|
فلسطين عالقة بتغيير جذري على الساحة العربية
يعقوب بن افرات
الحوار المتمدن-العدد: 4813 - 2015 / 5 / 21 - 23:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صرح الرئيس أوباما في مقابلة أجرتها معه قناة العربية بأن "التوصل إلى سلام فلسطيني-إسرائيلي يعد تحدياً صعباً للغاية" بهذه الطريقة تنصل من أي مسؤولية تجاه القضية الفلسطينية. في الحقيقة كان من الممكن استبدال "السلام الفلسطيني الاسرائيلي" بالسلام في سوريا، العراق او اليمن لأن الشرق الاوسط برمته يشكل بالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية "تحدياً صعباً للغاية" وخير برهان على ذلك هو سقوط مدينة الرمادي في أيدي داعش رغم كل المحاولات الأمريكية لدعم الحكومة العراقية ودعايتها بأن داعش في حالة من فقدان المعنويات وتقهقر مستمر. ومع ذلك فإن حالة فلسطين تختلف بشكل جوهري عن حالة سوريا العراق واليمن فالربيع العربي قد قفز عنها والاحتلال لم يبدأ مطلع سنة 2011 بل إنه مستمر على امتداد 48 سنة رغم كل المحاولات للتخلص من نيره على مدار السنين من خلال انتفاضة سلمية أولى بقيادة فتح وانتفاضة مسلحة ثانية بقيادة حماس. وجاء تصريح أوباما المتشائم متزامنا مع تشكيل حكومة نتانياهو الرابعة والتي رغم القاعدة الضيقة التي تتمتع بها وهي 61 مقعداً في الكنيست من مجمل 120 مقعد، إلّا أنه لا يوجد ائتلاف بديل لهذه الحكومة التي ترفض فكرة الدولة الفلسطينية جملة وتفصيلا. وقد فشل أوباما في كل مساعيه لتغيير الوضع السياسي في إسرائيل حتى والقطيعة مع نتانياهو اصبحت جليّة لا يمكن إخفائها. وإذا يصح القول بأن عدم الإجماع حول القضية الفلسطينية داخل المجتمع الإسرائيلي يشكل سبباً رئيسياً لفشل نتانياهو في تشكيل حكومة لها قاعدة ائتلافية واسعة ومتينة غير أن ما يسمى اليسار الصهيوني المعارض لا يتمتع ببرنامج واضح من قضية الاستيطان والمستوطنين الذين تحولوا مع مرور السنين إلى أكبر عقبة أمام التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين. إن اليسار الصهيوني يريد أن يربع الدائرة ويبحث عن كل الطرق الممكنة للوصول إلى حل مع الفلسطينيين دون أن يضطر لمواجهة المستوطنين. لا شك أن هذا الموضوع حوّل الحل على أساس دولتين إلى شبه مستحيل لأنه لا توجد اليوم قوة سياسية داخل إسرائيل مستعدة لإزالة الاستيطان. ولكن ما يزيد الوضع سوءً هو الانشقاق الداخلي الفلسطيني، فإذا كان في إسرائيل لا يوجد إجماع حول مصير الاحتلال بل يوجد إجماع وطني عام بكل ما يتعلق بالنظرة العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، فعلى الساحة الفلسطينية لا يوجد إجماع وطني ولا سياسي. وإذ تقرّ المعارضة اليسارية في إسرائيل بنتيجة الانتخابات ففي فلسطين كل طرف يلغي الآخر ولا يعترف بشرعيتة. إن حركة حماس ممنوعة من النشاط في الضفة الغربية أما فتح فهي ممنوعة في غزة. إن الشرخ بين الطرفين ليس سياسياً فحسب بل أيديولوجي حتى أنه لا يمكن أن يتعايشا تحت سقف وطني موحد. وقد استقر الوضع الفلسطيني حتى أصبح حالة دائمة فالسلطة الفلسطينية تتعامل مع الاحتلال حسب اتفاق أوسلو وتنسق معه أمنيا وتتسلم أموال الجمارك التي تجبيها إسرائيل لصالحها، بينما سلطة حماس موجودة في حالة حرب دائمة مع إسرائيل وتعيش في حالة حصار مزدوج بين مصر وإسرائيل. وفي الوقت الذي يتعرض فيه حلفاء حماس من الإخوان في مصر إلى أشرس حملة قمعية بحقهم من قبل النظام المصري الفاشي وحلفاء فتح وعلى رأسهم السعودية يشنون حرب الحياة او الموت في اليمن وأمريكا منشغلة بل ومتورطة في العراق فلا مجال لتحرك فعال في القضية الفلسطينية. ومن هنا تنشغل الساحة السياسية الإسرائيلية في صراعات لها طبيعة داخلية تارة في موضوع محاولة نتانياهو للاحتكام بوسائل الاعلام أو توجيه ميزانيات إلى شركائه من المستوطنين أو المتدينين على حساب عامة الشعب أما الساحة الفلسطينية فإنها منشغلة هي أيضا في صراع داخلي بين فتح وحماس تارة حول معاشات الموظفين التابعين لحماس في غزة وتارة أخرى حول موضوع إعادة اعمار غزة أو قمع مظاهرة لأحد الطرفين. هذه الصراعات تخدم الطرفين الذين يريدان إثبات وجودهما وسلطتهما ولكن لا علاقة لها في النضال ضد الاحتلال. ومن الضروري التأكيد على أنه في الحقيقة لا أحد يريد أن يغير الوضع بل يسعى الجميع إلى إبقائه على ما هو عليه الآن، هذا صحيح بالنسبة لإسرائيل وينطبق أيضا على الطرف الفلسطيني. وأكبر برهان على ذلك هو القرار الإسرائيلي بمنع العمال الفلسطينيين من ركوب الحافلات ذاتها مع المستوطنين والذي حاز على عناوين بارزة في الصحف الرئيسية واحتجاج عارم من قبل اليسار الذي يتخوف من أن تتهم إسرائيل بفرض نظام الابرتهايد الأمر الذي أدى إلى تراجع الحكومة على الفور بعد ساعات قليلة من إعلان عن هذا الإجراء العنصري. اليمين الإسرائيلي لا يريد نظام الابرتهايد بل ما يريده هو تطبيع العلاقات مع السلطة الفلسطينية حسب الترتيب الحالي والذي استمر منذ التوقيع على اتفاق أوسلو قبل 21 سنة. أما السلطة الفلسطينية من طرفها فتقوم بنشاط استعراضي مثل الطلب من الاتحاد العالمي لكرة القدم وقف عضوية الاتحاد الإسرائيلي بسبب المضيقات على اللاعبين الفلسطينيين رغم معرفتها مسبقا بأن هذا لن يأتي بنتيجة. ربما تضع السلطة الفلسطينية كل آمالها في فرنسا التي تلمح بأنها تريد أن تتقدم بمشروع قرار إلى مجلس الأمن ينص على إنهاء الاحتلال وإعلان حدود الرابع من حزيران 67 كحدود بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل. ولكن مجلس الأمن فقد كل مصداقية له وأهم شاهد على ذلك هم ملايين السوريين الذي شردوا من وطنهم ومئات الألوف الذين ذبحوا على يد النظام الأسدي المجرم. ومن هنا لا بد من الاستنتاج بأن كل مناورات السلطة الفلسطينية ليس سوى إثبات وجود وهدفها الرئيسي هو كبح جماح خصمها اللدود حماس وليس مواجهة الاحتلال. وما دامت المساعدات المالية تتدفق على الضفة الغربية وإسرائيل توفر تسهيلات اقتصادية مثل زيادة تصاريح العمل للفلسطينيين داخل إسرائيل فلا سبب للسلطة بأن تقوم اليوم وعلى ضوء الوضع العربي العام بأي خطوة استثنائية من شأنها أن تحرك الوضع. إن كل الكلام عن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال أو التهديد بحل السلطة بسبب تعثر اتفاق أوسلو وعدم الجدوى منه قد تلاشى بعد أن سلّمت إسرائيل الأموال التي احتجزتها قبل الانتخابات الإسرائيلية كعقوبة على توجه السلطة الفلسطينية بطلب العضوية في محكمة الجنائيات الدولية. فكل ما أراده نتانياهو هو استعراض عضلاته كجزء من حملته الانتخابية وبعد فوزه الساحق قام بالإفراج عن الأموال التي تشكل جزءً أساسياً من ميزانية السلطة. فهذه الميزانية التي قيمتها 4 مليار دولار وتساوي 5% من ميزانية إسرائيل كافية لشراء الهدوء بعد أن فقد الشعب كل ثقة في الحركات السياسية أو أمل منها وهي المنقسمة على نفسها والتي لا تهدف لشيء سوى إدامة وجودها. إن القضية الفلسطينية تبقى عالقة في انتظار تغيير جذري على الساحة العربية. طالما يبقى الأسد، السيسي، الملك سلمان والمرشد خامنئي في إيران يتحكمون بمصير شعوب المنطقة ليس هناك من أمل بتغيير الوضع الفلسطيني. إن الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة لتغيير سياسي، لنشوء قوة ثورية شبابية جديدة ملتصقة بالعمال والفلاحين وليس بالبرجوازية والمنتفعين من السلطة. إن الربيع العربي الذي فجر كل هذا الطاقة الشبابية وغيّر تاريخ المنطقة لم يثمر بعد بنتيجة بل فجر الصراع المصيري بين قوى الأمس وقوى الغد، بين الشباب الذين يريدون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبين الأنظمة القديمة. إن مصير فلسطين مربوط بمصير الربيع العربي ومن لا ثقة له بهذه الثورة العظيمة فلا برنامج له ولا يمكنه أن يضمن مستقبلاً للشعب الفلسطيني.
#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليمن تتمزق بين السعودية وإيران
-
نتنياهو يعرّي ابو مازن
-
الحرب على الإخوان
-
قطر تنضم الى محاصري غزة
-
وحدة عربية يهودية لهزيمة العنصرية والتطرف
-
انتفاضة الحجارة ردا على إنعاش مخطط الحكم الذاتي
-
شتّان ما بين الإيبولا وداعش
-
حزب دعم العمالي - وثيقة سياسية: الحرب على غزة وتفكك النظام ا
...
-
غزة تعمّق الانقسام في اسرائيل وفلسطين
-
نتانياهو يغرق في بحر غزة
-
-داعش- والفوضى المدمرة
-
قدسية التنسيق الامني
-
95% للدكتاتور
-
دولة إسرائيلية أم يهودية؟
-
المصالحة مناورة فاشلة
-
مهزلة التفاوض حول الأسرى الفلسطينيين
-
ما سر حب نتانياهو لبوتين؟
-
سوريا، أوكرانيا ومصير الأسد
-
كيري يتلاعب بمصير سورية وفلسطين
-
يهودية الدولة والسلام عليكم
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|