كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 4805 - 2015 / 5 / 13 - 22:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حين انتصرت انتفاضة الجيش العراقي بقيادة حركة الضباط الأحرار وعلى رأسها الزعيم الركن عبد الكريم قاسم في 14 تموز 1958، عمد الشعب المنتفض مع الجيش إلى احتضانها وتحويلها إلى ثورة شعبية بأمل وهدف أن يحقق بها مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية التي ناضل من أجلها الشعب العراقي طيلة الفترة التي بدأت بانتفاضتي 1918 بالنجف و1919 بالسليمانية وثورة العشرين 1920 التي شملت العراق كله وما بعدها من انتفاضات ووثبات راح ضحيتها الكثير من أبناء وبنات العراق، كما بالسجون المئات من المناضلين وأعدم العشرات منهم.
وعلى أثر ذلك صدر الدستور العراقي المؤقت عن مجلس السيادة والحكومة والذي تضمن لأول مرة المادة الثالثة التي نصت على ما يلي:
"المادة (3): يقوم الكيان العراقي على أساس من التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية." (راجع: القاضي وائل عبد اللطيف الفضل، دساتير الدولة العراقية للفترة 1925-2004، جمع وترتيب وتعليق، بغداد 2005، ص 59). وقد استبشر الشعب خيراً من اتجاه تطور الأحداث وعودة الملا مصطفى البارزاني، باعتباره قائداً للشعب الكردي، إلى العراق من منفاه في الاتحاد السوفييتي. وبدت وكأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح. إلا إن عدة عوامل أساسية أعاقت تطور الأحداث بالاتجاه السليم حينذاك. فإلى جانب التآمر الخارجي المتفاقم الذي شاركت فيه دول حلف السنتو (حلف بغداد) إضافة إلى شركات النفط الاحتكارية وتأثيره المباشر على تطور الأحداث، يمكن وضع اليد على العوامل الداخلية الأساسية في الآتي:
1. تخلف قيادة الثورة عن البدء بترتيب الحياة الدستورية والسياسية الديمقراطية بالبلاد من خلال وضع الدستور الدائم وإجراء انتخابات العامة والبدء بوضع القوانين الديمقراطية وتسليم السلطة إلى المدنيين بدلاً من بقاء السلطة بيد القوات المسلحة وحرية تشكيل الأحزاب السياسية وتأمين وجهة تطور ديمقراطية بالبلاد.
2. ومنذ الأيام الأولى لانتصار الثورة بدأ الصراع بين التيارات السياسية العراقية من خلال الدور التخريبي الذي مارسته القوى القومية والبعثية العراقية والعربية التي نادت مباشرة بوحدة العراق مع سوريا ومصر، وجاء رد فعل المواطنين والمواطنات، وفي مقدمتهم مؤيدو عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي العراقي والقوى الكردستانية، بالدعوة إلى دولة فيدرالية وليس وحدة كاملة كما دعت لها القوى القومية والبعثية بأمل وضع العراق تحت الوصاية المصرية والقوى القومية العربية اليمينية.
3. ومما زاد في الطين بلة في تحرك القوى المناهضة للوجهة الديمقراطية صدور التشريع الديمقراطي المهم الخاص بالأحوال الشخصية ثبت فيها الكثير من الحقوق للمرأة العراقية وضد تعدد الزوجات والذي أثار القوى الإسلامية السياسية، الشيعية منها والسنية، والتي تصدت لحكومة عبد الكريم قاسم وشاركت في التآمر عليها واتهام الوضع القائم بالشيوعية!
4. وعمق المشكلة فيما بعد الموقف الذي اتخذه قاسم من الكويت ودعوته لتكون جزءاً من العراق التي أثارت بريطانيا وشركات النفط الاحتكارية وشعب الكويت. وكانت هذه الدعوة بمثابة هروب إلى الأمام من تعقيد الأوضاع في الداخل وبأمل لملمة الصفوف، وأدت إلى عكس ما كان يسعى إليه.
5. وبصدد القوى الكردستانية فأن الدستور المؤقت قد تضمن المادة الثانية:
المادة (2): العراق جزء من الأمة العربية. (المرجع السابق). ولم يثر هذا النص الشعب الكردي ابتداءً، إلا إن الصراخ المستمر بالوحدة العربية من جانب القوميين والبعثيين والتركيز على هذه المسألة أثار الكرد بشكل عام، والقوميين منهم بشكل أخص، لأنه كان يعني أن الشعب الكردي وكردستان هما أيضاً جزء من الأمة العربية والوطن العربي. وطالبوا تأكيد إن أي وحدة مع الدول العربية الأخرى يفترض أن يحقق للشعب الكردي حقوقه القومية المشروعة والعادلة، وكانوا إلى جانب الدولة الفيدرالية. وهنا احتدم الصراع وشن القوميون والبعثيون العرب في كل مكان حملة ظالمة ضد الكرد وضد مسيرة الجمهورية العراقية.
ومع التراجع في مسيرة الثورة وتفاقم النشاط التآمري ضد الجمهورية وعجز عبد الكريم قاسم عن مواجهة التدهور في الوضع، تفاقمت العلاقات السلبية بين القيادة العسكرية العراقية وقيادة الشعب الكردي متمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه الملا مصطفى البارزاني. وبدلاً من إعمال العقل لتجاوز احتمال التدهور في العلاقات، أعطى رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة أوامره إلى القوات الجوية بقصف مناطق البارزانيين، مما أدى إلى قتل الكثير من الأبرياء من النساء والأطفال والرجال. ورغم المظاهرات التي طالبت بشعار "الديمقراطية للعراق والسلم لكردستان"، لم يستمع قاسم إلى صوت العقل ولم ينتبه إلى تفاقم المشكلات عليه وعلى حكومته وبالتالي العواقب الوخيمة المحتملة. وكان إصراره على قصف المناطق الكردية بداية لإعلان ثورة أيلول/سبتمبر 1961 بكردستان العراق من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني وزعيم الملا مصطفى البارزاني. وكانت واحدة من أكثر النقاط حسماً في نشوء تحالف واسع محلي وإقليمي ودولي ضد حكومة عبد الكريم قاسم والذي انتهى بانقلاب شباط 1963 الفاشي الدموي الذي أعلن منظموه، البعث والقوى القومية الناصرية، الحرب ضد الشعب الكردي حالما اعتقدوا باستقرار الوضع لهم. وأعد بنذالة قادة ثورة تموز ومن ثم قادة الحزب الشيوعي العراقي وقتل الكثير من الشيوعيين والديمقراطيين وزج بالآلاف بالسجون والمعتقلات وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب.
ومع هذا الانقلاب القومي- البعثي المسند من الخارج تشكلت سلسلة من النظم السياسية الاستبدادية والحروب الدموية ضد الشعب الكردي ونحو الخارج. ولدي القناعة التامة لو أن النضوج الفكري والسياسي الديمقراطي قد توفر لدى القوى الديمقراطية العراقية، العربية منها والكردية، والعقلانية في التفكير والدفع باتجاه تحقيق الأهداف بروية وصبر نضالي مطلوب من جانب الشعب الكردي وقيادته السياسية، ولو كانت الحكمة الضرورية قد توفرت لدى عبد الكريم قاسم ومارس العقلانية في الموقف من الحياة الدستورية والديمقراطي والتخلي عن الفردية في الحكم وعقلن الموقف من القضية الكردية لكان الشعب العراقي قد تجاوز كل الذي مرّ به منذ العام 1963 حتى الآن. ولكن كل ذلك لم يكن متوفراً حينذاك.
استولت القوى البعثية والقومية على السلطة بعد إطاحتها بحكومة قاسم. ولكنها لم تستفد من التجارب المنصرمة, بل صممت على خوض الحروب ضد الشعب الكردي واعتبرتها "نزهةً ربيعية" منطلقة في ذلك من ذهنيتها الشوفينية والعسكرية التي لا تعرف سوى لغة القوة والحرب في معالجة المشكلات الداخلية والرفض الصريح لحقوق الشعب الكردي القومية وحقوق القوميات الأخرى. قادت تلك السياسات إلى المزيد من نزيف الدم, إلى الموت والدمار والخراب, ولكنها انتهت أيضاً بسقوط ذلك النظام الفاشي والذي تلاه, لإنه مارس عملياً نفس السياسة العدوانية.
وأخيراً جاء نظام البعث الصدامي إلى الحكم ثانية. ومنذ عام 1968 حتى سقوط النظام تحت ضربات التحالف الأمريكي-البريطاني في العشر من نيسان عام 2003 عاش الشعب العراقي مأساة مريرة بلغ عمرها 35 عاماً تقريباً وتميزت بكونها أسوأ العهود والنظم التي عرفها العراق الحديث على الإطلاق.
وتحت ظروف خاصة وموازين قوى معينة أجبر نظام البعث على الاعتراف بوجود الشعب الكردي في كردستان العراق وأقرَّ ببعض حقوقه وفق اتفاقية آذار من عام 1970. ولكن قيادة البعث كانت منذ البدء تقدر بأن هذه الاتفاقية ليست سوى مرحلة عابرة وقصيرة يفترض التحضير في أثناء ذلك بما يساعد على كسر شوكة الشعب الكردي. فبدأت بمحاول نسف المشروع ابتداءً والتآمر على القيادة الكردية من خلال تنظيم عملية اغتيال فاشلة ضد قائد الحركة الكردية الملا مصطفى البارزاني, والسعي إلى سلب المضامين الديمقراطية الأساسية لمشروع الحكم الذاتي وجعله مجرد حكم شكلي يخضع للقيادة البعثية, إضافة إلى تقريم منطقة الحكم الذاتي من خلال قطع بعض أوصالها عنها. وقادت هذه السياسة إلى تعقيد الأمور وإلى شن حرب دموية ضد الشعب الكردي وترويع الناس والتسبب في خراب القرى وهجرة السكان. وتسنى لنظام الحكم الاستبدادي, بدعم فعال من جانب حكومة شاه إيران وبموافقة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وترحيب الحكومة التركية, ضرب الحركة الكردية المسلحة في عام 1975. ولكنها هذه الحركة عادت لأنها تجسد مطالب مشروعة وعادلة لشعب اغتصبت إرادته وحريته وهمش على مدى عقود وعقود.
بعد ذلك شن النظام حروباً داخلية وأخرى خارجية ليبرهن على قوته ومستجيباً لأطماعه في المنطقة. فكانت المحن والكوارث تتوالى على رأس الشعب العراقي, وحصد الموت مئات ألوف العراقيين. ومع قرب نهاية الحرب العراقية الإيرانية نظم النظام ونفذ حملات ومجازر الأنفال مستخدماً الأسلحة الكيمائية ضد الشعب الكردي وضد قواه المسلحة وبقية قوى الأنصار, بمن فيهم العرب والأقليات القومية, في الفترة الواقعة بين شباط/فبراير وأغسطس/آب من عام 1988, نجمت عنها عواقب كارثية أصبحت الآن معروفة للجميع. إذ حصدت الرياح الصفراء القادمة من بغداد أرواح عشرات ألآلاف من البشر, كما أصبح مصير عشرات الآلاف الأخرى غير معروف. لقد كانت أبشع مجزرة عنصرية وإبادة جماعية ترتكب بحق الشعب الكردي في العراق في القرن العشرين، إذ بلغ مجموع من استهد أو غيب 182 ألف مواطن كردستاني/ ما يزيد عن 98% منهم من الكرد، كما نفذت إبادة جماعية ضد الكرد الفيلية.
لقد نفذت المجزرة الدموي ضد الشعب الكردي بدناءة وخسة بالغتين. وقد تم كل ذلك باسم العروبة والقومية وحماية الوحدة العراقية والعربية! ولم تنقطع سلسلة الاعتداءات على الشعب الكردي بل تواصلت في أعقاب انتفاضته وانتفاضة الشعب العراقي كله في ربيع عام 1991 والتي اضطر أكثر من مليون إنسان كردستاني وعشرات ألآلاف من العرب وغيرهم إلى الهروب وترك العراق. وكانت الحصيلة مرعبة. ورغم كل ذلك بقى النظام حتى سقوطه يعول على استخدام القوة والحرب لمعالجة القضية الكردية, رغم خروج القسم الأعظم من الأرض الكردستانية من دائرة حكمه وخضوعها للحماية الأمريكية, إذ أنه لم يترك فرصة إلا واستخدمها لتحقيق أهدافه الشريرة.
إن تجارب أكثر من تسعة عقود من عمر الدولة العراقية في عهديها الملكي والجمهوري تؤكد بما لا يقبل الشك ما يلي:
1 . إن الموقف من المسألة الكردية نشأ مع نشوء الدولة العراقية, هذا النشوء غير الديمقراطي والتربية العثمانية الاستبدادية والرؤية القومية والدينية المتعصبة والقاسية والمتسمة بالعنف في آن واحد. وانعكس ذلك في سلوك الحكام وأجزاء من المعارضة العراقية على امتداد الفترات السابقة. وزاد في الطين بلة موقف سلطات الاحتلال البريطانية الاستبدادي والاستعماري الاستغلالي من القضية الكردية وسعي هذه السلطات إلى تهميش دور الكُرد في المنطقة ومنع إقامة دولتهم الوطنية المستقلة على أرض كُردستان, والإصرار على تجزئتها. فالموقف الشوفيني, وفيما بعد العنصري, والاستبدادي من قضية الشعب الكردي حمل معه نهجاً مؤسسيا ثابتاً للدولة العراقية شاركت في صياغته وتنفيذه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على امتداد العقود المنصرمة.
2 . وهذا لا يعني أن النظم السياسية التي وجدت في العراق كانت كلها تسير على خط واحد إزاء المسألة الكردية, إذ برز بعض التباين في سلوك النظم المختلفة, ولكن الموقف الجوهري من حقوق الشعب الكردي ومن حقه في تقرير مصيره كانت في الجوهر واحدة. ففي الوقت الذي استخدم الجميع العنف لإخضاع الشعب الكردي تباين هذا العنف في فترات العهد الملكي عنه في عهد البعث الأول وعهد القوميين ومن ثم في عهد البعث الثاني. وكان الاختلاف في شدة وقسوة العنف لا في وجوده وممارسته. ولكن النظم اللاحقة بنت عنفها وسياساتها على ما أرساه العهد الملكي من نهج عدواني في هذا الصدد. يضاف إلى ذلك حالة التهميش والإقصاء التي عاني منها الشعب الكردي.
3 . أن الرؤية الأولى إزاء المسألة الكردية ليست فقط قاصرة وعاجزة عن تحقيق الأهداف التي ترمي إليها, بل خاطئة وخطرة ومليئة بالاستعلاء القومي والعدوان والرغبة في الهيمنة والاستغلال وتعبر عن شوفينية لا تحترم حتى قوميتها, وأنها لن تقود لاحقاً إلا كما أدت إليه في السابق, أي إلى مزيد من هدر الكرامة والدماء والدموع والخراب والدمار الواسع والخسائر البشرية والمادية, وأنها لا تحصد سوى الريح العاتية لأنها لا تنسجم مع طبيعة الإنسان وحاجاته وحقوقه المشروعة في القرن الحادي والعشرين. ومن المناسب أن نشير هنا إلى أن مجموعات من القوميين العراقيين قد أدركوا هذه الحقيقة وتبنوا رؤية أخرى أكثر ديمقراطية ووعياً بواقع العراق وحاجات الشعبين العربي والكردي والقوميات الأخرى. وهي وجهة سليمة ومنصفة وتدل عن استعداد ذاتي للتعلم والاستفادة من دروس الماضي لصالح المستقبل. ويمكن أن يشار هنا إلى حركة الاشتراكيين العرب التي يقودها الصديق عبد الإله النصراوي ومعه الصديق الدكتور قيس جواد العزاوي.
وخلال الفترات المنصرمة لم تتوفر فرص مناسبة لرؤية أخرى لممارسة مضامين نهجها الديمقراطي في التعامل مع القضية الكردية وسبل الحل السلمي واستخدام الآليات الديمقراطية الضرورية لتحقيق الغاية المنشودة. وهو ما يفترض التركيز عليه وتبنيه. وكان الأستاذ الراحل والسياسي القدير عزيز شريف, الذي وضع نفسه في خدمة السلم والديمقراطية في العراق, قد طرح ولأول مرة ومنذ أربعينيات القرن العشرين الحل العلمي والديمقراطي السليم للمسألة الكردية مؤكداً حق هذا الشعب في تقرير مصيره بنفسه, بما في ذلك حق الانفصال وإقامة دولته الوطنية المستقلة على أرض كردستان. كما ناضل بحيوية من أجل هذا الهدف.
ورغم التناقضات التي تلف عالمنا المعولم الراهن واختلال شديد في القيم, فأن القيم العامة والشاملة ما تزال وستبقى تدفع بالناس للنضال في سبيلها, وأبرزها قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, قيم العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات, تلك القيم التي تعترف للشعوب بحقوقها العادلة والمشروعة بما فيها حقها في الانفصال وإقامة دولها الوطنية المستقلة على أرض وطنها. أي أن الاعتراف بالحقوق والواجبات والاحترام المتبادل يعتبر الطريق الوحيد المناسب للتعامل الدولي بين شعوب تعترف بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وتحترم نفسها.
كان وما يزال نضال الشعب الكردي موجهاً صوب خمس مسائل جوهرية, وهي ليست كثيرة ولا بعيدة عن الواقع, إذ إنها تشكل جزءاً من حقوقه المشروعة, وهي:
• الاعتراف له بحقه الكامل في تقرير مصيره بنفسه على أرض وطنه بكل حرية وفي أجواء الديمقراطية وسيادة الشرعية, بما في ذلك حقه في الانفصال وإقامة دولته الوطنية المستقلة. إن هذا الحق ينبغي أن يعترف به من حيث المبدأ ويصان, ويكون له الحق في ممارسته متى شاء ذلك وفي ظروف يقررها وحده؛
• الاعتراف الواقعي بأن الشعب الكردي جزء من الأمة الكردية الموزعة على أرض كردستان الممتدة في أراضي دول المنطقة الأربع، إيران وتركيا والعراق وسوريا؛
• الاعتراف له بحقه في المشاركة في إرساء دعائم دولة عراقية جمهورية اتحادية (فيدرالية) تستند إلى دستور ديمقراطي وحياة حرة وتعددية سياسية تحترم حقوق القوميات والأديان والمذاهب والفلسفات والآراء المختلفة وتعترف وتمارس حقوق الإنسان وتقيم علاقات صداقة وتعاون واعتراف بالدول المجاورة وحدودها الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب الأخرى وتعالج المشكلات الداخلية والخارجية بالطرق السلمية ووفق الآليات الديمقراطية المعترف بها دولياً.
• الاعتراف له بحقه في استخدام ثرواته وخيراته لصالح تنمية الاقتصاد الكردستاني في إطار خطة إقليمية تنسق وتتكامل مع خطة إقليمية عربية وأخرى مركزية تشمل العراق كله, بما يساعد على تجاوز التخلف والأضرار الفادحة التي لحقت بالشعب الكردي وإقليم كردستان وبقية مناطق العراق.
• العمل على تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي الذي أقر في العام 2005 الخاصة بما أطلق عليها "المناطق المتنازع عليها" والكف عن المماطلة والتسويف في ما يخص كركوك وخانقين وغيرها من المدن، إذ بدون ذلك سيبقي الصراع ويتحول إلى نزاع لا تعرف عواقبه.
فهل في هذا ما يتناقض مع مصالح الشعب العربي في العراق ومع بقية القوميات التي كانت وما تزال تعيش في هذه المنطقة من العالم؟ ليس في ذلك ما يتناقض مع هذه المصالح, بل فيها كل ما يتطابق مع مصالح العرب وما يفترض في العرب أن يمارسوه إزاء أنفسهم وإزاء القوميات الأخرى التي تعيش على أرض العراق. أي أن من حق العرب الكامل أن يقيموا في المناطق العربية فيدرالية أيضاً وتشكل مع الفيدرالية الكردية الجمهورية العراقية الاتحادية أو الكونفدرالية ذات الحقوق والواجبات المتساوية, والتي تحترم حقوق القوميات والجماعات الدينية والمذهبية المختلفة. وينظم هذه العلاقة دستور ديمقراطي حديث ودائم وحياة برلمانية تعددية حرة وقوانين ديمقراطية ومجتمع مدني ديمقراطي.
إن قناعتي ثابتة في أن العراق المتعدد القوميات لا يمكن أن تبنيه قوى استبدادية وعنصرية وشوفينية أو قوى إسلامية سياسية طائفية وتميز بين أتباع الديانات والمذاهب وتختفي هوية المواطنة من قاموسها السياسي ولا تؤمن إلا بقوة السلاح في حل المشكلات الداخلية والخارجية. وبرهن الحكم الاستبدادي والعنصري المقبور على ذلك وعلى أنه غير مؤهل بالقطع ممارسة سياسات أخرى غير تلك التي مارسها حتى إسقاطه إزاء الشعب الكردي بشكل خاص وإزاء الشعب العربي والقوميات الأخرى بشكل عام. ومن هنا كانت الحاجة إلى ضرورة تغييره لتوفير المناخ الضروري لبناء عراق ديمقراطي اتحادي جديد ومزدهر. إن المستبدين في العالم, ومنهم صدام حسين, هم الأكثر انفصالية وتمزيقاً للمجتمع والبلاد بسبب السياسات العدوانية والعنصرية التي يمارسونها إزاء الشعوب المتآخية في بلدانهم. وصدام ونظامه شكلا الخطر الحقيقي على وحدة النسيج الوطني العراقي.
ومن المؤسف أن أشير هنا إلى إن النظام السياسي الطائفي القائم حالياً، وخاصة في فترة حكم نوري المالكي، الذي تميز بالفساد والغباء والعفترة، لم يتعلم من تجارب الماضي وأصر على السير في "درب الصد ما رد"، الدرب الذي أوصل العراق إلى الحالة التي هو فيه الآن. والسؤال هو: هل في مقدور السيد العبادي السير باتجاه آخر؟ من واجب السيد العبادي الإجابة عن هذا السؤال قبل فوات الآوان.
وأخيراً أود أن أذكر السيد أياد السماوي إلى إن لدى الأمة العربية 22 دولة، وبعضها، كما في حالة دول الخليج، بعضها قزمي الحجم من حيث المساحة والسكان، وبعضها لا يعدو أن يكون قضاء في دولة مثل العراق أو محافظة في دولة مثل مصر، في حين إن الأمة الكردية التي يتراوح عدد سكانها بين 30-35 مليون نسمة ولكنها محرومة من دولتها الوطنية المستقلة، وإن الشعب الكردي بالعراق الذي يشكل ما نسبته 17% من سكان العراق لا يحق له أن تكون له دولته الوطنية المستقلة. ألا يسأل السيد أياد السماوي نفسه كيف يجوز له أن يحرم الشعب الكردي من هذا الحق الثابت دولياً وإنسانياً؟ وأي منطق هذا الذي يتحدث به السيد أياد السماوي في مقاله الذي عنوانه "كاظم حبيب يريد تقسيم العراق" أو جمهرة من القوميين والبعثيين وجمهرة أخرى من الإسلاميين السياسيين الذين ينتهجون النهج ذاته؟ إنه منطق أفلج شوفيني وطائفي لا يصمد أمام الواقع وأمام المواثيق والعهود واللوائح الدولية التي تتحدث عن حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.
منذ 65 عاماً وأنا أتابع ما يجري بالعراق واستطيع أن أؤكد بأن الشعب الكردي لم يكن السبب في ما حصل له خلال العقود التسعة المنصرمة، بل كان حكام العراق هم وراء ما حصل من حملات عسكرية وانتهاكات لحقوق الإنسان وحروب ومجازر دموية وإبادة جماعية، فمتى يتحكم العقل والعقلانية بسياسة حكام العراق؟ هذا ما نسعى إليه ونأمل في بلوغه. وإذا كانت هناك بعض الأخطاء من القيادات الكردية، وكانت موجودة فعلاً، فإنها كانت بمثابة ردود فعل لسياسات التهميش والإقصاء والقتل والتدمير التي مارستها الحكومات العراقية المتعاقبة إزاء شعب إقليم كردستان. وحزب البعث الفاشي والجيش العراقي دمروا ما يقرب من 4250 قرية كردستانية وأكثر 200 ألف قتيل منذ مجيئه البعث إلى السلطة ثانية في العام 1968 حتى سقوطه في العام 2003. فقليلاً من العقل والمنطق والتفكير العقلاني والإنساني مطلوب منك أخي السيد أياد السماوي إزاء الشعب الكردي وعموم الشعب العراقي.
13/5/2015 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟