أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - عماد حياوي المبارك - فيكتوريا















المزيد.....

فيكتوريا


عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4812 - 2015 / 5 / 20 - 08:10
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


فيكتوريا

تأخذ اللغات من ألفاظها البسيطة ذات المعاني الجميلة أسماءً كي يمكن تمييز الناس بعضهم عن بعض، ونجد أنه ولسببٍ قد لا يتعلق بالمعنى، أن لفظ معين يتخصص بتسمية أنثوية بينما آخر بتسمية ذكرية، كما يكون الكثير منها مشتركاً، كصباح في لغتنا العربية وصفاء وسهام... وغيرها.
أما أسماء (الدلع) والألقاب الجميلة للأبناء والأحبة فنتبادلها لتدل على حبنا وتعلقنا بهم وتعبر عن الحالة الحميمة التي تجمع الخلان، وهي وان تكن خارجة عن السياق النّحوى لكنها غالباً ما تكون مشتقة بشكل أحلى من اللفظ الأصلي وأطول منه، فمن هاني هنوني ومن حارث حتوتي ومن عماد عمودي ومن حنان حنونة ومن يحيى حياوي... والقائمة تتفرع بداخل كل أسرة وبيت.
وللهجات المحلية دور بأن تساعدنا بتداول الاسماء بغير لفظها الأصلي، ولا يتبع ذلك قاعدة بل غالباً ما يكون تصغيراً للاسم كي يصبح محبب أكثر، فمن كريم كريّم ومن سمير سميّر...
عملية التصغير واردة بلغة الهولنديين، وهي تتبع قواعد ثابتة، وكما نضع (أس) في حال جمع الأسماء بالانكليزية، يضيف الهولنديون (جة) أو (شة) ييصبح الاسم مصغراً، التفاحة (أبل جة) والصديقة (فريند جة) والآيس كريم (آيس شة)، وهم بذلك يجعلون من الشخص أو الشيء محبب أكثر...
وحتى حين يشتري الهولندي بيتاً، ويصفه بالبيت الصغير وليس الواسع أو الضخم، يقول بأنه أشترى (هاوس شة ويختصرها.. هاوشة)!

وبعودة للغتنا الحبيبة، فلأسم (انتصار) تصغير (تدليع) متعارف بأن يكون (نصّورة) وهو متعارف، لكن هل سمعتم بأنه يكون... (صرصورة)؟
هذا ما كنت أنادي به أحد البنات اللائي التقيتهن بحياتي ولا يمكن نسيانها، فـ (صرصورة) كانت بأيام مراهقتي أكثر من صديقة، وحكم التقاليد والمجتمع هو ما فرّقني عنها...
(انتصار) أسم جميل له معنى واحد محدد... هو الانتصار، انتصار في الفوز في معركة وسباق وانتخاب، وحتى الانتصار في الظفر بمحبة الآخرين.
في بعض اللغات مثل الانكليزية، يُشتق الانتصار أي (فيكتوريا) من النصر (فيكتوري) ومن أول حروفه جاءت علامة النصر التي يلوح بها الجنود الأبطال والشعب الصامد...
× × ×

لم يصادف أن ألتقي بحياتي في العراق بامرأة تحمل أسم فيكتوريا، لعل السبب هو أن الاسم أجنبي وغريب في بلد يتحدث العربية، لكن وحين كنت أكتب مساهمتي هذه على لوح الطابعة، كانت كلماتي تأخذ طريقها أيضاً لمسامع زوجتي، فقالت بأنها قد التقت في العراق (بفكتورتين) لن تنسَهما، فقد رافقتها الطالبة (فيكتوريا) بعض سني الابتدائية، وكانت تتميز بطول شعرها الذي يصل حتى ركبتيها، وهو صحي يعاود النمو بقوة حتى لو تقصه، بينما الثانية هي مُدرسة الرياضيات، كانت (مصلاوية) وشديدة ومتمكنة من عملها، وتؤمن بالثواب والعقاب بحيث كانت تمنح الشاطرة درجتين وتستقطع ممن تتخلف عن استكمال واجبها البيتي درجتين لتقول... (مخصوم منكِ دغجتين!).

فيكتور وفيكتوريا، أسم ذكر وأنثى يَجمع باللغة الانكليزية المعنى الرائع (الانتصار) واللفظ السهل الجميل، وهو لابد وأن يوحي لكل منا برزمة أبطال وبطلات حملوا هذا الاسم على مر التاريخ.
كثير جداً من (الفيكتوريات) دخلن التاريخ، أشهرهن ملكة بريطانية في القرن التاسع عشر والتي تعتبر فترة تقلدها العرش الإمبراطوري من الأطول بين الملوك في التاريخ، فقد تعدت اليوبيل الذهبي ولتوصف فترة حكمها بالماسية.
لكن ـ حقيقةً ـ ما خلد الملكة فيكتوريا حتى قبل أن ترحل، ليس له علاقة بالسياسة والحكم، بل أمراً آخراً، وهو الذي يأخذنا بعيداً عن أوربا وحياة الترف، إلى أفريقيا ومجاهلها، لجنوب شرقها بالذات، حيث نهر الزامبيزي والحدود بين زامبيا وزيمبابوي، هناك نجد أطول وأضخم ستارة (مائية) على وجه الأرض يطرزها قوس قزح دائم ويعزفُ لها هدير المياه سيمفونية الخلود ويرسم الرذاذ الذي يرتفع في الليالي المقمرة لوحةً بديعة لها سحراً أكبر من كلمة السحر نفسها... أنها شلالات (فيكتوريا).

من وجهة نظري، فإن تسمية البركة التي يصنعها النهر قبل إنسيابه بمسبح الشيطان (ديفل بول) ليست بمحلها البتة، فبرغم مبرر الإثارة لكنها ليست بالخطيرة ولا العاصية على السابحين، بل بالعكس فإنها مياه هادئة وكأنها لا تعلم بأنها ستنسكب من ارتفاع مائة وعشرين متراً...
أن هذه الشلالات هي أجمل صنائع الطبيعة وأبهاها، بل وأكثرها جرأة حين تتدفق ملايين الأمتار المكعبة من المياه في هوّة عميقة وكأن الأرض تبتلعها من شدة العطش!
× × ×

من الأحلام الجريئة التي تراود المغامرين، أن يقطعون القارة الأفريقية من البحيرات الأفريقية الكبرى إلى جبل كلمنجارو وحتى هذه الشلالات، وبرغم أن هكذا رحلة ستكون شاقة وطويلة، لكن ذلك يهون لولا المخاطرة في عبور الحدود الإدارية بين البلدان التي تحتضن هذه التضاريس الأرضية المتشعبة والتي رسمها البشر، فالاختلاف بين سياسات تلك البلدان هو السبب الذي يدفع البعض لمراجعة الحسابات جيداً قبل الشروع بالعمل، وهو الأمر الذي يمنعهم حتى يومنا هذا من استكشاف منابع نهر الزامبيزي ورسمها بدقة.

لو ننظر للخارطة من شرق البحر المتوسط وحتى جنوب شرق أفريقيا، نلاحظ أن هناك (صدع) أو شرخ يبدأ من البحر الميت فوادي رم فخليج العقبة ثم يتسع في عمق البحر الأحمر ويمتد ليشطر خارطة أثيوبيا لشطرين، هضبة وسهل، ولينتهي بالبحيرات الكبرى وجبل كلمنجارو الساحر وسط السهول، يسمى بالصدع الأفريقي العظيم... ولو سرنا نحو الجنوب منه بعمق القارة، نصل لصدع آخر قصم (ظهر) نهر الزامبيزي وشطره لقسمين أعلى وأسفل، وليصنع هذا الشلال الرائع.

عندما قرر المغامر الأيرلندي (ديفيد ليفنغستون) بمنتصف القرن التاسع عشر استكشاف الزامبيزي ـ رابع أكبر أنهار أفريقيا بعد النيل والكونغو والنيجر ـ فضل أن يتميز عن بقية المستكشفين، بأن يذهب برجاله براً إلى أبعد روافده، من هناك بدءوا بمعونة دليل محلي بتتبع جريان النهر بإتجاه مصبه.
ولم يتوقعوا بأنهم سيُصارعون نهراُ هو الأكثر صخباُ وعناداً بجريانه، فبعدما إخترقوا منطقة غابات كثيفة ممطرة مليئة بالأفاعي السامة التي بإمكانها الانطلاق كالسهام من على أغصان الأشجار نحوهم، وجدوا أنفسهم وسط حيوانات مفترسة كالتماسيح المتعطشة لتذوق لحوم البشر، والأدهى أنهم ساروا بزوارق صغيرة فوق أجساد عملاقة لفرسان النهر يزن الواحد منها نصف طن، كان بإستطاعته وبحركة بسيطة أن يقلبهم لو مجرد أن (يعطس)، حينها تكون مسألة تذوق لحومهم من قبل التماسيح المنتشرة، ماهي إلا مأدبة إفطار مجانية!

ومع أن هكذا تحديات كانت متوقعة بالنسبة لمستكشف متمرس ومغامر محترف، لكن صوت هدير مياهاً كان يشده أن يتتبع أثره، فسار عدة عشرات الأميال والصوت لايزال يُسمع بل ويشتد، ليجد نفسه أمام إحدى عجائب الطبيعة، حيث يقوم هذا النهر العنيد بتفريغ كل مياهه في خندق ضيق، بعد أن يعمل شلالاً بعرض ميل (1.7 كلم) وعلواً أكبر من ارتفاع شلالات نياكارا ذائعة الصيت، لتسقط بمشهد مهيب في فجٍ عميق بأشد قوة تدفق لمياه على وجه الأرض.
وقف الرجل مشدوهاً، وليعود براً إلى حيث مصب النهر ويبدأ جولة أسهل لتتبع النهر من مصبه، حوالي ثمانمائة كلم من دلتا مصب النهر وليجد نفسه مذهولاً أمام ستارة عملاقة بيضاء اللون، هذه الستارة تعمل كحاجز (رباني) يمنع أية رحلة من الاستمرار في النهر.

نهر الزامبيزي الذي يعني اسمه نهر الحياة، هو النهر الوحيد الذي لم يتم إستكشافه بشكل كامل حتى اليوم، يقول سكان المنطقة عنه بأنه صاحب الروح التي تحاكيهم وتجلب لهم المياه والأسماك، لذا أسموه بنهر الحياة.
أما شلالاته هذه فهي بحق قلب أفريقيا النابض كونها أكبر (ستارة) مائية على وجه الأرض، وواحدة من عجائب الدنيا الطبيعية التي تتربع في مقدمة لائحة التراث العالمي.

إن الرذاذ المنبعث نتيجة التدفق الشديد للمياه ولأربع وعشرين ساعة في اليوم شكل حولها غابات مطيرة هي الغابات الوحيدة التي لا تعتمد على الطقس، وتحتوي على تنوع نباتي وحيواني فريد.
... وإذا كان مشهد (قوس قزح) مألوفاً طيلة ساعات النهار، فإن (قوس قزح قمري) لا يمكن مشاهدته ببقعة أخرى على الأرض، يحدث في الليالي الصافية المقمرة، يرسم أقواساً كالألعاب النارية على ارتفاع يصل لألفي متر في السماء.

عماد حياوي المبارك

× لم يجرِ تسمية هذه الشلالات باسمها المحلي (موسي وا تونيا) أي الدخان الذي يُطلق الرعد، بل فضل المستكشف (ديفيد ليفنغستون) إطلاق أسم ملكته عليها، بعد أن أبهرته في العام 1855 حين حالت دون تقدمه باتجاه مصب النهر، هذه الوقفة كانت جديرة بأن يخلدها للتاريخ.



#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)       Emad_Hayawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عادلون
- رحلات الصد ما رد...
- أذكياء لكن... أغبياء
- شكراً عم (جيليت)
- حارث
- مَثار النقعِ
- ختيارية زمن الخير
- دينار... أبو العباس
- هنا شارع السعدون
- عناكب
- شادي
- طوبة كريكر
- طابع أبو الدينار
- مجرد خلخال
- دقّ الجرس
- حدث في (الفاكانسي)
- وقودات
- (الله سِتر) !
- مَن القاتل؟ ج 3
- من القاتل؟ ج 2


المزيد.....




- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - عماد حياوي المبارك - فيكتوريا