خالدة حاتم علوان
الحوار المتمدن-العدد: 4802 - 2015 / 5 / 10 - 11:56
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
يعد وجود الطائفة اليهودية في العراق حقيقة تاريخية وليست وطنية فحسب؛ اذ يعود وجودها الى ما قبل 2500 سنة قبل الميلاد . اي قبل نزوح بقية الاقوام من شبة الجزيرة العربية ولاسيما بعد فتوحات سعد بن ابي وقاص, تلك الاقوام التي تشكل اليوم فسيفساء الشعب العراقي, بتنوعه وتعدده, حتى توالت مراحل الاستعمار علية فقسمته الى اثنيات ومذاهب.. وبعيدا عن المراحل الاستعمارية وتبعاتها, فلقد كان لابناء الطائفة اليهودية دورهم الفعال في بناء حضارة وادي الرافدين بدءا ببرج بابل الذي اسهموا ببنائه الاسرى منهم ومرورا بالدور الثقافي في العصر العباسي بكل المجالات وليس انتهاء بدورهم في بناء دولة المؤسسات العراقية الحديثة في العام 1921 في مجالات متعددة ولاسيما الفنون والتجارة, اذ ياتي الاحتفاء بمنجزات الطائفة اليهودية نوعا من الاشتغال على التاريخ المنسي لهذا المكون, وردا على صيغة التجاهل التي عمل بها النظام السياسي في العراق بعد العام 2003, والذي كان من المفترض ان يكون نظاما ديمقراطيا يقر بالتنوع والتعددية وهي اهم صفات المجتمع العراقي, اذ تناسى القائمون على الحكم حقوق هذا المكون, وهمشوا ذكره وغيبوه تماما كما كان سائدا في النظام السابق.
ولما كان كل مشروع نهضوي ينظر بعين الاعتبار الى التاريخ بوصفه انعكاسا لحياة معيشة, توجب على النخب الثقافية اعادة كتابة لبعض القضايا التاريخية التي ارتبطت بالوعي الجمعي لبعض الجماعات ومنها الطائفة اليهودية, من هنا جاءت اشتغالات الباحث والاعلامي مازن لطيف لتمثل طروحات تقترب من مشروع بناء دولة متوازنة ثقافيا, اذ تفصح تلك الطروحات عن وعي بالمرحلة التاريخية التي مثلت العراق بكل طوائفه من دون ان يكشف اشكالات تلك المرحلة، ولا اسباب تغييب تاريخ بعض الجماعات لاحقا, وانما يعمد الى تفكيك الخطاب النمطي والصورة الاعلامية التقليدية المتحاملة ضد جماعة معينة, اذ شوهت تلك الصورة عبر حكايات ترسخت في الذهنية العراقية لبقية الطوائف والجماعات, فنجده يؤسس لمبدا (السماع من الاخر بدل السماع عنه), وهو ما كشفت عنه مطبوعات دار ميزوبوتاميا في المؤلفات ذات البعد السير ذاتي, ولاسيما ما يتعلق منها بيهود العراق, اذ جاءت تلك السير مرتبطة بالحنين الى الوطن الام/ العراق, بوصفه الحاضنة الروحية والفكرية لنتاجاتهم وهي مايمثل ذلك نتاجاتهم في مجال السرد الادبي, الذي جاء سردا مضادا للسرد المركزي الصهيوني .
وياتي تصوره الثقافي من محور تقليص تضخم الانتماء لاحد جوانب الهوية, ولاسيما تضخيم الانا الديني, الذي كان مسببا في ترحيل تلك الطائفة وتهجيرها, فيعمد الى تعزيز الانتماء للوطن بالتركيز على الانتماءات ضمن الهوية الواحدة, وهو ما نجده في مقالاته عن الطوائف الاخرى في العراق ولاسيما التركمان والاكراد والمندائيين والبهائيين..
وحين يطرح انموذجه الافتراضي لعراق يخلو من شبح الحروب الاهلية والاقتتال الطائفي انما يعمد الى تكثيف الوعي الاجتماعي بغية الحفاظ على الكيان الجمعي للامة العراقية فهو يدعو ضمنا الى رفض الايديولوجيات المنغلقة, فبدل استحضار تاريخ الفكر السياسي للحركة الصهيونية واسس انشائها على محور ديني, والقاء اللوم والتبعات على مكون عراقي يهودي, لا يمت بصلة لانشاء دولة ذلك الكيان, كان الاجدر استحضار المنجز التاريخي المشرف لتلك الطائفة العراقية, فتغييب تاريخ الفكر السياسي للحركة الصهيونية يقابله في الدولة العراقية المفترضة حضور مستقبل الامة العراقية, اذ يحتاج العراق اليوم الى وعي بكينونته, الى الية تاكيد وجوده, فبدل الحفر في ماض سادته صراعات, كان اساسها مبنيا على قيم قبلية, وهي ما اسست لصراع الهويات في العراق, كالبدء بتصحيح تصورنا عن اخطاء الماضي ممثلا بالصراع القبلي الذي كشفت مدياته حادثة الفرهود بوصفها انموذجا للبداوة يقابله الامل في المستقبل الذي لا يتم الا بتجاوز تلك القيم والمعتقدات والتي رسختها قناعات دينية في البدء, ثم اعقبتها ممارسات سياسية, ولكي يتم تجاوز القناعات الدينية المنغلقة, يتوجب اعادة قراءة مفهوم الدين وليس الدين نفسه فلا تفضيل لاحد على اخر, بل يكون الطموح للانسانية جمعاء, والتخلص من الانوية وتضخمها, فلا توجد ذات مقابلة لاخر, بل هي ذات منشطرة تمارس وعيها حينما تتوحد و تتماهى مع اجزائها المنشطرة, و بذلك تستطيع الذات/ المسلمة بوصفها صاحبة السلطة – هنا – ان تخرج من غيتو الطائفية الذي دخلته بعد خروج يهود العراق منه - اي الغيتو بمفهومه العام – وتنظر الى اليهودية نظرة لا تقوم ع التهميش او اختزال الوجود في البعد السياسي المتمثل بما يسمى (دولة اسرائيل), بل الاعتراف بها كديانة سماوية بعيدة عن تلك المحددات، واذا ما انسحبت تلك النظرة على بقية الجماعات الدينية والاثنية في العراق وكانت الفئة النخبوية مؤمنه بها, فلا شك اننا سننجح في اعادة تشكيل بناء امة قوية بتنوعها و نسيجها الثقافي تكون اساسا لبناء الدولة العراقية الجديدة, وفي هذا الاطار يعمد مازن لطيف ضمنا الى اعادة تنظيم الذاكرة الجماعية العراقية, عبر تبنيه لمطبوعات تستثير ذاكرة القارئ وقوة تخيله في الانموذج الافتراضي لدولة العراق الوطنية... فبدءا جاءت مطبوعات الدار عن ابناء الطائفة اليهودية والتي تمثلت في اصدارات عدة وهي:
- يهود العراق ... موسوعة شاملة لتاريخ يهود العراق و شخصياتهم ودورهم في العراق الحديث (ثلاث طبعات) تضمن (49) مقالا بحث فيها دور ابناء الطائفة الحضاري ومنجزهم, كما ارخ لماساة تهجيرهم القسري وقرار اسقاط الجنسية كما تضمن البحث في المجال الادبي سيرة الادباء البارزين منهم سمير نقاش واسحاق بار - موشيه وسامي ميخائيل ونعيم قطان وشمعون بلاص.
- دورة القمر القصيرة ليهود العراق: هذا الكتاب الذي جاء في (19) فصلا تحدث فيها عن شخصيات يهودية عراقية كان لها دور سياسي وثقافي واضح في العراق فاحياء سيرة هؤلاء الرواد تعد شاهدا على احداث حقبة زمنية مغيبة في تاريخ العراق؛ اذ يحاول المؤلف فيه ان يقدم نبذة عن تاريخ الطائفة اليهودية ولاسيما للاجيال التي لم تسمع عنهم ولا تعرف عن منجزاتهم شيئا.
- مثقفون عراقيون... يهود في خدمة صاحبة الجلالة العراقية وفيه تناول شخصيات بارزة في الادب والصحافة والطباعة والموسيقى منهم ايلي عمير وروايته مطيرجي في بغداد وسامي ميخائيل وعكس الاجواء البغدادية في فيكتوريا, وريادة صالح الكويتي للفن الموسيقي عبر تناوله لشخصية سليمان صالح الكويتي.
- سمير نقاش... نقاش في وادي الرافدين, وفيه جمع مقالات كتبت عن الروائي والقاص سمير نقاش، وحوارات اجريت معه من عدد من النقاد والصحافيين .
- التاريخ المنسي ليهود العراق... وياتي هذا الكتاب عنوانا فرعيا مستدركا لمذكرات انور شاؤل.
وفي هذا الاطار وغيره ثمة جهود تحاول اعادة الصورة كاملة لتاريخ العراق الحديث الذي شكلت كل مكوناته ونخبها مشهده العام, ولا يعد التقليل من شان تلك الجهود او تناسي ريادتها في اعادة الكشف والاعتبار الا ضرب اخر من التهميش المزدوج هذه المرة.
#خالدة_حاتم_علوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟