|
ثقافة الخوف في المجتمع الاسرائيلي
محمد الحاج ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 1334 - 2005 / 10 / 1 - 11:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الخوف حالة يعيشها الفرد نتيجة ظروف يخضع لها فتخلق لديه هاجسا يؤرقه،وحالة يعيشها المجتمع نتيجة ظروف داخلية تخلق إحباطا فيه، وخارجية تخلق بلبلة. في البلدان العربية تَشَكّل الخوف بحكم المكرمة التي تفضّلت السلطات الحاكمة على شعوبها بها وذلك ببناء مؤسسات خاصّه تتوفر على كل التجهيزات والمعدات اللازمة لصناعة الخوف لدى مواطنيها ومنها: السجون بما تميزت عليه من سحق لإنسانية الإنسان ،وزوّار الليل الذين يزرعون الرُّعب في قلوب الرجال والنساء والأطفال مع جيرانهم وأهل الحي ، والسجّان مُدمن وعي التشفّي، وأدوات التعذيب التي تُصلصل عظام المساجين وأعمدتهم الفقرية ، التي روى عنها المولودون الجدد/أي الخارجين من السجون بعد سنين قضوها دون تحقيق أو سؤال/روايات تمنع على سامعيها النوم لأيام،وهذه تُشكّل ثقافة الخوف لمُجتمع فتُحبطه. في المجتمع الاسرائيلي تكرّمت قياداته السياسية على اليهود المنتشرين في العالم بأن جلبتهم من أماكن تواجدهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ومن حالة الاستقرار التي كانوا يعيشونها في الغرب والشرق والشمال والجنوب من العالم إلى فلسطين بوعود شكّلت حلما حقيقيا لهم بحثا عن الرفاه النوعي القافز في أرض الميعاد. جاء هؤلاء من بلدانهم الهادئة إلى فلسطين ليعيشوا مع الموت القادم في كل لحظة نتيجة العمليات الفدائية التي كانت تُنفذها المقاومة لتحرير أرضها المُغتصبة،فتحولوا بالمعنى العصبي والنفسي إلى حياة من نوع آخر خالية من الاستقرار، أي تورّطوا بهذا النمط من العيش، فعاشت أطفالهم بهذا المناخ تُعاني من اضطرابات عصبية ونفسية نمت مع الزمن فأصبحت وعياً جديداً ومُكوّن جديد من البناء النفسي. منذ احتلال فلسطين وقدوم اليهود لها لم يستقرّوا بحياتهم اليومية، إنما حل مكان الاستقرار قلق من الموت بتفجير في الشارع،أو المقهى،أو الحافلة وحتى البيت،هذا النمط من الحياة يعكس في نفوس الأطفال وضعا يجعلهم ضحية لعبة كبيرة اسمها أرض الميعاد،فيُضاف إلى الذعر الناتج عن هذه العمليات تكوّن ذات عدوانية للانتقام ممن قتل والدهم،أو والدتهم،أو..أو..الخ، أي تحوّلوا من أطفال كان يمكن لهم أن يعيشوا طفولتهم الطبيعية في البلدان التي قدموا منها، إلى أطفال مُشوّهين انتقاميين وهذه سمة أطفال إسرائيل العامة حيث التوتر في كل فلسطين. هذه الطفولة التي كانت في بداية احتلال فلسطين صارت رجولة اليوم، وهي سلسلة من الإنتاج البشري الذي يحدد التغيّر في المجتمع الإسرائيلي نحو الاضطراب والعدوانية/لن أدخل في الجانب الاعتقادي اليهودي/ الناتجة عن الصراع اليومي الذي يعيشونه مع العرب،وبهذا يكون قادة إسرائيل قد تفضّلوا على يهودهم وأبناء دينهم بتغيير بنيتهم النفسية من الاستقرار إلى الاضطراب، وذلك من جرّاء الحياة اليومية القلقة التي يعيشونها مع الوعود بالاستقرار الذي لم يتحقق بحكم ظلم شعب شُرّد وظُلم وطُرد من أرضه بالقوة الباغية، ويرد على البغي بما يملك من وسائل. هذا المُكوّن الجديد في التركيبة النفسية جعل الأم تُربي طفلها على الاضطراب الذي أدمنته والذي تنقله لطفلها بحكم العلاقة المباشرة بينهما ، وذلك بحكم التوقعات اليومية للموت، والخوف على الزوج في عمله وأثناء قدومه في الطريق حتى الوصول سالما،وخوف الزوج على زوجته وأطفاله وهو يُمارس عمله،ولاتنتهي الرواية هنا بل تبدأ بطريقة التحدث بين الزوجين عن قلق الزوجة بغياب زوجها، وإن كانت عامله قلقها على الأولاد البعيدين عنها بحكم العمل، ويبقى القلق محور كل المواضيع المطروحة بين الزوجين حتى طرح فكرة الهجرة والبحث عن الأمان في مكان آخر بحثا عن مستقبل آمن لأولادهم ككل الآباء ،فهذه هي حياة اليهود في فلسطين رغم الاستقرار الظاهري. بعد الانسحاب من غزه تابعتهم صواريخ المقاومة لقناعة رجالها حقهم بتحرير أرضهم من هؤلاء، والمنسحبين عاشوا حالة تشرد وتململ فأدركوا أن وجودهم ليس لأسباب الحقوق التاريخية التي أقنعوهم بها في بلاد الأصل، بل لعبة سياسية استفاد منها مروجوها على حساب من مات منهم في هذا الصراع، وأدركوا أيضا أنهم جاؤوا لاحتلال أرض الغير وليسوا عائدين إلى أرض الأجداد، وذلك عندما شاعت بين اليهود في اسرائيل فكرة احتلالهم أرضا ليست لهم، فأدركوا أن قياداتهم قد لعبت بالتاريخ والآن انجلى كل شيء. أزمة اليهود في فلسطين لم يعيشها غيرهم إذ أنه من غير الطبيعي أن يعيش شعبا بأكمله هاجس الخوف،وأن تكون أحاديث السهارى عن هذه القضايا،وأن يهتز كل من يسمع صوتا ويركض للاختباء أو للمواجهة، إنهم شعب كُتب عليه الذلة والمسكنه. تابعت الانسحاب من غزه في التلفزيون، وكنت أراقب الإرباك أثناء تنفيذ ذلك بين باك وشاتم ومُتذمّرٍ،حيث اعتادوا العيش في هذه البقعة المسروقة من أهلها وأصحابها، فجاء الجيش ليُخرجهم منها غصبا تنفيذا لمخططات ورغبات القيادة المُقتنعة بأنهم غرباء عن هذه الديار، وكم هو صعب عيش مجتمع بأكمله في مستوطنات وليس مدنا، إذ أن العالم كله يعيش في قرى ومدن أصيلة وتاريخية لكل كيان سياسي، إلاّ هذه الدولة فيعيش أهلها في الشتات الداخلي القائم على الخوف من اللحظات القادمة، لما تحمله من دفاع أهل الحق والأرض وهم الفلسطينيون. الانسحاب من غزه كوّن فكرة لدى المستوطن الإسرائيلي وهي الانسحاب من يافا/ التي سُميت فيما بعد تل أبيب، وذلك عندما ضغطوا يافا المدينة بالقوة ووسّعوا حي تل أبيب الذي يقطنه اليهود، وهو أحد أحياءها على حساب المدينة التي سُمّيت فيما بعد مدينة تل أبيب نسبة إلى هذا الحي،طبعا تم توسيع الحي بالقادمين الجدد من كل حدب وصوب من يهود العالم، بأن بنوا فيها مساكن وشقّوا طرقات ووسّعوا شبكتي المياه والصرف والكهرباء على حساب المدينة التاريخية التي كانوا يمنعون أي تطوير فيها للعرب فحوّلوها إلى أطلال/إذ أن المشروع الذي جاء على أساسه أن فلسطين بالكامل هي أرض الميعاد فإذا بأرض الميعاد تُصبح جزءا منها وبذلك يفقد هذا المستوطن ثقته بهذا التاريخ المُفبرك. الاضطراب سمة المجتمع الاسرائيلي بأكمله،فالقلق والخوف حديث الكبار والصغار في العمل والمطعم والطريق والسهرة والنزهات وكل نواحي حياتهم،واليأس بنية المجتمع الذي لم يعد يجد حلولا بعد هذا الزمن من الوجود على هذه الأرض،وبعد هذا الصراع الدامي مع السكان الأصليين،وهذه العوامل خلقت مُكّون نفسي لمجتمع بأكمله وهذا من غرائب الأمور حيث التغاير موجود في الطبيعة والحياة وكل المجتمعات إلاّ في هذا المجتمع المُستثنى فيتقاطعون جميعا بالخوف من الموت في اللحظات القادمه.
#محمد_الحاج_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من لورانس إلى ميليتس
-
قصيدتي لحبيبة ضيعتها
-
الورشة السورية لرد العدوان
-
الأصولية - تحديات الحريه
-
هدى لم تكن ضحية جريمة الشرف
-
المنظمات الحقوقية بين الدفاع والرصد
-
أزمة الخطاب المعارض للاستبداد
-
بين التحقيقات اللبنانية والانتخابات المصرية
-
إشكالية الذات في الوعي الثقافي العربي
-
المحاكم الثورية - الورقة المحروقه
-
عثرات المجتمع المقهور
-
بين الوعد الالهي والانسحاب من غزه
-
الشباب - الحلقة الضائعة في المجتمعات المضطربة
-
كيف يتحرر اليسار من التهم الموجهة له
-
المعارضة بعد خمس سنوات من العلنيه
-
التثاقف بين النصية والابداع- مهمة الشباب
-
الحزب السياسي في دائرة الشلليه
-
الطبقية بين الثابت والمتحول
-
الحق -الدفاع عنه:هل هما نقيضان
-
القضاء في النظم التسلطية
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|