|
نايف حواتمة.. في عين العاصفة
علاء الديب
الحوار المتمدن-العدد: 4802 - 2015 / 5 / 10 - 18:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
[قراءة في كتاب "رحلة في الذاكرة"]
أدخلني كتاب نايف حواتمة «رحلة في الذاكرة» إلى عين العاصفة، هموم العالم العربي: قديمها وجديدها، السياسية والاقتصادية وفكر الناس، تراجعهم وتقدم غيرهم، الاستبداد المزمن، والاقتصاد التابع.. الحركة الدائرية والدوران إلى الخلف. يروي المناضل الفلسطيني - الأبدي -، سكرتير عام «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين»، تنظيم فلسطيني ماركسي نشأ في أعقاب هزيمة الجيوش العربية في 67، تأسس 1969 بعد الاستقلال في استقلال كل فروع القوميين العرب عن الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش، وتبنى استراتيجية الكفاح المسلح والحرب الشعبية طويلة الأمد، ومنذ التأسيس وحتى الآن ونايف حواتمة، أمين عام التنظيم. من هو حواتمة، هذه القامة العالية الصلبة التي لم تنكسر ولم تتلون طوال هذه السنين، مازال يكتب ويفكر ويناضل، يحلم بفلسطين ويسافر من جنوب العالم العربي إلى شماله، يشارك بالرأي والمشورة، ويؤلف الكتب ويضع برامج للأحزاب المناضلة من اليمن حتى المغرب، شعاره الذي لا يتخلى عنه: الساكت عن الحق شيطان أخرس. ولد نايف حواتمة عام 1938 في السلط شرق الأردن من قبائل الغساسنة، ارتبط بالعمل السياسي وهو في المدارس الثانوية بالأردن، وعندما حضر إلى القاهرة لدراسة الطب في قصر العيني، حدث العدوان الثلاثي على مصر 1956، وتطوع مع كتائب المقاومة الشعبية التي شكلت في «أنشاص»، وبعد انتهاء العدوان سافر إلى بيروت، وأخذ طرق النضال والعمل السياسي الذي ظل سائراً فيه حتى الآن، ارتبط بحركة القوميين العرب. في العراق بنى تحالف الجبهة القومية مع حزب البعث، الذي انقسم على نفسه، كما اشترك في مسيرة مسلحة عام «1958» ضد كميل شمعون ومشروع أيزنهاور، قاد مسيرة من حمص إلى طرابلس شمال لبنان، تحمل السلاح على الرواب، لتعزيز الثورة صاحبتها، ضد كميل شمعون ومشروع أيزنهاور، عاصر في سوريا عملية الوحدة الوحيدة التي تمت في العالم العربي، ثم بعد الانفصال شد الرحال إلى العراق، واندمج في المد اليساري الاشتراكي، بعد عارف وقاسم، وصدر ضده هناك حكم بالإعدام، ثم استطاع بتحايل مغامر ذكى أن يحرر نفسه من السجن بأن ادعى أنه على صلة بقوات الجيش التي نزلت إلى بغداد. ويؤكد في شهادته أن الحادث الذي حدث لطائرة الرئيس عبدالسلام عارف لم يكن قضاء وقدراً، ولكنه كان عملية «تصفية دموية مدبرة». عاد إلى الأردن وعاصر أحداث أيلول الأسود، وحكم عليه مرة أخرى بالإعدام، ولم ينج منه إلا بتدخل عبدالناصر وميشيل عفلق. شارك حواتمة بعد ذلك في عملية توحيد اليمن الجنوبي الذي كان ينقسم إلى 21 سلطنة غير عدن، وعندما وصلت المحاولة إلى النهاية المأساوية عاد إلى أرض الوطن الحلم، بعد أن قدم كتاباً نادراً عن تفاصيل التجربة والفشل هو: «أزمة الثورة في جنوب اليمن» (دار الطليعة 1968)، بعد هذا الطواف الفكري والسياسي الذي خبر فيه الرجل عالمنا العربي داخله وخارجه: عاد إلى عين العاصفة ومحور الصراع، عاد لكي يهب فكره وعمره وكفاحه إلى المنظمة التي تملك رؤية عملية مرنة غير مساومة وغير متطرفة: تقول في برنامجها الأساسي: «المنقذ لشعبنا هو العمل الجماهيري المنظم والأعمال الكفاحية الجماعية». له عشرات الكتب التي تغوص في تيارات السياسة والمغامرة الفكرية في العالم العربي، ولكن الكتاب الذي نحن بصدده ويحمل عنوان «رحلة في الذاكرة»: هو مجموعة شهادات قديمة وجديدة تغطي تلك الرحلة الأسطورية في كواليس السياسة العربية، وتقدم في نفس الوقت صورة محزنة لحالة التردي الاجتماعي والفكري والإنساني الذي تعيشه الجماهير العربية في واقع راكد، ازداد في السنوات الأخيرة تردية بعد انتكاس الحركات التي أطلق عليها الغرب لفظ «الربيع العربي»، الذي يقول عنه «أنا لم أرتح أبداً لهذه التسمية، فالربيع قصير جداً ويأتي بعده صيف وخريف قاس وطويل، إلى جانب شعار الخبز (العيش) والكرامة، والعدل أرى أن الحركات التي شملت أجزاء واسعة من العالم العربي كانت تعلن للمرة الأولى وبلا رجعة «أن الشعب يريد». أرى أن المحافظة على هذه الإرادة المعلنة التي لا تقبل التنازل أو التراجع هي أهم تطور عرفه العالم العربي منذ قرون قضاها تحت أنواع مختلفة من الاستبداد، حيث استعملت أحياناً كلمات الحرية والديمقراطية والانتخابات كأنواع من الزينة أو البهارات التي يزين بها السلطان مائدته، إن إعلان الشعب عن إرادته بصوت عال هو التطور الحقيقي الوحيد منذ مقتل بوعزيزي في تونس وخالد سعيد في الإسكندرية، لقد «هرمنا» جميعاً تحت أنواع مختلفة من القمع والاستبداد، ومن السذاجة أن نتصور أننا قد تخلصنا من كل هذا التاريخ في أشهر أو سنوات، الثورة المضادة في الميادين الآن، يكفي أن ترى مصير ليبيا أو العراق أو سوريا ومحاولات التيارات الإخوانية والداعشية في اليمن والسودان وسيناء وفي جنوب مصر التي حققت إعلاناً جديداً عن إرادة الشعب في 30 يونيو، وعليها أكثر من أي طرف آخر، المحافظة على تحقيق هذه الإرادة». ■-;- ■-;- ■-;- المنظمة والأمين العام لم يتراجعا عن اعتقادهم في الماركسية رغم نكسات الاتحاد السوفيتي والعالم الاشتراكي، الرجل يفكر من داخل معطيات البيئة والبناء الفكري والاجتماعي في العالم العربي. وبعد تجاربه مع القوميين العرب وحزب البعث والمنظمات الفلسطينية الأخرى يرى أن في الفكر الماركسي الأصيل حلولاً لهذا الواقع المتردي، إذا أحسن استخدام الفكر كسلاح لنضال الجماهير. لم تكن الماركسية بالنسبة له سدا لفراغ فكري ولكنها كانت تقدم وسيلة عملية لتحقيق ما يسميه هو الثلاثي الكوني: «تحرير العقل، الحرية والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية». بمراجعة تاريخ الكفاح من أجل فلسطين يرى حواتمة: أن تحول قضية فلسطين إلى قضية قومية للعالم العربي قد أحدث صراعاً بين الفكر الوطني والفكر القومي، وعلى الرغم من التضحيات والشهداء التي قدمتها البلاد العربية وعلى رأسها مصر، من أجل استرداد فلسطين، فإن الذي حدث هو نوع من السلبية والعجز الذي أصاب قطاعات مختلفة من الشعب الفلسطيني. ورغم الانتفاضات الأخيرة: الأولى والثانية فإن الدهاليز التي دخلت فيها منظمات العمل الفلسطيني أخرت اليقظة الكاملة التي كان يجب أن يتحرك بها الشعب حتى وصلنا إلى كوارث الانقسام الشامل «فتح، وحماس» ودخلت الحكومات الهزيلة المتتابعة في سياسات الانتظار والاعتماد الذي أضر ويعطل المواجهة العملية للمشكلة. والمنظمة وحواتمة لا يدعوان إلى أنواع من المغامرات العسكرية غير المحسوبة، بل هم رفضوا دائماً حتى المغامرات العسكرية الفردية والعمليات الخارجية التي تمثلت في خطف الطائرات وغيرها، وإن كانت قد حققت كثيراً من الضربات الموجعة لقوات العدو ولتجمعاته العسكرية والاستيطانية. لقد وقف حواتمة ضد «أوسلو» كمنهج في التفكير، وإن كان قد دعا إسرائيل إلى تحويل السيوف إلى مناجل، وحاول دون جدوى الاعتماد على قوى التقدم واليسار داخل المجتمع الصهيوني. ولكن سرطان الاستيطان والفكر التوسعي كانا هما المقابل لمحاولات الوصول إلى حلول إنسانية للمأزق التاريخي الذي دخل فيه الصراع العربي الإسرائيلي، بحيث إن أي أمل للحل أو للوصول إلى فجر جديد لن يكون إلا بتحقيق إرادة الشعوب العربية في الدخول إلى عالم العصر الذي لن يسمح بوجود سرطان التوسع والاستيطان الصهيوني. كتاب «رحلة في الذاكرة» وثيقة حية لفكر حر متقدم، وطبعته القاهرية هذه هي الطبعة الخامسة، مما يعني أن الرجل لا يصرخ في بادية وأن آذان المستقبل تستمع إلى خبرته السياسية العملية الأمينة.
بطاقة: الكتاب: «رحلة في الذاكرة» المؤلف: نايف حواتمة الناشر: دار الثقافة الجديدة – القاهرة الطبعة الخامسة 2015
#علاء_الديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- كناري - أجمل مجموعة قصصية منذ - أرخص ليالي -
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|