسية واجتماعية, هي المحك في مدى ترسيخ طبيعة نظام سياسي ما وامكانية جدواه أو عقمه في جغرافية سياسية ما.
فالمسار الاتحادي في حال إنزاله على الواقع السياسي عليه أن يراعي الحاجات من شتى الاتجاهات, وهذا ما لا تراعيه الجهويات العصبية, فمثلا هناك تداخل وخصوصيات مشتركة ما بين محافظة بنادر ومحافظة شبيللي السفلى, ولم يتم مراعاة ضمهم في اطار إقليم أو إدارة مشتركة, وفي اتجاه آخر لم يتم مراعاة عدم تقسيم محافظة موذوج وتم تقسيمها انطلاقا من بعد قبلي ما بين إدارتي أرض البونت وإدارة جلمذوج, وفي صدد المواطنة وطبيعة الجغرافيا السياسية فإن محافظتي نوجال وصول تجمعهما خصوصيات مشتركة, وهو ما ينطبق على محافظات صول,سناج وتوجظير, وفي اجاه آخر هناك خصوصيات ما بين محافظتي الشمال الغربي وأودل, وعلى ذات السياق هناك خصوصيات جامعة لمحافظتي سناج والشرقية.وهو ما يحتم على صانعي السياسات مراعاة المنظومة الاجتماعية,الاقتصادية والجغرافيا, لتجنب مزيد من الصراعات الداخلية في اطار الإدارات الإقليمية, وحتى لا تنتهي إلى تجربة المركزية المتشددة.
ومنه يتطلب على المسار السياسي الصومالي الأخذ بالمسار التاريخي لتغيير وتكريسه بصورة موضوعية وذلك انطلاقا من استراتيجيات عامة يساهم فيها المجتمع طرحا وومارستا, والمدخل إلى ذلك ينطلق مع القطيعة الكلية لجملة الظروف ومسببات الإخفاق الصومالي, وهو ما سينتهي ببلد ممزق نحو النهوض الحقيقي وبعيدا عن محاكاة تجارب الآخرين والتي ليست بالضرورة أنها تشكل كمقياس يمكن من خلاله إختزال مسببات الأزمة الصومالية والمخرج منها, وبتالي أن لا تنتهي خيارات الفيدرالية أو المركزية استنادا إلى سياق ذهنية تطغى عليها الروح العصبية البدائية.
#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟