القاضي زهير كاظم عبود
أجد من المحزن أن يتم تغييب الحقائق وأن يتم أعتماد الإشاعة والأكذوبة التي تروجها جهة ما لمآربها وغاياتها السياسية باعتبارها الحقيقة المجردة المسلم بصدقيتها .
مثلما أجد أن من المحزن أن يصمت الكثير من شهود الأحداث عن مجابهة الطروحات غير الصحيحة أو المشوهة التي يتم طرحها بين الحين والآخر .
ويترتب على المطلع أو الشاهد أو الحاضر الحدث أن يدلي بشهادته المجردة من أجل الحقيقة وبما يمليه عليه ضميره ، وحتى لاينطبق عليه القول بأن سكوته مشاركة ضمنية أو خشية من أحد أو لمرض في النفس .
وفي أحداث الأنتفاضة الشعبانية التي عشناها في العراق عام 1991 ، حدثت أمور كثيرة وملابسات أكثر ، وكانت السلطة عند تقدمها على مدينة من المدن العراقية لأعادة السيطرة عليها ترسل عناصر المخابرات والأستخبارات قبل وصول قطعاتها وتقوم هذه العناصر ببث الأشاعات والأقاويل ومن بين هذه الأقاويل أن جيش السلطة سيعدم أي شاب عراقي يتجاوز 18 سنة ويعتبره من المنتفضين مهما كان موقفه ، كذلك فأن جيش السلطة أشاع أن كل مواطن عربي مصري يلقى القبض عليه سيتم إعدامه دون سبب ، ولكن خبر خطير أنتشر بين الناس بسرعة البرق مفاده أن من بين ما تضم القطعات العسكرية فإنها تضم أفراد من الأيزيدية ( وهم يرتدون اليشاميغ الحمر ) وهؤلاء سيقدمون على انتهاك الأعراض وانتهاك المقدسات بسبب عدائهم للشيعة ولآل البيت !!! وقد أحدثت الأكذوبة المذكورة والافتراء الذي بثته السلطة فعله وأربك الناس الذين صدق أكثرهم هذه الأكذوبة وأخذ المواطن يحسب لها ألف حساب من أجل حماية عرضه وشرفه ومقدسا ته من القادمين الذين سيستبيحون الأرض والعرض والمقدسات .
وكنت لم أزل أعمل قاضياً لمحكمة المشخاب في منطقة الفرات الأوسط ووصل أسماعي مثل غيري ما أنتشر من أشاعة حول الأيزيدية وكون الصواريخ بعيدة المدى وقنابل المدفعية التي يتم إطلاقها من وحدات جيش السلطة بهدف قتل الناس وضرب المراقد الدينية المقدسة في كربلاء والنجف وبقية مناطق العراق كانت من قبل أفراد من الأيزيدية بقــــصد الأنتقام من الشيعة للعداء ( التاريخي !!! ) بينهما ، وبعد أن سيطرت السلطة على جميع المحافظات التي ثارت ضد السلطة علمت من قيادات القطعات العسكرية أن الأمر لايعدو كونه آلا لعبة مخابراتية أعتمدتها السلطة تهدف الى بث الرعب والخوف في نفوس الناس وخاصة العامة منهم أضافة الى محاولة أحداث شرخ جديد بين أطياف المجتمع العراقي للتفريق والأضعاف والأستفادة من هذا الخلاف ، وزادت معلوماتي حين أنتقلت الى مدينة الموصل العريقة وعلمت أن الأيزيدية كانوا يقاتلون ضد السلطة مع شعبهم الكردي ولم يعبروا مدينة الموصل ، ولايوجد أي منطق عقلاني يقول بوجوب قتالهم الى صالح السلطة في الوسط والجنوب وقتالهم ضدها في الشمال ، أي بمعنى أن لايعقل أن يكون الضحية مع الجلاد في وقت الذبح .
أن من الأخطاء الشائعة التي لم تزل تلقي رواجاً بين العامة المعلومة التي تفتقر لأي سند مادي أو معنوي كون الأيزيدية من العرب وكونهم فرقة أنشقت عن الأسلام ، وأن هذه الفرقة تقدس يزيد بن معاوية .
والذي أريد أن قوله بأختصار شديد أن من يريد أن يثبت كون الأيزيدية من العرب لامن الأكراد عليه أن ينسبهم قبل كل شيء الى قبيلة عربية واحدة لنتمكن من معرفة نسبهم وعروبتهم وأن أسماء عشائرهم الكردية الأصيلة وأنتمائهم الى القومية الكردية لاغبار عليه ويعزز من عراقيتهم ووطنيتهم وأعتزازهم الأنتماء لهذا الوطن وتفند كل طرح يخالف ذلك .
وأما كونهم فرقة أنشقت عن الأسلام فقد تمت مناقشتها وبحثها وبشكل موضوعي محايد من قبل العديد من الباحثين والكتاب ، وكتب التاريخ لاتهمل شيء وتبين ان الأيزيدية ديانة توحيدية تؤمن بالله الواحد الأحد ، وقد تم إلصاق كلمة ( اليزيدية ) بهم في عصور متاخرة وبقصد سياسي معروف وجر عليهم ذلك الويلات والدمار والمآسي التي تم تغييبها عن الناس بقصد عدم معرفة الحقيقة والتعاطف معهم ، ومما زاد ذلك كون الأيزيدية ديانة توحيدية مغلقة لاتقبل الأنتماء لها من أحد وتعتبر من يخرج على أسسها لارجعة له ، وساهمت جهات عديدة مدفوعة بكراهيتها وتعصبها للأيزيدية ولأمراض نفسية تغلف عقولها وقلوبها في أشاعة القصص الكاذبة والزعم التخـــــيلي حــــول وجود عداء وكراهية غيرموجودة أصلاً لأل البيت ( ع ) ، ويكفي الأيزيدية فخراً أنهم يجلون ويحترمون الأمــــام علي ( ع ) ويحلفون بأسمه بقولهم ( شيـــر علي ) أي بمعنى علي الأسد وأن أسماؤهم المتوافقة مع أسماء الأولياء والأئمة من آل البيت قد تكون دليلاً يدحض الزعم بالكراهية التي ليـــس لها مبرر تاريخي أو ديني أو أساس مطلقاً .
وأمام ما لاحظته من تغييب وإجحاف وإهمال للدور الوطني الذي لعبه أبناء هذه الديانة ضمن المعارضة العراقية ومقارعة السلطة الدكتاتورية وما قدموه من تضحيات جسام بشهادة جميع الأحزاب الوطنية الفاعلة في الساحة العراقية فأنني أدعو جميع المهتمين بالشأن العراقي الأهتمام الجاد والوطني المخلص بقضية الأيزيدية والنص على ضمان حقوقهم الدينية وأحترام شعائرهم وطقوسهم في نصوص الدستور واللوائح التي تكفل ذلك ، أضافة الى منحهم حق أصدار قانون خاص للأحوال الشخصية يحكم العلاقات الأنسانية بين معتنقي ديانتهم أسوة ببقية المذاهب والأديان ، وأعتماد منطق العقل والتاريخ والحقائق في الأبتعاد عن نظرة العماء الأيدلوجي التي أعتمدتها السلطات العراقية المتعاقبة بأعتبارهم ( عرباً ) والأعتراف كونهم جزء لايتجزء من الشعب الكردي ، وأعتماد نسبهم السكانية المثبتة وألغاء كل مظاهر الأضطهاد وأسباب وطرق التعريب الجارية بحقهم وألغاء كل طرق التغيير الإداري التي مورست بحقهم بقصد تغيير هويتهم ومناطقهم الجغرافية وأحترام خصوصيتهم ومراقدهم ومزاراتهم الدينية المقدسة .
وكذلك أدعو دعوة صادقة وصريحة الى فتح باب الحوار مع المراجع الدينية الجعفرية وبين المراجع الدينية الأيزيدية على أساس العلاقة التوحيدية التي تربطهما أولاً والعلاقة الإنسانية ثانياً وفي هذا يقول الأمــــام علي ( ع ) : (( الناس صــــنفان ، أما أخاً لك في الدين أو نظير لك في الخلق .)) وأظهار الحقائق وإهمال الإشاعات والأكاذيب التي لاأساس لها من الصحة ثالثاً ، وإيجاد سبل وطرق تعتمد الحقائق الدينية والوطنية ترشد العديد من أخواننا الى التفسير الحقيقي غير الخاطئ في تحليل الأوضاع السياسية في العراق وتكشف عن المواقف الحقيقية خلال فترة الانتفاضة وعدم تمكين أشاعات السلطة المغرضة من الوصول الى قناعاتها وأفكارها ، ومحاربة ودحض كل أساليب السلطة الرامية الى شق وحدة الصف الوطني وخلق نار الفتنة بين أبناء العراق ، ويكفي دليلاً واحداً على هذا هو أعتماد السلطة العراقية للوسيلة الطائفية كخنجر محاولة طعن الشعب في خاصرته .
ومن أجل أن تتوحد جهود المضطهدين والمقموعين ينبغي على الجميع العمل بروح عراقية وطنية مبنية على التسامح والمحبة والأخوة والتكاتف الأجتماعي والتآخي بين القوميات والمذاهب والأديان وأن نصر على أعادة بناء ما تهدم من عراق الخير والمحبة والوطن الذي يضم كل القوميات والأديان والمذاهب دون أي تفريق .