مشاتي بلاد شغاتي

نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4808 - 2015 / 5 / 16 - 16:12
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

مشاتي بلاد شغاتي
نعيم عبد مهلهل

يعرفُ الأوربيون المدينة التي ولدت قرب رمالها الممتلئة بخوذ الجنود الصدئة وسكراب العربات العسكرية لحروبٍ لا تحصى .
المكان المحتفي بالخيال قبل الواقع والذي كان قبل بضع ألوف السنين معابده أكثر من بيوته السكنية وقصور ملوكه أكثر من محطات القطار في كل عموم سومر وأكد وبابل وأشور حيث يعبر منها طوروس مغادرا مشاتي قرى القصب والماء والنخيل الى شتاءٍ متجمدٍ والنار فيه لاتدفيء أبداننا ، من يدفئنا هو الخواطر التي نكتبها حنينا الى هناك.
ويعرفون أيضاً أن هذه المدينة حملت في رحمها نبي ساع الى الترحال والكشف أن النور في روح البشر يسمى أبراهام ، ويعرفون أيضا أن هناك شعب بيئته المياه مثلما البندقية الإيطالية ولكن كل مساكنهم مبنية من القصب وأغلب غذاءهم السمك ويشربون حليب الجواميس أكثر من الماء وانهم سنوات تسعينيات القرن الماضي اصبحوا جزءاً من قضية عالمية عندما قررت الحكومة تجفيف الاهوار وتغير نمط الحياة وطمر بيئة ولدت منذ طوفان نوح وسَفر جلجامش وحتى ردم نصف هور الجبايش لشق طرق تعاونية وتعليات ترابية لأسناد وأمداد الجبهات القريبة في اهوار الحويزة والقرنة والعزير والدير.
الاثاريون والمنقبون وقناصل الدول الكبرى الذين كانوا أول من تاجرَ بآثار وموروث هذا المكان يسمونها بلاد سومر وأكد ، والاغريق يسمونها ميزوبوتاميا ، ونحن معلمو مدرسة البواسل في قرية أم شعثه نسميها ( بلاد شغاتي ) .
ربما شغاتي وقتها لم يفقه معنى هذا اللقب الذي يعتقده البعض منا أنه تندرا ، فيما كنت انا اظنه حقيقة لاعتقادي أن هذه البلاد اقرب الى شغاتي من أي ملك او قيصر حكمها ، وعندما سألته مرة :ما رأيك بتلك العبارة ( بلاد شغاتي ) .قال لا أفهم ماذا تعنيه بل افهمها حين تقول قرية شغاتي.
الآن الحنين الى بلاد شغاتي يأتي من خلال الحنين الى تلك المشاتي التي كانت تأوي اليها الطيور من كل انحاء العالم لتنعم بمشاتي بلاد شغاتي وكنت حينها عندما اشاهد اسراب بط الخضيري قادمة من الصين والسنونو آتية من بلاد البلطيق اقول له : تلك الطيور آتية لمشاتيك يا شغاتي.
يرد : وماذا تعني المشاتي .؟
قلت :شتاء الأهوار.
قال :اهلا بها أنها ضيوفنا.
قلت :ولكنكم تصطادون الضيوف .؟
قال :هي تأتي متبرعة لتسد حاجة بطوننا من اللحم.
الآن من نافذة شقتي حيث بدأ الثلج يتساقط بهدوء خطوات عصا البصير ، أراقب الآن طير سنونو قلما اراه هنا في المانيا . واتساءل لماذا لم يهاجر الى مشاتي بلاد شغاتي.
يرمقني الطائر بنظرة ولسان حاله يجيبني : شغاتي توفى منذ سنوات ولم تعد البلاد بلاده.
تتجمع دمعتان في عيني وأنا اتذكر قامة ذلك الطيب بدشداشته البيضاء و( بالطوه ) الطويل وهو يعيش بيننا يتعلم هجاء وكتابة الحروف وشيئا فشيئا صار يقرأ الكتب ويناقشنا بذكاء وفطرة وحماس.
ويوم صدق أن البلاد تحمل اسمه ، اخذ العلم القديم الذي بدلناه بعلم جديد على السارية الخشبية وسط ساحة المدرسة .
غسله وعاد جديدا ووضعه على بوابة بيته..........!

#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات