أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير إبراهيم خليل حسن - ٱلتحريف وأثره على ٱلإدراك















المزيد.....



ٱلتحريف وأثره على ٱلإدراك


سمير إبراهيم خليل حسن

الحوار المتمدن-العدد: 1335 - 2005 / 10 / 2 - 08:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


منذ ٱلبداية عمل ٱلذين كفروا على ٱللَّغو فى كلام ٱلقرءان. وقد أسسوا بيوتًا للتعليم وزعموۤا أن لسان ٱلتعليم فيها عربى. وصنعوا مفاهيمًا لهذا ٱلِّسان تلغو وتحرف ٱلإدراك عن دليل ٱلكلمة فى لسان ٱلقرءان ٱلعربى. وقد عرضت للمسألة فى جميع أعمالى ٱلفكرية. وهناۤ أعرض لبعض ٱلكلام ٱلمحرف. ومأربى من فعل ذلك هو تصويب ما طرأ على ٱلدين من مفاهيم جعلت أتباعه فى صفوف ٱلذين يعادون ٱلحقِّ.

ٱلفعل "سوَّى" يستعمله ٱلعامَّة صوابًا فى ٱلنطق وٱلدليل من دون خطإ. أمَّا ٱللغة ٱلفصحى فقد ٱستبدلته بكلمة "نفَّذ". وٱلفعل "نَفَذَ" فى ٱلِّسان ٱلعربى يدل على ٱلاختراق لشىء من طرف إلىۤ أخر. وفى لسان ٱلعامة "نَفَدَ".

ٱلفعل "قرأ" يدل علىۤ إخراج مخزون مثبَّت فى مكان حصين كٱلفؤاد. وخروجه يكون نطقًا بٱلِّسان أو خطًّا بٱليد. وكل مِّنهما هو قرء. كذٰلك هو خروج ٱلحيض من رحم ٱلأنثى:
"يتربَّصنَ بأنفسهنَّ ثلاثة قروءٍ" 228ٱلبقرة.
تستعمل ٱللغة هذه ٱلكلمة فى مكان كلمة "تَلَوَ يتلو" ٱلتى تدل على تتبع ٱلكلام فى ٱلسطر بٱلعين سوآء ءكان ذٰلك بصوت أم مِّن دون صوت. وهى لا تستعمل كلمة "تلو" إلا فى تلاوة ٱلقرءان. كما تحرف كلمة "قرء" بكلمة "قراءة". أمَّا ٱستعمالها لكلمة "ٱستقرآء" فأرى فيه قربًا من دليل ٱلكلمة. بل يمكن ٱلقول أنَّه صواب.

ٱلأفعال "نظر بصر رأى" تخلط ٱللغة ٱلفصحى دليل كل مِّنها فى ٱلأخر.
"نظر" من أفعال ٱلقلب (دماغ فى ٱللغة). وتقول ٱللغة ٱلفصحى عنه ومعه ٱلفعل "رأى" أنه من أفعال ٱلقلب فى ما تسميه "قواعد ٱلنحو". أما ٱستعمالها له فيجرى علىۤ أنه من أفعال ٱلعين. وتخلط دليله فى دليل "بصر" ودليل "رأى".
ٱلفعل "نظر" يجرى فى ٱلقلب على ٱلصورة. سوآء ءكانت منقولة نَّقلا مُّباشرًا أم كانت مُخرجة من أوعية ٱلفؤاد. وٱلقلب هو ٱلذى ينظر وفى نظره ٱلفكر وٱلتدبير وٱلصبر وٱلانتظار وٱلإمهال وٱلتأجيل. ثم يأتى ٱلحكم. وفيه ٱلعلم وٱلوثق وٱلقضى. ويبين لنا ٱلبلاغ أن ٱلنظر وسيلة ٱلعلم بكيف بدأ ٱلخلق "فٱنظروا كيف بدأ ٱلخلق".
و"رأى" هو ٱلأخر من أفعال ٱلقلب. وما يرـٰه ٱلقلب ٱسمه "رؤيا". ويحدث هٰذا ٱلفعل إذا كان ٱلإنسان ناۤئمًا وفى وقت يقظته عندما يكون مغلق ٱلحواس مع ٱلخارج. ولهٰذا ٱلفعل عدد من ٱلخطوط فى ٱلقرءان:
"رءا" إذا كان ٱلقلب ينظر ويرى ما تبصره ٱلعين مباشرة. ويدلنا خطُّ ٱلكلمة على ذٰلك. فٱلرأس "ر" يوتده وتد مثانى "ء" على ثور "ا" يثير بصر ٱلعين فينقل صورة إلى داخل ٱلرأس وفيه ٱلقلب ٱلذى يتلقى ٱلصورة فينظر فيها.
"رأىٰ" و"رأىَ" ورد فى ٱلبلاغ 13ءال عمران "يرونهم مثليهم رَأىَ ٱلعين". وكأن ٱلفعل "رأىٰ" من أفعال ٱلعين. أما فقه ٱلبلاغ فيبين مسألة ٱلخوف وتأثيرها على عمل ٱلقلب. فٱلقلب ٱلذى وقع ٱلخوف فيه يرىٰ وكأن ما يرـٰه هو ما تبصره ٱلعين. وصار رأى ٱلقلب يرتدُّ على ٱلعين فتعمى عن ٱلحقِّ أمامها فلا تبصر إلا ما يأتيها من ٱلقلب.
إنَّ ٱلفعل "رأى" يشترك فى حدوثه كلّ من ٱلقلب وٱلفؤاد. وفى ٱلفؤاد تُخزَّن ٱلمعلومات خطوطًا وصورًا. ومنه يجرى ٱلقرء لأىٍّ مِّنها. فتخرج على هيئة رؤياۤ إلى مرءاة ٱلقلب. وفيه يبدأ تقليبها وفكرها. وهو فعل يشبه أعمال ٱلتصحف فى صحف كتاب.
ٱلقلب فى ٱلِّسان ٱلعربى هو ٱلقسم ٱلذى يرى. وتظهر عليه ٱلأفكار وٱلصور ويجرى تقليبها فيه. وهو يشبه مرءاة كومبيوتر screen وعليه تجرى كافة عمليات توريد ٱلمعلومات وتنزيلها وتثبيتها فى واحد من ٱلأفئدة كما يجرى فى كومبيوتر وألواحه ٱلقاسية hard ware. أما ٱستعمال ٱللغة لكلمة "قلب" فيحرف إدراكناۤ إلى ذٰلك ٱلجزء ٱلذى ينضخ (يضخّ فى ٱللغة) ٱلدم فى ٱلشريان ويسترده من ٱلوريد.
كذٰلك هو ٱلأمر مع كلمة "فؤاد" ٱلذى تُثبَّتُ فيه ٱلمناهج. فٱللغة تحرف إدراكنا له وللقلب معه إلى كلمة "دماغ" من أصل ٱلفعل "دَمَغَ". وهى ٱلتى تقول فيه "دمغ ٱلمعدن ونحوه: وسمه أو طبعه بطابع خاص(محدثة). ٱلدمغة: رسم تتقاضاه ٱلدولة أو أحد ٱلأشخاص ٱلعامة على ٱلمحررات (مج). دمغة ٱلمسكوكات: علامة تضعها ٱلإدارة ٱلحكومية ٱلمختصة للتيقن من وزن وعيار ٱلمعادن(مج)". (ٱلمعجم ٱلوسيط).
وهى تستشهد على قولها بٱلبلاغ ٱلعربى "بل نقذف بٱلحقِّ على ٱلباطل فيدمغه". وتقول فيه "غلبه وعلاه ومحاه".
فأىّ من هٰذا ٱللغو تريدنا ٱللغة أن ندرك ونبدل به ٱسم "فؤاد" بيت ٱلرُّوح ؟
لا نستطيع إحصآء ٱلكلمات ٱللاغية فى هٰذا ٱلمقال. ونترك ٱلمسألة بعد إثارتنا لها فى ما عرضنا له للذين يريدون تطهير أنفسهم من ٱللغو ليفعلوا ذٰلك بأنفسهم.

ومن ٱلأفعال ٱلتى تلغو ٱللغة فى دليله ونرى عرضه هنا هو ٱلفعل "قَدَرَ" وهو من ٱلأفعال ذات ٱلصلة بمسآئل ٱلعلم وفيما يلى فقهى له فى نور ٱلبلاغ ٱلعربى:
"قَدَرَ" فعل يضم دليلُهُ دليل ٱلأفعال (وزن وعَدَّ وحدَّ وعَلَمَ وحَيَطَ وقَلَمَ ومَكَنَ وسَطَعَ وقوىَ وقام). وهو فعلُ إعداد ٱلعدَّة وقوة ٱلتشيؤ وٱلاستوآء فى حدودٍ مَّعلومةٍ ومقلَّمةٍ ومعدودةٍ وموزونةٍ مِّن دون زيادةٍ ولا نقصٍ. وينشأ عن جريانه "قَدر".
أما ٱلاسم منه فهو "مقدار" وهو ٱسم ٱلأمر ٱلّذى قَدَرَه ٱلقادر. ويدلنا على ٱلدليل ٱلبلاغ ٱلعربى:
"وكلُّ شىءٍ عندهُ بمقدارٍ" 8 ٱلرعد .
وفيه أن تشيؤ ٱلأمر ٱلواحد وسيلته "مقدار" مُّحدّد لَّه. ويبيّن ٱلبلاغ أن "ٱلمقدار" معدود ومعلوم:
"ثم يعرج إليه فِى يومٍ كان مقداره ألف سنة مما تعدّون" 5 ٱلسجدة.
"قَدَرَ" يجرى فى جميع مقادير ٱلتكوين على ٱختلاف ألوانه. ومعرفة قدر ٱلتكوين تدل على معرفة قدرة ٱلقادر:
"وما قَدَروا ٱللَّهَ حقَّ قدره" 91 ٱلأنعام / 74 ٱلحج / 67 ٱلزمر.
وهو فعل يدل على ٱلإحاطة بٱلشىء وٱلقوة وٱلتضيِّق عليه:
"ٱلّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم" 34 ٱلماۤئدة.
"وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط ٱللَّهُ بها" 21 ٱلفتح.
"ضرب ٱللَّهُ مثلاً عبدًا مَّملوكًا لَّا يقدرُ على شىءٍ" 75 ٱلنحل.
"ٱللَّهُ يبسط ٱلرِّزقَ لمن يشاۤء ويقدر" 26 ٱلرعد.
ٱسم ٱلفعل من "قَدَرَ" هو "قََدَر". وٱسم ٱلفاعل "قادر". وسمة فعل ٱلفاعل "قدير". وما ينجم عن قوة جريانه "قَدر" وهو ٱلمقدار ٱلمعلوم ٱلمحدود ٱلموزون ٱلمقلَّم ٱلمحاط وٱلمضيَّق عليه بٱستطاعة وقوة.
ونجد فى ٱلِّسان ٱلانكليزى أن ٱلكلمات "Quant Amount, Energy," تشترك مع بعضها فى تقريب ٱلدليل على ٱلمقدار مع ٱلقول ٱلتالىto be able .
وهٰذا يبيّن أن كلمة "قََدَرَ" وكلمة "مقدار" يلزمهما فى ٱلِّسان ٱلانكليزى بيان يطول فيه ٱلقول حتى ينشأ ٱلدليل ٱلعربى فيه.
وفى تبادل ٱلمفاهيم بين ٱلِّسان ٱلانكليزى ولسان ٱللغة ٱلفصحى تبادل كلمة "قَدر" وكلمة "مقدار" بكلٍّ من ٱلكلمات ٱلانكليزية. وهٰذا ٱلعمل ينجم عنه ضياع لدليل ٱلكلمة ٱلعربية ولا يوصل دليل ٱلكلمة ٱلانكليزية إلى ٱلذى يتلو بلسان ٱللغة ٱلفصحى.
لقد بدأ "ٱلقَدرُ" فى وقتٍ بيّنه ٱلبلاغ:
"إِنَّاۤ أَنزلنـٰهُ فِى لَيلَةِ ٱلقدرِ" 1 ٱلقدر.
وقت ٱلتوريد جرى فى "ليلة". فٱلظلام يسبق ٱلنور فى ٱلتكوين. وفيها بدأ جعل ٱلشهور تكوّن ٱلمقادير ٱلذّريّة ٱلزوجية (ٱلميزونات) ثم ٱلثلاثيات (ٱلجملونات) ثم ٱلسُّوَر ٱلّتى يتكون منها دخان ٱلسمآء ٱلّتى سوِّيت سبع سمـٰوٰت. وفيها ٱلنجوم وٱلشموس وٱلكواكب وٱلأقمار وكل ٱلألوان ٱلأخرى ٱلّتى نعرف وٱلّتى لا نعرف. وبيّن ٱلبلاغ أن هٰذا ٱلتوريد قام به ٱلملـٰئكة وهم جند موزعون مهديون (روبوت) علىۤ أعمال مُّحدَّدة لا شيط ولا تمرد فيها. إلى جانب ٱلروح (معلومات مقدارية) وفيه كل مخططات ٱلعلم وٱلخبرة فى ٱلقدر وٱلمقدار:
"تَنَزَّلُ ٱلملـٰئكةُ وٱلرُّوحُ فيها بإذن رَبِّهم من كلِّ أَمرٍ" 4ٱلقدر.
ٱلرُّوح هو ٱلبيان ٱلتفصيلىّ (كاتلوك ٱلخلق وٱلتسوية) فى هيئة منهاج program. وقد بدأ ٱلتكوين مطابقًا لِّلروح ٱلّذى جرى تسويةً فى ٱلسمآء. وبيّن ٱلبلاغ أن هٰذا ٱلأمر سيبقى حتى نهاية تسوية ٱلخلق ٱلّذى يعود إلى بداية جديدة مع مطلع ٱلفجر:
"سَلَـٰﻤ هِى حتَّى مطلَع ِ ٱلفجر" 5 ٱلقدر.
وهٰذا ٱلفجر بيّن لنا ٱلبلاغ أن أطوارًا عشرة من ٱلَّيل تعقبه قبل ظهور ٱلسورة ٱلأولى:
"وٱلفجر(1) وليالٍ عشرٍ(2) وٱلشفع ِوٱلوترِ(3)" ٱلفجر.
ٱلرُّوح الّذى يضمُّ مخططات ٱلخلق وٱلتسوية وبيانًا مُّفصّلا لِّسنَّة ٱلقدر وٱلمقدار هو ٱلّذى نزل بلاغًا على قلب ٱلرسول محمد نَّسخًا يطابق ٱلأصل. جرى تلقيمه فى قلبه ليكون بلاغًا وبيانًا لِّلنَّاس بلسانٍ يُعرب ويُبيِّن ٱلحقَّ فى كل أطواره:
"نَزَلَ به ٱلرُّوحُ ٱلأمينُ(193) عَلَىٰ قلبِكَ لِتكُونَ من ٱلمنذِرينَ(194) بلسانٍ عَرَبِىٍٍّ مُّبِينٍ(195) " ٱلشعرآء.
ونجد ٱليوم أنَّ ٱلعلم ٱلناظر وٱلباحث فى كل وجهات ٱلنظر وٱلبحث يُعرب ويبيِّن حقوقًا كانت مبهمة ومعجمة على ٱلنَّاس حتى جآء ٱلتعريب وٱلبيان لها من قبل ٱلّذين يسيرون فى ٱلأرض ينظرون فى كيف بدأ ٱلخلق. وفىۤ أعمالهم ٱستقرار لِّلنبإ كما بيّن ٱلبلاغ:
"لكلِّ نبإٍ مستقرّ وسوف تعلمون" 67 ٱلأنعام.
وٱستقرار ٱلنبإ يجعل ٱلشهيد عليه مصدِّقًا.
أماۤ أعمال ٱللغو وٱلتحريف فقد جعلت ٱلّذى "نزل به ٱلروح ٱلأمين بلسان عربىّ مبين" بعيدًا عن ساحة ٱلبيان ٱلعلمىّ. كما جعلت قوة ٱلإنذار فى وجهة عميآء وتخبّط فى ظلام ٱلجهل وٱلتخلف فى كل أمر. فى ٱلوقت ٱلّذى يبيّن ٱلبلاغ ٱلعربىّ ٱلمأرب منه:
"ونزَّلنا عليك ٱلكتـٰبَ تبيـٰنًا لِِّكلِّ شىءٍ وهدًى ورحمةً وبُشرى للمسلمين" 89 ٱلنحل.
"هٰذا بيان لِّلنَّاسِ وهدًى وموعظة لِّلمتَّقينَ " 138 ءال عمران.
وٱلمسلمون هم مسلمون للَّه وبيانه. وهم ٱلّذين يعملون ويستبشرون بٱستقرار ٱلنبإ علىۤ أيدى علمآء ٱلنظر وٱلبحث ٱلعلمىّ وهم منهم. فيزداد إيمانهم ويطمأنون لوعد ربِّهم.
وٱلبيان ٱلعربىّ بيِّن فى كل ٱلأوقات. وفهم ٱلبيان يتوقف علىۤ إدراك ٱلناظر فيه. وكلُّ فهم لِّلبلاغ ٱلعربى هو من ٱلمتشابه ٱلذى لا يقطع ٱلنظر وٱلقول فيه ما دام ٱلناس ينظرون فى كيف بدأ ٱلخلق. وفى كلِّ طور مِّن أطوار ٱلنظر يخرج فهمًا مُّتشابها. وهٰذا ٱلتشابه يجعل من ٱلبلاغ ٱلعربى فى حركة مفاهيم تصعد مع صعود علم ٱلناس ٱلذين يعبدون ٱللَّه ويطيعون أمره:
"قل سيروا فى ٱلأرض فٱنظروا كيفَ بَدَأَ ٱلخلقَ"20 ٱلعنكبوت.
وحماة ٱللغة وٱلكهنة لا يقبلون بهٰذه ٱلحركة. وهم يتمسكون بأفكار وثنية ويوقفون سدًّا فى وجه كل بيانٍ عربىّ سوآء ءَكان ٱلِّسان ٱلعربىّ ٱلمبين ذاته أم كان ٱلبيان بيان ٱلعلم. فقد أوقفوا وحصروا علم ٱللَّه بما قاله ٱلسَّلف. فٱللَّه لا يفهم أكثر مما رأى ٱبن عباس وغيره من ٱلسَّلف. وهم لا يذكرون ٱلبلاغ:
"وٱللَّهُ خلقكُم وما تعملونَ" 96 ٱلصافّات.
هؤلاء عمآء مُّبهم مُّعجم لِّكل بيان عربىّ. وفى قلوبهم أن "لكلِّ نبإٍ مستقرّ وسوف تعلمون" ٱستقرَّ جميعه عند ٱلسلف أصحاب ٱلأسرار. وأنَّ علم ٱللَّه ٱنتهى عندهم. وقد قدَّس ٱللَّه سرَّهم. وما يفعله علمآء ٱلنظر وٱلتسوية ما هوۤ إلاّ كفر وعدوان على ٱللَّه. وهم يخشون عليه من علم هؤلآء. وإنَّ علمهم ما هوۤ إلا فساد فى خلقه. وعلى ٱلناس ألا يقربوا منه.

ونتابع ٱلفقه لكلمة "ٱلحكمة". فقد زادها ٱللَّه على ٱلرُّوح ليكون عمل ٱلإنسان فى ٱلسير وٱلنظر فى ٱستقرار أنبآء ٱلرُّوح غير مفسدٍ فى ٱلأرض:
"يُؤتِى ٱلحكمةَ مَن يشآءُ ومَن يُؤتَ ٱلحكمةَ فقد أُوتِىَ خيرًا كثيرًا وما يذَّكَّرُ إلاۤ أولوا ٱلألبٰبِ" " 269 ٱلبقرة.
ٱلفعل "حَكَمَ" دليله فى دليل ٱلأفعال (عَلِمَ وبَلَغَ وحَفَظَ ووَثَقَ وفَقِهَ وحبَّ وخَبِرَ وقضى). وٱسم ٱلفاعل "حاكم". وسمة فعله "حكيم". وما ينجم عن جريان فعله "حكمة".
ونجد فى ٱلبلاغ ٱلعربىّ أن ٱلحكمة تستند على ٱلعلم فى ٱلأشيآء وكل مستلزماته لتصل إلى ٱلحكم فى مسألة. فقد بين ٱلبلاغ أن ٱلعلم فى ٱلأشيآء هو علم فى كتابها:
"ويتلوا عليهم ءَايـٰتِك ويعلمهم ٱلكتـٰب وٱلحكمة" 129 ٱلبقرة.
فى ٱلبلاغ ٱلعلم فى ٱلكتاب تلحق به ٱلحكمة. وفيه فرق بين ٱلملك وٱلحكمة وٱلعلم:
"وقتل داود جالوت وءَاتـٰهُ ٱلملك وٱلحكمة وعلَّمه ممّا يشاۤء" 251 ٱلبقرة.
ويبيّن ضمّ ٱلحكمة للخير:
"ومن يؤتَ ٱلحكمة فقد أوتِىَ خيرًا كثيرًا " 259 ءال عمران.
ونجد فيه ترتيل وسآئل رقىّ ٱلإنسان علميًّا:
"ويعلمه ٱلكتـٰب وٱلحكمة وٱلتورـٰة وٱلإنجيل"48 ءال عمران.
وبيّن ٱلبلاغ أن ٱسم "حكيم" من أسمآء ٱللَّه ٱلحسنى. ونجده ملحقًا بأسمآء حسنىۤ أخرى "ٱلعليم ٱلحكيم/ ٱلعزيز ٱلحكيم / ٱلتَّواب ٱلحكيم/ ٱلعلىّ ٱلحكيم".
كما نجده يسبق أسمآء حسنىۤ أخرى لاحقة على ٱلحكم "ٱلحكيم ٱلخبير/ حكيم حميد".
وبيّن أن ٱلكتاب وٱلقرءان لهما ذات ٱلسمة "حكيم":
"الۤر تلك أيـٰت ٱلكتـٰب ٱلحكيم" 1 يونس.
"وٱلقرءان ٱلحكيم" 2 يس.
ٱلكتاب يضمُّ ٱلتقليم وٱلتفصيل فى ٱلمقدار مسطورًا. وٱلقرءان مُخرج وكاشف عن كلِّ ما هو مسطور فى ٱلكتاب. فٱلقرءان ٱلحكيم هو عمل جارٍ فى ٱلنظر وٱلبحث وٱلكشف وٱلبيان لا يتوقف فى جميع ٱلأشيآء. ويوصل بٱلعلم فى ٱلكتاب إلى ٱلعزّ وٱلتَّوبة وٱلعلوِّ. وكلُّها بيانات قوّة فى ٱلنظر وٱلكشف توصل ٱلفاعل إلى ٱلحكمة وٱلخبرة وٱلحمد. وفيه مطابقة ٱلحكم للحقِّ فى أىِّ مسألة يحكم فيها من دون شيط أو زيغ أو طغوى. وٱلحكيم ٱلحميد هو عليم عزيز تواب علىّ خبير. وحكمه فىۤ أمر كريم (من دون زيادة أو نقص).
لقد جآء فى ٱلمعجم ٱلوسيط:
[الحكمة: معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. العلم والتفقُّه. العدل. العلَّةُ. علم الحكمة: الكيمياء والطب].
وفى هٰذا ٱلقول قرن بين ٱلعلم وٱلفقه وٱلكيميآء وٱلطب. وهو قول صواب. خصوصًا ٱلقول عن ٱلحكمة أنها "معرفة أفضل ٱلأشياء بأفضل ٱلعلوم". ومع ذٰلك نجد ٱلمفكرين بوسآئل ٱللغة يغفلون عن هٰذه ٱلكلمة فيما يكتبون. ويستعملون بدلاً عنها كلمة "فلسفة" ٱلّتى جآء عنها فى ٱلمعجم ٱلوسيط:
[الفلسفة: دراسة المبادئ الأولى وتفسير المعرفة تفسيراً عقليّاً. وكانت تشمل العلوم جميعاً، واقتصرت فى هذا العصر على المنطق والأخلاق وعلم الجمال وما وراء الطبيعة].
وكلمة "فلسفة" من ٱلأصل ٱليونانىّ philosophia وتدل على "حُبِّ الحكمة" فى ٱلِّسان ٱليونانىّ. وهى فى ٱلِّسان ٱلانكليزىّ philosophy ودليلها فيه يطابق ٱلدليل فى ٱلِّسان ٱليونانىّ "حبُّ ٱلحكمة".
وجآء فى ٱلمعجم ٱلوسيط عنهاۤ أنها "كانت تشمل العلوم جميعًا". وأن دليلها تراجع إلى "المنطق والأخلاق وعلم الجمال وما وراء الطبيعة". وأنها فى ٱلأصل "دراسة المبادئ الأولى وتفسير المعرفة تفسيرًا عقليًّا". وهذا ٱلفهم يدل على بعد ٱلفلسفة عن ٱلعلم ٱلحسىّ وٱلخبرة وٱلوثوق وٱلقضىَ فيه كما عرّفها ٱلمعجم ٱلوسيط.
لقد وجدنا فى ٱلبلاغ ٱلعربىّ أن "ٱلحكمة" تستند على ٱلعلم ٱلحسىّ وكل مستلزماته لتصل إلى ٱلفعل "قضى" بسمة ٱلحمد. وكلمة "فلسفة" ٱلّتى تدل فى لسانها على "حبِّ الحكمة". ووسآئلها فى ذٰلك "تشمل العلوم جميعًا". لا يجعلها "دراسة المبادئ الأولى وتفسير المعرفة تفسيرًا عقليًّا". مع ٱلعلم أن ٱلتفسير ٱلعقلىّ يشير إلى ٱلتفكير فى ٱلمحسوسات ومحاولة عقلها فيما بينها. ولهٰذا ٱلتفسير وجهتان. ٱلأولى ٱلنظر فى باطن ٱلمحسوس ويتوجه إلى طلب ٱلاطمئنان كما يبيّن ٱلبلاغ ٱلعربىّ:
"وإذ قال إِبرٰهِمُ ربِّ أَرنِى كيف تُحِى ٱلموتىٰ قال أَوَلَم تُؤمن قال بَلَىٰ ولكن ليطمئِنَّ قلبِى" 260 ٱلبقرة.
وفيه "إِبرٰهِم" يطلب ٱلاطمئنان لقلبه بقوله "رَبِّ أَرنِى كيف تُحِى ٱلموتى". ونجد أن ٱلخطَّ جآء بٱسم "إبرٰهِم" من دون وجود لليود (يـ) ٱلّتى تدل على (يد). فٱلنظر من أفعاله إلاۤ أنه هنا لم يبلغ ٱلكفاية فى ٱلنظر. وبعد وصوله إلى طور ٱلمطمئن ٱلقلب يصير ٱلاسم "إبرٰهيم" مؤيدًا بٱليود.
وثانى ٱلوجهتين تقوم على ٱلأمل ٱلّذى يمنع من خوض ٱلاختبار ٱلحسىّ ولا يوصل إلى ٱطمئنان. وبيّن ٱلبلاغ ٱلعربىّ حال ٱلّذى يلهو بٱلأمل:
"ذَرهُم يَأكُلُوا ويتمتَّعُوا وَيُلهِهِمُ ٱلأَملُ فسوفَ يعلمونَ" 3ٱلحجر.
وهؤلآء يوقعون فى ٱلبهتان ٱلّذى يدل على ٱلدهشة وٱلحيرة وسقوط ٱلحجة. لأن ٱلأمل يوقف ٱلتوجه وطلب ٱلاطمئنان فى ٱلاختبار ٱلحسىّ. وصاحب ٱلأمل يوقع فى ٱلوثنية ٱلّتى تدل على طول ٱلإقامة على ٱلأمر أو ٱلمفهوم أو ٱلشىء أو جميعها معًا. ويرفض ٱلحنف ٱلّذى يدل على ٱلحركة إلىۤ أعلا فى ٱلمفاهيم وٱلعلم. ٱلّذى يأتى به ٱلاختبار ٱلحسىّ ٱلإبراهيمىّ وطريقه فى ٱلسير فى ٱلأرض وٱلنظر فى كيف بدأ ٱلخلق.
ونوصل إلى ٱلقول أن "ٱلفلسفة" كلمة لا يمكن ٱستعمالها فى مكان كلمة "حكمة" حتى ولوۤ أعدنا لها عملها ٱلجامع لكل ٱلعلوم. وهى كلمة تدل على "حبِّ ٱلحكمة" فى لسانها. وعندما يصل محب ٱلحكمة إلى ٱلحكمة لا يبقى فيلسوفًا. بل يصير حكيمًا. فكلمة "فلسفة" طور من أطوار ٱلسير فى ٱلأرض وٱلنظر فى كيف بدأ ٱلخلق. وهٰذا ٱلطور يسبق طور ٱلحكمة. وعندما يوصل ٱلإنسان إلى طور ٱلحكمة ينسى ٱلطور ٱلسلف لأنه سلف ميت. وٱلحكمة فىۤ أطوارها ٱلستة "ٱلعليم ٱلعزيز ٱلعلىّ ٱلتوّاب ٱلخبير ٱلحميد" لا يوصل إليها من ينظر خلفه إلى ٱلسلف فى "ٱلفلسفة". وٱلناس ٱليوم يجتاز بعضهم أطوار ٱلعليم وٱلعزيز وٱلعلىّ إلىۤ أطوار ٱلتواب ٱلخبير بخطوات أولى. وعندما يكمل ٱلناس خطواتهم فى هٰذين ٱلطورين يصيرون علىۤ أبواب ٱلطور ٱلسادس "ٱلحكيم ٱلحميد". وهو طور ٱلإنسان ٱلشهر ٱلثانى عشر من شهور ٱلحياة "ذى ٱلحجة" ٱلّذى يعلم "أنَّ ٱللَّهَ يعلم ما فِى ٱلسَّمـٰوٰتِ وما فِى ٱلأرض وأنَّ ٱللَّه بكلِّ شىءٍ عليم". وعلمه بذٰلك يجعل حكمه موزونًا وزنًا كريمًا لَّا زيادة فيه ولا نقص. فلا يعتدى ولا يطغى فىۤ أمر. وهٰذا يجعل حكمه حميدًا وقد خلَّف ورآءه طورا بعيدًا هو طور "ٱلفلسفة" ٱلسَّلف ٱلميِّتُ.

ومن ٱلكلمات ٱلتى أرى حاجة إلى عرض فقه لَّها ٱلفعل "نَفَسَ". وهو فعل جدلىّ تدل عليه ٱلأفعال ٱلمتناقضة (بسط وقبض وأخذ وطرح) وهو فعل موزع فى حقٍّ حىٍّ يستمد قوته من ٱلفعل "حيا" ٱلّذى يضم دليله ٱلأفعال (نفخ وهَزَّ وربا ونبت وحمَّ وبان وكثُر وولد). وٱلنَّفس هى كل هٰذه ٱلقوى ٱلّتى تفعل وزعًا (أتوماتيك). وأفعالها ٱلحيوية كلّ مِّنها يصلِّى على ٱلأخر ولا يعتدى عليه. وفى ٱللغة خلط بين ٱلنَّفس وٱلرُّوح. أما ٱلنفس فهى وعآء للروح.
و"ٱلروح" هى ٱلمفاهيم ٱلّتى كتبت وسُطِّرت بعلامات وحفظت فى صحف ٱلفؤاد وخبر بها ٱلقلب. وهى ٱلّتىۤ أراد ٱللَّه منهاۤ أن تكون مطابقة للحقِّ. وهى مخططاته وسنَّة تسويته وقدرها ومقدارها. وقد نزَّلها ٱللَّه على قلب ٱلرسول محمد وجعلها بلاغًا عربيًّا لِّلناس عن هٰذا ٱلحقِّ. وعلى ٱلإنسان ذاته أن يسير فى ٱلحقِّ وينظر كيف بدأت تسويته. ويطابق ما يجده مع ٱلروح ليحدث ٱلتصديق وٱليقين.
وفى دليل كلمة "روح" ٱلأفعال (حرك ونشط وهبَّ ووسع وعلا وقوى ووَقَدَ وكتب وسطر وخبر ونور وبان وقلم وصلَّى). وٱلروح هى كل هٰذه ٱلقوى ٱلّتى تعمل فى ٱلنفس فتجعلها تعلم وتعرف وتسطر وتكسب وتفهم وتفقه وتقضى وتحكم وتحمد وتصلِّى.
ولنا فى كلمة "مَوَتَ" قول وهى تضم فى دليلها ٱلأفعال (هَمَدَ وسكن وبرد وقطع وخلا وثبت). وفيه تتوقف ٱلقوى ٱلحية ٱلمكونة للنفس جميعًا. فٱلنفس ٱلّتى تموت تفقد سورها روابطها وتعود إلى سيرتها ٱلأولى ٱلسور ٱلدخانية element مثل تسوية ٱلسَّمٰوٰت ٱلسبع وٱلأرض من أصل دخانىّ وعودتهاۤ إليه.
لقد بيّن لنا ٱلبلاغ أن ٱلنفس تموت:
"كل نفسٍ ذاۤئقة ٱلموت" 185 ءال عمران.
وموت ٱلنفس يحدث بأفعالها ٱلحية. وبها يجرى تسطير كتاب ٱلموت وتحديد أجله بما يشبه مؤقتًا يعلن ٱلأجل فتتوقف جميع ٱلأفعال ٱلحية عن الجريان. وما يكتب فى صحف كتاب ٱلموت خاصّ بكل نفس. وكتابتها فيه هى ٱلّتى تحدد ٱلأجل ويبيِّن ٱلبلاغ ذٰلك:
"وما كان لنفسٍ أن تموتَ إِلاَّ بإذن ٱللَّهِ كتـٰبًا مؤجلاً" 145 ءال عمران .
و"الإذن" من ٱلأصل "أَذَنَ" وفى دليله الأفعال (عَلَنَ وطلق وفتح). فهو إعلان وإطلاق وفتح لكلام ٱلحقِّ ٱلمكنون فى سطور ٱلأية (رطب أو يابس). وبه يبدأ جرى كلام ٱلحقِّ ٱلمسطور فى ٱلحبِّ ٱلّذى يتعرض للرطوبة وٱلنور. وبجريه تبدأ ٱلكتابة فى كتاب ٱلحياة وفى كتاب ٱلموت. يؤثر فيها ٱلفعل من ٱلخارج فيقصر ٱلأجل أو يطول. وٱلنفس يأتيها من ٱلخارج فساد وطعام خبيث إلى جانب ٱلأثر ٱلشديد ٱلّذى تأتى به ٱلمفاهيم.
وكلمة "كتـٰب" ٱلأصل فى ٱلفعل "كَتَبَ". وفى دليله ٱلأفعال (جمع وصفَّ وسطر وقلم وحفظ). وهو جمع وصفّ وتسطير وتقليم وحفظ لِّلرموز وٱلكلمات وٱلأيات وٱلسُّور. سوآء ءَكان ذٰلك فى شىء واحد أو فى وحدة أشيآء مَّع بعضها. وهو جميعُ ٱلحقِّ ٱلمسطور فى ٱلشىء قبل ٱلبدء بأفعال تكوينه. ومعه ٱلحقُّ ٱلّذى يسطَّر بفعل جرىَ ٱلتكوين. فٱلموت يحدث وفق إذن بٱلجعل تُسطِّره أفعال ٱلنَّفس ذاتها. وهو موزع فيها ويعمل على جعل ٱلنفس ٱلحية ميتة ذاتيًا بعد كمال ٱلكتابة فى كتاب ٱلموت. وهٰذا ما بيَّنه ٱلبلاغ "وما كان لنفس أن تموت" فٱلنفس ٱلحية لا تموت إلاَّ بكمال تسطير كتاب ٱلموت ٱلّذى تكتبه ٱلنفس وتحدد أجله بأفعالها ٱلحية وبمفاهيمها ٱلّتى ٱكتسبتها وسطَّرتها فى ٱلقلب وثبتتها فى ٱلفؤاد. وقد ٱقترب علمآء ٱلحياة من قرء هٰذا ٱلكتاب حيث وجدوۤا أن ٱلمعلومات ٱلمسطورة فى ٱلعلقة "ٱلجينوم" منها ما هو مخططات بنآء ٱلكائن ٱلحى ومنها ما هو لغو عالق فيه.
لقد بيّن ٱلبلاغ أن ٱلنفس "زكيَّة":
"قال أقتلتَ نفسًا زكيةً " 74 ٱلكهف.
وكلمة "زكيَّة" ٱلأصل فى ٱلفعل " زكىَ يزكى". ودليله فى ٱلفعلين (طاب وخلص).
وهٰذه ٱلكلمة تفرق فى ٱلدليل عن ٱلأصل "زكو يزكو زكوٰة" ودليله فى ٱلأفعال (صلح وحسن وصدق).
فٱلنفس ٱلزكية طيِّبة وخالصة من ٱلخبث وٱلمرض ٱلّذى يسوقها إلى ٱلموت.
أما ٱلنفس ٱلزكوٰة فصالحة ومحسنة وصادقة.
وفى ٱلنفس دسى وهو ما بيّنه ٱلبلاغ:
"قد أَفلَح من زكَّـٰها(9) وقد خابَ من دسَّـٰها(10)" ٱلشمس.
و"دَسَىٰ" يدل على نقيض "زكىٰ". ودليله فى ٱلأفعال (خبث وفسد وشوب). وكل مِّن ٱلفعلين "زكىٰ" و"دسىٰ" قوّة كامنة فى ٱلنفس. وهى ٱلّتى تطلق أحداهما وتوقف ٱلأخرى. وبواحدة منهما تبدأ ٱلكتابة فى صحف كتاب ٱلموت وتحدد أجله. وهى بذٰلك ٱلمسئولة عن موتها وفق ٱلأجل ٱلّذى حددته من ذاتها. ولا جواز لأحدٍ أخر أن يوقف حياتها قبل أن تصل إلىۤ أجلها من نفسها. وهٰذا سبب ٱحتجاج موسىٰ فى البلاغ 74 ٱلكهف.
إن ٱلنفس بتقدمها فى سيرها فى ٱلأرض ونظرها فى كيف بدأ ٱلخلق توصل إلى قرء كتابها وٱلعلم بكتاب ٱلموت ٱلمسطور فيه. إِلاۤ أنَّها لا تدرى فىۤ أىّ مكانٍ يحدث:
"وما تدرى نفس بأىِّ أرض ٍ تموت" 34 لقمان.
كماۤ أن ٱلنظر فى كتاب ٱلموت لا يجعل ٱلنفس قادرة على منع موتها:
"قُل فإدرءُوا عن أنفسكم ٱلموت إن كنتم صٰدقين" 168ءال عمران.
ولقد بيّن ٱلبلاغ ٱلعربىّ أنّ كل ما يحدث فى ٱلكون ومنه ٱلنفس مسطَّر فى كتاب خاص بكل حدثٍ وشىءٍ:
"ماۤ أصاب من مُصيبةٍ فِى ٱلأرض ولا فِىۤ أنفسكم إِلاَّ فِى كتٰبٍ" 22 ٱلحديد.
فكتب ٱلنفس تضم كل ما يتعلق بحقوق خلقها وصيرورتها وموتها. وفيها صحف فارغة من ٱلكتابة يبدأ ٱلتسطير فيها بعد تسوية خلقها. وبفعل حياتها يُسجَّل ماۤ أصاب ٱلنفس فى هٰذه ٱلصحف وأعمالها ٱلّتى قامت بها. وتجرى ٱلكتابة بلسانٍ عربىٍّ مبينٍ رموزه هى ٱلسُّوَرُ ٱلأساس فى ٱلبنآء ٱلحىّ (ٱلبروتينات). وما يكتب فى ٱلصحف ٱلفارغة هو ٱلّذى ٱكتسبته ٱلنفس. وهو ٱلشاهد عليها يوم ٱلحساب. وعن هٰذا ٱلكتاب أتى فى ٱلبلاغ:
"كلُّ نفسٍ بما كَسَبَت رَهينة" 38 ٱلمدّثر.
"اقرأ كتـٰبكَ كفىٰ بنفسِكَ ٱليومَ عليك حسيبًا" 14 ٱلإسراء.
ويوكّد لنا ٱلبلاغ ٱلعربى أن هداية ٱلنفس تجرى من قبلها:
"ولو شِئنا لأَتينا كُلَّ نفسٍ هُدـٰها" 13 ٱلسجدة.
ٱلنفس ٱلّتى هدـٰها ٱللَّه هى نفس مَلَكٍ (روبوت). ومنها جميع ٱلكآئنات ٱلحية بٱستثنآء ٱلإنسان ٱلّذى عليه أن يسير وجهة ٱلهداية بعد أن أتـٰه ٱلروح ٱلأمين. وهو يستطيع فعل ذٰلك حتى بعد أن يقع فى ٱلذنوب:
"قُل يـٰعبادِىَ ٱلّذين أَسرَفُوا علىٰۤ أَنفُسِهِم لا تقنطُوا من رحمةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغفِرُ ٱلذُّنوبَ جميعًا إِِنَّهُ ٱلغفورُ ٱلرَّحيمُ" 53 ٱلزمر.
ومن أكبر ٱلذنوب هو ٱتباع لغو ٱللغة وكهنتها ٱلتى جعلت مفاهيمنا عقدة يصعب حلها فيما تسميه "عقيدة" تسوِّق مفاهيمها ٱلكهنوتية بها وتروج لها تحزِّب ٱلناس فيها فتحبسهم وتجمدهم.

ونرى أن نتابع مع ٱلفعلين "عقر وعقم" وكلاهما من ٱلأفعال ٱلتى تخلط ٱللغة بينهما وتحرف دليل كلٍّ مِّنهما.
ٱلعقر هو ٱلجرح ٱلذى ٱنتشر فيه ٱلخبث فى جسمٍ حىٍّ يلحق به ٱلضُّرُّ ويمنع عنه ٱلشِّفآء.
أما ٱلعُقمُ فيدل على ما يدل عليه فعله عَقَمَ. وفى دليله دليل ٱلفعلين (طهر وخلو).
وفى ٱلمعجم ٱلوسيط بيان ٱلخلط بين دليل ٱلفعلين:
"عقرت ٱلمرأة: عقمت. ٱلعقرة: ٱلعقم".
ٱللغو لم يتوقف عند هٰذا ٱلخلط. بل ٱمتد إلى صناعة كلمات من أصل ٱلفعل عَقَرَ. مثل كلمة "عَقَار" لتدل على ملكٍ كٱلأرض وٱلدَّار "ٱلعَقار: ٱلخمر. وٱلعَقار من كلِّ شىء: خياره. ٱلعُقر: أصل كل شىء وعُقر ٱلدَّار: وسطها. وعقر ٱلقصيدة: أحسن أبياتها. ٱلعقرة: ٱلعقم. ٱنعقر ظهر ٱلدَّابَّة: جُرح". (ٱلمعجم ٱلوسيط).

ويبقى علينا من ٱلقول ٱسم ٱلمعجم. فهو ٱسم صواب فٱلفعل عَجَمَ يدل على ما هو مبهم ومغلق وخفىّ. وهو ٱلفعل ٱلنقيض للفعل عَرَبَ وتقول فيه ٱللغة نفسها:
"عَجُمَ ٱلكلام: إذا لم يكن فصيحًا. تعاجم: كنَّى وورَّى ولم يفصح بمراده. ٱستعجم: سكت. خفىَ ٱلكلام عليه وٱستبهم. ٱلأعجم: ٱلأخرس. ٱلعجمآء ٱلبهيمة". (ٱلمعجم ٱلوسيط).
هٰذا ما قالته ٱللغة فى واحدٍ من معاجمها وهو صواب كما هو صفة معلنة على تلك ٱلمعاجم ٱلتى تلغو فى ٱلبلاغ ٱلعربى. وهى تجعل منه عَلَمًا على ٱلفرس فتسميهم أعاجم وفى تسميتها كل ٱلمسوِّغ للفرس لشنِّ ٱلحرب علىۤ أهل ٱللغة وٱلمعجم فهو قول سبّ لِّلفرس.



#سمير_إبراهيم_خليل_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يستطيع مَن يزعم ٱلعربية أن يسلم للَّه ويتأنسن؟
- ٱلأبجديّة وقوى ٱلفعل
- ندآء يا حملة ٱلروح فى ٱلأرض ٱتحدوا !
- مكَّة وقريش
- حركة كفاية جنَّبت ٱلمصريين شرَّ ٱلقتال
- ٱلصَّلوٰة منهاج وقاية فى ٱلتكوين
- ٱلميراث وٱلتراث
- هل ٱلقردة وٱلخنازير دوآبّ ؟
- من ٱلديمقراطية إلى ٱلمدينية
- ٱعطِ خبزك للخباز ولو أكل نصو
- تحديثُ ٱلنَّفس يوصلهاۤ إلى حقوقها
- ٱلموقف
- فاستخف قومه
- ٱلكفر
- مفهوم ٱلسلطة
- ٱلجماعات ٱلإسلامية وٱلديمقراطية ٱلمن ...
- حول بيان حزب ٱلشعب ٱلسورى
- هل ٱلقتال واجب من أجل وطن ظالم
- يأجوج ومأجوج
- الرُّوح وحقوق الإنسان


المزيد.....




- الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
- المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
- أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال ...
- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...
- قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ ...
- قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان ...
- قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر ...
- قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب ...
- قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود ...
- قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير إبراهيم خليل حسن - ٱلتحريف وأثره على ٱلإدراك