العراق ... دولة ام دول

رياض محمد سعيد
(Riyadh M. S.)

الحوار المتمدن-العدد: 4804 - 2015 / 5 / 12 - 21:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

قبل عام 2003 استطاعت القوى العراقية المعارضة لحكومة النظام السابق ان توحد صفوفها بمساعدة منظمات واجهزة مخابرات دولية مختلفة الجنسيات كل منها له مصالحه الاستراتيجية والمرحلية رغم اختلاف تلك الدول في سياساتها او عقائدها السياسية او الدينية ولا مانع من ان نقول الاقتصادية لأنه العنصر الاساس الذي يرفض الاعتراف به كل المتعاونين مع الاجنبي ... وحصل ما حصل في مؤتمرات لندن واربيل وغيرها ... كما استضافت بعض البرلمانات العالمية العديد من رموز المعارضة او المحسوبين على المعارضة وكانت جهود المعارضة تنصب على تشجيع واستمالة الدول المحبة والراغبة لأزاحة النظام السابق الى مهاجمة العراق عسكريا باسرع وقت لعلم الجميع ان العراق وصل الى اضعف نقطة بكل نواحي الحياة وخصوصا العسكرية بسبب الحروب والحصار وانتشار الفساد بشكل كبير ونتج عن كل ذلك العقوبات الدولية ومشاكل في الحياة الاجتماعية الداخلية للشعب العراقي مع شحة في الدواء والغذاء والخدمات بكل انواعها كل ذلك ولد ضعف ملموس لدى الفرد المواطن العراقي في الانتماء للوطن والتضحية للدفاع عنه وبالتالي حب الوطن الذي بات يسمى وطن دولة من ورق....
بالنتيجة وكما سجلت احداث التاريخ ادين العراق كدولة مارقة وادرج ضمن البند السابع من قانون مجلس الامن الدولي و تم تشكيل حلف دولي (من خلال مجلس الامن) لمهاجمة العراق عسكريا وتغيير النظام بالقوة باعتباره (العراق) دولة تشكل خطرا على دول الجوار والعالم وحصل ما حصل واسقط النظام الحاكم وسقطت معه كل مؤسسات الدولة المهمة في الامن والدفاع ووزارات الدولة كافة واستبيحت كل موارد الحكومة وما كان يسمى دولة عراقية ولولا الخير والطيبة التي في نفوس الشعب العراقي وما طبع في نفوس اهل العراق من الايمان الديني الاسلامي لكان حال العراق كما حصل من قتل واستباحة للأنسانية في راوندا اواكثر .
وما حصل في العراق يمكن وصفه بنقطة الانعطاف الكبير في استحواذ الاحزاب السياسية المذهبية والطائفية على الساحة السياسية في العراق مع قليل من الوان الطيف المذهبي او الديني او القومي للسنة العرب والاكراد والصابئة والأيزيديين وغيرهم من الوان الطيف العراقي وبمشاركات شبه رمزية لبعض القوميات والفئات السياسية ، وكان هاجس اجتثاث حزب البعث والبعثيين هو السمة الظاهرة لكونه كان الحزب الحاكم في العراق ابان ثلاثة عقود عاشها الشعب العراقي وكان رأس الحكم في النظام السابق الحاكم محسوب على السنة واستغلت ذلك الاحزاب المذهبية الشيعية بأحسن استغلال لتبرز وتضخم هذه الصفة بقصد الاستحواذ على السلطة و اباحة العمل بكل ما يمكن للحفاظ على امن وسلامة الحكم من الدكتاتورية على حساب المذهب السني رغم انهم كغيرهم (السنة) من العراقيين سنة وشيعة واقليات عانوا ما عانوا من اهوال واخطاء النظام السابق ، اضافة الى ما سبق فقد كانت المعارضة في الخارج وخصوصا ممثليهم كانو الاغلبية من الشيعة ، خصوصا ذات الصبغة الدينية المذهبية والتي كانت تدعمها وتمولها ايران ، لهذا كانت اميركا تتعامل مع واقع الحال فمعظم القادة الجدد كانو من المذهب الشيعي وبالمقابل كانت هناك احزاب مذهبية سنية محسوبة على السعودية او تركيا كما هو الحال مع الشيعة والدعم الايراني ، ولا ننسى الاحزاب العلمانية التي تتناصف مع الاحزاب الدينية في مذهبيتها رغم انها علمانية.
واستطاعت القوى السياسية ان تروج عبى سبيل الاستقواء والاستمكان ان الصبغة السائدة لمعظم السنة انهم بعثيين او سنة متعاطفين مع النظام الحاكم السابق اومنهم المتطرفين طائفيا او السلفيين في نظرتهم للدين.
من هنا بدأ البلاء في العراق الديمقراطي السياسي الجديد ... الا وهو اسقاط الشخصيات تباعا على اعتبار انها لا بد وان تكون ضمن احد الاحتمالات .. فمن لا يكن بعثي او من جنود النظام يمكن ان يكون متعاطف او متطرف مذهبيا او طائفيا وهذه المفاهيم اصبحت معيارا ومقياسا للتصفية سياسيا واحيانا كثيرة جسديا ، وكان النصيب الاكبر لهذه المأساة هم السنة حتى اصبحوا قلة واقل فاقل مع تصعيد العنف من كلا الطرفين ، وبالمقابل استطاعت الاحزاب الشيعية ان تمارس انشطتها بقوة وحققت هيمنة وسيطرة على الارض لم تكن لتسنح لها واحسنت استثمارها بدعم ونصائح وتوجيه الخبرات الايرانية وقادتها السياسيين والعسكريين والامنيين خصوصا بعد ان تركت اميركا السلطة للعراقيين في وبعد 2008 .
واليوم تروي الاحداث على الارض ان ما يحصل في المحافظات السنية كارثة شببها انها كانت الحاضنة للارهاب برضاها او بعدم رضاها ... فقد تغلغلت بها داعش وسقوطها السريع بيد داعش يعزز فكرة قبول سكان (او الغالبية منهم) تلك المحافظات بالقادمين الجدد (داعش)... واصبحت هذه الفكرة والقناعة الصبغة السائدة في محافظة بغداد ومحافظات الوسط والجنوب وشملت كل ابناء المحافظات السنية مع وجود الاحزاب الشيعية المتطرفة واصبحت الطائفية والمذهبية مترسخة في برامج وخطط وسياسات الاحزاب السياسية المتمكنة في الحكومة والدولة العراقية الجديدة كونها احزاب دينية وطبعا للطرفين ، مع العلم ان داعش لن تكون اكثر من مرحلة ستنتهي قريبا ويجب استثمار محاربتها وطردها والقضاء عليها بسرعة وكفاءة لتحقيق اكبر ما يمكن من الاهداف الاستراتيجية المرافقة لوجودها قبل القضاء عليها .
واليوم ايضا قامت اميركا بحركة سياسية جديدة بينت في الظاهر انها غير راضية عن ما حققته القيادات السياسات العراقية الجديدة واعتبرت ان الوضع غير مقبول بسبب تصفية الحسابات طائفيا من خلال تشكيل المليشيات الشيعية باسم الحشد الشعبي ورفضهم اشراك السنة لأسباب طائفية والشك في ولائهم ... وجاء المقترح الامريكي بالتهديد بقطع المساعدات الامريكية عن الحكومة العراقية وتحويل المساعدات العسكرية منها الى التشكيلات السنية والكردية مع احتمال تشكيل اقاليم تحمي من خلالها السنة والاكراد بالاعتماد على حجة ما قامت به ايران من تغلغل في المؤسسات العسكرية والامنية والوزارات الحكومية المختلفة في العراق و كذلك مهدف اميركا كما تدعي الحد من توسع النظام الايراني في العراق الذي يستغل الطائفية باسم المذهب الشيعي على حساب بقية المذاهب والطوائف والقوميات. ويمكن تفسير ذلك على انه غزل سياسي تعمل من خلاله اميركا على تطبيق الاسس العملية للسياسة الامريكية العميقة في ابعادها واهدافها الاستراتيجية. ومن المؤكد اننا سنشهد العديد من المناظرات والمشاهد السياسية المسرحية بسيناريوهات متنوعة تعاكس فيها اميركا ايران او بالعكس كما حصل من اقتياد ايران لسفينة تجارية الى الموانيء الايرانية لأنتهاكها المياه الاقليمية الايرانية وهي ترفع العلم الامريكي ، او مبادرة الكونكرس الامريكي في تسليح السنة والكرد.
ان اميركا تدرك ان ايران تشكل قوة لا يستهان بها في المنطقة وستكون مكاسبها اكثر بكثير اذا ما سلكت ايران مسلك يخدم مصالح اميركا في المنطقة بدلا من معاداة اميركا لأيران ، فلا المذهبية ولا الطائفية او غيرهما يعني شيء لأميركا ولا السنة او الشيعة امر يثير اهتمام الساسة في اميركا لا بل العكس فأن هذه النار الطائفية ستكون عامل معطل ومعرقل تنشغل به دول المنطقة وتستهلك طاقات شعوبها عن ما تخطط له الدول الكبرى ، لذلك تجد بين الحين والاخر ان هناك دعم غير ملموس للطائفية والمذهبية من اميركا او غيرها.
وما يثير العجب اليوم ان من كانوا معارضة عراقية في الخارج والتي اصبحت قيادات سياسية تحكم العراق اليوم واستطاعت في السابق من اقناع اميركا في التحالف مع دول العالم لمهاجمة العراق واسقاط نظامه الحاكم ... هي نفسها تعاني حاليا من ضغط امريكي يضعفها وقد يؤدي الى تقسيم العراق ... فكيف ستتدبر القيادات السياسية العراقية امورها للمحافظة على وحدة العراق ام انها ستقبل بتقسيم العراق من اجل الحفاظ على مكاسبها في الاستحواذ والمحافظة على السلطة ، لن يستطيع احد الاجابة عن هذه التوقعات وقد يحصل ما ليس بالحسبان فما بين المغرب والعشاء يفعل الله ما يشاء وبين ليلة وضحاها ممكن ان تحصل امور كثيرة وكبيرة.
وما يثير الاسى والالم اليوم هو معاناة ابناء الشعب العراقي في المحافظات السنية التي عانت من النظام السابق مثل ما عانت كل محافظات العراق وتعاني بعد سقوط النظام السابق كل يوم اضعاف ما عانت منه في السابق ، فرغم ضعف واحيانا انعدام الخدمات بكل انواعها والكهرباء ومياه الشرب والخدمات الصحية وتفشي الفساد والرشوة ناهيك عن الاغتيالات والخطف والمساومات ، فأن المواطنين عانو فترة ما بعد سقوط النظام السابق من اجراءات الجيش العراقي والامن الداخلي التي اعاقت ارزاق المواطنين وحركتهم اليومية بالسيطرات والجدران الكونكريتية والمداهمات اليومية والضغط المستمر في الاعتقالات. وقلما يمكن لأبناء الشعب العراقي في بغداد والمحافظات الاخرى من ان يتعاطف مع ابناء المحافظات المنكوبة بسبب الثقل والمعاناة التي يعيشوها في محافظاتهم وباتت كل محافظة تنعى ابناءها ومأساتها وتبحث عن الخدمات وملاحقة الفساد والقضاء عليه وتعيش في جو من القلق والخوف من اعداء غير منظورين واصبح الهاجس الامني يشكل قلق وهموم ساعات الليل والنهار وبالتالي سيكون المواطنين عاجزين عن مشاطرة هموم ومشاكل غيرهم من ابناء المحافظات العراقية والانشغال بالجري وراء لقمة الخبز، فالاولى ان يهتمو بشؤونهم قبل غيرها.
والطامة اكبرى ان المحافظات المحررة لن تعود الى حالها السابق فكما معروف ان نار الحرب تحرق الاخضر واليابس ، وهدم المنازل سيطال معطم دور اهالي المحافظات والقرى كما حصل في محافظة صلاح الدين وسيحصل في الانبار ونينوى ايضا ، ولن يتمكن اهل المحافظات بعد تحريرها من العودة الى دورهم فهي اما مهدمة او يتم اعتقالهم للتحقيق معهم لفترات طويلة قد تصل الى سنوات مع العلم ان ابناء الحشد الشعبي باتوا شبه مستقرين في المحافظة وقد يشجعهم ذلك على الاستقرار فيها مع عوائلهم وهذا ما يخطط له استراتيجيا وتعول عليه سياسة التغيير الديموغرافي المذهبي للمحافظات السنية لتكون على الاقل مختلطة المذاهب في المستقبل ، وعند تحقق ذلك فأنه سيكون قمة النجاح السياسي للنظام الجديد في العراق الجديد.

رياض محمد سعيد/12-05-2015

#رياض_محمد_سعيد (هاشتاغ)       Riyadh_M._S.#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات